كتب الدكتور أحمد يوسف أستاذ العلوم السياسية الشهير مقالا في صحيفة الأهرام ١١ يوليو ٢٠٢٤، اختار له عنوانًا (الفريضة الغائبة)، ورغم كثرة المقالات في الصحف العربية والأجنبية عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلا أن هذا المقال جاء في صلب القضية المتأزمة، بعد أن مضى على العدوان الإسرائيلي على غزة أكثر من تسعة أشهر، وقد راهن نتانياهو وحكومته بأن القضاء على حماس وتدمير أسلحتها وعودة الرهائن الإسرائيليين لن يستغرق أكثر من شهر أو اثنين، وإذا بهم يفاجأون بأن أصحاب الأرض الحقيقيين يستحيل اقتلاعهم من جذورهم، وفقًا لمنطق القانون والتجارب التاريخية والنضالية في العالم، سواء في أمريكا اللاتينية أو إفريقيا أو في العالم العربي. لذا تبذل الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بعض الدول العربية جهودا ضائعة في سبيل الوصول إلى مجرد اتفاق لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين.
لقد أصاب الدكتور أحمد يوسف حينما قال بأن الأزمة لا يمكن أن تنتهي بمجرد إدارة الصراع والاكتفاء بالانسحاب الإسرائيلي من غزة، كل ذلك لا يمكن أن يحسم الصراع الذي سيظل مشتعلاً طالما بقي العدوان على غزة؛ لأن الحل النهائي ينطوي على مسائل بالغة التعقيد، فلم يرد في أي مشروع اتفاق النص صراحة على الحل النهائي وفقا للمشروع العربي ٢٠٠٢، الذي ينص على إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بما في ذلك القدس الشرقية على حدود ١٩٦٧، مقابل الاعتراف العربي بإسرائيل.
كنت أفكر عند كتابة هذا المقال في ذات الموضوع الذي اقترحه الدكتور أحمد يوسف، فضلاً عن جوانب أخرى في ذات القضية ربما لم يلتفت إليها المفاوض العربي ولا الولايات المتحدة الأمريكية التي يصرح رئيسها أحيانا بأهمية قيام دولتين متجاورتين لم يحدد حدودهما الجغرافية، فضلاً عن تفاصيل أخرى الكثير منها معقد للغاية في ظل الهيمنة الإسرائيلية والدعم الأمريكي في سبيل القضاء على المقاومة التي استعصت على أحدث الأسلحة الأمريكية والإسرائيلية والغربية، وإصرار نتانياهو على الإعلان صباح مساء بأن فكرة إقامة دولة فلسطينية فكرة خيالية يستحيل أن توافق عليها إسرائيل.
لقد سبق وكتبت عن أزمة الصراع الروسي الأوكراني الذي تُجيّش له المعدات وأحدث الأسلحة الأمريكية والأوروبية، ويعقد الاتحاد الأوروبي اجتماعا تلو الآخر لدعم أوكرانيا عسكريًّا وماليًّا، وباتت القضية معقدة حينما راهن الأمريكيون والأوروبيون على حسمها عسكريًّا فقط، وهو أمر يصعب الوصول إليه، بينما كان باستطاعة الداعمين لأوكرانيا أن يبذلوا جهودا دبلوماسية للوصول إلى حل سياسي، إلا أنهم جميعا راهنوا على الحل العسكري، وقضيتنا في فلسطين تشبه إلى حد كبير قضية الصراع الروسي الأوكراني، وخصوصا في شقه السياسي والعسكري، ولهذا يمضي العدوان صباح مساء بهدف إبادة الفلسطينيين وإخراجهم من أرضهم، كما فعلوا في حرب ١٩٤٨، ولم يتنبه المعتدون إلى أن الأرض تحارب مع أصحابها، ومن المستحيل حسم الصراع عسكريا، وإحالة الفلسطينيين إلى مجرد رعايا يقتاتون على ما يُقدم لهم من جانب إسرائيل أو حلفائها الغربيين.
القضية الفلسطينية قضية احتلال، يتوقف الصراع حينما يحصل الفلسطينيون على حقوقهم وإقامة دولتهم بكرامة، عندئذ سينصرفون إلى بناء دولتهم في العمران والتعليم والاقتصاد وكل شؤون الحياة، وسيتعاونون مع جيرانهم وفقا للقواعد القانونية المعمول بها في العالم مع كل الدول المتجاور، من المستحيل أن تظل القضية الفلسطينية معلقة إلى الأبد طالما هناك شعب متمسك بأرضه، يعرف تاريخه ويحدد مصالحه، ويُعنى بثقافته ويتوارث الأجيال تاريخ قضيتهم. لم يلتفت المتشددون الإسرائيليون إلى أنه لا بديل عن قيام الدولة الفلسطينية، وقد خلَّف لنا التاريخ قضايا كثيرة مماثلة، كادت أن تذوب شعوبها في ثقافة الاحتلال، إلا أن جميعها قد حصلت على حريتها وإقامة دولتها الحرة المستقلة، ولعل قضيتين كبيرتين كانتا بمثابة الدرس الأكبر في تاريخ الاحتلال، وهما الجزائر وجنوب إفريقيا، لم يستوعب الاحتلال الإسرائيلي كل هذه الدروس الماثلة أمام أعين الجميع.
الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها الكثير من الدول الأوروبية، جميعها تستمر في دعم إسرائيل إلى درجة غير منطقية، وما كان بإمكان إسرائيل أن تستمر وتواصل عدوانها لولا هذا الدعم العسكري والسياسي، بل هو الذي يضاعف من تشدد إسرائيل اعتقادا منها بأن داعميها سيواصلون دعمهم إلى ما لا نهاية، إلا أن متغيرات كثيرة تحدث في العالم الجديد، وفي مقدمتها الانتفاضات الهائلة في كل المدن الأوروبية والأمريكية انتصارا للقضية الفلسطينية، فضلاً عن بداية الاعتراف بدولة فلسطين من بعض الدول الأوروبية والآسيوية والإفريقية، وهو ما يضع إسرائيل في موقف لا تدرك عواقبه، ولعله من المناسب أن أعود إلى ما أشار إليه الدكتور أحمد يوسف في مقاله المهم جدا، حينما قال بإدارة الصراع وإيقاف الحرب دون الإشارة إلى حل المشكلة من أساسها، وهي قضية الاحتلال الذي يجب أن يكون على رأس أجندة التفاوض، لأن المقاومة الفلسطينية هي نتاج طبيعي للاحتلال، وعندما تتحقق مطالب الفلسطينيين وتتخلى إسرائيل عن مشروعها الاستعماري على الأرض الفلسطينية سوف ينصرف الجميع إلى بناء دولتهم وتنمية شعوبهم وستحظى إسرائيل بعلاقات دبلوماسية واقتصادية ربما مع كل الدول العربية.
السؤال الذي يستحق أن تدرس إجابته بعناية من جانب النخب السياسية والاجتماعية في إسرائيل: ماذا حصلت إسرائيل من حربها على غزة وقد أخفقت لأكثر من تسعة أشهر في تحقيق أهدافها رغم الإبادة والدمار الذي تعرضت له غزة والضفة الغربية التي ربما تفكر إسرائيل في اجتياحها بعد انتهاء عملياتها في غزة، وبعد أن رفضت الإدارة الإسرائيلية الاعتراف باتفاق أوسلو والإجهاز على ما بقي من نفوذ السلطة الفلسطينية في رام الله.
الدرس المستفاد من تاريخ الاستعمار في العالم الذي لم تستوعبه إسرائيل أن كل احتلال مصيره إلى زوال طال الوقت أم قصر، ولا أعتقد أن الصراع سينتهي بمجرد إبرام اتفاق يقضي بانسحاب إسرائيل من غزة وعودة الرهائن الإسرائيليين، طالما بقيت إسرائيل على موقفها الرافض لقيام الدولة الفلسطينية، ولا حتى مجرد التفاوض بشأنها، لذا فمن الضروري أن يتوحد الفلسطينيون في الضفة الغربية والقطاع، وعلى الدول العربية أن تقوم بمسؤوليتها بنفس القدر الذي تقدم فيه الولايات المتحدة الأمريكية الدعم لإسرائيل والبناء على ما حصدته المقاومة من نجاحات طوال أكثر من تسعة أشهر، فطالما لم تُحل القضية من جذورها باعتبارها قضية احتلال فسيظل الصراع قائما، وستظل منطقتنا العربية تموج بغليان شعبي تصعب معرفة نتائجه.
د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري
لقد أصاب الدكتور أحمد يوسف حينما قال بأن الأزمة لا يمكن أن تنتهي بمجرد إدارة الصراع والاكتفاء بالانسحاب الإسرائيلي من غزة، كل ذلك لا يمكن أن يحسم الصراع الذي سيظل مشتعلاً طالما بقي العدوان على غزة؛ لأن الحل النهائي ينطوي على مسائل بالغة التعقيد، فلم يرد في أي مشروع اتفاق النص صراحة على الحل النهائي وفقا للمشروع العربي ٢٠٠٢، الذي ينص على إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بما في ذلك القدس الشرقية على حدود ١٩٦٧، مقابل الاعتراف العربي بإسرائيل.
كنت أفكر عند كتابة هذا المقال في ذات الموضوع الذي اقترحه الدكتور أحمد يوسف، فضلاً عن جوانب أخرى في ذات القضية ربما لم يلتفت إليها المفاوض العربي ولا الولايات المتحدة الأمريكية التي يصرح رئيسها أحيانا بأهمية قيام دولتين متجاورتين لم يحدد حدودهما الجغرافية، فضلاً عن تفاصيل أخرى الكثير منها معقد للغاية في ظل الهيمنة الإسرائيلية والدعم الأمريكي في سبيل القضاء على المقاومة التي استعصت على أحدث الأسلحة الأمريكية والإسرائيلية والغربية، وإصرار نتانياهو على الإعلان صباح مساء بأن فكرة إقامة دولة فلسطينية فكرة خيالية يستحيل أن توافق عليها إسرائيل.
لقد سبق وكتبت عن أزمة الصراع الروسي الأوكراني الذي تُجيّش له المعدات وأحدث الأسلحة الأمريكية والأوروبية، ويعقد الاتحاد الأوروبي اجتماعا تلو الآخر لدعم أوكرانيا عسكريًّا وماليًّا، وباتت القضية معقدة حينما راهن الأمريكيون والأوروبيون على حسمها عسكريًّا فقط، وهو أمر يصعب الوصول إليه، بينما كان باستطاعة الداعمين لأوكرانيا أن يبذلوا جهودا دبلوماسية للوصول إلى حل سياسي، إلا أنهم جميعا راهنوا على الحل العسكري، وقضيتنا في فلسطين تشبه إلى حد كبير قضية الصراع الروسي الأوكراني، وخصوصا في شقه السياسي والعسكري، ولهذا يمضي العدوان صباح مساء بهدف إبادة الفلسطينيين وإخراجهم من أرضهم، كما فعلوا في حرب ١٩٤٨، ولم يتنبه المعتدون إلى أن الأرض تحارب مع أصحابها، ومن المستحيل حسم الصراع عسكريا، وإحالة الفلسطينيين إلى مجرد رعايا يقتاتون على ما يُقدم لهم من جانب إسرائيل أو حلفائها الغربيين.
