ديفيد إغناطيوس
ترجمة - بدر بن خميس الظفري
بالرغم من أنّ الولايات المتحدة قوة عظمى، إلا أنها ظلت، طوال تسعة أشهر، غير قادرة على التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس. والآن، ومع اغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية يوم الأربعاء، يبدو أن الخلاف الدموي بين الطرفين قد تعمّق، مع وقوف وسطاء السلام الأمريكيين على الهامش.
لم تعلق إسرائيل على وفاة هنية في طهران إلا أنها ليست في حاجة إلى ذلك، فمنذ أن بدأت الحرب بين إسرائيل وغزة، كان من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيتخذ إجراءات أحادية الجانب على الهجوم الذي قامت به حماس في 7 أكتوبر على إسرائيل، دون النظر إلى النصائح الأمريكية، فهدفه ليس صنع السلام مع حماس، بل تدميرها، وربما يتفق معه معظم الإسرائيليين.
أدى ذلك الوضع بمسؤولي إدارة بايدن أن يتسابقوا مرة أخرى يوم الأربعاء للسيطرة على الوضع الخطير، مشددين على أنه لا أحد يريد كارثة إقليمية، وأن الآمال في وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار لا تزال حية. ويعتقد مسؤولو البيت الأبيض أن القنوات الرئيسية لقيادة حماس كانت داخل غزة، وليس مع هنية من قاعدته الخارجية في قطر. وربما يأمل الوسطاء الأمريكيون أن يمنح موت الزعيم السياسي لحركة حماس نتنياهو مساحة أكبر للتفاوض.
التفاؤل ضروري للوسطاء، حتى لو بدا أن طاولة المفاوضات قد انقلبت. لذا فمن المطمئن أن مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز ومستشار الشرق الأوسط بريت ماكجورك ما زالا في خضم المفاوضات، لأنه في اللحظة التي يغادر فيها الدبلوماسيون الأمريكيون فعليا، تغرق إسرائيل والعرب المعتدلون.
لقد كان التحالف الأمريكي-الإسرائيلي في كثير من الأحيان متوترا بشأن قضايا السلام، ولكن نادرا ما كان أكثر توترا من الوقت الحالي. في اليوم السابق لمقتل إسماعيل هنية، قُتل القائد العسكري لحزب الله فؤاد شُكر في غارة جوية إسرائيلية في بيروت ردا على الهجوم الذي وقع يوم السبت وأدى إلى مقتل 12 طفلًا في ملعب لكرة القدم في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. وكانت الرسالة مفادها أن إسرائيل قادرة على ضرب أي شخص وفي أي مكان -ولكن هل سيؤدي استعراض القوة هذا إلى تخويف حلفاء إسرائيل ودفعهم إلى التهدئة؟ أنا أشك في ذلك. هل سيجر الولايات المتحدة إلى حرب كارثية؟ ربما. ولكن بالنسبة للدبلوماسيين المشاركين في المفاوضات، فإن السلاح الوحيد الذي يملكونه هو «مواصلة المفاوضات».
الصراع بين الحلفاء واضح، فهدف فريق بايدن هو وقف التصعيد، بينما يسعى نتنياهو إلى «النصر النهائي»، كما قال ذلك في خطابه الأخير الذي ألقاه أمام الكونجرس. وهو ليس الطرف الأوحد الذي يتخذ وجهة نظر متشددة، فحماس وداعموها الإيرانيون يريدون تدمير إسرائيل أيضا.
منذ أن بدأت الحرب، كانت مفاوضات السلام الأمريكية تشبه (مفارقات زينون)، حيث إنّ كل خطوة تصل بك إلى منتصف طريق الهدف، لكنك لا تصل إلى الهدف أبدا، فحماس ترفض الاستسلام، وإسرائيل تبتعد عن مسار التسوية مع كل هجوم انتقامي جديد تنفذه في غزة أو دمشق أو بيروت أو طهران.
طوال السنوات الماضية عندما كنت أسأل أصدقائي الإسرائيليين حول كيفية التخلص من آلة العنف الدائمة هذه، كانوا غالبا ما يجيبون بكل أريحيّة: «إنه الشرق الأوسط». أي أن العنف والكراهية من حقائق الحياة، وأنّ القوة العسكرية هي الطريق الوحيد إلى الأمن، وأنّ «السلام» مجرد وهم.
