تمر المناسبات المُبهجة على البعض دون فرح أو مرح، تمر كشمس في سماء عارية لا يُرتجى منها ضياء ولا دفء أو حتى لحظة آسرة، فكيف نفرح وصور الألم والفقدان والقهر لا تفارق المخيلة ولا تخرج بتاتا من البال؛ صور الأجساد البريئة التي تتهاطل في فلسطين، فعن أي فرح سنحكي وعن أي عيد سنكتب؟! وكأن اليأس لا يود أن يفارقنا برهة، وحتى إذا التزمنا نحن الكبار بتأجيل فرحة العيد إلى أن يتوقف حمام الدماء في غزة، أو تتعافى الجراح المثخنة ويعود المهجرون إلى ديارهم، فإن للأطفال -الذين يشاركون بدورهم منذ الوهلة الأولى للأحداث بمقاطعة المنتجات الداعمة للكيان الصهيوني- حق التعبير عن بهجة العيد بطرقهم المختلفة رغما عن أنف الكيان، فالأعياد مرتبطة بالطفولة وعناوينها البارزة، فلا يمكن أن نتخيل عيدًا بلا طفولة ولا طفولة بلا شقاوة وفرح.
يُقال بأن الأعياد تتغير وأن مظاهر المناسبات تتبدل، ولكن الحقيقة أن المناسبات باقية وأن الطقوس حاضرة عند من يبحث عن الاستمتاع باللحظات الجميلة، فنحن من يتغير وليست المناسبة ولا الحدث، فما أن يحل العيد حتى تبدأ مظاهره في المدن والأسواق التي تعيدنا إلى ذاكرة الأيام الجميلة، عندما كنا نذهب إلى مدينة صلالة لاقتناء ملابس العيد، ففي مراحل معينة من العمر، وعندما أُسندت إلينا مهمة إدارة شؤوننا الشخصية، أصبحنا نستمتع باستقلال ذاتي نُعبر من خلاله عن ثقتنا بأنفسنا وامتلاكنا القرار في بدايات مرحلة الشباب. كنا نخطط للذهاب إلى صلالة، وتحديدا إلى سوق الحافة، بمجرد حصولنا على مصاريف شراء كسوة العيد. كان مركز فرقة صوب مكان لقاءاتنا والبحث عمن سيتجه إلى صلالة (حاضرة ظفار التي تبعد عنا حوالي 100 كيلومتر)، فبعض الجيران يسوقون أغنامهم في سوق الحافة قبل انتقال سوق الماشية إلى منطقة الصناعيات بعوقد، وإذا لم نجد أحدا أو واجهنا الكبار بالرفض تحت مبررات واهية أبرزها أننا صغار ووجودنا على قارعة الطريق الترابي يشكل خطرا علينا، كان إصرارنا على الذهاب يفوق كل عبارات الوعيد والتخويف من الطريق، ولأن الطريق الرئيس المؤدي إلى صلالة يبعد عن مركز الفرقة بحوالي 5 كيلومترات، كنا نطلب من أحد الأهالي أن يوصلنا إلى الشارع العام، لنؤشر للمركبات الذاهبة إلى صلالة لتتوقف وتقلنا معها، ليبدأ هناك مشوار آخر من المساومات والتفاوض حتى نظفر بكسوة العيد بمبالغ زهيدة، وإذا فاض قليل من المال نقتني به أشرطة غنائية، حيث كانت الأعياد فرصة لإصدار كاسيت غنائي من مطربي المحافظة. عند الانتهاء من التسوق نلوذ بأي مسجد للمكوث فيه حتى صلالة العصر إذا كنا في شهر رمضان، أما إذا كان الاستعداد لعيد الأضحى فالأمر مختلف عدا التفاوض والمساومة.
بعد صلاة العصر نبحث عمن يرجع بنا إلى منطقة صوب، وغالبا ما كنا نجد العديد من شاحنات (اللاندكروزر) وقد أفرغت شحنتها من الماعز، نصعد في الحوض أحيانا وأحيانا أخرى نجد متسعا بجانب السائق.
في صبيحة يوم العيد نرتدي الثياب الجديدة ونسلم على والدينا ثم نبحث عمن سيعيّد على كل الأهالي في منطقة صوب التي لم يكن فيها جامع وقتئذ ولا مكان لصلاة العيد، كان همنا أن نُعيّد على كل البيوت المتناثرة في الشعاب، فكنا ننتقل من سيارة إلى أخرى ومن بيت إلى آخر في سبيل التباهي بملابس العيد، وفي المساء نعود إلى بيوتنا أو نلتقي في مركز الفرقة ويبدأ نسج الحكايات من جديد.
