ترجمة : أحمد شافعي

رجعت أخيرا بعد أن قضيت ثلاثة أسابيع في لبنان وجدت فيها الناس متأهبين لواقعة قد تتصاعد إلى حرب كاملة النطاق بين إسرائيل وحزب الله. إذ تبدو العمليتان الثأريتان اللتان وقعتا في الأسبوع الماضي شديدتي الشبه على نحو مثير للقلق بتلك الأنواع من الصدامات. كل ضربة وهجمة مضادة بين إسرائيل وأعدائها تزيد من خطورة أن تتوسع حرب غزة لتصبح صراعا إقليميا مع إيران وحلفائها في العراق ولبنان وسوريا واليمن، ولقد قال بايدن إن أولويته القصوى هي منع حرب كهذه من الاندلاع. وإذن فقد تكون الأيام القليلة القادمة شديدة الحسم.

في مساء الثلاثاء، أدت ضربة جوية إسرائيلية على جنوبي بيروت إلى مقتل قائد رفيع المستوى في حزب الله هو فؤاد شُكر الذي وجهت إليه إسرائيل اللوم في التخطيط لهجمة صاروخية أدت قبل أيام إلى مصرع اثني عشر طفلا. ثم حدث بعد ساعات أن طغى على مقتل شكر اغتيال زعيم حماس السياسي إسماعيل هنية في طهران في الساعات المبكرة من يوم الأربعاء. وكانت تلك الهجمة صدمة وحرجا لقادة إيران الذين كانوا يستضيفون هنية وعشرات الحلفاء الآخرين في تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.

كان اغتيال هنية الجريء مذلة حقيقية للحرس الثوري الإيراني المكلف بحماية الضيوف الأجانب الزائرين وبتنسيق ما يعرف بـ«محور المقاومة» الذي يضم عددا من الحلفاء الإقليميين المدعومين من إيران ويضم حزب الله وحماس. وقد تعهدت إيران بالثأر لمقتل هنية على أرضها.

ولكن اغتيال شكر قد يكون لغما لأنه يقع على الحدود بالغة القرب من إطلاق شرارة حرب إقليمية تتجاوز غزة: أي الحدود الإسرائيلية اللبنانية. في حديث عبر رابط فيديو في جنازة شكر يوم الخميس قال حسن نصر الله زعيم حزب الله بوضوح إن جماعته سوف تثأر لمقتل القائد ونبَّه إلى أن الصراع مع إسرائيل قد دخل «مرحلة جديدة».

قال نصر الله إن إسرائيل تجاوزت «خطا أحمر» بهجومها على حي حارة حريك الشيعي كثيف السكان في ضواحي بيروت الجنوبية التي يعيش فيها عدد من قادة حزب الله ويوجد فيها عدد من مكاتب الجماعة. وكان نصر الله في الماضي قد هدد بأنه سيثأر من أي هجمة إسرائيلية على بيروت أو ضواحيها بإطلاق صواريخ ومقذوفات على تل أبيب. وكان شكر مسؤولا قديما في حزب الله ويتردد أنه كان مقربا من عماد مغنية قائد الجماعة العسكري السابق والعقل المدبر لقصف عام 1983 لثكنات البحرية الأمريكية في بيروت. وكانت الولايات المتحدة قد رصدت لرأس شكر خمسة ملايين دولار بسبب دوره المزعوم في القصف الذي أدى إلى مصرع مائتين وواحد وأربعين من الجنود الأمريكيين.

وبرغم أن شكر كان تحت أنظار إسرائيل منذ سنين، فقد جاء اغتياله في أعقاب إعلان الجيش الإسرائيلي أنه المسؤول عن الهجمة الصاروخية التي تمت في السابع والعشرين من يوليو على ملعب كرة قدم في بلدة نائية في مرتفعات الجولان المحتلة من إسرائيل وأسفرت عن مصرع اثني عشر طفلا. وكانت إسرائيل والولايات المتحدة قد اتهمتا حزب الله بالهجمة الدامية على بلدة مجدل شمس، وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ«رد عنيف».

أنكر حزب الله مسؤوليته عن الهجمة، وإن اعتراف بإطلاقه دفعة صواريخ في وقت سابق من ذلك اليوم على موقع عسكري إسرائيلي قريب في مرتفعات الجولان. ويزعم حزب الله وأنصاره أن انفجار ملعب كرة القدم نجم عن خطأ في نظام القبة الحديدية الصاروخي الدفاعي الإسرائيلي الذي يستعمل في إسقاط الصواريخ المهاجمة، وبرغم الروايات المتنازعة، فهذا على وجه التحديد هو نوع الحوادث الذي يخشى الناس في الشرق الأوسط من أن يفضي إلى تصعيد من شأنه أن يطلق حربا كاملة النطاق بين إسرائيل وحزب الله، أهم عناصر «محور المقاومة» الإيراني.

