أثار الخطاب الذي ألقاه الرئيس الإسرائيلي نتانياهو في الكونجرس الأمريكي، اهتماما مستهجنا وغاضبا من الكثير من المتابعين والمراقبين للحرب الصهيونية على غزة، بل وحتى الدعوة نفسها له لإلقاء هذا الخطاب في الكونجرس الأمريكي خطوة غريبة أن تحدث، وأثار تساؤل الكثير ممن يتابع ما يجري في غزة من جرائم لم تتوقف منذ أكثر من عشرة أشهر حتى الآن، ومن الذين تابعوا قرار محكمة العدل الدولية باعتبار قرارها محل إجماع دولي من خلال قضاتها، وأن نتانياهو بهذا القرار يعد مجرم حرب مع بعض أركان حربه، بموجب القرار الصادر من هذه المحكمة منذ أكثر من شهر، بعد المجازر الجماعية لعشرات الآلاف من المدنيين، من الأطفال والنساء وكبار السن، الذين لا ناقة لهم ولا جمل فيما جرى في السابع من أكتوبر العام الماضي، لكن عادة الانتقام في الفكر الصهيوني معروف بجرائمه الكثيرة من أكثر من سبعين عاما، وهي عادت مرة أخرى كما فعله أجداد الصهاينة الأوائل في حرب عام 1948.
ولا شك أن الحفاوة التي استقبل بها نتانياهو في هذا الخطاب من قبل أعضاء الكونجرس، أثارت ضجة كبيرة لدى العديد من المتابعين للصراع العربي/ الصهيوني، وكذلك ما جرى في غزة من قتل ممنهج يوميا وتدمير شبه كامل لمدينة غزة، لم يسبق له مثيل في عالمنا المعاصر، ومهاجمة مدينة صغيرة كغزة، وهي تعد مثل أي قرية مقارنة بمدن كبيرة في عصرنا الراهن، وسكانها لا يتجاوزون ربما مليون ونصف المليون من السكان، وتمت مواجهتهم بهجمات صاعقة في رجالهم ونسائهم وأطفالهم، وتدمير كل ما يملكون من بيوت وأثاث وأملاك وغيرها في هذه المساكن، وليس هذا فحسب، بل حتى أنه تم تجويعهم ومنع إرسال الغذاء والدواء والماء في الأشهر التالية، بعدما سيطرت إسرائيل على معبر رفح ومعبر كرم أبو سالم، وكذلك الخط المشترك بين مصر وإسرائيل، المسمى بـ(فلاديفيا).
وهذه الممارسات ما كان لها أن تجد هذا التأييد والحفاوة من الحضور من أعضاء الكونجرس في الولايات المتحدة، ومن جاء من جماعات آخرين في تلك الجلسة الغريبة واللافتة للعالم، ليكمل العدد بعد انسحاب بعض الأعضاء من الحزب الديمقراطي ـ بحسب بعض الأنباء ـ فهذا التصفيق الحاد لعشرات المرات، ووقوف الحضور مع كل فقرة، تبرز هذا التأييد في خطاب مجرم الحرب نتانياهو مع أن الافتراض ألا يكون هناك هذا التصفيق لخطابه بسبب قرار المحكمة الدولية، والتصفيق الكبير له عند إلقاء هذا الخطاب، وهذا الخطاب نفسه، فيه الكثير من تحريف الحقائق واللف والدوران على ما جرى في حرب غزة، وإخفاء ما جرى في الكثير من الوقائع، التي جرت وتجري ضد الفلسطينيين في عزة والضفة الغربية والقدس.
فهذا الموقف الغريب من أعضاء الكونجرس في تأييد خطاب مجرم الحرب وتجاهل ما جرى ويجري في غزة وفي بعض المدن الفلسطينية، كما جاء في قرار محكمة العدل الدولية، يجعل هؤلاء من أعضاء الكونجرس يخالفون للقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، والحق في الحرية والكرامة الإنسانية، وكذلك حق تقرير مصير شعب احتلت أرضه وطُرد منها بقوة السلاح كالشعب الفلسطيني، وهذا ما حصل الشعب، فيما قاموا به في السابع من أكتوبر العام الماضي المعروف بطوفان الأقصى، هو حق بموجب القرار الدولي لاستعادة الأرض المغتصبة، فلماذا يتحدث الساسة الغربيون ويرددون المقولة المكررة دائما المقولة المعروفة (حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها)؟ّ دفاع عن ماذا؟ عن احتلال حق شعب آخر، واقتلاعه من أرضه وإبادته وتهجيره؟ أي حق هذا؟ وأي عدل هذا؟ وأي حرية وحقوق الإنسان يمكن تجاهلها؟ لذلك هذا الاستغراب والاستنكار لهذا الحفاوة الكبيرة لرئيس وزراء يصر على استمرار حربه وقتل المدنيين، دون أن تقوم غالبية الكونجرس الأمريكي بتنديد وانتقاد هذه السياسية الصهيونية والإبادة الجماعية المستمرة، فليس هناك مبرر لهذا القتل المسعور للأبرياء الذي لا يقبله الحق الإنساني ولا يؤيد من يقوم به، وهذا ما عبر عنه السياسي والبرلماني التركي المعروف ياسين أقطايان عندما قال: «إن خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي الدموي بنيامين نتانياهو في الكونجرس الأمريكي، وتصفيق أعضاء الكونجرس له واقفين عدة مرات، وإن بدا مشهدًا خياليًا، إلا أنه يعكس الوجه الحقيقي لعصرنا، والنظام العالمي الذي نعيش فيه، ومدى تطورنا وحداثة عصرنا. بالطبع هناك فجوة شاسعة بين الواقع والتمثيل، وبين الكونجرس الذي يمثل الشعب والشعب نفسه، وبين الولايات المتحدة والعالم الآخر، وبين العقل الأمريكي والعدل والضمير. وفي خضم كل هذه الفجوات، ضاعت العقول والضمائر والحقيقة. ولأنها ضاعت هناك بالذات، يجب أن نبحث عن القيم المفقودة في تلك الأماكن تحديدا، حيث سنجدها هناك».
وهذا التحيز الغربي للسياسات الإجرامية الصهيونية، من الإبادات الجماعية والتدمير والتهجير، التي تعد بمعايير القوانين السماوية والطبيعية، إجرامية كاملة الأركان، ولا نعتقد أن هذه الممارسات الصهيونية خافية عليهم، فالقنوات الفضائية تنقل ما يجري، والتقارير الدولية المحايدة تتابع عبر المنظمات التطوعية والأممية، تعرف ما يجري منذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية على غزة، وكتبت ونقلت كل ما جرى ويجرى حتى الآن، وهم يعرفون تمام المعرفة ما جرى ويجري، ومع ذلك فإن نتانباهو وهو مجرم الحرب وجد من التصفيق والتشجيع ما يجعله داعية سلام وليس مجرم حرب، أو كأنه أحد دعاة حقوق الإنسان على مستوى العالم! وهذا الاحتفاء بمجرم حرب بقرار المحكمة الدولية، يبرز التناقض الواضح بين ما يقول الغرب ويدعيه أنه الأكثر اهتماما بحقوق يفرغ هذه المضامين من قوتها وتقديرها، وتصبح مجرد أراء لا يعطيها أصحابها ذلك التقدير من الإلزام والتنفيذ، على الجميع، وتعد مكاييل ومعايير متناقضة بين شعب وشعب آخر، وهذه أزمة موضوعية تعيشها بعض دول الغرب، ولا تلقي لها بالا، لكنها خطيرة مع تغير الظروف والتحولات في العالم، ويصبح القانون مجرد ملهاة لا قيمة له في الواقع ولا وزن يعتد به في النظم الدولية، حتى يتحقق العدل الإنساني والقانوني على كل الشعوب، فقضية التأييد الأعمى لإسرائيل أصبحت سياسة ثابتة للولايات المتحدة، ومن الحزبين الكبيرين، لا اختلاف إلا في بعض القضايا الصغيرة، أما من ناحية إسرائيل، فلا فرق بينهما تماما.
وفي هذا الصدد عن تأييد الولايات المتحدة لإسرائيل، يقول دكتور مصطفى محمود: «إن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لم تعد علاقة عادية، بين طرفين، بل علاقة استراتيجية كبيرة، ومسألة الاعتقاد أن تكون دولة محاورة بين الفلسطينيين وإسرائيل، أو ساعية للسلام بين العرب وإسرائيل، مجرد وهم، فقد: افتضحت العلاقة العضوية المتينة، بين كل من أمريكا وإسرائيل عقب الهجوم الإرهابي الذي قامت به إسرائيل على لبنان ـ عام 1982 ـ وضربت البنية التحتية وأضرمت النيران في بيروت ردا على ما فعلته المقاومة اللبنانية لتحرير الجنوب، وجاءت المكافأة الأمريكية الفورية حينها بإعلان البنتاجون الموافقة على تقديم معونات عسكرية عاجلة لإسرائيل وبناء قاعدتين للتدريب العسكري، وانطلقت وزيرة الخارجية الأمريكية حينها مادلين أولبرايت لتشيد بالعلاقات القوية التي تربط بين كل من إسرائيل وأمريكا منذ أكثر من نصف قرن. إن أمريكا تستعمل إسرائيل لتكون يدها الباطشة في الشرق الأوسط التي تتحول إلى يد عابثة ومخربة أحيانا، فالشرق الأوسط يعني النفط وكنوز الطاقة والمستقبل». لكن هذا الأمر لن يستمر بسياسات خاطئة.
