عيدٌ بأيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بما مضى أَم بأمرٍ فيك تَجديدُ
«المتنبي»
لقد خذلناك أيها الفلسطيني.. لقد خذلناك أيها المسلم.. وقبل ذلك؛ قُتِل فينا الإنسان، قُتِل فينا كل نخوة يمكن أن تثور في وجه الظلم، فبأي وجه يحق لنا أن نعيّد مع نسائنا؛ ونساء غزة تقتل محتضنة أطفالها، وبأي قلب نبشّ في وجوه أطفالنا وأطفال فلسطين تقطع رؤوسهم وتتطاير أشلاؤهم، وبأي ضمير نعيش عيدًا وعصابة دولية تتحكم بمنطقتنا والنظام العالمي يمد كيانها النازي بأسباب البقاء والاعتداء؟!
إن ما يحدث بغزة ليس آخر الإجرام، كما لم يكن أوله، فلا يظنن المجرمون بأنهم من سنن الله ناجون، ومن عِبَر التاريخ سالمون. فتلك الثورة البلشفية بروسيا؛ التي أبادت مئات آلاف البشر لتقيم الشيوعية أوهامها الملحدة بـ«خلاص الإنسان» من طبقية الرأسمالية الإمبريالية وبرجوازية الإقطاعية الرجعية، أين هي اليوم؟ وأين النازية بعنصريتها الألمانية والفاشية بقوميتها الإيطالية اللتان أهلكتا الحرث والنسل؟ وحدّث ولا حرج عن جرائم الاستعمار الغربي في أصقاع الأرض؛ وقد دالت الأيام بدوله أن تستجدي بقاءها من أمريكا.
وأمريكا نفسها التي قامت على إبادة السكان الأصليين.. تمارس غطرستها في العالم منذ أكثر من سبعين سنة، لم تترك سلاحا لم تجربه، من القنابل الذرية التي ألقتها على هيروشيما ونجازاكي باليابان، حتى أجيال الأسلحة الإلكترونية التي سحقت بها الأبرياء في فيتنام وأفغانستان والعراق والصومال وسوريا وغزة. أمريكا.. التي أخذها الوهم بأنها نائية عن وصول القوى الدولية إليها، وأخذها الغرور بأنها تملك أعظم قوة في الأرض، فإن سنة الله ماضية عليها حتى تقع فريسة الانهيار، إن لم يكن بسبب من خارجها فمن داخلها، ولابد أن يوما آتيا ستشرب فيه من كأسٍ تسقي به غيرها، فكم مرةٍ مُرِّغ بوجهها في وحل الهزيمة، بل دكت في عقر دارها فتهاوت أبراج اقتصادها المهيمن وأصيبت كبرياء بنتاجونها المتسلط. إن ما يحدث بغزة يمكن أن يحدث في أية بقعة من الأرض، فلا نظن نحن أيضا بأننا منه معصومون، إن لم نسارع لنصرة المظلومين، ففي نصرتهم معتصمٌ لنا قبل النجدة لهم: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ).
إن ما يحدث بغزة.. هو نهشة من نهشات الغريزة السَّبُعية التي فشل الإنسان في تهذيبها، لقد فشل في الارتقاء إلى سماء الأخلاق، وصمَّ وعميَّ عمّا جاء به الأنبياء الكرام من الدعوة إلى السلام والرحمة ونبذ الشحناء ورفض الظلم.
إن العجب بلغ شأوه من بؤس هذا العالم.. الذي لا يستطيع أن يحرك ساكنا أمام الظلم المبين، وما تفسيره إلا أن الأنظمة موافقة عليه، أو هي بنفسها تمارس الظلم على من يطاله سوطها، أو أنها ذليلة؛ سدَّ الجبن حلقها عن قول الحق، وقيّد الخوف يديها عن كفّ الفساد. ثمانية مليارات نسمة غثاء، فأي هوان للبشرية بعد هذا الهوان، وأي ذل بعد هذا الذل! إنه الارتكاس الأخلاقي للبشرية.
