فعليًا نحن الآن على مفترق طرق في مرحلة ما بعد 7 أكتوبر، لسنا نحن فقط، بل العالم كله يواجه لحظات حاسمة ومصيرية، وهي لحظات معاكسة تماما لكل محطات الانكسار العربي الذي يكمل 75 عامًا من التراجع والهوان والذل والتعذيب في الشعوب.

لحظات فارقة في التاريخ تصنع لمرحلة مهمة وجديدة منه، وما قبل هذا التاريخ ليس كما بعده، وهي تنذر بأفول الطغاة والاستبداد واندحارهم كما هي في التاريخ، بعد أن خدعوا العالم من ادعاء نزولهم على القمر إلى بحثهم عن المقاومين بين جثث 15 ألف طفل شهيد.

مرحلة تشهد ارتفاع الكراهية في المجتمعات الغربية ضد التضليل والإبادة والحرمان من مقومات الحياة كالغذاء والدواء وحق العيش بكرامة، وتضليل ينسف روايات الذين يروّجون للحريات والمثلية وأحلام المجتمعات المدينة العصرية، للذين استطاعوا على مدى قرنين من الزمان وهم يملؤون رؤوسنا بانتصاراتهم الوهمية القديمة والحديثة، وللذين وثقوا تفوقهم في الحربين العالميتين الأولى والثانية في العصر الحديث ونعتوا الشعوب الأصلية التي استولوا على بلدانها بالتخلف والتوحش ولا زالوا جاثمين فيها.

7 أكتوبر أعاد كتابة القضية الفلسطينية وكأنها تولد من جديد، بغض النظر عن أولئك الذين ساندوا ودعموا الاحتلال وهبُّوا لنجدته من الانهيار الكلي بعد أن امتلأت قناعاتهم أن الأمة العربية لن تقوم لها قائمة ولن تتفوق على الأسطورة الصهيونية.

الوضع يختلف اليوم أمام هذا الصمود الجبار والكبير لفئة قليلة من المؤمنين بقضيتهم أمام جيش العالم، للذين يتساوى الموت والحياة في نظرهم، للذين يرون أنه لا حياة دون كرامة؛ لأنه الوطن وترابه والتوقان للحرية التي تمارسها شعوب العالم باستثنائهم هم فقط.

الانتكاسات المتتالية لجيش الاحتلال الإسرائيلي تقربه من الفشل يوما بعد آخر وتستهلكه وتعجز أمامه كل الحيل التي جربها في استعادة أسراه والذين لحقوا بهم من يومين وزاد عددهم عن السابق، وزادت معها معاناة قادته لما وصلوا إليه من تردٍّ وتخبُّط وتزايد الانقسامات فيه وفي مجتمعه المصطنع.

هذه الحرب المريرة على كل فلسطيني وفلسطينية رغم خسائر الأرواح والجرحى والموت والفواجع اليومية وتدمير الشجر والحجر والمدر، فإنها تقربه يومًا بعد آخر من حلم النصر، فكل المعطيات ليست في صالح المعتدي وسوف يصعب عليه الاستمرار في نهج الوحشية والإبادة الجماعية اليومية لهذا الشعب الأعزل الذي عوضه الله في صحو ضمير العالم وأعاد قضيته إلى الواجهة، كقضية ملحة تعضدها الشعوب النقية التي فاجأت العرب في نصرتها واعترافها المتأخر لعديد دولها والتي تمثل بداية الاعتراف الكلي.

رغم كل الظروف منذ 100 عام ومعاناة أهلنا في فلسطين من قبل احتلال أرضه المقدسة، فإن الحق وإن تأخر سوف يعود لأهله، وإن الله سيعوضهم على صبرهم الطويل وتحملهم كل ما يواجهوه يوميا من تغييب وإعدام وقتل وتشريد وهدم للبيوت وإبادة لشيخ وطفل وامرأة، سيعوضهم عن كل ألم مر وكل فراق للأحبة وكل نهب للأرض وتدمير للزرع وطغيان معتديه وإعدامات أبنائه أمام أحبائهم، سيعوضهم بقوة الإيمان والعقيدة والقدرة على مواجهة عدوهم بالصبر والبأس؛ لأنهم يسطرون ملحمة وفاء لحياة أجيال قادمة.