يطرح الكثيرون هذا السؤال، وفي المقابل يُطرح على الكثيرين، وتختلف الردود وفق نوعية الكتابة ومجالاتها، وكذلك حسب نفسية الكاتب ودرجة حساسيته، فالكتابة أنواع وكل كتابة لها محدداتها وشروطها وفلسفتها؛ فالكتابة البحثية ليست كالكتابة الإبداعية، والكتابة الإبداعية تتنوع وتمنح كاتبها الحرية أكثر من الكتابة العلمية المُحكمة، مثلما قال عالم الاجتماع التونسي الطاهر لبيب (81عاما): «الحرية في الكتابة الإبداعية حرية لا توصف».
تمنح الكتابة الأدبية صاحبها جرعة من التعبير عن الذات وعن الآخر، فعوالم الذات الإنسانية لا نتعرف عليها إلا عبر الكلمات المجسدة لمشاعر الإنسان وعواطفه التي تدلل عليها أفعال وسلوكيات أبطال الأعمال الأدبية والمسرحية، أما كتابة المقال فإنها تنوب عن كاتبها في توجيه الرأي العام، فقد يرفع المقال ضررا وظلما قد يقع على إنسان، مثلما كتب الكاتب الفرنسي إميل زولا (1840-1902) مقالا عبارة عن رسالة عنوانها (إني أتهم) ونشرها في صحيفة باريس اليومية يدافع فيها عن الضابط الفرنسي ألفريد دريفوس (1850-1935) المتهم بالتجسس لصالح الألمان، وقد أدى ذلك إلى العفو عن الضابط دريفوس في القضية التي شغلت الرأي العام الفرنسي ورسخت قوة الكتابة في تبني القضايا العادلة والدفاع عنها.
تكفل الكتابة لصاحبها نوعا من الشهرة وتؤجل إخراجه من الذاكرة تدريجيا، ومع ذلك فقد تلحق الكتابة الأذى والأسى بصاحبها، خاصة حين يقترب من عتبة الموضوعات التي تسبب الإزعاج للبعض، أي حين تكون الكتابة كشفا وإزاحة الأغشية عن المستور، وتجد لها ردود أفعال منسجمة مع الرأي العام الباحث عمن يُعبر عن شؤونه وشجونه، ويرى في الكتابة نوعا من التنفيس.
ولأن الكتابة المسؤولة لا تقبل بالمغالاة ولا بالمهادنة فإنها تتحمل تبعات تأثيرها في تكدير صفوة الفئة المستفيدة من بقاء الأوضاع كما هي دون تطوير أو تغيير إلى الأفضل، لذلك فإن الجرأة في الطرح تزعج من يخشى من الحقائق، وقد كتب الروائي السوداني الطيب صالح (1929- 2009) في روايته الشهيرة «موسم الهجرة إلى الشمال» يقول: «ثمة ثمار يجب أن تقطف، كتب كثيرة تقرأ وصفحات بيضاء في سجل العمر، سأكتب فيها جملا واضحة بخط جريء».
إن أصعب أنواع الكتابة هي الكتابة القلقة، الكتابة الناجمة عن قلق صاحبها من صعوبة الأسئلة التي لا يجد لها تفسيرا أو حلا إلا بالتخلص من الذات، مثلما فعل عشرات الكتّاب من ذوي الأنفس الحساسة مثل الكاتب والروائي الياباني يوكيو ميشيما (1925- 1970) الذي كان يفكر في الانتحار وفي سمعة عائلته بعد رحيله، وقد كتب ذلك في رسالة إلى صديقه وأستاذه الكاتب والروائي ياسوناري كاواباتا (1894- 1972) «قد تسخر مني لكن ما أخافه ليس الموت، بل شرف عائلتي من الموت، وإذا حدث لي شيء، فإن المجتمع سوف يكشف عن أسنانه ويبحث عن نقاط ضعفي ليدمّر شرف عائلتي. ليس مهما أن يسخروا مني وأنا موجود، ولكن لا أستطيع تحمل سخريتهم من أطفالي بعد موتي. وأعتقد يا سيد كاواباتا، أنك أنت الوحيد القادر على حمايتهم. وأنا منذ الآن، أعتمد عليك وأثق بك» وقد قرأ كاواباتا هذه الرسالة في جنازة صديقه، ولكنه انتحر بعد ذلك بسنتين.
لكن قد تُنفّس الكتابة عن صاحبها وتزيل عنه الكآبة والبؤس حين يعجز عن التعبير عن مشاعره تجاه العديد من القضايا التي يعيشها ولا يتعايش معها، أو حين يعيش تحت ثقل أمر ما يصعب عليه الاعتراف به أو حتى الكتابة عنه، خاصة إذا كان موضوعًا يتضرر منه أناس آخرين.