هذا الموقف من الكونجرس الأمريكي، ومن السياسة الأمريكية الثابتة، تجعل إسرائيل تتمادى في غيها وقتلها وتدميرها، لكل فلسطين وأهلها، مع أن الولايات المتحدة وقتها كانت في الأمم المتحدة بعد حرب 1948، وحرب 1967، ووقعت مع الدول الأخرى أنها أراض فلسطيني احتلت في الضفة الغربية والقدس وغزة، والآن هي تتنكر لهذا التوقيع ولا تفرض علي إسرائيل، أن تتخلى عن هذه الأراضي، بل وتزودها بالمال والسلاح وحق النقض (الفيتو)، لأي قرار يدين إسرائيل في ممارساتها وجرائمها داخل فلسطين، كما أن وعد الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، لم تنفذه، وهي التي وعدت السلطة الفلسطينية بالدولة الفلسطينية في عام 2005! فهنا لن نتوقع تراجع الولايات المتحدة في مواقفها تجاه ممارسات إسرائيل وقمعها وغطرستها، ويبدو أنها ستبقى رهينة اللوبي الصهيوني وضغوطه لدعم إسرائيل بلا حدود! فالمصلحة الاستراتيجية والسياسية للولايات المتحدة تستدعى المراجعة العقلانية، من التأييد الأعمى لإسرائيل وإلا فإن مصداقية الولايات المتحدة، ستصبح ورقة فارغة من مضامينها، وستختلط الأوراق وبالتالي فإن الحديث عن السلام الدائم في منطقة الشرق الأوسط والحديث عن الدولة الفلسطينية، سيكون بعيد المنال في اعتقادنا حتى، ولو تكرر الحديث من النخب السياسية الأمريكية، مع كل أزمة، لكنها سيخفت بعد ذلك الحديث عن هذه الدولة، وستستمر الحرب والقتال مادام هذا الاحتلال قائما، وتلك معادلة منطقية لا يمكن دحضها بالكلمات الفلسفية المنمقة.
عبدالله العليان كاتب وباحث في القضايا السياسية والفكرية ومؤلف كتاب «حوار الحضارات في القرن الحادي والعشرين»
ولا شك أن الحفاوة التي استقبل بها نتانياهو في هذا الخطاب من قبل أعضاء الكونجرس، أثارت ضجة كبيرة لدى العديد من المتابعين للصراع العربي/ الصهيوني، وكذلك ما جرى في غزة من قتل ممنهج يوميا وتدمير شبه كامل لمدينة غزة، لم يسبق له مثيل في عالمنا المعاصر، ومهاجمة مدينة صغيرة كغزة، وهي تعد مثل أي قرية مقارنة بمدن كبيرة في عصرنا الراهن، وسكانها لا يتجاوزون ربما مليون ونصف المليون من السكان، وتمت مواجهتهم بهجمات صاعقة في رجالهم ونسائهم وأطفالهم، وتدمير كل ما يملكون من بيوت وأثاث وأملاك وغيرها في هذه المساكن، وليس هذا فحسب، بل حتى أنه تم تجويعهم ومنع إرسال الغذاء والدواء والماء في الأشهر التالية، بعدما سيطرت إسرائيل على معبر رفح ومعبر كرم أبو سالم، وكذلك الخط المشترك بين مصر وإسرائيل، المسمى بـ(فلاديفيا).
وهذه الممارسات ما كان لها أن تجد هذا التأييد والحفاوة من الحضور من أعضاء الكونجرس في الولايات المتحدة، ومن جاء من جماعات آخرين في تلك الجلسة الغريبة واللافتة للعالم، ليكمل العدد بعد انسحاب بعض الأعضاء من الحزب الديمقراطي ـ بحسب بعض الأنباء ـ فهذا التصفيق الحاد لعشرات المرات، ووقوف الحضور مع كل فقرة، تبرز هذا التأييد في خطاب مجرم الحرب نتانياهو مع أن الافتراض ألا يكون هناك هذا التصفيق لخطابه بسبب قرار المحكمة الدولية، والتصفيق الكبير له عند إلقاء هذا الخطاب، وهذا الخطاب نفسه، فيه الكثير من تحريف الحقائق واللف والدوران على ما جرى في حرب غزة، وإخفاء ما جرى في الكثير من الوقائع، التي جرت وتجري ضد الفلسطينيين في عزة والضفة الغربية والقدس.
فهذا الموقف الغريب من أعضاء الكونجرس في تأييد خطاب مجرم الحرب وتجاهل ما جرى ويجري في غزة وفي بعض المدن الفلسطينية، كما جاء في قرار محكمة العدل الدولية، يجعل هؤلاء من أعضاء الكونجرس يخالفون للقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، والحق في الحرية والكرامة الإنسانية، وكذلك حق تقرير مصير شعب احتلت أرضه وطُرد منها بقوة السلاح كالشعب الفلسطيني، وهذا ما حصل الشعب، فيما قاموا به في السابع من أكتوبر العام الماضي المعروف بطوفان الأقصى، هو حق بموجب القرار الدولي لاستعادة الأرض المغتصبة، فلماذا يتحدث الساسة الغربيون ويرددون المقولة المكررة دائما المقولة المعروفة (حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها)؟ّ دفاع عن ماذا؟ عن احتلال حق شعب آخر، واقتلاعه من أرضه وإبادته وتهجيره؟ أي حق هذا؟ وأي عدل هذا؟ وأي حرية وحقوق الإنسان يمكن تجاهلها؟ لذلك هذا الاستغراب والاستنكار لهذا الحفاوة الكبيرة لرئيس وزراء يصر على استمرار حربه وقتل المدنيين، دون أن تقوم غالبية الكونجرس الأمريكي بتنديد وانتقاد هذه السياسية الصهيونية والإبادة الجماعية المستمرة، فليس هناك مبرر لهذا القتل المسعور للأبرياء الذي لا يقبله الحق الإنساني ولا يؤيد من يقوم به، وهذا ما عبر عنه السياسي والبرلماني التركي المعروف ياسين أقطايان عندما قال: «إن خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي الدموي بنيامين نتانياهو في الكونجرس الأمريكي، وتصفيق أعضاء الكونجرس له واقفين عدة مرات، وإن بدا مشهدًا خياليًا، إلا أنه يعكس الوجه الحقيقي لعصرنا، والنظام العالمي الذي نعيش فيه، ومدى تطورنا وحداثة عصرنا. بالطبع هناك فجوة شاسعة بين الواقع والتمثيل، وبين الكونجرس الذي يمثل الشعب والشعب نفسه، وبين الولايات المتحدة والعالم الآخر، وبين العقل الأمريكي والعدل والضمير. وفي خضم كل هذه الفجوات، ضاعت العقول والضمائر والحقيقة. ولأنها ضاعت هناك بالذات، يجب أن نبحث عن القيم المفقودة في تلك الأماكن تحديدا، حيث سنجدها هناك».
وهذا التحيز الغربي للسياسات الإجرامية الصهيونية، من الإبادات الجماعية والتدمير والتهجير، التي تعد بمعايير القوانين السماوية والطبيعية، إجرامية كاملة الأركان، ولا نعتقد أن هذه الممارسات الصهيونية خافية عليهم، فالقنوات الفضائية تنقل ما يجري، والتقارير الدولية المحايدة تتابع عبر المنظمات التطوعية والأممية، تعرف ما يجري منذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية على غزة، وكتبت ونقلت كل ما جرى ويجرى حتى الآن، وهم يعرفون تمام المعرفة ما جرى ويجري، ومع ذلك فإن نتانباهو وهو مجرم الحرب وجد من التصفيق والتشجيع ما يجعله داعية سلام وليس مجرم حرب، أو كأنه أحد دعاة حقوق الإنسان على مستوى العالم! وهذا الاحتفاء بمجرم حرب بقرار المحكمة الدولية، يبرز التناقض الواضح بين ما يقول الغرب ويدعيه أنه الأكثر اهتماما بحقوق يفرغ هذه المضامين من قوتها وتقديرها، وتصبح مجرد أراء لا يعطيها أصحابها ذلك التقدير من الإلزام والتنفيذ، على الجميع، وتعد مكاييل ومعايير متناقضة بين شعب وشعب آخر، وهذه أزمة موضوعية تعيشها بعض دول الغرب، ولا تلقي لها بالا، لكنها خطيرة مع تغير الظروف والتحولات في العالم، ويصبح القانون مجرد ملهاة لا قيمة له في الواقع ولا وزن يعتد به في النظم الدولية، حتى يتحقق العدل الإنساني والقانوني على كل الشعوب، فقضية التأييد الأعمى لإسرائيل أصبحت سياسة ثابتة للولايات المتحدة، ومن الحزبين الكبيرين، لا اختلاف إلا في بعض القضايا الصغيرة، أما من ناحية إسرائيل، فلا فرق بينهما تماما.
وفي هذا الصدد عن تأييد الولايات المتحدة لإسرائيل، يقول دكتور مصطفى محمود: «إن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لم تعد علاقة عادية، بين طرفين، بل علاقة استراتيجية كبيرة، ومسألة الاعتقاد أن تكون دولة محاورة بين الفلسطينيين وإسرائيل، أو ساعية للسلام بين العرب وإسرائيل، مجرد وهم، فقد: افتضحت العلاقة العضوية المتينة، بين كل من أمريكا وإسرائيل عقب الهجوم الإرهابي الذي قامت به إسرائيل على لبنان ـ عام 1982 ـ وضربت البنية التحتية وأضرمت النيران في بيروت ردا على ما فعلته المقاومة اللبنانية لتحرير الجنوب، وجاءت المكافأة الأمريكية الفورية حينها بإعلان البنتاجون الموافقة على تقديم معونات عسكرية عاجلة لإسرائيل وبناء قاعدتين للتدريب العسكري، وانطلقت وزيرة الخارجية الأمريكية حينها مادلين أولبرايت لتشيد بالعلاقات القوية التي تربط بين كل من إسرائيل وأمريكا منذ أكثر من نصف قرن. إن أمريكا تستعمل إسرائيل لتكون يدها الباطشة في الشرق الأوسط التي تتحول إلى يد عابثة ومخربة أحيانا، فالشرق الأوسط يعني النفط وكنوز الطاقة والمستقبل». لكن هذا الأمر لن يستمر بسياسات خاطئة.
هذا الموقف من الكونجرس الأمريكي، ومن السياسة الأمريكية الثابتة، تجعل إسرائيل تتمادى في غيها وقتلها وتدميرها، لكل فلسطين وأهلها، مع أن الولايات المتحدة وقتها كانت في الأمم المتحدة بعد حرب 1948، وحرب 1967، ووقعت مع الدول الأخرى أنها أراض فلسطيني احتلت في الضفة الغربية والقدس وغزة، والآن هي تتنكر لهذا التوقيع ولا تفرض علي إسرائيل، أن تتخلى عن هذه الأراضي، بل وتزودها بالمال والسلاح وحق النقض (الفيتو)، لأي قرار يدين إسرائيل في ممارساتها وجرائمها داخل فلسطين، كما أن وعد الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، لم تنفذه، وهي التي وعدت السلطة الفلسطينية بالدولة الفلسطينية في عام 2005! فهنا لن نتوقع تراجع الولايات المتحدة في مواقفها تجاه ممارسات إسرائيل وقمعها وغطرستها، ويبدو أنها ستبقى رهينة اللوبي الصهيوني وضغوطه لدعم إسرائيل بلا حدود! فالمصلحة الاستراتيجية والسياسية للولايات المتحدة تستدعى المراجعة العقلانية، من التأييد الأعمى لإسرائيل وإلا فإن مصداقية الولايات المتحدة، ستصبح ورقة فارغة من مضامينها، وستختلط الأوراق وبالتالي فإن الحديث عن السلام الدائم في منطقة الشرق الأوسط والحديث عن الدولة الفلسطينية، سيكون بعيد المنال في اعتقادنا حتى، ولو تكرر الحديث من النخب السياسية الأمريكية، مع كل أزمة، لكنها سيخفت بعد ذلك الحديث عن هذه الدولة، وستستمر الحرب والقتال مادام هذا الاحتلال قائما، وتلك معادلة منطقية لا يمكن دحضها بالكلمات الفلسفية المنمقة.
عبدالله العليان كاتب وباحث في القضايا السياسية والفكرية ومؤلف كتاب «حوار الحضارات في القرن الحادي والعشرين»