«اعتقد البعض أن الله ربما تخلى عن المسلمين وأن الرد قد يكون في العودة إلى الدين» - كيم غطاس، تعليقا على خسارة حرب السبعة وستين.

نشرت Middle East Eye مُلخصا للقاء سلمان رشدي مع RBB، يُمكن تلخيص أهم ما جاء فيه في الآتي:

إن إقامة دولة فلسطينية اليوم يعني أن تقوم دولة شبيهة بدولة طالبان، جنبا إلى جانب إسرائيل، وأن هذه الدولة الإسلامية ستكون عميلة لإيران. رشدي لا يتجاهل العدد الهائل لأرواح المدنيين التي حصدتها الحرب، لكنه يستدرك رغم ذلك أن من بدأ بالعدوان هو المقاومة، وهو يعجب من نصرة الحركات الطلابية اليسارية في أمريكا والعالم لجماعة إرهابية مثل حماس!.

في الرابع عشر من فبراير عام 1989، صدح الراديو الإيراني بصوت آية الله الخميني، داعيا لإهدار دم الروائي سلمان رشدي. رواية آيات شيطانية المنشورة 1988 أدت إلى ضجة كبيرة في العالم الإسلامي بدعوى التجديف. في أغسطس 2022، تعرض الكاتب -وهو على وشك إلقاء محاضرة في نيويورك- لطعنات في الرقبة، الصدر، والجذع. الإصابات البالغة، وصلت إلى كبده، وهددت بفقدان إحدى عينيه.

لا نستغرب إذن عداء الرجل للدولة الإسلامية الإيرانية، لكن تصريحاته هذه لا يُمكن تفهمها أو التسامح معها إطلاقا.

يقول رشدي إن ردة الفعل العاطفية مع الخسائر البشرية في غزة، لا يجب أن تنحرف لتُصبح عداءً للسامية، ونصرة لحماس.

لنبدأ بقول الآتي، من الطبيعي أن يتخوف اليسار في أي زمان ومكان من إقامة دول ذات أساس ديني في تشريعاتها أيا يكن هذا الدين. الحقيقة أن سؤالا من قبيل: هل تؤيد إقامة دولة إسلامية؟ يُثير لخبطة مع المؤمنين. فهم من جهة مؤمنون بأن الإسلام عادل، ومتسامح لكنهم ينظرون إلى تطبيقات الحكم الإسلامي حيثما وجد: إيران، أفغانستان، -والمثال الأكثر تطرفا- داعش. ولا يرون فيها مِثالا ممكنا للحياة. ما يجعل الأغلبية تتخذ موقفا قويا ضد تسييس الدين. لكن السؤال الذي يسبق هذا هو: هل لمثل هذا الجدل مكان اليوم، ونحن نشهد النكبة الثانية للشعب الفلسطيني؟

حتى لو رأى الواحد منا في «الحكم الإسلامي» وفق المثال أعلاه شر، فالاحتلال الإسرائيلي شر مطلق، لا يُمكن أن يُقارن بأي حكم ذاتي مهما بلغ تطرفه. فمحاولات التحرر، أيا تكن الإيديولوجيا الموجهة له، تبقى جزءًا من محاولة الشعب لتقرير مصيره. وإلى أن يتم التحرر -عبر المقاومة (لأن التاريخ يُخبرنا أن هذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك)- لا يجوز لأحد أن يُعيق هذه العملية.

أقول هذا كله، على افتراض أن هذا هو المآل الوحيد للأمور. الحقيقة أنه ليس لأحدٍ أن يجزم أنه وإذا ما نجحت فصائل المقاومة في التفوق في هذه الحرب، أن الحكم سيكون إسلاميا. خصوصا أننا نتحدث عن ثلاث فئات متباينة كل التباين: فلسطينيو الداخل تحت الحكم الإسرائيلي، فلسطينيو الضفة تحت حكم السلطة الفلسطينية، والغزاويون تحت حكم حماس. ليس بوسع أحد أن يُخمن الصيغة التي يُمكن أن تتفق عليها الفئات المختلفة. هل لرشدي أي حق في أن يضع توقعاته على هذا النحو المحتوم، مُعطيا بذلك شرعية للإبادة؟

تحميل المقاومة ذنب ما يحصل اليوم، هو اقتطاع من السياق، إنه يدعي أن هذا الصراع العنيف والظالم بدأ في السابع من أكتوبر، ويتجاهل المعاناة الفلسطينية الممتدة عبر ثلاثة أرباع قرن.

ظننا أننا انتهينا من جدالات كهذه خلال الأسبوع الأول من حرب الإبادة والتطهير العرقي، ثم يأتي رجل محسوب على النخبة للطعن في المقاومة، وتثبيط السعي الفلسطيني لإقامة دولتهم، بعد سبعة شهور طويلة من القتل، التهجير، التعذيب، الإبادة، والتدمير. يا له من خذلان!