وتبقى الكتابة والتدوين أجمل وأرقى اكتشاف اكتشفه الإنسان في الكرة الأرضية، فبها بقيت اللغة والثقافة وبقي ما تم تدوينه.
تمنح الكتابة الأدبية صاحبها جرعة من التعبير عن الذات وعن الآخر، فعوالم الذات الإنسانية لا نتعرف عليها إلا عبر الكلمات المجسدة لمشاعر الإنسان وعواطفه التي تدلل عليها أفعال وسلوكيات أبطال الأعمال الأدبية والمسرحية، أما كتابة المقال فإنها تنوب عن كاتبها في توجيه الرأي العام، فقد يرفع المقال ضررا وظلما قد يقع على إنسان، مثلما كتب الكاتب الفرنسي إميل زولا (1840-1902) مقالا عبارة عن رسالة عنوانها (إني أتهم) ونشرها في صحيفة باريس اليومية يدافع فيها عن الضابط الفرنسي ألفريد دريفوس (1850-1935) المتهم بالتجسس لصالح الألمان، وقد أدى ذلك إلى العفو عن الضابط دريفوس في القضية التي شغلت الرأي العام الفرنسي ورسخت قوة الكتابة في تبني القضايا العادلة والدفاع عنها.
تكفل الكتابة لصاحبها نوعا من الشهرة وتؤجل إخراجه من الذاكرة تدريجيا، ومع ذلك فقد تلحق الكتابة الأذى والأسى بصاحبها، خاصة حين يقترب من عتبة الموضوعات التي تسبب الإزعاج للبعض، أي حين تكون الكتابة كشفا وإزاحة الأغشية عن المستور، وتجد لها ردود أفعال منسجمة مع الرأي العام الباحث عمن يُعبر عن شؤونه وشجونه، ويرى في الكتابة نوعا من التنفيس.
ولأن الكتابة المسؤولة لا تقبل بالمغالاة ولا بالمهادنة فإنها تتحمل تبعات تأثيرها في تكدير صفوة الفئة المستفيدة من بقاء الأوضاع كما هي دون تطوير أو تغيير إلى الأفضل، لذلك فإن الجرأة في الطرح تزعج من يخشى من الحقائق، وقد كتب الروائي السوداني الطيب صالح (1929- 2009) في روايته الشهيرة «موسم الهجرة إلى الشمال» يقول: «ثمة ثمار يجب أن تقطف، كتب كثيرة تقرأ وصفحات بيضاء في سجل العمر، سأكتب فيها جملا واضحة بخط جريء».
إن أصعب أنواع الكتابة هي الكتابة القلقة، الكتابة الناجمة عن قلق صاحبها من صعوبة الأسئلة التي لا يجد لها تفسيرا أو حلا إلا بالتخلص من الذات، مثلما فعل عشرات الكتّاب من ذوي الأنفس الحساسة مثل الكاتب والروائي الياباني يوكيو ميشيما (1925- 1970) الذي كان يفكر في الانتحار وفي سمعة عائلته بعد رحيله، وقد كتب ذلك في رسالة إلى صديقه وأستاذه الكاتب والروائي ياسوناري كاواباتا (1894- 1972) «قد تسخر مني لكن ما أخافه ليس الموت، بل شرف عائلتي من الموت، وإذا حدث لي شيء، فإن المجتمع سوف يكشف عن أسنانه ويبحث عن نقاط ضعفي ليدمّر شرف عائلتي. ليس مهما أن يسخروا مني وأنا موجود، ولكن لا أستطيع تحمل سخريتهم من أطفالي بعد موتي. وأعتقد يا سيد كاواباتا، أنك أنت الوحيد القادر على حمايتهم. وأنا منذ الآن، أعتمد عليك وأثق بك» وقد قرأ كاواباتا هذه الرسالة في جنازة صديقه، ولكنه انتحر بعد ذلك بسنتين.
لكن قد تُنفّس الكتابة عن صاحبها وتزيل عنه الكآبة والبؤس حين يعجز عن التعبير عن مشاعره تجاه العديد من القضايا التي يعيشها ولا يتعايش معها، أو حين يعيش تحت ثقل أمر ما يصعب عليه الاعتراف به أو حتى الكتابة عنه، خاصة إذا كان موضوعًا يتضرر منه أناس آخرين.
وتبقى الكتابة والتدوين أجمل وأرقى اكتشاف اكتشفه الإنسان في الكرة الأرضية، فبها بقيت اللغة والثقافة وبقي ما تم تدوينه.