قبل عقد ونصف من الزمن كان «البعض» ما زال يعتقد أن سلطنة عُمان منزوية عن العالم ومنهمكة في قضاياها الداخلية ولا تعير الشأن الإقليمي والدولي كثير اهتمام، وأن حضورها خارجيا يتسم بالكثير من الحذر وسياستها بالحياد الذي لا يشكل موقفا واضحا. ورغم أن سلطنة عمان، كانت وما زالت، تُعير الشأن الداخلي الاهتمام الأكبر لأنها تعتبر التنمية الداخلية مشروعها الأهم، والبناء الداخلي همها الأكبر الذي يمكّنها من المساهمة الفعالة والمثرية في الشأنين الإقليمي والدولي. لكنّ تلك الصورة الذهنية التي تشكلت لدى أولئك، العامة في الغالب، عن سلطنة عمان اختلفت كثيرا في السنوات الأخيرة، فأصبح الجميع يعرف عُمان بأنها بلد السلام والأمن وبلد المواقف السياسية الصادقة التي لا تغيرها المصالح الضيقة، وهذا الأمر أكسب سلطنة عمان احترام العالم أجمع، بل إن الجميع على اختلاف مواقفهم وتوجهاتهم يثقون في سلطنة عُمان وفي مسارات سياستها ومواقفها من الأحداث، إلى درجة أن الجماهير العربية باتت تتبنى المواقف السياسية التي تشكلها سلطنة عمان باعتبارها المواقف التي تمثل الأصالة العربية والقيم العربية والإسلامية.
وهذا بدوره انعكس إيجابا على سلطنة عمان فالجميع ينظر إليها باعتبارها واحة أمن وآمان وملاذا آمنا للاستثمارات الدولية وتجاوزت هذه النظرة الجوانب الاقتصادية أو الرؤية السياسية إلى الاحتفاء بالثقافة العمانية ومفرداتها وكنوزها الحضارية.
وبدأت الكثير من دور النشر العالمية في ترجمة الكثير من الأعمال الأدبية العمانية التي استطاعت أن ترسخ حضورها دوليا وعربيا وتحظى باحترام كبير نتيجة الرؤية العميقة التي تنطلق منها وتعالج بها القضايا الإنسانية. وفي أكتوبر الماضي اختارت المملكة العربية السعودية سلطنة عمان لتكون ضيف شرف على معرض الرياض الدولي للكتاب، لكن ذلك الاحتفاء لم يقتصر على الكتاب العماني الذي حضر بشكل لافت في الرياض ولكنها تجاوزه إلى الاحتفاء بكل المفردات الثقافية العمانية.. وفي هذه الأيام تحل سلطنة عمان أيضا، ضيف شرف على معرض الدوحة الدولي للكتاب، وما زال الحضور الثقافي هناك يثري المعرض ويطرح الكثير من الرؤى والأسئلة الثقافية والفلسفية التي تشغل العرب وتحاول تقديم رؤية إنسانية لا تخلو من انعكاس للتجربة العمانية الطويلة.
إن أسئلة العقود الماضية تلاشت الآن وحضرت أسئلة جديدة تتعلق دائما عن ماذا تقول عُمان؟ وإلى أين تتجه سياستها؟ وكيف يمكن أن نتواءم مع مواقفها السياسية خاصة في إقليمها الذي تفهم جيدا نظرا لحضورها التاريخي الطويل.. بل إن الأمر تجاوز ذلك كثيرا إلى درجة أصبحت الثقافة العمانية والدبلوماسية العمانية والرؤية العمانية كلها مفردات تشكل قوة ناعمة تجذب المنطقة وتنعكس على مساراتها السياسية والثقافية.
لقد رسخت سلطنة عُمان حضورها بكثير من الذكاء وهي اليوم تجني ثمرة سنوات طويلة من العمل والبناء، وقرون طويلة من التراكم التاريخي والمساهمة في الحضارة الإنسانية.. ولذلك تسير عُمان في طريق صحيح وفي خط سياسي متمسك بالمبادئ الحضارية والقيم الأخلاقية التي لن يختلف حولها أحد؛ ولذلك يحتفي بها الجميع ويتبعها الجميع.