قالت العرب قديما إن الفراغ من أكثر الآفات فتكا بالمجتمعات، ورغم أن التحولات الكبيرة التي تشهدها المجتمعات الإنسانية بسبب الثورة المعلوماتية إلا أن الفراغ ما زال موجودا، بل أصبح أكثر خطورة.. فلا يعني وجود ملهيات إلكترونية سواء كانت ألعابا أم برامج هدامة زوال الفراغ، بل إن الكثير من هذه الأدوات ترسخ وجود الفراغ وما يرافقه من ضياع اجتماعي.

وتعتبر الإجازة الصيفية للطلاب مساحة زمنية طويلة يجدون أنفسهم خلالها أمام الكثير من أوقات الفراغ؛ ولسوء الحظ، فإن فترة الفراغ هذه غالبا ما تؤدي إلى قضاء ساعات أمام الألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي. ورغم أن هذه المنصات توفر الترفيه والاتصال، إلا أنه لا يمكن تجاهل جوانبها السلبية. يمكن أن يؤدي قضاء وقت طويل أمام الشاشات إلى نمط حياة خامل، ومشاكل في الصحة العقلية، وانخفاض في الوعي الثقافي والمعرفي، وتبني قيم تغريبية وسلبية في عمومها؛ ولذلك لا بد من الإشارة وبشكل واضح وجلي إلى أهمية البرامج والفعاليات الصيفية التي تنظمها المؤسسات الحكومية والأهلية عبر الأندية الرياضية والثقافية أو عبر الكثير من مؤسسات المجتمع المدني التي تملأ الفراغ بتجارب إيجابية ومثرية.

تؤدي البرامج والفعاليات الصيفية المصممة خصيصًا للطلاب دورا مهما في مكافحة الآثار الضارة لآلة الإلهاء الجديدة للثورة التكنولوجية. وتوفر البرامج المصممة بذكاء وخبرة فرصًا للنمو الشخصي وتنمية المهارات والتفاعل الاجتماعي البناء، ويتيح الدخول في برامج وفعاليات ثقافية وفنية وخدمة المجتمع والمعسكرات التعليمية للطلاب استكشاف اهتماماتهم ما يعزز أسلوب حياة متكاملا وأكثر صحة.. سواء كانت صحة بدنية أم صحة نفسية.

وتسهم الأنشطة الصيفية بشكل كبير في بناء الصحة العقلية، وتوفر الأنشطة الإبداعية مثل الفن والموسيقى والدراما مساحة للتعبير عن الذات وتعلم المعنى الحقيقي للحرية التي تلتزم بالمسؤولية في تعاطيها مع الآخر أو مع الأحداث التي تدور حولنا. وتعمل هذه الأنشطة على تعزيز القدرات المعرفية وتعزيز احترام الذات وتقليل مستويات التوتر. كما تعمل المعسكرات وورش العمل التعليمية على تحفيز الفضول الفكري، ما يساعد الطلاب على الاحتفاظ بمعارفهم وتوسيعها خلال فترة الاستراحة. إن التعرض للأفكار والتجارب الجديدة يعزز التفكير النقدي ومهارات حل المشكلات، والتي تعتبر ضرورية في عالم اليوم سريع التطور.

إن المرحلة التي نعيشها بما فيها من تحديات ومتغيرات تحتاج إلى أن تنتبه جميع مؤسسات المجتمع بما في ذلك المؤسسات الحكومية إلى أهمية البناء المعرفي والقيمي لمختلف الأجيال، وأن أي تراخ في هذا البناء من شأنه أن يترك المجال مفتوحا ليمر عبر آلاف البرامج والتطبيقات التي تستهدف الشباب والنشء ولديها من المغريات والأساليب ما يفوق التوقعات.

ومع استمرار العصر الرقمي في تشكيل حياتنا، فمن الضروري موازنة جوانبه السلبية بتجارب إيجابية وبناءة، لذلك فإن المراكز الصيفية وغيرها من البرامج تعتبر في غاية الأهمية لبناء الوعي وتوجيه الطلاب نحو حياة أكثر صحة ونشاطًا وثراءً ثقافيًا.