بصيغ مختلفة شاعت فكرة تبدو شديدة الغرابة بادئ الأمر، لكنها ما تلبثُ - بقليل من التأني- أن تغدو مُمكنة. تلك الفكرة التي تقول بأنّ ما يحدث في فلسطين -بطريقة أو بأخرى- بات يُحرر الغرب من أمرين، الأول: يتعلقُ بالصور النمطية المتعفنة -لدى بعضهم- حول العرب والمسلمين وبدائيتهم التي تمسخهم إلى قتلة وهمج وإرهابيين، وهي صورة قديمة تعود بنا إلى كتابات المستشرقين قديما وإمبراطورية هوليود حديثا.
الأمر الثاني: يبدو أقرب إلى ما قالته ناشطة على السوشال ميديا بأنّ الغرب يعيش في مكان مُصمم لجعل الإنسان مُغيبا ومُشتتا يعملُ بصمت كما يفعل الهامستر الذي يدور في عجلته طوال اليوم في قفص ضيق. ينظرُ لاهثا في اتجاه واحد، جاعلا نصب عينيه هدف أن يُسدد فواتيره والتزاماته اللانهائية، لكنه بعد دوران طويل في عجلة مُفرغة من المعنى اكتشف أنّ الضرائب الطائلة التي يتكبدها بمشقة تذهبُ لشعب يُتاح له التعليم المجاني والسكن والرفاهية لحمايته ولضمان ولائه في مكان ليس له أصلا!
لذا وبعد صحوة متأخرة، شاهدنا أشكالا مختلفة في الغرب للتعبير عن هاجس الاحتجاج - وهي جديرة بالدراسة والتفنيد حقا- فهنالك من زرع الأحذية ليُعبر عن الذين غابوا دون أن يُنظر إلى غيابهم بأنّه ذو أهمية، شاهدنا أيضا النوافير التي خالط مياها لونٌ أحمر قانٍ ليذكروا الناس بالدماء المهدورة. كما زُرعت أعلام فلسطين كما يغرس حقل في أماكن شتى من العالم بعد أن كانت نسيا منسيا، ومشت النساء بين العلامات التجارية الداعمة وهنّ يحملن بين أيديهن ما يُعيد تمثيل موت أطفال غزة، ولُطخت المنتجات الداعمة بدماء ثخينة في لوحات الإعلانات!
راقبنا أيضا موجة الاحتجاجات التي اندلعت من عديد الجامعات في العالم، والتي كان مطلبها الأساسي: وقف إطلاق النار على غزة، وسحب استثمارات تلك الجامعات من الشركات التي تورد الأسلحة. وصل الأمر ببعضهم إلى الإضراب عن الطعام، وذلك لتوفير ورقة ضغط على جامعاتهم. لقد قدموا لنا درسا قاسيا، فرغم كل المشتركات التي تجمعنا بأهلنا في غزة، من قبيل: اللغة والدين والتاريخ والجغرافيا، إلا أنّ المؤازرة - باستثناءات قليلة- كانت باهتة وربما عديمة الجدوى! وكأنّ الخنوع لمس عصب حياتنا فأماتنا، فلم تكن الجامعات العربية أكثر من مجرد صدى لما فعلته الجامعات في أمريكا والغرب. ولعل السؤال الذي لمع في أذهان أغلبنا: من هم هؤلاء؟ وما الذي يدفعهم إلى صمود من هذا النوع؟ لاسيما وأنّهم ينتمون إلى جامعات راسخة وذات مكانة علمية رفيعة، ومن المؤكد أنّ خسائرهم - جراء موقفهم هذا- ستكون فادحة!
لقد تملكنا فضول شاسع، فمن أي خلفية ثقافية جاء هؤلاء الشباب؟ أهم نتاج الهجرة العربية المُتسارعة في السنوات الأخيرة أمّ نتيجة جرعة الوعي الجديدة التي كسرت الشماعة التي تُعلق عليها كل المشانق وأعني معاداة السامية؟
بحسب ما نشرته «فرانس٢٤» فإنهم ينتمون غالبا للديانتين الإسلامية واليهودية، «طلبة من أجل العدالة في فلسطين والصوت اليهودي من أجل السلام». لكن المفاجأة أن يُقابل احتجاج طلبة الجامعات السلمي هذا بموجة من العنف، فقد اتخذت ضدهم إجراءات تأديبية، بل إنّ بعضهم بات مُهددا بالطرد. الأمر الذي يجعلنا إزاء صدمة إعادة التعرف على هذه البلدان التي لطالما وقعنا في حسد ديمقراطيتها وتحضرها لا سيما فيما يتعلق بحقوق البشر!
إنّ ما يحدث في الغرب الآن يُرينا جيلا جديدا يُريد قصّة مُغايرة خارج التعتيم الإعلامي السابق الذي رسم ظلالا قاتمة على شعوب ثرية بتنوعها وبمشتركاتها، يريدُ قصّة تنتصرُ للإنسان، فهل أيقظتهم «غزة» حقا وأخرجت الهامستر من ركضه عديم الجدوى؟
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
الأمر الثاني: يبدو أقرب إلى ما قالته ناشطة على السوشال ميديا بأنّ الغرب يعيش في مكان مُصمم لجعل الإنسان مُغيبا ومُشتتا يعملُ بصمت كما يفعل الهامستر الذي يدور في عجلته طوال اليوم في قفص ضيق. ينظرُ لاهثا في اتجاه واحد، جاعلا نصب عينيه هدف أن يُسدد فواتيره والتزاماته اللانهائية، لكنه بعد دوران طويل في عجلة مُفرغة من المعنى اكتشف أنّ الضرائب الطائلة التي يتكبدها بمشقة تذهبُ لشعب يُتاح له التعليم المجاني والسكن والرفاهية لحمايته ولضمان ولائه في مكان ليس له أصلا!
لذا وبعد صحوة متأخرة، شاهدنا أشكالا مختلفة في الغرب للتعبير عن هاجس الاحتجاج - وهي جديرة بالدراسة والتفنيد حقا- فهنالك من زرع الأحذية ليُعبر عن الذين غابوا دون أن يُنظر إلى غيابهم بأنّه ذو أهمية، شاهدنا أيضا النوافير التي خالط مياها لونٌ أحمر قانٍ ليذكروا الناس بالدماء المهدورة. كما زُرعت أعلام فلسطين كما يغرس حقل في أماكن شتى من العالم بعد أن كانت نسيا منسيا، ومشت النساء بين العلامات التجارية الداعمة وهنّ يحملن بين أيديهن ما يُعيد تمثيل موت أطفال غزة، ولُطخت المنتجات الداعمة بدماء ثخينة في لوحات الإعلانات!
راقبنا أيضا موجة الاحتجاجات التي اندلعت من عديد الجامعات في العالم، والتي كان مطلبها الأساسي: وقف إطلاق النار على غزة، وسحب استثمارات تلك الجامعات من الشركات التي تورد الأسلحة. وصل الأمر ببعضهم إلى الإضراب عن الطعام، وذلك لتوفير ورقة ضغط على جامعاتهم. لقد قدموا لنا درسا قاسيا، فرغم كل المشتركات التي تجمعنا بأهلنا في غزة، من قبيل: اللغة والدين والتاريخ والجغرافيا، إلا أنّ المؤازرة - باستثناءات قليلة- كانت باهتة وربما عديمة الجدوى! وكأنّ الخنوع لمس عصب حياتنا فأماتنا، فلم تكن الجامعات العربية أكثر من مجرد صدى لما فعلته الجامعات في أمريكا والغرب. ولعل السؤال الذي لمع في أذهان أغلبنا: من هم هؤلاء؟ وما الذي يدفعهم إلى صمود من هذا النوع؟ لاسيما وأنّهم ينتمون إلى جامعات راسخة وذات مكانة علمية رفيعة، ومن المؤكد أنّ خسائرهم - جراء موقفهم هذا- ستكون فادحة!
لقد تملكنا فضول شاسع، فمن أي خلفية ثقافية جاء هؤلاء الشباب؟ أهم نتاج الهجرة العربية المُتسارعة في السنوات الأخيرة أمّ نتيجة جرعة الوعي الجديدة التي كسرت الشماعة التي تُعلق عليها كل المشانق وأعني معاداة السامية؟
بحسب ما نشرته «فرانس٢٤» فإنهم ينتمون غالبا للديانتين الإسلامية واليهودية، «طلبة من أجل العدالة في فلسطين والصوت اليهودي من أجل السلام». لكن المفاجأة أن يُقابل احتجاج طلبة الجامعات السلمي هذا بموجة من العنف، فقد اتخذت ضدهم إجراءات تأديبية، بل إنّ بعضهم بات مُهددا بالطرد. الأمر الذي يجعلنا إزاء صدمة إعادة التعرف على هذه البلدان التي لطالما وقعنا في حسد ديمقراطيتها وتحضرها لا سيما فيما يتعلق بحقوق البشر!
إنّ ما يحدث في الغرب الآن يُرينا جيلا جديدا يُريد قصّة مُغايرة خارج التعتيم الإعلامي السابق الذي رسم ظلالا قاتمة على شعوب ثرية بتنوعها وبمشتركاتها، يريدُ قصّة تنتصرُ للإنسان، فهل أيقظتهم «غزة» حقا وأخرجت الهامستر من ركضه عديم الجدوى؟
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى