لقد انزاح السؤال الطبيعي: «ما الأهداف والأعمال التي يمكن أن تُوصلني إلى الامتياز؟» إلى سؤال جنوني: «ما الوصفة السرية التي يمكن بها خداع نظام «الكيرف» لنصل إلى مُبتغانا؟»، وهذا الانزياح في الوعي العام لدى أغلب الموظفين جديرٌ حقًا بالتمعُّن والقراءة؛ لأنّه يكشفُ عن نقيض ما يُؤمّلُ من نتائج!
فحتى اللحظة لا يعرفُ الموظف -على وجه الدقة- إن كان نظام إجادة يقيسُ الديباجات الإنشائية التي يكتبها، أو يقيسُ الأرقام التي يُحددها بيديه؟ إلا أنّ المؤكد هو عجز هذا النظام عن استقراء «القيمة» والأثر الذي قد يصنعه أحدنا في عمله! فما قيمة الطبيب عندما ينقذُ حياة إنسان؟ ما قيمة المعلم عندما يغرسُ وعيًا في الأجيال؟ ما قيمة الكاتب عندما ينسج الأفكار المغايرة، ما قيمة الحارس عندما يؤدي عمله بأمانة.. إلخ.. من يُعطي القيمة للقيمة؟
ففي الوقت الذي نظنُّ فيه أنّ النظام مصممٌ لتطوير الموظف، لرفع كفاءته التنافسية، لتحقيق عدالة أمينة بين المجتهد والمهمل، بين المتكلس والمُجد، نجد أنّ الموظف يسقطُ في فخ الإحباط والشعور بعدم الجدوى لا سيما عندما يتأكد أنّ «التميز» رهن نسبة ضئيلة ومُحددة من كل وحدة، نسبة لا تتجاوز ١٠٪، مما يعني أنّ يبقى الغالبية العظمى خارج إطار التنافس أصلًا !
الأكثر رعبًا، هو ربط النظام باستحقاقات الموظف وعلاواته الدورية، قبل أن يُثبت النظام كفاءته، قبل أن يُجرّب على وحدة واحدة على الأقل! قبل أن تُعالج أوجه القصور فيه! ولا أدري حقًا إن قام المسؤولون عنه بالاستفادة من التغذية الراجعة التي أفرزتها نتائج العام الماضي وتظلُّماته أم لا!
فحتى الآن يفتقدُ هذا النظام وجود مقياس حقيقي لقيمة العمل الذي نشتغل عليه! إذ لا يمكن لنظام أصمّ كهذا أن يُطبّق على كافة الوظائف، بكل تمايزها واختلاف خواصها وسماتها، وفي بيئات غير مُعدة بشكل جيد لخوض التجربة!
يكفي الإيهام المصطنع بالصعود «فوق التوقُّع» ونحن ننفذُ صميم أعمالنا اليومية! فكيف للآلة الصمّاء أن تنظر «للإنجاز» في نسيج الأعمال المتباينة؟، وكيف للأعمال التي تنهضُ على تنفيذ التعليمات أن تصمد في منافسة -غير عادلة- من هذا النوع؟
إنّ استيراد الأنظمة من تجارب بلدان أخرى لا يمنع تطويعها بما يتناسب مع بلداننا وطبيعة العمل لدينا، مع تهيئة داعمة لجعلها أكثر فائدة للناس، لخلق حالة مُلهمة تمسُ عصب الإنتاج الذي نصبو إليه، لا تكسير الأجنحة والإمكانيات الطموحة! فهل من الطبيعي أن يكون 55% من موظفي الدولة في مستوى جيد وضعيف، 35% جيدا جدا، 10% هم فقط من حصلوا على درجة الامتياز؟
إنّ ما تصنعه إجادة حتى اللحظة: تعزيز «الـلافهم» والشعور بالغرابة جوار كل ما يعتملُ في الموظف من تقييم سلبي لهذه التجربة، فحتى من نظن أنّهم يملكون مفاتيح الدهاليز السرية لإجادة يُخفقون في إعطاء «الوصفة» لأنفسهم، لشدة ما تنغلقُ وتتكتمُ «الإجادة» على أسرارها، كما تفعلُ الألغاز الغامضة التي تُحير العالم!
بالتأكيد لا يكمن الحل في إلغاء المنظومة، كما لا يكمن في التوقف عن ربطها بالترقيات والعلاوات، فقد صُممت للتحفيز ولبث روح الابتكار وشحذ الهمم، ولكن بعد مضيّ العام الثالث من التجربة، نحتاجُ وقفة مراجعة جادة وعميقة، قائمة على التحليل والدراسة؛ لننظر في الأثر الذي أفرزته «إجادة» بين أوساط الموظفين، إلى أن نتمكن من جعلها أداة قياس فاعلة وحقيقية.
فمن حق الموظف أن يتبصّر الطريق الذي يقوده إلى الامتياز بوضوح تام. ومن حقه أيضا أن يتعرف على مكمن إخفاقاته التي تحرمه من الوصول بموضوعية وشفافية تامة! ومن حقنا جميعا أن نُدرك معايير القياس التي تُقاس بها «قيمة» ما ننتج! دون أن تنطوي المسألة على ألاعيب مُخاتلة، ودون أن نضطر لمراوغة الأمزجة الشخصية للمسؤولين، أخذًا بنصيحة رسول حمزتوف: «لا قياس للإنسان أفضل من عمله»!
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى