من الآن فصاعدا يحب اليمين المتطرف في فرنسا أن يُسمّي ببساطة اليمين (بإسقاط صفة المتطرف- المترجم) ويمكن إدراك المنطق وراء ذلك. فالتجمع الوطني وهو حزب اليمين المتطرف أو أقصى اليمين في فرنسا يتقدم بقوة في استطلاعات الرأي العام حول الانتخابات التشريعية والتي يقترب موعدها بسرعة.
في الأثناء، اليمين التقليدي يتداعَى. وإذا صار التجمع الوطني المجموعة الأكبر في البرلمان الفرنسي في يوليو سيعيد تعريف التيار المحافظ في فرنسا.
مسألة إعادة تسمية أقصى اليمين يتردد صداها فيما وراء فرنسا. فهنالك قضية شبيهة في الولايات المتحدة التي شكَّل فيها دونالد ترامب الحزبَ الجمهوري على صورته (جعله تجسيدا لأفكاره). فحزب جورج دبليو بوش التقليدي والموالي للسوق والعالمي التوجُّه بالكاد يوجد اليوم. وشعار ترامب القومي «أمريكا أولا» يتحكم الآن في حركة المحافظين هناك.
كما تدور مناقشات موازية في إيطاليا وبريطانيا. فهل لا يزال من المعقول وصف جورجيا ميلوني رئيسة وزراء إيطاليا بالسياسية «اليمينية المتطرفة»؟ ومع تقدم حزب نايجل فاراج «الإصلاح» على حزب المحافظين البريطاني الحاكم في أحد استطلاعات الرأي العام هنالك حديث حتى عن استحواذ فاراج وأفكاره على المحافظين في فترة ما بعد الانتخابات.
إذن ما الذي يتبقى من السِّمات التي تميز اليمين عن اليمين المتطرف؟ الخط الفاصل والحاسم بينهما هو المواقف من الديمقراطية. فإذا رفض زعيم سياسي القبول بنتائج الانتخابات وأراد سحق «الدولة العميقة» وهو ما يعني في الواقع الدولة نفسها فمن الواضح أنه في أقصى اليمين.
لكن إذا دفع حزب ما بسياسات يعتبرها الليبراليون مستهجنة أو رجعية أو حتى عرقية لكنه يفعل ذلك في إطار السياسة الديمقراطية وحكم القانون قد لا يعود مصطلح «اليمين المتطرف» ملائما في هذه الحال.
الأيديولوجيات والحركات السياسية تتطور. وبعض هذه القوى الصاعدة قد تكون ببساطة وجها جديدا للسياسة اليمينية. وذلك تماما مثلما غيَّر السير روبرت بِيل حركة المحافظين البريطانية في القرن التاسع عشر وكما شكَّل من جديد باري جولدواتر (المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية في عام 1964) ورونالد ريجان اليمين الأمريكي في القرن العشرين.
يتحدث علماء السياسة عن «نافذة أوفرتون» وهي سلسلة من السياسات التي تعتبر محترمة من قبل الرأي العام السائد في وقت ما. (يُنسَب المصطلح إلى عالم السياسة جوزيف أوفرتون والذي يعتقد أن القيمة السياسية لفكرة ما تعتمد على وجودها ضمن الحَيِّز العام للأفكار المقبولة وليس على التفضيلات الفردية للساسة- المترجم).
ما فعله ويفعله ساسة من أمثال ترامب ومارين لوبان وفاراج هو تحويل أو زحزحة تلك النافذة. لذلك السياسات التي كانت تُعتبر في وقت ما يمينية متطرفة انتقلت إلى التيار السياسي الرئيسي. هذا أوضح ما يكون في سياسات الهجرة. فالآن تحدّد تنويعاتُ من سياسات «بناء الجدار» الترامبية طبيعةَ الجدل في الغرب. هل يمكن حقا وصف هذه السياسات «باليمينية المتطرفة» عندما توافق عليها الأغلبية؟ يبدو أن مصطلحا آخر مثل «الشعبوية القومية» أكثر دقة في نعتها.
أيضا زحزح ترامب وأمثاله «نافذةَ أوفرتون» نحو المواقف من روسيا وأوكرانيا. هنا يصبح الخط الفاصل بين شكل جديد لحركة المحافظين واستبداد اليمين المتطرف أقل وضوحا. ومن الممكن أن ترامب ولوبان وأمثالهما يريدون عقد صفقة مع روسيا لأنهم انعزاليون بلا هوادة ولا يعتقدون أن دعم أوكرانيا يخدم المصلحة الوطنية. لكن تودّدهم للرئيس الروسي قد يعكس أيضا إعجابا بأسلوب حكمه.
من المؤكد أن ترامب كشف عن حقيقته بعد خسارته انتخابات عام 2020. فرفضه قبول نتائجها وتشجيعه على محاولة انقلابية أظهرا عداءه التام للديمقراطية. والجمهوريون التقليديون من أمثال عضوي مجلس الشيوخ ماركو روبيو وميتشل ماكونيل خانوا مبادئ أساسية وحطُّوا من قدر أنفسهم بمباركة موقف ترامب.
لكن لوبان وميلوني تتحركان في الاتجاه المعاكس. فميلوني حتى الآن تبدو مثل محافظ تقليدي نسبيا في سدَّة الحكم. ذلك على الرغم من أن عديدين من أهل اليسار الإيطالي يرتابون بشدة في أنها تُخفي أجندة.
واستراتيجية لوبان بأكملها في العقد الماضي كانت التخلص من «شيطنة» أقصى اليمين والانتقال به إلى الوسط. ولأجل تلك الغاية طردت حتى والدها من الحزب. ومؤخرا جدا قطعت صلتها بحزب اليمين المتطرف في ألمانيا «البديل من أجل ألمانيا».
هل يعني ذلك أننا يمكن أن نسترخي إذا حصل حزب التجمع الوطني الفرنسي على حصة في الحكم في يوليو؟
على الإطلاق لا. فبعض سياسات لوبان حول أوروبا مثل استعادة سيادة القانون الفرنسي أو عدم سداد مدفوعات فرنسا لموازنة الاتحاد الأوروبي يمكن أن تسبب اضطرابا اقتصاديا وتهدد بقاء الاتحاد.
لكن من الممكن السعي لتطبيق مثل هذه السياسات بطريقة مشروعة داخل الإطار الديمقراطي. والخطورة الحقيقية يمكن أن تنشأ إذا أوجدت أجواءُ أزمةٍ لحزب التجمع الوطني عذرا لاستدعاء سلطات الطوارئ وبالتالي الانتقال إلى السلطوية. فهنالك أناس يدورون في فلك أقصى اليمين الفرنسي سبق لهم في الماضي القريب مغازلة أفكار شريرة وغير ديمقراطية.
القول بأن احترام الديمقراطية يمثِّل الخط الفاصل بين اليمين واليمين المتطرف قد يبدو تغليبا للشكل على المحتوى. يعتقد عديدون أن الشيء غير المقبول حقا من الساسة أمثال ترامب ولوبان يتمثل في السياسات التي يناصرانها حول سلسلة من القضايا بداية من الهجرة وإلى حقوق النساء.
لكن طالما ظلت هياكل الديمقراطية باقية، لدى الناخبين فرصة رفضِ تلك السياسات في نهاية المطاف. فقد تخلت الولايات المتحدة عن ترامب في انتخابات 2020. أيضا حزب القانون والعدالة البولندي المشتطُّ في نزعته المحافظة فقد السلطة في العام الماضي.
ويظل احترام الديمقراطية الحدُّ الفاصل بين السياسة المحافظة واستبداد اليمين المتطرف.
جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز.
الترجمة خاصة لـ $
في الأثناء، اليمين التقليدي يتداعَى. وإذا صار التجمع الوطني المجموعة الأكبر في البرلمان الفرنسي في يوليو سيعيد تعريف التيار المحافظ في فرنسا.
مسألة إعادة تسمية أقصى اليمين يتردد صداها فيما وراء فرنسا. فهنالك قضية شبيهة في الولايات المتحدة التي شكَّل فيها دونالد ترامب الحزبَ الجمهوري على صورته (جعله تجسيدا لأفكاره). فحزب جورج دبليو بوش التقليدي والموالي للسوق والعالمي التوجُّه بالكاد يوجد اليوم. وشعار ترامب القومي «أمريكا أولا» يتحكم الآن في حركة المحافظين هناك.
كما تدور مناقشات موازية في إيطاليا وبريطانيا. فهل لا يزال من المعقول وصف جورجيا ميلوني رئيسة وزراء إيطاليا بالسياسية «اليمينية المتطرفة»؟ ومع تقدم حزب نايجل فاراج «الإصلاح» على حزب المحافظين البريطاني الحاكم في أحد استطلاعات الرأي العام هنالك حديث حتى عن استحواذ فاراج وأفكاره على المحافظين في فترة ما بعد الانتخابات.
إذن ما الذي يتبقى من السِّمات التي تميز اليمين عن اليمين المتطرف؟ الخط الفاصل والحاسم بينهما هو المواقف من الديمقراطية. فإذا رفض زعيم سياسي القبول بنتائج الانتخابات وأراد سحق «الدولة العميقة» وهو ما يعني في الواقع الدولة نفسها فمن الواضح أنه في أقصى اليمين.
لكن إذا دفع حزب ما بسياسات يعتبرها الليبراليون مستهجنة أو رجعية أو حتى عرقية لكنه يفعل ذلك في إطار السياسة الديمقراطية وحكم القانون قد لا يعود مصطلح «اليمين المتطرف» ملائما في هذه الحال.
الأيديولوجيات والحركات السياسية تتطور. وبعض هذه القوى الصاعدة قد تكون ببساطة وجها جديدا للسياسة اليمينية. وذلك تماما مثلما غيَّر السير روبرت بِيل حركة المحافظين البريطانية في القرن التاسع عشر وكما شكَّل من جديد باري جولدواتر (المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية في عام 1964) ورونالد ريجان اليمين الأمريكي في القرن العشرين.
يتحدث علماء السياسة عن «نافذة أوفرتون» وهي سلسلة من السياسات التي تعتبر محترمة من قبل الرأي العام السائد في وقت ما. (يُنسَب المصطلح إلى عالم السياسة جوزيف أوفرتون والذي يعتقد أن القيمة السياسية لفكرة ما تعتمد على وجودها ضمن الحَيِّز العام للأفكار المقبولة وليس على التفضيلات الفردية للساسة- المترجم).
ما فعله ويفعله ساسة من أمثال ترامب ومارين لوبان وفاراج هو تحويل أو زحزحة تلك النافذة. لذلك السياسات التي كانت تُعتبر في وقت ما يمينية متطرفة انتقلت إلى التيار السياسي الرئيسي. هذا أوضح ما يكون في سياسات الهجرة. فالآن تحدّد تنويعاتُ من سياسات «بناء الجدار» الترامبية طبيعةَ الجدل في الغرب. هل يمكن حقا وصف هذه السياسات «باليمينية المتطرفة» عندما توافق عليها الأغلبية؟ يبدو أن مصطلحا آخر مثل «الشعبوية القومية» أكثر دقة في نعتها.
أيضا زحزح ترامب وأمثاله «نافذةَ أوفرتون» نحو المواقف من روسيا وأوكرانيا. هنا يصبح الخط الفاصل بين شكل جديد لحركة المحافظين واستبداد اليمين المتطرف أقل وضوحا. ومن الممكن أن ترامب ولوبان وأمثالهما يريدون عقد صفقة مع روسيا لأنهم انعزاليون بلا هوادة ولا يعتقدون أن دعم أوكرانيا يخدم المصلحة الوطنية. لكن تودّدهم للرئيس الروسي قد يعكس أيضا إعجابا بأسلوب حكمه.
من المؤكد أن ترامب كشف عن حقيقته بعد خسارته انتخابات عام 2020. فرفضه قبول نتائجها وتشجيعه على محاولة انقلابية أظهرا عداءه التام للديمقراطية. والجمهوريون التقليديون من أمثال عضوي مجلس الشيوخ ماركو روبيو وميتشل ماكونيل خانوا مبادئ أساسية وحطُّوا من قدر أنفسهم بمباركة موقف ترامب.
لكن لوبان وميلوني تتحركان في الاتجاه المعاكس. فميلوني حتى الآن تبدو مثل محافظ تقليدي نسبيا في سدَّة الحكم. ذلك على الرغم من أن عديدين من أهل اليسار الإيطالي يرتابون بشدة في أنها تُخفي أجندة.
واستراتيجية لوبان بأكملها في العقد الماضي كانت التخلص من «شيطنة» أقصى اليمين والانتقال به إلى الوسط. ولأجل تلك الغاية طردت حتى والدها من الحزب. ومؤخرا جدا قطعت صلتها بحزب اليمين المتطرف في ألمانيا «البديل من أجل ألمانيا».
هل يعني ذلك أننا يمكن أن نسترخي إذا حصل حزب التجمع الوطني الفرنسي على حصة في الحكم في يوليو؟
على الإطلاق لا. فبعض سياسات لوبان حول أوروبا مثل استعادة سيادة القانون الفرنسي أو عدم سداد مدفوعات فرنسا لموازنة الاتحاد الأوروبي يمكن أن تسبب اضطرابا اقتصاديا وتهدد بقاء الاتحاد.
لكن من الممكن السعي لتطبيق مثل هذه السياسات بطريقة مشروعة داخل الإطار الديمقراطي. والخطورة الحقيقية يمكن أن تنشأ إذا أوجدت أجواءُ أزمةٍ لحزب التجمع الوطني عذرا لاستدعاء سلطات الطوارئ وبالتالي الانتقال إلى السلطوية. فهنالك أناس يدورون في فلك أقصى اليمين الفرنسي سبق لهم في الماضي القريب مغازلة أفكار شريرة وغير ديمقراطية.
القول بأن احترام الديمقراطية يمثِّل الخط الفاصل بين اليمين واليمين المتطرف قد يبدو تغليبا للشكل على المحتوى. يعتقد عديدون أن الشيء غير المقبول حقا من الساسة أمثال ترامب ولوبان يتمثل في السياسات التي يناصرانها حول سلسلة من القضايا بداية من الهجرة وإلى حقوق النساء.
لكن طالما ظلت هياكل الديمقراطية باقية، لدى الناخبين فرصة رفضِ تلك السياسات في نهاية المطاف. فقد تخلت الولايات المتحدة عن ترامب في انتخابات 2020. أيضا حزب القانون والعدالة البولندي المشتطُّ في نزعته المحافظة فقد السلطة في العام الماضي.
ويظل احترام الديمقراطية الحدُّ الفاصل بين السياسة المحافظة واستبداد اليمين المتطرف.
جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز.
الترجمة خاصة لـ $