القرار الذي طالب باستصداره مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه يؤاف جالانت - (وكذلك بحق ثلاثة من قادة حماس) والقاضي باستصدار أوامر اعتقال بتهم ارتكاب جرائم حرب، وإبادة جماعية فيما يتعلق بالحرب في غزة وهجوم السابع من أكتوبر، الذي حال صدوره، سيتم فيه اتهام نتانياهو وجالانت بالضلوع في ارتكاب جرائم إبادة جماعية؛ هو طلب جاء ليضيق الخناق أكثر فأكثر حول مصير نتانياهو الذي لم يعد- حال استصدار أمر الاعتقال- مصيرا خاصا به داخل إسرائيل وإنما سيتم تصنيفه كمجرم مطلوب القبض عليه من العدالة الدولية.

وفي تقديرنا أن هذه الخطوة الكبيرة من المحكمة الجنائية الدولية هي تقريبا الثمرة العملية لتهديد حقيقي بدأ يطال مصير نتانياهو داخليا وخارجيا، والقرار- حال صدوره- سيكون ثمرة للجهود القانونية التي بذلتها دولة جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، فقد كانت تلك الخطوة الجسورة لجنوب إفريقيا ضد إسرائيل في الشكوى التي قدمتها لمحكمة الجنايات الدولية متهمة الأخيرة بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، هي أقوى تهديد واجهته إسرائيل على المستوى الدولي، وها نحن نرى اليوم بداية التداعيات لما فعلته جنوب إفريقيا. وبالتأكيد ستكون هناك تداعيات كثيرة حال استصدار قرار أوامر الاعتقال، بل حتى قبل صدور القرار رأينا ردود فعل متباينة من المجتمع الدولي على المطالبة باستصدار القرار ضد نتانياهو وجالانت، ففيما وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن طلب استصدار قرار اعتقال نتجنياهو بالمشين، كانت فرنسا داعمة للقرار، فيما أبدت دولة النرويج استعدادها لاعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي حال صدور أوامر بذلك من المحكمة الجنائية الدولية.

مطالب مدعي المحكمة الجنائية ستسرع بمأزق نتانياهو الذي طالما وصفنا طبيعته في أكثر من مقال، وهو مأزق يتبين يوما بعد يوم أنه سيعجل بالنهاية السياسية لنتانياهو الذي أصبح اليوم مرعوبا مما سيترتب على مصيره في اليوم الثاني من نهاية حرب غزة.

مؤشرات سقوط نتانياهو وانتحاره السياسي والأخلاقي بقدر ما كانت باديةً أصبحت اليوم- بعد طلبات المدعي باستصدار قرار اعتقال بتهم إبادة جماعية في حقه وحق وزير دفاعه جالانت- أكثر من واضحة، وهذا يعني أن حركة نتانياهو خارج إسرائيل في حال صدور أوامر الاعتقال ستصبح محدودة جدا ومرصودة. كما ستؤثر اتهامات المحكمة الجنائية لنتانياهو على الداخل الإسرائيلي الذي يشهد تظاهرات متعاظمة ضد وجوده في السلطة، بعد أن أمهله بيني جانتس الوزير في مجلس الحرب أياما معدودة لوضع خطة عسكرية واضحة حول رفح (بالطبع سيعجز نتانياهو عن وضعها) وإلا سيعلن انسحابه من الحكومة اليمينية المتطرفة.

من جانب آخر، تتصاعد حدة الخلاف بين واشنطن ونتانياهو حيث بدا واضحا أن محادثات مستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان في إسرائيل لم تحقق شيئا أمام إصرار نتانياهو على اجتياح رفح.

ربما ينتظر الأمريكان تداعيات دراماتيكية لحراك الشارع الإسرائيلي الذي يطالب برحيل نتانياهو عبر الدعوة لانتخابات مبكرة، وربما تنهار حكومته بسبب خلافات مكوناتها، بعد انسحاب جانتس، لكن في كل الأحوال سيكون ثمن المضي في خطة اجتياح رفح فادحا جدا وستكون نتائجه كارثية نحو المزيد من السقوط الحر لنتانياهو نحو القاع.

قد لا تبدو هناك مقارنة بين طبيعة تأثير قرارات المحكمة الجنائية- حال صدورها- على إسماعيل هنية والسنوار ومحمد الضيف، من جهة، وتأثيرها على نتانياهو وجالانت من جهة ثانية، فعلاقة إسرائيل بأوروبا الغربية (التي كثير من دولها أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية) علاقة تنخرط في مسارات كثيرة ومصالح مشتركة قوية، ولاسيما مع بريطانيا وألمانيا وغيرها. لذلك سيصبح نتانياهو مشلولا.

بل في تقديرنا أنه قد يكون هناك ارتياح خفي في أوساط الإدارة الأمريكية لطلب المدعي العام للمحكمة الجنائية أوامر اعتقال ضد نتانياهو، لأن الأخير أصبح عديم الفائدة في أوساط الإدارة الأمريكية ولم يعد محلا للثقة.

كل هذه المعطيات قد تعجل بالخاتمة السياسية السيئة لنتانياهو وانتحاره السياسي.

وبالرغم من الانتحار السياسي الوشيك لنتانياهو خلال هذا الصيف ستظل معالجة تداعيات عملية طوفان الأقصى ضمن معادلة ذكرنا أكثر من مرة أنها معادلة لا يمكن معها العودة إلى واقع ما قبل ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ فالثمن الاستراتيجي لتسكين هذا الصراع المزمن هو ثمن لا يزال نتنياهو وقوى سياسية كثيرة متطرفة في إسرائيل ترفضه، أي حل الدولتين الذي أصبح أحد النتائج الضرورية لعملية طوفان الأقصى، بل كذلك الاتحاد الأوروبي أصبح اليوم من كبار الداعمين لحل الدولتين.

أما البديل الثاني فهو خيار الحرب الإقليمية الموسعة وهو خيار يكاد يرفضه الجميع سوى نتانياهو وحده.