مررنا بذكريات ومواقف في الأعياد لم يتمكن أبناؤنا من تجربتها أو حتى المرور عليها، تلك الذكريات مثلت مخزونا لصور الطفولة وشقاوة المراهقة ولذة الانتقال من مرحلة عمرية إلى أخرى.
في مثل هذه الأوقات نتذكر أولئك الذين يضطرون لقضاء أيام العيد بعيدا عن أسرهم؛ العاملين في مواقع العمل الذين لا تسمح لهم ظروفهم باقتناص لحظات سعيدة في أحضان العائلة، لهم أقول: كل عام وأنتم بخير.
يُقال بأن الأعياد تتغير وأن مظاهر المناسبات تتبدل، ولكن الحقيقة أن المناسبات باقية وأن الطقوس حاضرة عند من يبحث عن الاستمتاع باللحظات الجميلة، فنحن من يتغير وليست المناسبة ولا الحدث، فما أن يحل العيد حتى تبدأ مظاهره في المدن والأسواق التي تعيدنا إلى ذاكرة الأيام الجميلة، عندما كنا نذهب إلى مدينة صلالة لاقتناء ملابس العيد، ففي مراحل معينة من العمر، وعندما أُسندت إلينا مهمة إدارة شؤوننا الشخصية، أصبحنا نستمتع باستقلال ذاتي نُعبر من خلاله عن ثقتنا بأنفسنا وامتلاكنا القرار في بدايات مرحلة الشباب. كنا نخطط للذهاب إلى صلالة، وتحديدا إلى سوق الحافة، بمجرد حصولنا على مصاريف شراء كسوة العيد. كان مركز فرقة صوب مكان لقاءاتنا والبحث عمن سيتجه إلى صلالة (حاضرة ظفار التي تبعد عنا حوالي 100 كيلومتر)، فبعض الجيران يسوقون أغنامهم في سوق الحافة قبل انتقال سوق الماشية إلى منطقة الصناعيات بعوقد، وإذا لم نجد أحدا أو واجهنا الكبار بالرفض تحت مبررات واهية أبرزها أننا صغار ووجودنا على قارعة الطريق الترابي يشكل خطرا علينا، كان إصرارنا على الذهاب يفوق كل عبارات الوعيد والتخويف من الطريق، ولأن الطريق الرئيس المؤدي إلى صلالة يبعد عن مركز الفرقة بحوالي 5 كيلومترات، كنا نطلب من أحد الأهالي أن يوصلنا إلى الشارع العام، لنؤشر للمركبات الذاهبة إلى صلالة لتتوقف وتقلنا معها، ليبدأ هناك مشوار آخر من المساومات والتفاوض حتى نظفر بكسوة العيد بمبالغ زهيدة، وإذا فاض قليل من المال نقتني به أشرطة غنائية، حيث كانت الأعياد فرصة لإصدار كاسيت غنائي من مطربي المحافظة. عند الانتهاء من التسوق نلوذ بأي مسجد للمكوث فيه حتى صلالة العصر إذا كنا في شهر رمضان، أما إذا كان الاستعداد لعيد الأضحى فالأمر مختلف عدا التفاوض والمساومة.
بعد صلاة العصر نبحث عمن يرجع بنا إلى منطقة صوب، وغالبا ما كنا نجد العديد من شاحنات (اللاندكروزر) وقد أفرغت شحنتها من الماعز، نصعد في الحوض أحيانا وأحيانا أخرى نجد متسعا بجانب السائق.
في صبيحة يوم العيد نرتدي الثياب الجديدة ونسلم على والدينا ثم نبحث عمن سيعيّد على كل الأهالي في منطقة صوب التي لم يكن فيها جامع وقتئذ ولا مكان لصلاة العيد، كان همنا أن نُعيّد على كل البيوت المتناثرة في الشعاب، فكنا ننتقل من سيارة إلى أخرى ومن بيت إلى آخر في سبيل التباهي بملابس العيد، وفي المساء نعود إلى بيوتنا أو نلتقي في مركز الفرقة ويبدأ نسج الحكايات من جديد.
مررنا بذكريات ومواقف في الأعياد لم يتمكن أبناؤنا من تجربتها أو حتى المرور عليها، تلك الذكريات مثلت مخزونا لصور الطفولة وشقاوة المراهقة ولذة الانتقال من مرحلة عمرية إلى أخرى.
في مثل هذه الأوقات نتذكر أولئك الذين يضطرون لقضاء أيام العيد بعيدا عن أسرهم؛ العاملين في مواقع العمل الذين لا تسمح لهم ظروفهم باقتناص لحظات سعيدة في أحضان العائلة، لهم أقول: كل عام وأنتم بخير.