القضية الفلسطينية قضية احتلال، يتوقف الصراع حينما يحصل الفلسطينيون على حقوقهم وإقامة دولتهم بكرامة، عندئذ سينصرفون إلى بناء دولتهم في العمران والتعليم والاقتصاد وكل شؤون الحياة، وسيتعاونون مع جيرانهم وفقا للقواعد القانونية المعمول بها في العالم مع كل الدول المتجاور، من المستحيل أن تظل القضية الفلسطينية معلقة إلى الأبد طالما هناك شعب متمسك بأرضه، يعرف تاريخه ويحدد مصالحه، ويُعنى بثقافته ويتوارث الأجيال تاريخ قضيتهم. لم يلتفت المتشددون الإسرائيليون إلى أنه لا بديل عن قيام الدولة الفلسطينية، وقد خلَّف لنا التاريخ قضايا كثيرة مماثلة، كادت أن تذوب شعوبها في ثقافة الاحتلال، إلا أن جميعها قد حصلت على حريتها وإقامة دولتها الحرة المستقلة، ولعل قضيتين كبيرتين كانتا بمثابة الدرس الأكبر في تاريخ الاحتلال، وهما الجزائر وجنوب إفريقيا، لم يستوعب الاحتلال الإسرائيلي كل هذه الدروس الماثلة أمام أعين الجميع.
الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها الكثير من الدول الأوروبية، جميعها تستمر في دعم إسرائيل إلى درجة غير منطقية، وما كان بإمكان إسرائيل أن تستمر وتواصل عدوانها لولا هذا الدعم العسكري والسياسي، بل هو الذي يضاعف من تشدد إسرائيل اعتقادا منها بأن داعميها سيواصلون دعمهم إلى ما لا نهاية، إلا أن متغيرات كثيرة تحدث في العالم الجديد، وفي مقدمتها الانتفاضات الهائلة في كل المدن الأوروبية والأمريكية انتصارا للقضية الفلسطينية، فضلاً عن بداية الاعتراف بدولة فلسطين من بعض الدول الأوروبية والآسيوية والإفريقية، وهو ما يضع إسرائيل في موقف لا تدرك عواقبه، ولعله من المناسب أن أعود إلى ما أشار إليه الدكتور أحمد يوسف في مقاله المهم جدا، حينما قال بإدارة الصراع وإيقاف الحرب دون الإشارة إلى حل المشكلة من أساسها، وهي قضية الاحتلال الذي يجب أن يكون على رأس أجندة التفاوض، لأن المقاومة الفلسطينية هي نتاج طبيعي للاحتلال، وعندما تتحقق مطالب الفلسطينيين وتتخلى إسرائيل عن مشروعها الاستعماري على الأرض الفلسطينية سوف ينصرف الجميع إلى بناء دولتهم وتنمية شعوبهم وستحظى إسرائيل بعلاقات دبلوماسية واقتصادية ربما مع كل الدول العربية.
السؤال الذي يستحق أن تدرس إجابته بعناية من جانب النخب السياسية والاجتماعية في إسرائيل: ماذا حصلت إسرائيل من حربها على غزة وقد أخفقت لأكثر من تسعة أشهر في تحقيق أهدافها رغم الإبادة والدمار الذي تعرضت له غزة والضفة الغربية التي ربما تفكر إسرائيل في اجتياحها بعد انتهاء عملياتها في غزة، وبعد أن رفضت الإدارة الإسرائيلية الاعتراف باتفاق أوسلو والإجهاز على ما بقي من نفوذ السلطة الفلسطينية في رام الله.
الدرس المستفاد من تاريخ الاستعمار في العالم الذي لم تستوعبه إسرائيل أن كل احتلال مصيره إلى زوال طال الوقت أم قصر، ولا أعتقد أن الصراع سينتهي بمجرد إبرام اتفاق يقضي بانسحاب إسرائيل من غزة وعودة الرهائن الإسرائيليين، طالما بقيت إسرائيل على موقفها الرافض لقيام الدولة الفلسطينية، ولا حتى مجرد التفاوض بشأنها، لذا فمن الضروري أن يتوحد الفلسطينيون في الضفة الغربية والقطاع، وعلى الدول العربية أن تقوم بمسؤوليتها بنفس القدر الذي تقدم فيه الولايات المتحدة الأمريكية الدعم لإسرائيل والبناء على ما حصدته المقاومة من نجاحات طوال أكثر من تسعة أشهر، فطالما لم تُحل القضية من جذورها باعتبارها قضية احتلال فسيظل الصراع قائما، وستظل منطقتنا العربية تموج بغليان شعبي تصعب معرفة نتائجه.
د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري