ترجمة: أحمد شافعي -
الأشد تشاؤما، في ما يتعلق بالشرق الأوسط، هو الأشد ذكاء. تنبأوا بالأسوأ كي لا تخطئوا إلا قليلا. وإن أخطأتم، فما ذلك إلا لأن نبوءاتكم ليست بالقتامة الواجبة.
وإذن ارتدوا نظاراتكم المعتمة وأنتم تقدِّرون أحداث الأسبوع الماضي، وسترون فجر حقبة جديدة مقبضة، ترون فيها أقوى قوتين في المنطقة، أي إسرائيل وإيران، تتبادلان الضربات مباشرة. ففي نهاية الأسبوع الماضي، تجاوزت إيران ما كان من قبل خطا أحمر، إذ استهدفت الأراضي الإسرائيلية للمرة الأولى بوابل من الصواريخ والمسيّرات. وفي أولى ساعات صباح الجمعة الماضية ردت إسرائيل بسلسلة من ضربات المسيّرات الموجهة لأهداف داخل إيران، منها أصفهان، وهي موقع قاعدة عسكرية وموقع برنامج إيران النووي الماضي في تقدمه. وليس على أحد أن يكون كارل فون كلاوزفيتز ليعلم أن انخراط قوتين إقليميتين، إحداهما طامحة لأن تكون دولة نووية، والأخرى دولة نووية قائمة، في تبادل ضربات تستهدف الأراضي الخاضعة لسيادة كل منهما أمر يمثل خطرا.
وليس للمتشائم من سلوى عند من يصرون أن كلا الجانبين يحاول بوضوح اجتناب تصعيد كبير إلى حرب كاملة. فقد شملت الهجمة الإيرانية على إسرائيل مائة وسبعين طائرة مسيرة وثلاثين صاروخ كروز وأكثر من مائة وعشرين صاروخا باليستيا، أي ثلاثة أمثال عدد المقذوفات التي تلقتها أوكرانيا في أولى ليالي الصدمة والرعب من الحرب الروسية في فبراير 2022، ولم يحل دون وقوع خسائر فادحة في الأرواح إلا قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها، ودعم الحلفاء لجهودها في ذلك.
أما عن رد إسرائيل فقد يبدو محسوبًا جيدًا لكي لا يبعث ما هو أكثر فتكا من رسالة، حتى لو كانت تلك الرسالة على حد قول ضابط مخابرات إسرائيلي سابق هي: «لو أردنا لوجَّهنا إليكم رسالة أقوى». لا تزال التفاصيل غائمة، فليس في البلدين من يتعجل إيضاح ما جرى بالضبط، لكن التقارير تشير إلى أن إسرائيل ربما أطلقت «مسيَّرات رباعية النصال» [quadcopters] سابقة التخزين ربما في مواقع سرية داخل إيران نفسها، وقد أطلقتها على بعض أكثر المواقع حساسية وبعض الإنشاءات العسكرية رفيعة القيمة. ربما لم يكن الهدف أكثر من رغبة إسرائيلية في القول للجيش الإيراني إنهم يعرفون أين هم، وإنهم قادرون على الوصول إليهم، ولكن حتى هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر، لأن الأمور يمكن أن تسوء بسهولة بالغة، فكلا الطرفين يلعب ببعض النار الخطيرة في منطقة مقامة من مواد قابلة للاشتعال.
وإذن، نعم، قد تقول السلطات في كلا البلدين -كل بطريقتها- إن الأمور بالنسبة لها تحت السيطرة، مع إصرار الإيرانيين على أن الهجوم الإسرائيلي كان فشلًا مهينًا لم يتسبب حتى في خدوش، ومع ثقة الإسرائيليين في أن إيران الآن قد ارتدعت. لكن أهل المنطقة، القلقين من رفع أعينهم إلى السماء، لهم أسبابهم الوجيهة للتشكك في ذلك كله.
وتذكروا أن خبراء المخابرات العسكرية الإسرائيليين العلماء بكل شيء، وسادتهم السياسيين، هم الذين قالوا قبل السابع من أكتوبر إن حماس ارتدعت، ويعلم الإسرائيليون اليوم تمام العلم كيف كانت نتيجة ذلك. وأولئك الحكماء الإسرائيليون أنفسهم هم الذين ظنوا بالمثل أنه لن يصدر عن الإيرانيين رد فعل ذو شأن على اغتيال إسرائيل لقائد رفيع المستوى في الحرس الثوري الإيراني ونائبه في دمشق في الأول من أبريل، وتبين أن تلك الواقعة هي التي أثارت الرد الهائل الذي شهدناه في الأسبوع الماضي. والإيرانيون أيضا قادرون على أن يسيئوا قراءة العلامات، مثلما تبين من سلوك «وكلائهم» في المنطقة. وثمة دليل قوي على أن حماس أساءت كثيرا تقدير الرد الإسرائيلي على هجمات السابع من أكتوبر -التي كان مؤكدًا أنها سوف تجلب انتقاما رهيبا- واعتقدت أن شهورا من المظاهرات ضد انقلاب بنيامين نتانياهو القضائي ستجعل إسرائيل أضعف من أن ترد. ولا يزال المدنيون الفلسطينيون في غزة -ممن فقدوا الكثيرين للغاية من أبنائهم- مستمرين في دفع ثمن سوء الحسابات.
ولا خير في أن القيادة في كل من إيران وإسرائيل خاضعة لضغط مستمر من عناصر أشد عدوانية. فبرغم أن ذلك يخالف صورته العالمية، لكن الحقيقة هي أن نتانياهو كان من الأصوات الأكثر اعتدالا في معرض درس إسرائيل خياراتها بعد القصف الإيراني. فلم يكن المتطرفان القوميان بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن جفير وحدهما هما اللذان طالبا إسرائيل بالرد بقوة، فضلًا عن وصف الأخير لعملية الجمعة الماضية بـ«الضعيفة». إذ أن بيني جانتس، زعيم المعارضة الذي انضم إلى حكومة نتانياهو الحربية، قد حثَّ رئيس الوزراء على إصدار الأمر برد فوري في نهاية الأسبوع الماضي. وفي طهران، يمثل المرشد الأعلى علي خامنئي -الذي بلغ الخامسة والثمانين يوم الجمعة- الوجه الثيوقراطي لمؤسسة عسكرية تضم في الحرس الثوري أشخاصًا لديهم طموحات إمبريالية لإيران، وهي طموحات لا يمكن اعتبارها وهمًا، في ضوء سيطرة إيران -من خلال الوكلاء بالدرجة الأساسية- على مساحات شاسعة في سوريا ولبنان واليمن والعراق وغزة. (وعلى حد قول توماس فريدمان الكاتب في نيويورك تايمز، لم يكن الجنرال الإيراني الذي قتلته إسرائيل في سوريا في مطلع الشهر «موجودا هناك بتأشيرة سياحية»).كل هذه أسباب للتخوف من الخطوط التي تم اجتيازها والتابوهات التي تم اختراقها، مع تحول المواجهة المستمرة منذ عقود بين القوتين إلى الشكل المباشر. ومع ذلك، لو تخليتم عن النظارات القاتمة واستبدلتم بها أخرى وردية العدسات، فبوسعكم إن أمعنتم النظر أن تروا صورة أكثر أملًا.
بالطبع، يبقى خطر التصعيد -ولو عن طريق الخطأ- واقعيا. ومع ذلك، من المهم أن كلا الطرفين على أقل تقدير يتخذ خطوات لاجتناب هذه النتيجة، حتى وهما يحاولان إرضاء ضغوط داخلية تطالب بإجراءات قوية. فقد كان كل من الهجمة الإسرائيلية، والجهود الإيرانية للتهوين من أمرها، يتعلق جزئيا بحفظ ماء الوجه، لكن يتعلق أيضا باحتواء وضع كان يمكن لولا ذلك أن يتفاقم. وذلك فضل زهيد، ومع ذلك يجب أن نشعر له بالامتنان.
ولعل الأكثر إدهاشا هو هذا: بوسعكم أن تلمحوا في حرب الظل هذه ملامح مستقبل مختلف وأكثر سلمية في المنطقة. لأن استهداف إيران المباشر لأراضٍ إسرائيلية الأسبوع الماضي لم يكن وحده الأول من نوعه تاريخيا. فقد كان غير مسبوق أيضًا أن إسرائيل صدت تلك الصواريخ بفضل تحالف ضم طبعًا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، لكنه ضم أيضًا دولًا عربية. نعم، عندكم حق: لقد تمت حماية إسرائيل من النيران الإيرانية بفضل مجموعة من دول عربية.
وهذا أمر ذو شأن. فهو يعني أن التحالف الشفري حتى الآن بين إسرائيل وهذه الدول التي تخاف طهران أكثر مما تخاف تل أبيب قد خرج إلى النور. ففي نهاية الأسبوع الماضي، بات حقيقة. وذلك يمثل فرصة دبلوماسية هائلة، يمكن أن تعطي إسرائيل ما ظلت تفتقر إليه منذ تأسيسها: أي مكان مقبول في الشرق الأوسط. وقد قال توم فليتشر مستشار السياسة الخارجية السابق في الحكومة البريطانية لبي بي سي صباح الجمعة الماضي إن «جائزة قيام علاقة مختلفة بين إسرائيل ومنطقتها لم تزل على الطاولة، برغم ما لا يزال يجري في غزة».
ولكي تنال إسرائيل تلك الجائزة، كان عليها أن تفعل ما تطالب به الولايات المتحدة وغيرها: أي أن تعرض على الفلسطينيين أفقا سياسيا يحتوي احتمال قيام دولة فلسطينية في نهاية المطاف. ولن يكون ذلك بالأمر اليسير على الإسرائيليين، خاصة بعد السابع من أكتوبر إذ يتخوف الكثيرون للغاية من أن دولة كهذه من شأنها أن تصبح منصة إطلاق للمزيد من الهجمات المماثلة عليهم. لكن لو أن بوسع الإسرائيليين القيام بهذه الخطوة، فإن مستقبلا جديدا تماما يمكن أن ينطلق ، مستقبل يشهد إحاطة إيران أخيرا بتحالف بلاد متحدة في عزمها على إيقاف طهران ومنعها من إحداث الفوضى الإقليمية من خلال الميليشيات والأنظمة التي تسيطر عليها. وذلك أمر يمكن تحقيقه، لكن ليس بدون إحلال زعيم محل نتانياهو يكون مستعدًا وقادرًا على اغتنام الفرصة التي كشفت عنها نهاية الأسبوع الماضي. فهل سيحدث هذا؟ تذكروا أن أسرع السبل إلى خسارة المال هي المراهنة على الأمل في الشرق الأوسط. لكن الأمل، شأن المقامرة، عادة يصعب التخلي عنها.
جوناثان فريلاند من كتاب أعمدة الرأي في جارديان
الأشد تشاؤما، في ما يتعلق بالشرق الأوسط، هو الأشد ذكاء. تنبأوا بالأسوأ كي لا تخطئوا إلا قليلا. وإن أخطأتم، فما ذلك إلا لأن نبوءاتكم ليست بالقتامة الواجبة.
وإذن ارتدوا نظاراتكم المعتمة وأنتم تقدِّرون أحداث الأسبوع الماضي، وسترون فجر حقبة جديدة مقبضة، ترون فيها أقوى قوتين في المنطقة، أي إسرائيل وإيران، تتبادلان الضربات مباشرة. ففي نهاية الأسبوع الماضي، تجاوزت إيران ما كان من قبل خطا أحمر، إذ استهدفت الأراضي الإسرائيلية للمرة الأولى بوابل من الصواريخ والمسيّرات. وفي أولى ساعات صباح الجمعة الماضية ردت إسرائيل بسلسلة من ضربات المسيّرات الموجهة لأهداف داخل إيران، منها أصفهان، وهي موقع قاعدة عسكرية وموقع برنامج إيران النووي الماضي في تقدمه. وليس على أحد أن يكون كارل فون كلاوزفيتز ليعلم أن انخراط قوتين إقليميتين، إحداهما طامحة لأن تكون دولة نووية، والأخرى دولة نووية قائمة، في تبادل ضربات تستهدف الأراضي الخاضعة لسيادة كل منهما أمر يمثل خطرا.
وليس للمتشائم من سلوى عند من يصرون أن كلا الجانبين يحاول بوضوح اجتناب تصعيد كبير إلى حرب كاملة. فقد شملت الهجمة الإيرانية على إسرائيل مائة وسبعين طائرة مسيرة وثلاثين صاروخ كروز وأكثر من مائة وعشرين صاروخا باليستيا، أي ثلاثة أمثال عدد المقذوفات التي تلقتها أوكرانيا في أولى ليالي الصدمة والرعب من الحرب الروسية في فبراير 2022، ولم يحل دون وقوع خسائر فادحة في الأرواح إلا قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها، ودعم الحلفاء لجهودها في ذلك.
أما عن رد إسرائيل فقد يبدو محسوبًا جيدًا لكي لا يبعث ما هو أكثر فتكا من رسالة، حتى لو كانت تلك الرسالة على حد قول ضابط مخابرات إسرائيلي سابق هي: «لو أردنا لوجَّهنا إليكم رسالة أقوى». لا تزال التفاصيل غائمة، فليس في البلدين من يتعجل إيضاح ما جرى بالضبط، لكن التقارير تشير إلى أن إسرائيل ربما أطلقت «مسيَّرات رباعية النصال» [quadcopters] سابقة التخزين ربما في مواقع سرية داخل إيران نفسها، وقد أطلقتها على بعض أكثر المواقع حساسية وبعض الإنشاءات العسكرية رفيعة القيمة. ربما لم يكن الهدف أكثر من رغبة إسرائيلية في القول للجيش الإيراني إنهم يعرفون أين هم، وإنهم قادرون على الوصول إليهم، ولكن حتى هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر، لأن الأمور يمكن أن تسوء بسهولة بالغة، فكلا الطرفين يلعب ببعض النار الخطيرة في منطقة مقامة من مواد قابلة للاشتعال.
وإذن، نعم، قد تقول السلطات في كلا البلدين -كل بطريقتها- إن الأمور بالنسبة لها تحت السيطرة، مع إصرار الإيرانيين على أن الهجوم الإسرائيلي كان فشلًا مهينًا لم يتسبب حتى في خدوش، ومع ثقة الإسرائيليين في أن إيران الآن قد ارتدعت. لكن أهل المنطقة، القلقين من رفع أعينهم إلى السماء، لهم أسبابهم الوجيهة للتشكك في ذلك كله.
وتذكروا أن خبراء المخابرات العسكرية الإسرائيليين العلماء بكل شيء، وسادتهم السياسيين، هم الذين قالوا قبل السابع من أكتوبر إن حماس ارتدعت، ويعلم الإسرائيليون اليوم تمام العلم كيف كانت نتيجة ذلك. وأولئك الحكماء الإسرائيليون أنفسهم هم الذين ظنوا بالمثل أنه لن يصدر عن الإيرانيين رد فعل ذو شأن على اغتيال إسرائيل لقائد رفيع المستوى في الحرس الثوري الإيراني ونائبه في دمشق في الأول من أبريل، وتبين أن تلك الواقعة هي التي أثارت الرد الهائل الذي شهدناه في الأسبوع الماضي. والإيرانيون أيضا قادرون على أن يسيئوا قراءة العلامات، مثلما تبين من سلوك «وكلائهم» في المنطقة. وثمة دليل قوي على أن حماس أساءت كثيرا تقدير الرد الإسرائيلي على هجمات السابع من أكتوبر -التي كان مؤكدًا أنها سوف تجلب انتقاما رهيبا- واعتقدت أن شهورا من المظاهرات ضد انقلاب بنيامين نتانياهو القضائي ستجعل إسرائيل أضعف من أن ترد. ولا يزال المدنيون الفلسطينيون في غزة -ممن فقدوا الكثيرين للغاية من أبنائهم- مستمرين في دفع ثمن سوء الحسابات.
ولا خير في أن القيادة في كل من إيران وإسرائيل خاضعة لضغط مستمر من عناصر أشد عدوانية. فبرغم أن ذلك يخالف صورته العالمية، لكن الحقيقة هي أن نتانياهو كان من الأصوات الأكثر اعتدالا في معرض درس إسرائيل خياراتها بعد القصف الإيراني. فلم يكن المتطرفان القوميان بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن جفير وحدهما هما اللذان طالبا إسرائيل بالرد بقوة، فضلًا عن وصف الأخير لعملية الجمعة الماضية بـ«الضعيفة». إذ أن بيني جانتس، زعيم المعارضة الذي انضم إلى حكومة نتانياهو الحربية، قد حثَّ رئيس الوزراء على إصدار الأمر برد فوري في نهاية الأسبوع الماضي. وفي طهران، يمثل المرشد الأعلى علي خامنئي -الذي بلغ الخامسة والثمانين يوم الجمعة- الوجه الثيوقراطي لمؤسسة عسكرية تضم في الحرس الثوري أشخاصًا لديهم طموحات إمبريالية لإيران، وهي طموحات لا يمكن اعتبارها وهمًا، في ضوء سيطرة إيران -من خلال الوكلاء بالدرجة الأساسية- على مساحات شاسعة في سوريا ولبنان واليمن والعراق وغزة. (وعلى حد قول توماس فريدمان الكاتب في نيويورك تايمز، لم يكن الجنرال الإيراني الذي قتلته إسرائيل في سوريا في مطلع الشهر «موجودا هناك بتأشيرة سياحية»).كل هذه أسباب للتخوف من الخطوط التي تم اجتيازها والتابوهات التي تم اختراقها، مع تحول المواجهة المستمرة منذ عقود بين القوتين إلى الشكل المباشر. ومع ذلك، لو تخليتم عن النظارات القاتمة واستبدلتم بها أخرى وردية العدسات، فبوسعكم إن أمعنتم النظر أن تروا صورة أكثر أملًا.
