على مدى عقود من عملي في المؤسسة كنت عضوة دائمة في المقابلات الشخصية التي كانت تجرى للمتقدمين للوظائف في المؤسسة، وكان دوري يكمن في تهيئة المتقدمين وإزالة التوتر عنهم، وكنت أنجح دائما في ذلك، وزاد التمرس والملاحظات من إتقان هذه المهارة، التي علي الاعتراف بأنني لم أكن أعرف بوجودها لدي حتى نبهني إليها مسؤولي المباشر آنذاك الذي كان يصر على وجودي في تلك اللجان، وكذا كان يفعل الزملاء بعد ذلك، لكن بدأت أتنبّه للغة الجسد لدى المرشحين للوظائف، والبعض منهم كان يعبر لي عن مدى تأثير أسلوبي ذاك في اجتيازهم للمقابلة ممن حالفهم الحظ وحصلوا على الوظيفة، لكن العجيب أن كثيرا من الأشخاص يمرون في حياتي وما زالوا يتعرفون عليّ من التأثير الذي تركته لديهم في المقابلات التي أجريت معهم، عقود طويلة مرت على بعض هذه المقابلات لكن ما زال البعض يحتفظ بتأثيرها.

لم أكن أتخيل أنني في الواقع كنت أؤدي رسالتي، وأمارس شغفي، إذ لم أكن واعية حينها لما كنت أفعله، كان الأمر يبدو طبيعيا وتلقائيا، لأن هذه المهمة كنت أمارسها بدون أن أشعر مع الموظفين خارج قاعة المقابلات الشخصية، فالتحفيز كان يأتي تلقائيا مني بدون تخطيط.

اليوم أخذت هذه الموهبة واستخدمتها في الاستشارات المالية التي أقدمها، وفي الجلسات الأسبوعية، التي علمتني ألا أستهين بالكلمة الطيبة التي لها تأثير يدوم طويلا في حياة الأفراد، كلمة واحدة يتخذ بناءً عليها المرءُ قرارا مصيريا يغير حياته بشكل جذري.

أستحضر هذه المواقف دائما عندما يأتي من يقول: إنه لا يعرف ما هي رسالته؟ وأستحضر مقولة الفيلسوف الروسي فاديم زيلاند: إن مهمتنا ليست اكتشاف رسالتنا وإنما اتّباعها فحسب، فقد ولد كل إنسان ومعه الرسالة التي خلق لتأديتها في هذه الحياة، لكن لبساطة الرسالة -كما قد يراها البعض- لا يستطيع أن يربطها بعبارات الرؤيا والرسالة التي يراها في كتب التنمية البشرية، وبرامج التخطيط الاستراتيجي، تلك العبارات المنمقة والعميقة ـ فيما الحياة أبسط من ذلك بكثير، قد تكون رسالتك فعلا هي إدخال البهجة في حياة من حولك، وتغيير مسارهم للأفضل من خلال كلمة طيبة، أو أن تكون قدوة ومثلا أعلى يحتذى بك وكفى.

حمدة الشامسية كاتبة عمانية في القضايا الاجتماعية