بعد يوم واحد من هجمة مقاتلي حماس في السابع من أكتوبر على جنوبي إسرائيل، بدأ حزب الله في إطلاق الصواريخ والمسيرات على جنوب إسرائيل فيما وصفه زعماء الجماعة اللبنانية بفعل التضامن مع الفلسطينيين الرامي إلى تحويل موارد الجيش الإسرائيلي بعيدا عن غزة. وانتقمت إسرائيل من ذلك بضربات جوية كثيفة وقصف مدفعي لمنطقة جنوب لبنان، مما أدى إلى مصرع قرابة ثلاثمائة وخمسين من مقاتلي حزب الله وأكثر من مائة مدني منهم أطفال وأفراد في أطقم طبية. وقد قال الجيش الإسرائيلي يوم الثلاثاء إن ما لا يقل عن خمسة وعشرين مدنيا وثمانية عشر جنديا قد لقوا مصرعهم في هجمات لحزب الله منذ أكتوبر، وإن عشرات آلاف المدنيين من كلا جانبي الحدود قد اضطروا إلى النزوح عن بيوتهم.

شهد التبادل شبه اليومي للنيران عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية صعودا وهبوطا، فيما احتدمت حرب إسرائيل القاسية على غزة خلال الأشهر التسعة الماضية. وعلى مدار ذلك، وبرغم تهديدات المتشددين من الساسة والقادة العسكريين الإسرائيليين، أصرت إسرائيل وحزب الله على أنهما لا يريدان حربا أوسع قد تكون وبالا على كلا البلدين. ولكن مع اختبار كل جانب لحدود الآخر، ثمة خطر أكبر في أن ينتشر الصراع حتى يتجاوز المناطق الحدودية، نتيجة لمصادفة أو سوء تقدير، إن لم يكن نتيجة عمد وتدبير.

قبل غارة الثلاثاء الجوية على بيروت، قال مسؤولون إسرائيليون لوسائل إعلام غربية إن ردهم سوف يفضي إلى بضعة أيام من احتدام القتال. غير أنه ما من طريق واضح لدى أي من الجانبين للتراجع عن التصعيد حتى في غضون أيام. ويبدو أن نتنياهو قد تجاهل مناشدات الإدارة الأمريكية بتجنب استهداف بيروت أو ضواحيها الجنوبية، حتى يقل احتمال أن يقوم حزب الله برد تصعيدي.

قد تؤدي حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله على غرار الحرب التي خاضها الجانبان في 2006 إلى اجتذاب إسرائيل والولايات المتحدة إلى صراع أوسع مع إيران وحلفائها. من جانبها، استعملت إيران حلفائها ـ ومنهم حماس وحزب الله والحوثيون في اليمن والعديد من الجماعات في العراق وسوريا ـ لضرب أهداف إسرائيلية وأمريكية في المنطقة في محاولة لزيادة الضغط عليهما من أجل إيقاف حرب غزة.

منذ أكتوبر، يصر بايدن وكبار معاونيه على أن أولويتهم القصوى هي منع غزو إسرائيل لغزة من التوسع والتحول إلى هذا النوع المعين من الحرب الإقليمية. غير أن بايدن اجتنب المسار الأكثر مباشرة إلى تلافي التصعيد على جميع الجبهات، وهو أن تعلق الإدارة الأمريكية بعض الأسلحة التي تقدر قيمتها بـ 6.5 مليار دولار وغيرها من المساعدات الأمنية التي وعدت بها حكومة نتنياهو منذ أكتوبر، وأن تضغط على نتنياهو من أجل قبول وقف إطلاق النار. فأهدر بايدن، بدلا من ذلك، نفوذه القوي على رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يتهمه البعض بمحاولة إطالة أمد حرب غزة ليجتنب سلسلة اتهامات بالفساد أرغمته على محاكمات قضائية منذ سنين وعلى مساءلة مستقلة في إخفاقات حكومته الأمنية التي أفضت إلى السابع من أكتوبر.

من أكبر أخطاء إدارة بايدن خلال الأشهر القليلة الماضية تأطير المفاوضات المطولة لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل بحيث تتركز على غزة، دونما إدراك لأن جميع حلفاء إيران في المنطقة، وخاصة حزب الله والحوثيين، قد أوضحوا أنهم سوف يتوقفون فور أن يتوقف القتال في غزة.

ثمة بصيص أمل واحد شهدته الأسابيع الماضية، وهو إشارة من إدارة بايدن إلى حكومة نتنياهو بأنها قد لا تحصل على نوع الدعم العسكري الأمريكي الكثيف الذي تحتاج إليه من أجل حرب كاملة في لبنان. ولكن من أجل منع الصراع بين إسرائيل وحزب الله من الخروج عن حدود السيطرة، لا بد أن تصر الولايات المتحدة وحلفاؤها على وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وعلى نتنياهو أن يوقف الهجمات الإقليمية التصعيدية التي تستفز إيران وحلفاءها إلى حرب مدمرة. والبديل سيكون انحدارا إلى مزيد من إراقة الدم والخراب الهائل.

محمد بزي مدير مركز هاحجوب كيفوركيان لدراسات الشرق الأدنى وأستاذ الصحافة بجامعة نيويورك.