بالطبع، يبقى خطر التصعيد -ولو عن طريق الخطأ- واقعيا. ومع ذلك، من المهم أن كلا الطرفين على أقل تقدير يتخذ خطوات لاجتناب هذه النتيجة، حتى وهما يحاولان إرضاء ضغوط داخلية تطالب بإجراءات قوية. فقد كان كل من الهجمة الإسرائيلية، والجهود الإيرانية للتهوين من أمرها، يتعلق جزئيا بحفظ ماء الوجه، لكن يتعلق أيضا باحتواء وضع كان يمكن لولا ذلك أن يتفاقم. وذلك فضل زهيد، ومع ذلك يجب أن نشعر له بالامتنان.
ولعل الأكثر إدهاشا هو هذا: بوسعكم أن تلمحوا في حرب الظل هذه ملامح مستقبل مختلف وأكثر سلمية في المنطقة. لأن استهداف إيران المباشر لأراضٍ إسرائيلية الأسبوع الماضي لم يكن وحده الأول من نوعه تاريخيا. فقد كان غير مسبوق أيضًا أن إسرائيل صدت تلك الصواريخ بفضل تحالف ضم طبعًا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، لكنه ضم أيضًا دولًا عربية. نعم، عندكم حق: لقد تمت حماية إسرائيل من النيران الإيرانية بفضل مجموعة من دول عربية.
وهذا أمر ذو شأن. فهو يعني أن التحالف الشفري حتى الآن بين إسرائيل وهذه الدول التي تخاف طهران أكثر مما تخاف تل أبيب قد خرج إلى النور. ففي نهاية الأسبوع الماضي، بات حقيقة. وذلك يمثل فرصة دبلوماسية هائلة، يمكن أن تعطي إسرائيل ما ظلت تفتقر إليه منذ تأسيسها: أي مكان مقبول في الشرق الأوسط. وقد قال توم فليتشر مستشار السياسة الخارجية السابق في الحكومة البريطانية لبي بي سي صباح الجمعة الماضي إن «جائزة قيام علاقة مختلفة بين إسرائيل ومنطقتها لم تزل على الطاولة، برغم ما لا يزال يجري في غزة».
ولكي تنال إسرائيل تلك الجائزة، كان عليها أن تفعل ما تطالب به الولايات المتحدة وغيرها: أي أن تعرض على الفلسطينيين أفقا سياسيا يحتوي احتمال قيام دولة فلسطينية في نهاية المطاف. ولن يكون ذلك بالأمر اليسير على الإسرائيليين، خاصة بعد السابع من أكتوبر إذ يتخوف الكثيرون للغاية من أن دولة كهذه من شأنها أن تصبح منصة إطلاق للمزيد من الهجمات المماثلة عليهم. لكن لو أن بوسع الإسرائيليين القيام بهذه الخطوة، فإن مستقبلا جديدا تماما يمكن أن ينطلق ، مستقبل يشهد إحاطة إيران أخيرا بتحالف بلاد متحدة في عزمها على إيقاف طهران ومنعها من إحداث الفوضى الإقليمية من خلال الميليشيات والأنظمة التي تسيطر عليها. وذلك أمر يمكن تحقيقه، لكن ليس بدون إحلال زعيم محل نتانياهو يكون مستعدًا وقادرًا على اغتنام الفرصة التي كشفت عنها نهاية الأسبوع الماضي. فهل سيحدث هذا؟ تذكروا أن أسرع السبل إلى خسارة المال هي المراهنة على الأمل في الشرق الأوسط. لكن الأمل، شأن المقامرة، عادة يصعب التخلي عنها.
جوناثان فريلاند من كتاب أعمدة الرأي في جارديان