صدور نعي من حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- شخصيًا في وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يكشف عن مستوى العلاقات العمانية الإيرانية الراسخة عبر المراحل التاريخية المختلفة. ويكشف عن فهم سلطنة عمان الدقيق لمكانة إيران في الإقليم وعن حكمة السياسة العمانية وبعد نظرها.

وإذا كانت تلك العلاقات وهذا المستوى من الاهتمام يؤكدان حسن الجوار والاهتمام بالبعد الجغرافي في بناء العلاقات السياسية فإنهما يدلان أيضًا على الرغبة المستمرة في حفظ السلام وإرساء الاستقرار في المنطقة التي نعيش فيها والتي تشهد الكثير من الصراعات والتحولات الجيوسياسية.

لقد شعرت عُمان بفداحة المأساة التي تعرضت لها إيران جراء سقوط الطائرة المقلة للرئيس وبعض أركان حكمه بما في ذلك وزير خارجيته وتعاطفت مع الشعب الإيراني في حزنه الكبير، لكن سلطنة عمان في الوقت نفسه تعرف -يقينًا- أن ما حدث لن يؤثر في استقرار الشعب الإيراني الصديق، وأن كيان الدولة أقوى بكثير من الصدمات العارضة حتى لو كانت في فداحة ما حصل. ورغم بقاء الحزن إلا أن إيران تمكنت بسرعة كبيرة من ترتيب بيتها الداخلي وفعّلت الدستور وأعلنت اسم الرئيس الذي عليه أن يدير المرحلة الانتقالية إلى حين الإعلان عن انتخابات رئاسية تجرى وفق مواد الدستور خلال ٥٠ يومًا من لحظة شغور منصب الرئيس. وهذا ديدن الدول العريقة التي تديرها القوانين والأنظمة وإنْ اعتقد البعض أنها تبدو في قبضة سلطة واحدة، لكن إيران أثبتت أنها دولة تحترم الدستور وتحترم تقاليد انتقال السلطة فيها.

ولا يمكن تجاهل الدور الذي قام به الرئيس الإيراني الراحل في ترسيخ العلاقات بين سلطنة عمان وبين إيران أو بين إيران وبقية دول المنطقة بما في ذلك المملكة العربية السعودية التي كان لعودة العلاقات الدبلوماسية معها أثره الكبير في المنطقة، وكان لسلطنة عمان والعراق دور كبير في عودة تلك العلاقات بين المملكة وإيران. وبرحيل رئيسي ووزير خارجيته تفقد إيران رجلين مهمين في بناء شبكة علاقات جديدة في المنطقة تقوم على فهم التحولات الكبرى التي تحدث في العالم. والواضح أن هذا الرحيل المفاجئ لن يغير من التوجهات الإيرانية التي تقوم على المبادئ والمصالح الإيرانية والإقليمية وستبقى الخيوط التي رسمها رئيسي أو تلك التي رسمها سلفه روحاني قائمة سواء في علاقات إيران مع جيرانها وفي التزاماتها الإقليمية والقانونية.

وفي هذا السياق يمكن الحديث عن تلك اللحظة الصعبة التي عاشتها إيران وهي تبحث عن رئيسها، حيث تضامنت معها الكثير من دول العالم بما فيها دول الجوار وعرضت تقديم أي نوع من أنواع المساعدة بما يخفف من معاناة الشعب الإيراني، هذه اللحظة يمكن البناء عليها في ترسيخ علاقات دبلوماسية بين إيران وبين دول الإقليم وبين الدول الكبرى بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي التي عرضت هي الأخرى مستوى من مستويات المساعدة والدعم.

إن العلاقات مع دولة بحجم إيران من شأنها أن تضيف للعالم إضافة كبيرة على كل المستويات فإيران دولة كبرى في محيطها ولديها تاريخ كبير سواء في السياق السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي وهذا من شأنه أن يقدم الكثير في بناء مشهد عالمي أو إقليمي متكامل.

ستتجاوز إيران الحادث رغم فظاعته وسيكمل الشعب الإيراني الصديق مسيرته سواء في فتح مسارات للعلاقات مع دول الجوار والعالم أو في مسيرة البناء الحضاري والمساهمة في تقدم البشرية وتطورها عبر العقول الإيرانية الفذة.