أنّى لمليار ونصف مليار مسلم أن يحتفلوا بعيد.. جاء به دين؛ العزة سَداته ونصرة المستضعفين لُحمته، وأنّى لهم أن يتوجهوا إلى ربهم القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) «محمد:7»؟ فأي إيمان يزعمونه وإخوانهم يذبحون في غزة؟ ونصرة المستضعفين ليست بحمل السلاح وحده.. بل هناك طرق عديدة، فالدول الإسلامية.. من أضعف إيمانها؛ أن تتخذ موقفا في الأمم المتحدة لفصل إسرائيل منها وإدانة أمريكا والدول التي تشايعها في دعم كيانها الهمجي، وأن تتخذ موقفا بقطع كل أشكال التعاون مع إسرائيل ومن يدعمها؟ وبإمكانها أن تُشَكِّل لجنة دولية لمقاطعة الكيان الصهيوني.
وإن تعجب فعجب من أمر أمة، يباد إخوانهم في الدين بالألوف، أكثر من ثمانية أشهر لم تجف فيها الأرض من دماء الفلسطينيين البريئة، كل ذلك لم يستفز نفوس حكوماتهم لتجبر آلة القتل وميكنة الدمار الصهيونية على الوقوف عند حدها، مع أن شعوب العالم اكتظت بها الشوارع والجامعات معترضة على ما ترتكبه القوات الإسرائيلية ومستنكرة صمت حكوماتها على عدم التدخل لإيقاف المجازر. إن حالة أمتنا ينبغي دراستها من قِبَل علماء النفس والاجتماع، وأخشى أن تعيي حالتهم كل طبيب وحكيم!
أيها المسلم.. كيف لك أن تصافح يدُك الناس مُهنأة لهم بالعيد؛ وأيدي نساء غزة أبينت عن سواعدها؟ وهل لك أن تمشي إلى مصلى العيد؛ وأجساد شيوخ غزة فقدت قوائمها؟ أتسعد بأن تضع العيدية بين حجر أطفالك؛ وأطفال غزة بُقرت بطونهم وفصلت رؤوسهم عن أجسادهم؟ وكيف لك أن ترتدي ملابس العيد الأنيقة، وشهداء غزة قد احمرت أكفانهم؟!
أيها المسلم.. أتجد لذة في مضغك لأطايب العيد؛ وأهل غزة من الجوع قد نتأت عظامهم بعدما التصقت بها جلودهم؛ وجحظت عيونهم بعدما ذهبت نظارة وجوههم؟ أتطبق عيناك جفونهما ليلة العيد وإخوانك في غزة أطارت الحرب بقلوبهم وأذهبت القنابل بمشاعرهم؛ إلا شعور الخوف وترقب الموت، فهم بين أب خائف يترقب طائرات تهدم بيته فتسحق عظامه وعظام أسرته، وبين أم تودع فلذة كبدها لا تلبث بعده إلا قليلا حتى تسجى للصلاة عليها، وبين أطفال يرجون في المدارس والمستشفيات حياة فإذا قوات الصهيونية تعصف بهم عصف الأبابيل؟!
أيها المسلم.. إن لم تحركك المشاهد الفظيعة لنجدة حرائر المسلمين فما الذي يحركك؛ وأنت ترى بأم عينيك الصهاينة يسومون أخوات لك في غزة سوء العذاب، ألم يصم أذنيك عويل النساء وصريخ الأطفال وأنين الشيوخ؟!
أيها المسلم.. لا تعتذر بأن هذا ما جنته «حماس» والمقاومة؛ حينما لم تبالِ بعاقبة تصرفها في «7 أكتوبر»، أو لم تقدِّر له حق قدره. فبغض النظر عن تقييمنا لفعلها، وبغض النظر عن موقفنا من معتقداتها، فنحن أمام إجرام لا علاقة له بما قامت به «حماس» والمقاومة، إجرام كان يحدث للفلسطينيين ليل نهار من قِبَل المافيا الصهيونية منذ مائة عام، قبل أن تولد «حماس»، وقبل أن يولد آباء جنود «حماس».
