خالد بن علي المعمري
(1)
إذا كانت القراءة تحتاج إلى تحريض لاستمراريتها، فإنه يمكن لنا أنْ نَعدَّ سليمان المعمري محرضًا مهمًا على فعل القراءة في الواقع الثقافي العماني، ودافعًا كبيرًا للبحث عن الجديد في عالم الكتب؛ وإذ أقول هذا الكلام فإنني بالطبع أحيل إلى برنامجه الإذاعي الشهير (كتاب أعجبني) الذي استضاف فيه أسماء ثقافية مختلفة من عُمان ومن خارجها للحديث عن القراءات المتنوعة المقدَّمة للمستمع كإشارة أولى للبحث عن الكتاب واقتنائه.
كذلك لا ننسى برنامجه القرائي الآخر (القارئ الصغير) الذي يكرر حواراته حول الكتب ولكن هذه المرة مع قراء المستقبل الذين هم نواة عهد عُمان المستقبلية وركيزتها القادمة، وهو بذلك يؤسس جيلًا مهتمًا بالقراءة وحب الكتاب والاطلاع الدائم.
شاركتُ سليمان المعمري في عدد من حلقات برنامج (كتاب أعجبني) واستمعت لحلقات كثيرة استفدت منها كثيرا في إعادة القراءة والبحث والاكتشاف.
يُحرضنا سليمان المعمري هذه المرة في كتابه (من مسافة قريبة) على القراءة ولكن بشكل آخر عندما قام بتحويل حوارات إذاعية سابقة أجراها مع كُتّاب ومثقفين إلى نصوص مكتوبة، وهنا أظهر سليمان قيمة هذه الحوارات لمحبي القراءة أو للذين فاتتهم الحلقات الإذاعية واضطروا للبحث عنها في مواقع التخزين المختلفة.
صدر كتاب «من مسافة قريبة» للكاتب والإعلامي سليمان المعمري عن الجمعية العمانية للكتاب والأدباء ودار الرافدين عام 2023م متضمنًا مجموعة حوارات مع كتّاب ومثقفين من الوطن العربي، وأصل هذه الحوارات كانت قد أجريت في برامج مختلفة وزيارات لعدد من المثقفين لسلطنة عُمان استغلَّ معها سليمان فرصة حضور هؤلاء المحاوَرين للحديث عن هموم الثقافة والأدب والفكر والفلسفة والفن.
من أبرز الكُتّاب العرب الذين أجرى معهم سليمان حواراته الكاتب السوري أدونيس الذي امتدّ الحوار معه إلى ما يقرب من 60 صفحة في الكتاب وهو الحوار الذي أذيع على 3 حلقات إذاعية.
دار الحوار في مجالات مختلفة أهمها في الأدب والشعر الحديث، وعلاقة القديم بالحديث، وهو مجال ربما ترك أسئلة سابقة للمتلقي عن طبيعة العلاقة لدى أدونيس بين التراث والحداثة.
ومن أبرز الأسماء العربية الروائي المصري بهاء طاهر والشاعر أمجد ناصر والسينمائي توفيق صالح والمترجم سمير جريس والمترجم صالح علماني والناقد صبحي حديدي والمفكر والفيلسوف عبدالسلام بن عبدالعالي والناقد عبدالفتاح كيليطو والشاعر قاسم حداد والمترجمة ماري طوق والموسيقية هبة القواس والروائي واسيني الأعرج.
ومن الكتاب العمانيين الذي شاركوا في حوارات الكتاب الشاعر سماء عيسى والقاص والروائي عبدالعزيز الفارسي والشاعر والسينمائي عبدالله حبيب والفنانة التشكيلية نادرة محمود.
عن نفسي يُعدّ هذا الكتاب من الإصدارات المهمة في الثقافة العمانية كونه يُحيل إلى تجارب العديد من الكٌتّاب بالتعرف على إسهاماتهم في الثقافة العربية والوقوف على بدايات المراحل الأولى لديهم، كما يُفسّر للمتلقي كثيرا مما خفي أو أُخفي عنهم في «بطن الكاتب» حول مضامين الثقافة والأدب المختلفة، وإذ يُشكّل هذا الكتاب تجربة مهمة في الثقافة العمانية، فهو بلا شك استمرارٌ لمشروعات كتابية مستمرة بدأها سليمان المعمري في حوارات مهمة لكُتّاب بارزين لعل أهم هذه المشروعات كتابا: (قريبًا من الشمس: حوارات في الثقافة العمانية/ 2008م) و(ليس بعيدًا عن القمر: حوارات في القصة العمانية/ 2008م).
(2)
إنّ المُطّلع على حوارات (من مسافة قريبة) يجد تنوع المجالات التي تدور حولها الحوارات، فقد نوّع المؤلف في انتقاء مادة الحوارات وإخراجها في شكلها القرائي الجديد بين: الثقافة والأدب شعرًا وسردًا والفنون التشكيلية والترجمة والموسيقى والفلسفة والمسرح والسينما مع اعتقادي أنّ هناك حوارات أخرى باقية عند المؤلف تدور في المجالات السابقة ولكن للانتقاء هنا -حسب رأيي- أولوية ومبررات يمكن اختصارها في أهمية الموضوع الذي يناقش فيه المحاوِرُ المحاوَرَ وهو موضوع ذو أهمية في الثقافة والفن ولا شك فقد رأينا كيف كان يغوص مع أدونيس في أسئلته عن الشعر في روابطه بين القديم والجديد، وكيف كان يناقش سماء عيسى في الشعر العماني وبداياته أو علاقته بالمسرح والسينما، وكيف يتحدث عن هموم الترجمة مع صالح علماني والنقد والشعر مع كل من صبحي حديدي وأمجد ناصر، أو عن المكان في القصة والرواية في تجربة بهاء طاهر، كل تلك الأسئلة التي طرحها سليمان المعمري مع الكُتاب ومع غيرهم بالطبع كان لها سابق الجدل، وقد حاول سليمان من طرحها إعادة النقاش حول جوهر الموضوع المطروق، ولعله اكتسب أهمية سابقة من تلقي المتلقي له، وهنا يظهر دور المحاوِر المُطَّلِع على الشأن الثقافي، سريع البديهة في الانتقال من زاوية لأخرى والعودة مرة أخرى للزاوية السابقة.
حاول سليمان المعمري تكرار طرح بعض الأسئلة أو إعادة صياغتها لا سيما إذا ما حاول المحاوَر «المرواغة» أو «التنصل» من الإجابة وهذا في حدّ ذاته قدّم للقارئ الأهمية الموضوعية للأسئلة التي أُعدّت للحوار.
كما نجد على صعيد الحوار الواحد أنّ المحاوِرَ يتنقل من فرع لآخر مازجا بين فرعين مختلفين برز فيهما المحاوَر نجد ذلك في غير حوار كما عند صبحي حديدي في المزج بين النقد والترجمة وعند عبدالسلام بن عبدالعالي بين الفلسفة والترجمة وعند سماء عيسى بين الأدب والسينما والمسرح وعند عبدالعزيز الفارسي بين القصة والرواية والطب وعند قاسم حداد بين الأدب والموسيقى، وهذا أضاف لمحة تشويقية في صيغة الحوار بالخروج قليلًا من التخصص العميق للمحاوَر إلى اهتماماته الأخرى، كما قدّم أنموذجا عن تداخل الأجناس في الكتابة وتوفرها لدى الكاتب وتوظيف الكتاب للفروع المختلفة في كتاباتهم والاشتغال عليها كونها فكرة ينطلق منها الكاتب لحظة الكتابة.
(3)
لقد كان للأدب العماني حضور مهم في الحوارات من خلال استضافة عدد من الكُتّاب العمانيين كما أشرت أعلاه وإبراز صورة المشهد العماني الثقافي في مجالات مختلفة كالأدب والمسرح والسينما والفنون التشكيلية.
لكن بعيدًا عن حديث الكُتّاب العمانيين عن المشهد الثقافي في بلدهم فإن ما نجده في الحوارات مع الكُتّاب غير العمانيين -لا سيما مع سؤال محدد لهم من المحاوِر عن المشهد الثقافي العماني- صورة للتعرف على زاوية الرؤية للأدب العماني بعيون غير عمانية.
أذكر أنّ أدونيس على سبيل المثال سُئل في الجلسة الحوارية في بيت الزبير عن أبي مسلم البهلاني فأجاب بأنه غير مطّلعٍ كثيرًا على الشعر في عُمان، وهو السؤال ذاته الذي طرحه عليه سليمان المعمري في الحوار فذكر قائلًا: «أعرف بعضا من الشعر العماني الشاب، لكن الشعر القديم مع الأسف لا أعرفه، أعرف مثلًا سيف الرحبي، وسماء عيسى، وزاهر الغافري. ومن أيضا؟ أعتقد أن هناك شعراء آخرين لكنني نسيتهم. أنا آسف؛ لأن ذكر الأسماء أحيانا قد يفهمه البعض أنه إهمال للبعض الآخر، لا، إطلاقًا. أنا أعتذر». كما ذكّره المحاوِر بأسماء مثل محمد الحارثي وعبدالله حبيب وعبدالله الريامي فأجاب بمعرفته لهم.
ويبدو أن الأسماء الشعرية التي ذكرها أدونيس هي ما يعرفها غيره من الكُتاب وذلك ما أشار إليه أمجد ناصر بذكر سيف الرحبي وسماء عيسى وزاهر الغافري.
إلا أن أمجد ذكر نقطتين مهمتين في حديثه عن الأدب في عُمان: الأولى أنه كتب باكرًا عن الشعر الحديث في عُمان، وهو مقال بعنوان «السلالة العمانية» تحدّث فيه «عن سلالة حداثية للشعر العماني مميزة لها منجزها وحضورها في الإقليم الذي هي فيه». (ص95) والنقطة الأخرى أن صوت الشاعر العماني لم يصل إلى الخارج بصورة كافية لنقل هوية الشعر العماني الحديث لغيره، وأن الأدب يعيش على الأطراف أو الهامش، وما زال المركز يركّز على أصوات أخرى غير سلطنة عُمان، وهذا بالضبط يذكّرني بالباحث الإماراتي أحمد محمد عبيد في إشارته للشعر العُماني القديم في كتابه (شعراء عُمان في الجاهلية وصدر الإسلام) بأنه كان يعيش بمعزل بعيدا عن البلدان التي تتركز فيها الرواية والتدوين فاختفى شعر أهل عُمان مع ذلك.
أما السينمائي المصري توفيق صالح فقد أشار إلى فيلم (البوم) لخالد عبدالرحيم قائلًا: «شاهدتُ الفيلم، وتحدّثت مع مخرجه الدكتور خالد عبدالرحيم حديثًا مطولًا والفيلم كتجربة أولى تستحق التشجيع، ولكنه لم يكن فيلمًا في المستوى المطلوب، لكن الأمر يقودني للحاجة للتشجيع، إنك لا تستطيع صناعة سينما من فيلم واحد، ومن الصعب عمل صناعة سينمائية في بلد مثل عُمان، أنتم مليونان ونصف المليون، وصناعة الفيلم مكلفة...». (ص140)
أما واسيني الأعرج فقد اطلع على مجموعة من القصص العمانية كونه كان في لجنة تحكيم جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في فرع القصة القصيرة، وقد أعجبته ثلاثة أشياء فيها: أولها التجريب عند بعض القصاصين، وثانيها الثيمات التي كتبت بها فقد كانت مهمة وشجاعة على حد تعبيره، وثالثها أن بها جهدًا لغويًا كبيرًا وهو ما دفعه إلى القول: «بالفعل كان انطباعي -عن هذه القصص- جيدًا، حتى إنني فكرت -إن شاء الله- بعد توزيع الجوائز والانتهاء من هذه الدورة- أن أكتب عنها، وسأكتب عنها -وهذا وعد مني- في سلسلة انطباعات ورؤى حول القصة القصيرة». (ص468)
من مسافة قريبة كانت حوارات سليمان المعمري مع الكُتّاب والأدباء والمثقفين دالة على الهم الثقافي والشأن الأدبي والفني، وهو بذلك لم يقترب من كُتّابه فقط بقدر ما قرّبنا كقراء منهم أقرب وأقرب، فشكرًا لسليمان على جهوده في الشأن الثقافي العماني.
(1)
إذا كانت القراءة تحتاج إلى تحريض لاستمراريتها، فإنه يمكن لنا أنْ نَعدَّ سليمان المعمري محرضًا مهمًا على فعل القراءة في الواقع الثقافي العماني، ودافعًا كبيرًا للبحث عن الجديد في عالم الكتب؛ وإذ أقول هذا الكلام فإنني بالطبع أحيل إلى برنامجه الإذاعي الشهير (كتاب أعجبني) الذي استضاف فيه أسماء ثقافية مختلفة من عُمان ومن خارجها للحديث عن القراءات المتنوعة المقدَّمة للمستمع كإشارة أولى للبحث عن الكتاب واقتنائه.
كذلك لا ننسى برنامجه القرائي الآخر (القارئ الصغير) الذي يكرر حواراته حول الكتب ولكن هذه المرة مع قراء المستقبل الذين هم نواة عهد عُمان المستقبلية وركيزتها القادمة، وهو بذلك يؤسس جيلًا مهتمًا بالقراءة وحب الكتاب والاطلاع الدائم.
شاركتُ سليمان المعمري في عدد من حلقات برنامج (كتاب أعجبني) واستمعت لحلقات كثيرة استفدت منها كثيرا في إعادة القراءة والبحث والاكتشاف.
يُحرضنا سليمان المعمري هذه المرة في كتابه (من مسافة قريبة) على القراءة ولكن بشكل آخر عندما قام بتحويل حوارات إذاعية سابقة أجراها مع كُتّاب ومثقفين إلى نصوص مكتوبة، وهنا أظهر سليمان قيمة هذه الحوارات لمحبي القراءة أو للذين فاتتهم الحلقات الإذاعية واضطروا للبحث عنها في مواقع التخزين المختلفة.
صدر كتاب «من مسافة قريبة» للكاتب والإعلامي سليمان المعمري عن الجمعية العمانية للكتاب والأدباء ودار الرافدين عام 2023م متضمنًا مجموعة حوارات مع كتّاب ومثقفين من الوطن العربي، وأصل هذه الحوارات كانت قد أجريت في برامج مختلفة وزيارات لعدد من المثقفين لسلطنة عُمان استغلَّ معها سليمان فرصة حضور هؤلاء المحاوَرين للحديث عن هموم الثقافة والأدب والفكر والفلسفة والفن.
من أبرز الكُتّاب العرب الذين أجرى معهم سليمان حواراته الكاتب السوري أدونيس الذي امتدّ الحوار معه إلى ما يقرب من 60 صفحة في الكتاب وهو الحوار الذي أذيع على 3 حلقات إذاعية.
دار الحوار في مجالات مختلفة أهمها في الأدب والشعر الحديث، وعلاقة القديم بالحديث، وهو مجال ربما ترك أسئلة سابقة للمتلقي عن طبيعة العلاقة لدى أدونيس بين التراث والحداثة.
ومن أبرز الأسماء العربية الروائي المصري بهاء طاهر والشاعر أمجد ناصر والسينمائي توفيق صالح والمترجم سمير جريس والمترجم صالح علماني والناقد صبحي حديدي والمفكر والفيلسوف عبدالسلام بن عبدالعالي والناقد عبدالفتاح كيليطو والشاعر قاسم حداد والمترجمة ماري طوق والموسيقية هبة القواس والروائي واسيني الأعرج.
ومن الكتاب العمانيين الذي شاركوا في حوارات الكتاب الشاعر سماء عيسى والقاص والروائي عبدالعزيز الفارسي والشاعر والسينمائي عبدالله حبيب والفنانة التشكيلية نادرة محمود.
عن نفسي يُعدّ هذا الكتاب من الإصدارات المهمة في الثقافة العمانية كونه يُحيل إلى تجارب العديد من الكٌتّاب بالتعرف على إسهاماتهم في الثقافة العربية والوقوف على بدايات المراحل الأولى لديهم، كما يُفسّر للمتلقي كثيرا مما خفي أو أُخفي عنهم في «بطن الكاتب» حول مضامين الثقافة والأدب المختلفة، وإذ يُشكّل هذا الكتاب تجربة مهمة في الثقافة العمانية، فهو بلا شك استمرارٌ لمشروعات كتابية مستمرة بدأها سليمان المعمري في حوارات مهمة لكُتّاب بارزين لعل أهم هذه المشروعات كتابا: (قريبًا من الشمس: حوارات في الثقافة العمانية/ 2008م) و(ليس بعيدًا عن القمر: حوارات في القصة العمانية/ 2008م).
(2)
إنّ المُطّلع على حوارات (من مسافة قريبة) يجد تنوع المجالات التي تدور حولها الحوارات، فقد نوّع المؤلف في انتقاء مادة الحوارات وإخراجها في شكلها القرائي الجديد بين: الثقافة والأدب شعرًا وسردًا والفنون التشكيلية والترجمة والموسيقى والفلسفة والمسرح والسينما مع اعتقادي أنّ هناك حوارات أخرى باقية عند المؤلف تدور في المجالات السابقة ولكن للانتقاء هنا -حسب رأيي- أولوية ومبررات يمكن اختصارها في أهمية الموضوع الذي يناقش فيه المحاوِرُ المحاوَرَ وهو موضوع ذو أهمية في الثقافة والفن ولا شك فقد رأينا كيف كان يغوص مع أدونيس في أسئلته عن الشعر في روابطه بين القديم والجديد، وكيف كان يناقش سماء عيسى في الشعر العماني وبداياته أو علاقته بالمسرح والسينما، وكيف يتحدث عن هموم الترجمة مع صالح علماني والنقد والشعر مع كل من صبحي حديدي وأمجد ناصر، أو عن المكان في القصة والرواية في تجربة بهاء طاهر، كل تلك الأسئلة التي طرحها سليمان المعمري مع الكُتاب ومع غيرهم بالطبع كان لها سابق الجدل، وقد حاول سليمان من طرحها إعادة النقاش حول جوهر الموضوع المطروق، ولعله اكتسب أهمية سابقة من تلقي المتلقي له، وهنا يظهر دور المحاوِر المُطَّلِع على الشأن الثقافي، سريع البديهة في الانتقال من زاوية لأخرى والعودة مرة أخرى للزاوية السابقة.
حاول سليمان المعمري تكرار طرح بعض الأسئلة أو إعادة صياغتها لا سيما إذا ما حاول المحاوَر «المرواغة» أو «التنصل» من الإجابة وهذا في حدّ ذاته قدّم للقارئ الأهمية الموضوعية للأسئلة التي أُعدّت للحوار.
كما نجد على صعيد الحوار الواحد أنّ المحاوِرَ يتنقل من فرع لآخر مازجا بين فرعين مختلفين برز فيهما المحاوَر نجد ذلك في غير حوار كما عند صبحي حديدي في المزج بين النقد والترجمة وعند عبدالسلام بن عبدالعالي بين الفلسفة والترجمة وعند سماء عيسى بين الأدب والسينما والمسرح وعند عبدالعزيز الفارسي بين القصة والرواية والطب وعند قاسم حداد بين الأدب والموسيقى، وهذا أضاف لمحة تشويقية في صيغة الحوار بالخروج قليلًا من التخصص العميق للمحاوَر إلى اهتماماته الأخرى، كما قدّم أنموذجا عن تداخل الأجناس في الكتابة وتوفرها لدى الكاتب وتوظيف الكتاب للفروع المختلفة في كتاباتهم والاشتغال عليها كونها فكرة ينطلق منها الكاتب لحظة الكتابة.
(3)
لقد كان للأدب العماني حضور مهم في الحوارات من خلال استضافة عدد من الكُتّاب العمانيين كما أشرت أعلاه وإبراز صورة المشهد العماني الثقافي في مجالات مختلفة كالأدب والمسرح والسينما والفنون التشكيلية.
لكن بعيدًا عن حديث الكُتّاب العمانيين عن المشهد الثقافي في بلدهم فإن ما نجده في الحوارات مع الكُتّاب غير العمانيين -لا سيما مع سؤال محدد لهم من المحاوِر عن المشهد الثقافي العماني- صورة للتعرف على زاوية الرؤية للأدب العماني بعيون غير عمانية.
أذكر أنّ أدونيس على سبيل المثال سُئل في الجلسة الحوارية في بيت الزبير عن أبي مسلم البهلاني فأجاب بأنه غير مطّلعٍ كثيرًا على الشعر في عُمان، وهو السؤال ذاته الذي طرحه عليه سليمان المعمري في الحوار فذكر قائلًا: «أعرف بعضا من الشعر العماني الشاب، لكن الشعر القديم مع الأسف لا أعرفه، أعرف مثلًا سيف الرحبي، وسماء عيسى، وزاهر الغافري. ومن أيضا؟ أعتقد أن هناك شعراء آخرين لكنني نسيتهم. أنا آسف؛ لأن ذكر الأسماء أحيانا قد يفهمه البعض أنه إهمال للبعض الآخر، لا، إطلاقًا. أنا أعتذر». كما ذكّره المحاوِر بأسماء مثل محمد الحارثي وعبدالله حبيب وعبدالله الريامي فأجاب بمعرفته لهم.
ويبدو أن الأسماء الشعرية التي ذكرها أدونيس هي ما يعرفها غيره من الكُتاب وذلك ما أشار إليه أمجد ناصر بذكر سيف الرحبي وسماء عيسى وزاهر الغافري.
إلا أن أمجد ذكر نقطتين مهمتين في حديثه عن الأدب في عُمان: الأولى أنه كتب باكرًا عن الشعر الحديث في عُمان، وهو مقال بعنوان «السلالة العمانية» تحدّث فيه «عن سلالة حداثية للشعر العماني مميزة لها منجزها وحضورها في الإقليم الذي هي فيه». (ص95) والنقطة الأخرى أن صوت الشاعر العماني لم يصل إلى الخارج بصورة كافية لنقل هوية الشعر العماني الحديث لغيره، وأن الأدب يعيش على الأطراف أو الهامش، وما زال المركز يركّز على أصوات أخرى غير سلطنة عُمان، وهذا بالضبط يذكّرني بالباحث الإماراتي أحمد محمد عبيد في إشارته للشعر العُماني القديم في كتابه (شعراء عُمان في الجاهلية وصدر الإسلام) بأنه كان يعيش بمعزل بعيدا عن البلدان التي تتركز فيها الرواية والتدوين فاختفى شعر أهل عُمان مع ذلك.
أما السينمائي المصري توفيق صالح فقد أشار إلى فيلم (البوم) لخالد عبدالرحيم قائلًا: «شاهدتُ الفيلم، وتحدّثت مع مخرجه الدكتور خالد عبدالرحيم حديثًا مطولًا والفيلم كتجربة أولى تستحق التشجيع، ولكنه لم يكن فيلمًا في المستوى المطلوب، لكن الأمر يقودني للحاجة للتشجيع، إنك لا تستطيع صناعة سينما من فيلم واحد، ومن الصعب عمل صناعة سينمائية في بلد مثل عُمان، أنتم مليونان ونصف المليون، وصناعة الفيلم مكلفة...». (ص140)
أما واسيني الأعرج فقد اطلع على مجموعة من القصص العمانية كونه كان في لجنة تحكيم جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في فرع القصة القصيرة، وقد أعجبته ثلاثة أشياء فيها: أولها التجريب عند بعض القصاصين، وثانيها الثيمات التي كتبت بها فقد كانت مهمة وشجاعة على حد تعبيره، وثالثها أن بها جهدًا لغويًا كبيرًا وهو ما دفعه إلى القول: «بالفعل كان انطباعي -عن هذه القصص- جيدًا، حتى إنني فكرت -إن شاء الله- بعد توزيع الجوائز والانتهاء من هذه الدورة- أن أكتب عنها، وسأكتب عنها -وهذا وعد مني- في سلسلة انطباعات ورؤى حول القصة القصيرة». (ص468)
من مسافة قريبة كانت حوارات سليمان المعمري مع الكُتّاب والأدباء والمثقفين دالة على الهم الثقافي والشأن الأدبي والفني، وهو بذلك لم يقترب من كُتّابه فقط بقدر ما قرّبنا كقراء منهم أقرب وأقرب، فشكرًا لسليمان على جهوده في الشأن الثقافي العماني.