دعت سلطنة عُمان اليوم إلى شرق أوسط خالٍ من السلاح النووي معتبرة ذلك مسؤولية جماعية ودولية مستعجلة خاصة بعد أن هددت إسرائيل باستخدام قنبلة نووية، وفي ذلك اعتراف ضمني بامتلاكها. وهذه الرؤية التي قدمتها سلطنة عمان خلال اجتماع اللجنة التحضيرية الثانية للمؤتمر الاستعراضي الحادي عشر لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية 2026 في الأمم المتحدة بجنيف، ينبغي أن تلهم جميع دول العالم بما في ذلك دول الشرق الأوسط التي ما زالت منذ عقود طويلة مضت تعيش في صراعات لا تنتهي.

إن المطالبة بأن يكون العالم خاليا من الأسلحة النووية لا يجب أن يبقى حلما صعب المنال إنه هدف ضروري لضمان بقاء البشرية، وهذا الهدف يتطلب التزاما صلبا وتعاونا من جميع دول العالم للوفاء بالمواثيق الدولية.. إن هذه اللحظة التي يمر بها العالم والتي كثر فيها الصراع والاستقطاب تقول لنا بشكل واضح لا لبس فيه إن وقت الرضا عن النفس قد انتهى والبشرية تعيش حالة من خوف فنائها؛ وعلى المجتمع الدولي أن يتصرف بشكل حاسم لتأمين مستقبل خالٍ من الأسلحة النووية.

لا يمكن أن نتجاهل في اللحظة التي كانت سلطنة عمان تدعو اليوم من فوق منبر الأمم المتحدة لنزع السلاح النووي من العالم ومن الشرق الأوسط بشكل خاص التصعيد الذي جرى قبل عدة أشهر حول السلاح النووي في سياق الحرب الروسية الأوكرانية؛ حيث تمت الإشارة إلى تهديد الأسلحة النووية عدة مرات، كانت تلك اللحظات بمثابة تذكير صارخ بالحاجة الملحة إلى الانضمام العالمي إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

وتمثل معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1970، حجر الزاوية في الجهود الدولية الرامية إلى منع انتشار الأسلحة النووية وتعزيز نزع السلاح النووي. وتلزم المادة السادسة من المعاهدة الدول المسلحة نووياً بمواصلة مفاوضات نزع السلاح بحسن نية، في حين توافق الدول غير المسلحة نووياً على عدم حيازة أسلحة نووية. ومع ذلك، فإن الإخفاقات الأخيرة في تحقيق الإجماع في مؤتمرات المراجعة والتحديث المستمر للترسانات النووية من قبل بعض الدول قد أضعفت مصداقية المعاهدة.

ويسلط الوضع في أوكرانيا الضوء على هشاشة النظام النووي العالمي الحالي. إن التهديدات المستمرة بالاستخدام النووي تؤدي إلى زعزعة استقرار البنية الأمنية الدولية. ويوضح هذا السيناريو أن العالم لا يستطيع تحمل العودة إلى سياسة حافة الهاوية النووية التي كانت سائدة في عصر الحرب الباردة. وأمام هذا الأمر لا خيار من الالتزام بأهداف معاهدة منع الانتشار النووي وأن تعمل على نزع السلاح الحقيقي.

ولا تبدو منطقة الشرق الأوسط في وضع يتيح لها مجرد التلويح باستخدام السلاح النووي كما فعلت إسرائيل في بداية حربها على غزة عندما صرح أحد وزرائها بالقول إن الحل الوحيد لغزة يتمثل في ضربها بالسلاح النووي! ورغم أن الفكرة سطحية جدا إلا أن تجاهلها التام ليس من الحكمة في شيء خاصة وأن هناك ما يشبه الإجماع على أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، لكنها ترفض الانضمام إلى المعاهدة أو حتى إخضاع منشآتها النووية لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا أمر يفرض تحديات كبيرة على الأمن الإقليمي والعالمي.

ويجب على المجتمع الدولي أن يكثف جهوده لضم جميع البلدان إلى معاهدة عدم الانتشار. ويشمل ذلك ممارسة الضغوط الدبلوماسية على الدول التي لا تزال خارج المعاهدة وتقديم الضمانات الأمنية للدول غير المسلحة نووياً. إن الدعوة الأخيرة إلى وضع صك ملزم قانوناً لضمان عدم استخدام الأسلحة النووية ضد الدول غير النووية تشكل خطوات في الاتجاه الصحيح.