أيها المسلم.. لا يبلغ بك الوهن والعجز وربما الخوف والجبن بأن تعتذر بعذر لا يسوى في ميزان القسط نقيرا، فأنت تعلم والعالم يعلم، بأن من كل أمة تُحتل أرضها وتصادر حقوقها وتهان كرامتها تحتسب طائفة نفسها لدحر الاحتلال الغاشم عن بلادها، طائفة لا ترى في التضحيات خسارة، بل تراها وقودا للمقاومة؛ حتى تدحر العدوان وتسترجع الأرض وتسترد الحرية وتقيم الحقوق لأهلها، أو تهلك هي دونه. هذا أمر لم تبتدعه «حماس» ولم تخترعه المقاومة، بل أمر جُبِلت عليه الشعوب التي تنشد الحرية، فقد فعله الأحرار في فيتنام واليابان والجزائر وليبيا وأفغانستان والصومال وجنوب إفريقيا والعراق ولبنان وغيرها من الأمم الحية، وهؤلاء ذوو أديان مختلفة وعقائد متباينة ومشارب متنوعة، لا يجمعهم إلا السعي للحرية وعدلها والتخلص من الاحتلال وظلمه.
أيها المسلم.. ما كنتُ أستنفرك هذه النفرة، ولا أستغيثك بهذه الاستغاثة؛ لو أنها معركة بين محتل ومقاوم؛ لأن كلا الطرفين قد اصطنع نفسه للموت، ذاك ترسيخا لاحتلاله ووجوده، وهذا دفاعا عن حياضه وحماه. وإنما من ضميري الأخلاقي وواجبي الإيماني أن أصرخ فيك بإغاثة مَن تطحنهم آلة حرب يقف خلفها أبالسة إجرام؛ يمدهم إخوانهم بالغيّ، عُميٌّ عن رؤية مشهد كل حقيقة، صُمٌ عن سماع صوت كل حق، تطحنهم من دون ذنب اقترفوه إلا أن يقولوا ربنا الله، وأنهم بحقهم مطالبون، وبأرضهم التي ولدوا فيها مستمسكون.
لا أملك في يوم عيد هذا حال أهل غزة فيه إلا أن أرثي حال المسلمين، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
خميس العدوي كاتب عماني مهتم بقضايا الفكر والتاريخ ومؤلف كتاب «السياسة بالدين»
بما مضى أَم بأمرٍ فيك تَجديدُ
«المتنبي»
لقد خذلناك أيها الفلسطيني.. لقد خذلناك أيها المسلم.. وقبل ذلك؛ قُتِل فينا الإنسان، قُتِل فينا كل نخوة يمكن أن تثور في وجه الظلم، فبأي وجه يحق لنا أن نعيّد مع نسائنا؛ ونساء غزة تقتل محتضنة أطفالها، وبأي قلب نبشّ في وجوه أطفالنا وأطفال فلسطين تقطع رؤوسهم وتتطاير أشلاؤهم، وبأي ضمير نعيش عيدًا وعصابة دولية تتحكم بمنطقتنا والنظام العالمي يمد كيانها النازي بأسباب البقاء والاعتداء؟!
إن ما يحدث بغزة ليس آخر الإجرام، كما لم يكن أوله، فلا يظنن المجرمون بأنهم من سنن الله ناجون، ومن عِبَر التاريخ سالمون. فتلك الثورة البلشفية بروسيا؛ التي أبادت مئات آلاف البشر لتقيم الشيوعية أوهامها الملحدة بـ«خلاص الإنسان» من طبقية الرأسمالية الإمبريالية وبرجوازية الإقطاعية الرجعية، أين هي اليوم؟ وأين النازية بعنصريتها الألمانية والفاشية بقوميتها الإيطالية اللتان أهلكتا الحرث والنسل؟ وحدّث ولا حرج عن جرائم الاستعمار الغربي في أصقاع الأرض؛ وقد دالت الأيام بدوله أن تستجدي بقاءها من أمريكا.
وأمريكا نفسها التي قامت على إبادة السكان الأصليين.. تمارس غطرستها في العالم منذ أكثر من سبعين سنة، لم تترك سلاحا لم تجربه، من القنابل الذرية التي ألقتها على هيروشيما ونجازاكي باليابان، حتى أجيال الأسلحة الإلكترونية التي سحقت بها الأبرياء في فيتنام وأفغانستان والعراق والصومال وسوريا وغزة. أمريكا.. التي أخذها الوهم بأنها نائية عن وصول القوى الدولية إليها، وأخذها الغرور بأنها تملك أعظم قوة في الأرض، فإن سنة الله ماضية عليها حتى تقع فريسة الانهيار، إن لم يكن بسبب من خارجها فمن داخلها، ولابد أن يوما آتيا ستشرب فيه من كأسٍ تسقي به غيرها، فكم مرةٍ مُرِّغ بوجهها في وحل الهزيمة، بل دكت في عقر دارها فتهاوت أبراج اقتصادها المهيمن وأصيبت كبرياء بنتاجونها المتسلط. إن ما يحدث بغزة يمكن أن يحدث في أية بقعة من الأرض، فلا نظن نحن أيضا بأننا منه معصومون، إن لم نسارع لنصرة المظلومين، ففي نصرتهم معتصمٌ لنا قبل النجدة لهم: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ).
إن ما يحدث بغزة.. هو نهشة من نهشات الغريزة السَّبُعية التي فشل الإنسان في تهذيبها، لقد فشل في الارتقاء إلى سماء الأخلاق، وصمَّ وعميَّ عمّا جاء به الأنبياء الكرام من الدعوة إلى السلام والرحمة ونبذ الشحناء ورفض الظلم.
إن العجب بلغ شأوه من بؤس هذا العالم.. الذي لا يستطيع أن يحرك ساكنا أمام الظلم المبين، وما تفسيره إلا أن الأنظمة موافقة عليه، أو هي بنفسها تمارس الظلم على من يطاله سوطها، أو أنها ذليلة؛ سدَّ الجبن حلقها عن قول الحق، وقيّد الخوف يديها عن كفّ الفساد. ثمانية مليارات نسمة غثاء، فأي هوان للبشرية بعد هذا الهوان، وأي ذل بعد هذا الذل! إنه الارتكاس الأخلاقي للبشرية.
أنّى لمليار ونصف مليار مسلم أن يحتفلوا بعيد.. جاء به دين؛ العزة سَداته ونصرة المستضعفين لُحمته، وأنّى لهم أن يتوجهوا إلى ربهم القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) «محمد:7»؟ فأي إيمان يزعمونه وإخوانهم يذبحون في غزة؟ ونصرة المستضعفين ليست بحمل السلاح وحده.. بل هناك طرق عديدة، فالدول الإسلامية.. من أضعف إيمانها؛ أن تتخذ موقفا في الأمم المتحدة لفصل إسرائيل منها وإدانة أمريكا والدول التي تشايعها في دعم كيانها الهمجي، وأن تتخذ موقفا بقطع كل أشكال التعاون مع إسرائيل ومن يدعمها؟ وبإمكانها أن تُشَكِّل لجنة دولية لمقاطعة الكيان الصهيوني.
وإن تعجب فعجب من أمر أمة، يباد إخوانهم في الدين بالألوف، أكثر من ثمانية أشهر لم تجف فيها الأرض من دماء الفلسطينيين البريئة، كل ذلك لم يستفز نفوس حكوماتهم لتجبر آلة القتل وميكنة الدمار الصهيونية على الوقوف عند حدها، مع أن شعوب العالم اكتظت بها الشوارع والجامعات معترضة على ما ترتكبه القوات الإسرائيلية ومستنكرة صمت حكوماتها على عدم التدخل لإيقاف المجازر. إن حالة أمتنا ينبغي دراستها من قِبَل علماء النفس والاجتماع، وأخشى أن تعيي حالتهم كل طبيب وحكيم!
أيها المسلم.. كيف لك أن تصافح يدُك الناس مُهنأة لهم بالعيد؛ وأيدي نساء غزة أبينت عن سواعدها؟ وهل لك أن تمشي إلى مصلى العيد؛ وأجساد شيوخ غزة فقدت قوائمها؟ أتسعد بأن تضع العيدية بين حجر أطفالك؛ وأطفال غزة بُقرت بطونهم وفصلت رؤوسهم عن أجسادهم؟ وكيف لك أن ترتدي ملابس العيد الأنيقة، وشهداء غزة قد احمرت أكفانهم؟!