ويقول الإسرائيليون: لقد كانت هناك فرصة منذ جيل مضى، أثناء توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993، عندما شجّعت التنازلات الفلسطينية على قيام حركة سلام حقيقية في إسرائيل. ولكن بعد إراقة الدماء في الانتفاضات الفلسطينية والهجمات التي تشنها حماس على إسرائيل، فقد ولّت تلك الفرصة منذ زمن طويل.
من الصعب مواصلة النقاش مع مثل هذه المفارقات عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط. ولكن يتعين على الإسرائيليين أن يسألوا أنفسهم عن مدى نجاح نهجهم الصارم المتمثل في الالتزام بالحرب الأبدية في الواقع الفعلي. لا يزال الإسرائيليون عالقين في لعبة محصلتها صفر، في حين اتجهت العديد من الدول العربية نحو التسوية. معظم الدول العربية لديها اتصالات دبلوماسية هادئة مع إيران، وكذلك تفعل الولايات المتحدة. تبدو بعض الدول الخليجيّة أكثر اهتماما هذه الأيام بحماية اقتصادها القائم على الذكاء الاصطناعي في مواجهة المستقبل من الحفاظ على الخلاف العربي-الفلسطيني القديم. إنّ قافلة الإبل تتحرك، إذا جاز التعبير، لكن إسرائيل ما زالت عالقة في الماضي.
قد يكون من الممكن سحق حماس وإرغامها على الخضوع الكامل الذي يسعى إليه نتنياهو، وقد تتسامح إيران مع مقتل حليفها (إسماعيل هنيّة) الذي جاء إلى طهران لحضور حفل تنصيب رئيسها الجديد، ومن المحتمل أن تظل هذه الجولة من التصعيد المتأرجح بين شدٍّ وجذب، بدلا من الانزلاق إلى حرب شاملة. ولكن في مرحلة ما، سينفدُ حظّ الوسطاء في التهدئة.
ديفيد إغناتيوس كاتب عمود حول الشأن الخارجي في صحيفة واشنطن بوست. وأحدث رواياته هي «المدار الوهمي».
ترجمة - بدر بن خميس الظفري
بالرغم من أنّ الولايات المتحدة قوة عظمى، إلا أنها ظلت، طوال تسعة أشهر، غير قادرة على التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس. والآن، ومع اغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية يوم الأربعاء، يبدو أن الخلاف الدموي بين الطرفين قد تعمّق، مع وقوف وسطاء السلام الأمريكيين على الهامش.
لم تعلق إسرائيل على وفاة هنية في طهران إلا أنها ليست في حاجة إلى ذلك، فمنذ أن بدأت الحرب بين إسرائيل وغزة، كان من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيتخذ إجراءات أحادية الجانب على الهجوم الذي قامت به حماس في 7 أكتوبر على إسرائيل، دون النظر إلى النصائح الأمريكية، فهدفه ليس صنع السلام مع حماس، بل تدميرها، وربما يتفق معه معظم الإسرائيليين.
أدى ذلك الوضع بمسؤولي إدارة بايدن أن يتسابقوا مرة أخرى يوم الأربعاء للسيطرة على الوضع الخطير، مشددين على أنه لا أحد يريد كارثة إقليمية، وأن الآمال في وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار لا تزال حية. ويعتقد مسؤولو البيت الأبيض أن القنوات الرئيسية لقيادة حماس كانت داخل غزة، وليس مع هنية من قاعدته الخارجية في قطر. وربما يأمل الوسطاء الأمريكيون أن يمنح موت الزعيم السياسي لحركة حماس نتنياهو مساحة أكبر للتفاوض.
التفاؤل ضروري للوسطاء، حتى لو بدا أن طاولة المفاوضات قد انقلبت. لذا فمن المطمئن أن مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز ومستشار الشرق الأوسط بريت ماكجورك ما زالا في خضم المفاوضات، لأنه في اللحظة التي يغادر فيها الدبلوماسيون الأمريكيون فعليا، تغرق إسرائيل والعرب المعتدلون.
لقد كان التحالف الأمريكي-الإسرائيلي في كثير من الأحيان متوترا بشأن قضايا السلام، ولكن نادرا ما كان أكثر توترا من الوقت الحالي. في اليوم السابق لمقتل إسماعيل هنية، قُتل القائد العسكري لحزب الله فؤاد شُكر في غارة جوية إسرائيلية في بيروت ردا على الهجوم الذي وقع يوم السبت وأدى إلى مقتل 12 طفلًا في ملعب لكرة القدم في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. وكانت الرسالة مفادها أن إسرائيل قادرة على ضرب أي شخص وفي أي مكان -ولكن هل سيؤدي استعراض القوة هذا إلى تخويف حلفاء إسرائيل ودفعهم إلى التهدئة؟ أنا أشك في ذلك. هل سيجر الولايات المتحدة إلى حرب كارثية؟ ربما. ولكن بالنسبة للدبلوماسيين المشاركين في المفاوضات، فإن السلاح الوحيد الذي يملكونه هو «مواصلة المفاوضات».
الصراع بين الحلفاء واضح، فهدف فريق بايدن هو وقف التصعيد، بينما يسعى نتنياهو إلى «النصر النهائي»، كما قال ذلك في خطابه الأخير الذي ألقاه أمام الكونجرس. وهو ليس الطرف الأوحد الذي يتخذ وجهة نظر متشددة، فحماس وداعموها الإيرانيون يريدون تدمير إسرائيل أيضا.
منذ أن بدأت الحرب، كانت مفاوضات السلام الأمريكية تشبه (مفارقات زينون)، حيث إنّ كل خطوة تصل بك إلى منتصف طريق الهدف، لكنك لا تصل إلى الهدف أبدا، فحماس ترفض الاستسلام، وإسرائيل تبتعد عن مسار التسوية مع كل هجوم انتقامي جديد تنفذه في غزة أو دمشق أو بيروت أو طهران.
طوال السنوات الماضية عندما كنت أسأل أصدقائي الإسرائيليين حول كيفية التخلص من آلة العنف الدائمة هذه، كانوا غالبا ما يجيبون بكل أريحيّة: «إنه الشرق الأوسط». أي أن العنف والكراهية من حقائق الحياة، وأنّ القوة العسكرية هي الطريق الوحيد إلى الأمن، وأنّ «السلام» مجرد وهم.
ويقول الإسرائيليون: لقد كانت هناك فرصة منذ جيل مضى، أثناء توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993، عندما شجّعت التنازلات الفلسطينية على قيام حركة سلام حقيقية في إسرائيل. ولكن بعد إراقة الدماء في الانتفاضات الفلسطينية والهجمات التي تشنها حماس على إسرائيل، فقد ولّت تلك الفرصة منذ زمن طويل.
من الصعب مواصلة النقاش مع مثل هذه المفارقات عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط. ولكن يتعين على الإسرائيليين أن يسألوا أنفسهم عن مدى نجاح نهجهم الصارم المتمثل في الالتزام بالحرب الأبدية في الواقع الفعلي. لا يزال الإسرائيليون عالقين في لعبة محصلتها صفر، في حين اتجهت العديد من الدول العربية نحو التسوية. معظم الدول العربية لديها اتصالات دبلوماسية هادئة مع إيران، وكذلك تفعل الولايات المتحدة. تبدو بعض الدول الخليجيّة أكثر اهتماما هذه الأيام بحماية اقتصادها القائم على الذكاء الاصطناعي في مواجهة المستقبل من الحفاظ على الخلاف العربي-الفلسطيني القديم. إنّ قافلة الإبل تتحرك، إذا جاز التعبير، لكن إسرائيل ما زالت عالقة في الماضي.
قد يكون من الممكن سحق حماس وإرغامها على الخضوع الكامل الذي يسعى إليه نتنياهو، وقد تتسامح إيران مع مقتل حليفها (إسماعيل هنيّة) الذي جاء إلى طهران لحضور حفل تنصيب رئيسها الجديد، ومن المحتمل أن تظل هذه الجولة من التصعيد المتأرجح بين شدٍّ وجذب، بدلا من الانزلاق إلى حرب شاملة. ولكن في مرحلة ما، سينفدُ حظّ الوسطاء في التهدئة.
ديفيد إغناتيوس كاتب عمود حول الشأن الخارجي في صحيفة واشنطن بوست. وأحدث رواياته هي «المدار الوهمي».