أيها المسلم.. أتجد لذة في مضغك لأطايب العيد؛ وأهل غزة من الجوع قد نتأت عظامهم بعدما التصقت بها جلودهم؛ وجحظت عيونهم بعدما ذهبت نظارة وجوههم؟ أتطبق عيناك جفونهما ليلة العيد وإخوانك في غزة أطارت الحرب بقلوبهم وأذهبت القنابل بمشاعرهم؛ إلا شعور الخوف وترقب الموت، فهم بين أب خائف يترقب طائرات تهدم بيته فتسحق عظامه وعظام أسرته، وبين أم تودع فلذة كبدها لا تلبث بعده إلا قليلا حتى تسجى للصلاة عليها، وبين أطفال يرجون في المدارس والمستشفيات حياة فإذا قوات الصهيونية تعصف بهم عصف الأبابيل؟!
أيها المسلم.. إن لم تحركك المشاهد الفظيعة لنجدة حرائر المسلمين فما الذي يحركك؛ وأنت ترى بأم عينيك الصهاينة يسومون أخوات لك في غزة سوء العذاب، ألم يصم أذنيك عويل النساء وصريخ الأطفال وأنين الشيوخ؟!
أيها المسلم.. لا تعتذر بأن هذا ما جنته «حماس» والمقاومة؛ حينما لم تبالِ بعاقبة تصرفها في «7 أكتوبر»، أو لم تقدِّر له حق قدره. فبغض النظر عن تقييمنا لفعلها، وبغض النظر عن موقفنا من معتقداتها، فنحن أمام إجرام لا علاقة له بما قامت به «حماس» والمقاومة، إجرام كان يحدث للفلسطينيين ليل نهار من قِبَل المافيا الصهيونية منذ مائة عام، قبل أن تولد «حماس»، وقبل أن يولد آباء جنود «حماس».
أيها المسلم.. لا يبلغ بك الوهن والعجز وربما الخوف والجبن بأن تعتذر بعذر لا يسوى في ميزان القسط نقيرا، فأنت تعلم والعالم يعلم، بأن من كل أمة تُحتل أرضها وتصادر حقوقها وتهان كرامتها تحتسب طائفة نفسها لدحر الاحتلال الغاشم عن بلادها، طائفة لا ترى في التضحيات خسارة، بل تراها وقودا للمقاومة؛ حتى تدحر العدوان وتسترجع الأرض وتسترد الحرية وتقيم الحقوق لأهلها، أو تهلك هي دونه. هذا أمر لم تبتدعه «حماس» ولم تخترعه المقاومة، بل أمر جُبِلت عليه الشعوب التي تنشد الحرية، فقد فعله الأحرار في فيتنام واليابان والجزائر وليبيا وأفغانستان والصومال وجنوب إفريقيا والعراق ولبنان وغيرها من الأمم الحية، وهؤلاء ذوو أديان مختلفة وعقائد متباينة ومشارب متنوعة، لا يجمعهم إلا السعي للحرية وعدلها والتخلص من الاحتلال وظلمه.
أيها المسلم.. ما كنتُ أستنفرك هذه النفرة، ولا أستغيثك بهذه الاستغاثة؛ لو أنها معركة بين محتل ومقاوم؛ لأن كلا الطرفين قد اصطنع نفسه للموت، ذاك ترسيخا لاحتلاله ووجوده، وهذا دفاعا عن حياضه وحماه. وإنما من ضميري الأخلاقي وواجبي الإيماني أن أصرخ فيك بإغاثة مَن تطحنهم آلة حرب يقف خلفها أبالسة إجرام؛ يمدهم إخوانهم بالغيّ، عُميٌّ عن رؤية مشهد كل حقيقة، صُمٌ عن سماع صوت كل حق، تطحنهم من دون ذنب اقترفوه إلا أن يقولوا ربنا الله، وأنهم بحقهم مطالبون، وبأرضهم التي ولدوا فيها مستمسكون.
لا أملك في يوم عيد هذا حال أهل غزة فيه إلا أن أرثي حال المسلمين، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
خميس العدوي كاتب عماني مهتم بقضايا الفكر والتاريخ ومؤلف كتاب «السياسة بالدين»