جامع الخيرات كتاب لا يزال مخطوطًا، ألفه الفقيه سالم بن راشد بن سالم بن ربيعة القصابي البهلوي، من أهل القرن الثاني عشر الهجري، عاش في النصف الثاني من عهد اليعاربة وكان أحد الذين خلعوا الإمام سيف بن سلطان الثاني وبايعوا بلعرب بن حمير سنة 1146هـ. أدرك عهد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، ورُثِي هو والفقيه راشد بن سعيد بن حنظل الجهضمي (ت:1171هـ) في قصيدة واحدة لا يُعرف قائلها.
موضوع كتابه فقه الكتابة، والمراد بالكتابة هنا الكتابة بالعدل بين الناس، ولئن كان الكُتّاب بالعدل في عصرنا يحكم عملهم قانون ولوائح منظمة غير أن ذلك لا يلغي قيمة كتب التراث التي عالجت الموضوع، إذ هي مضنة لنصوص تاريخية وألفاظ حضارية وفوائد لغوية لا تقتصر الإفادة منها في موضوع الكتاب الأساس وهو فقه الكتابة. ولقد جمع القصابي كتابه من جوابات فقهاء عصره ومن سبقهم ممن عاشوا صدر الحقبة اليعربية، فهو يصف في المقدمة مصادره بقوله: «اختصرته من آثار المسلمين أهل الثقة في الدين، صنفته من جوابات أشياخنا المتأخرين» وحول موضوعه يقول: «ضمنته ما استحسنته من الصفات، وهو في أدب الكاتب وما يجوز له من الكتابة وما لا يجوز، وفي الكتابة ومعانيها وصفاتها وأحكامها، وما يثبت منها وما لا يثبت، وفي ألفاظ الكتابة وما تجوز فيه الكتابة وما لا تجوز فيه الكتابة ومعاني ذلك».
قسم المؤلف الكتاب في 30 بابا، تصدرها موضوع الكاتب وما يجوز له فيه الكتابة وما لا يجوز وفيما يستحب له منه وفيما يثبت من الكتابة وفيما لا يثبت، ثم الباب الثاني في أسماء البشر ونسبهم وأسماء البلدان وفيما يؤنث ويذكر وفيما يكتب بالألف والياء وفيما يمد ويصر وفي صفة عدد المؤنث، وفي الباب الثالث ما يجوز فيه الضاد والظاء وفيما يكتب بالضاد والظاء. أما بقية الأبواب فهي في ألفاظ الكتابة، أي أنها صِيَغٌ في مختلف موضوعات كتابة الحجج الشرعية يرجع إليها الكاتب.
وقد ناقشت مسائل الباب الأول عباراتٍ كثيرة ضمن صِيَغٍ في الكتابة وما أجاز الفقهاء كتابته منها أو لم يجيزوه أو كان لهم فيه نظر، ومثال ذلك مسألة أجاب عنها الفقيه القاضي خميس بن سعيد الرستاقي «فيمن عليه حق لآخر إلى مدة صيف البُرّ أو إلى مدة القيظ كيف كتابك ولفظك في ذلك ؟» فكان جوابه: «أما نحن فلا نكتب محل الآجال إلا إلى الشهور أو السنين، ولا نكتب إلى القيظ أو الصيف لأن القيظ والصيف تدخله الجهالة، وربما يتقدمان ويتأخران بحرارة الوقت وبرودته، ولا يخفى مثل هذا على من اعتبره»، والصيف عند أهل عمان: موسم حصاد البُرّ، أما القيظ فهو موسم حصاد النخل، وفي ذلك يقول ابن النضر:
ومدة الصيف دَوس الأكثرين له ** ومدة القيظ عند الناس ما اخترفوا
ومن تلك المسائل أيضًا جواب أحد الفقهاء عن كتابة القبيلة أو الفخذ: «وإذا كانت قبيلة من القبائل لها اسم معروف كبني ريام وغيرهم ، وفيها فخوذ يخص الفخذ منها باسم ويجمعها الاسم الأول، ما الأحسن للكاتب أن بنسبها إلى الفخذ أم إلى القبيلة التي تجمعها أم كل ذلك جائز؟» فأجاب: «يعجبني أولاً أن ينسبها إلى الفخذ ثم إلى القبيلة التي تجمعها»، وفي سياق كتابة القبائل أيضًا ما جاء في رسم بعضها مثل التفريق بين «المناذرة» و«المناظرة»: «ومنه في المناذرة أهل إزكي إنا نكتبهم بالذال، وأما أهل محلة أفلوج من قرية نزوى فإنا نكتبهم بالظاء».
وثمة نص فيه أمثلة على الفروق بين تسمية الأشياء بين أهل بلدان عمان: «وأوصى فلان بن فلان بحصره النسل ... أيثبت اللفظ أم لا يثبت حتى يكتب حصر الأسل؟»، والأسل نبات في بعض أودية عمان تُصنع منه الحصر (البسط) ويسمى أيضًا الرسل والنسل. وتُفَصِّل بعض المسائل في معاني الأشياء وثباتها في الكتابة من عدمه مثلما جاء في «آنية الخوص» إذ يسأل السائل: «أتثبت الآنية التي من خوص الغظف مثل الكرمة أم لا يثبت له منها إلا ما كان من خوص النخل خاصة؟» وهنا نرى التفريق بين خوص (سعف) النخل وخوص شجر آخر يسمى الغظف ينبت في بعض الأودية، وكذلك ذكر إناء يصنع من الغظف يسمى «الكرمة».
وفي باب آخر عالجت بعض المسائل طريقة رسم أسماء اختص بها أهل عمان مثل: «وأما الذي اسمه بوسعيد وبلحسن فيعجبني أن يكتب كما يسمى، وإن كان يدعى بلحسن وبوسعيد فيكتب كذلك ، وإن كان يدعى أبو سعيد وأبو الحسن فيكتب كذلك لأني وجدت في أوراق بخطوط الأشياخ المتقدمين مكتوب حمراشد وحمسليمان وحمورد»، وفي هذه الأسماء تخفيف لاسم مركب يسبقه أحد اسمين من الأسماء الخمسة هما: أب وحَم، فيقال بلحسن بدل أبي الحسن، وحمراشد بدل حم راشد، وهكذا . كما جاءت إحدى المسائل في تخفيف الهمزة في بعض الأسماء مثل (أحمد) تنطق: حْمَد، و(أزوردة) تنطق: زْوَردة، وهذا شائع عند أكثر أهل عمان حتى اليوم. ومن الأمثلة في رسم النسبة إلى البلدان سؤال عن النسبة إلى سمايل: السمايلي أم السمؤلي؟ فكان الجواب بأنه يُحكم على أهل كل زمان بلغتهم التي يتعارفونها. وفي النسبة إلى البلدان أيضًا جاء جواب نصه: «...إمطي جائز أن يكتب الامطوي، وسمد الكندي يكتب السمدي النزوي، وسمد الشأن يكتب صاحب سمد الشأن وساكن سمد الشأن». ومن مسائل الرسم أيضًا ما يرسم بالألف الطويلة من البلدان مثل: الخضرا وإبرا، ومن أسماء الإناث مثل: رفعا وزلخا ونصرا وأسما وعفرا.
كما نجده قد أورد في باب آخر مسائل فيما يجوز من الضاد والظاء وفيما يكتب بالضاد والظاء، وفي هذا الباب أسماء واصطلاحات عمانية منها في فصل ما يكتب بالضاد : «وكذلك فضل وفضالة وفضيلة وضبيان وضاوي وعاضد النخل وضبوب والغضف والضحضاح والضويحية، وجهضم اسم رجل، وضمّ اسم بلدة، ولاية فضة، وغضيفان اسم رجل، وضنوه اسم امرأة، وكذلك ضمّوه، والضاحية اسم أرض. ومن غيره: وكذلك المضيبي وضوت وضنك، والجهضمي والحضرمي ...الخ » ومنها في فصل ما يكتب بالظاء: «الحاظي وحظية، وفلج بو لغيظة، ومسجد الظفرية، وفلج الظبي، والغيظرانة اسم مال». ولعل فيما استعرضناه هنا كفاية في تبيان قيمة الكتاب اللغوية والتاريخية، وعسى أن يُكتب له النشر بتحقيق علمي.
محمد بن عامر العيسري: باحث في التراث العماني
موضوع كتابه فقه الكتابة، والمراد بالكتابة هنا الكتابة بالعدل بين الناس، ولئن كان الكُتّاب بالعدل في عصرنا يحكم عملهم قانون ولوائح منظمة غير أن ذلك لا يلغي قيمة كتب التراث التي عالجت الموضوع، إذ هي مضنة لنصوص تاريخية وألفاظ حضارية وفوائد لغوية لا تقتصر الإفادة منها في موضوع الكتاب الأساس وهو فقه الكتابة. ولقد جمع القصابي كتابه من جوابات فقهاء عصره ومن سبقهم ممن عاشوا صدر الحقبة اليعربية، فهو يصف في المقدمة مصادره بقوله: «اختصرته من آثار المسلمين أهل الثقة في الدين، صنفته من جوابات أشياخنا المتأخرين» وحول موضوعه يقول: «ضمنته ما استحسنته من الصفات، وهو في أدب الكاتب وما يجوز له من الكتابة وما لا يجوز، وفي الكتابة ومعانيها وصفاتها وأحكامها، وما يثبت منها وما لا يثبت، وفي ألفاظ الكتابة وما تجوز فيه الكتابة وما لا تجوز فيه الكتابة ومعاني ذلك».
قسم المؤلف الكتاب في 30 بابا، تصدرها موضوع الكاتب وما يجوز له فيه الكتابة وما لا يجوز وفيما يستحب له منه وفيما يثبت من الكتابة وفيما لا يثبت، ثم الباب الثاني في أسماء البشر ونسبهم وأسماء البلدان وفيما يؤنث ويذكر وفيما يكتب بالألف والياء وفيما يمد ويصر وفي صفة عدد المؤنث، وفي الباب الثالث ما يجوز فيه الضاد والظاء وفيما يكتب بالضاد والظاء. أما بقية الأبواب فهي في ألفاظ الكتابة، أي أنها صِيَغٌ في مختلف موضوعات كتابة الحجج الشرعية يرجع إليها الكاتب.
وقد ناقشت مسائل الباب الأول عباراتٍ كثيرة ضمن صِيَغٍ في الكتابة وما أجاز الفقهاء كتابته منها أو لم يجيزوه أو كان لهم فيه نظر، ومثال ذلك مسألة أجاب عنها الفقيه القاضي خميس بن سعيد الرستاقي «فيمن عليه حق لآخر إلى مدة صيف البُرّ أو إلى مدة القيظ كيف كتابك ولفظك في ذلك ؟» فكان جوابه: «أما نحن فلا نكتب محل الآجال إلا إلى الشهور أو السنين، ولا نكتب إلى القيظ أو الصيف لأن القيظ والصيف تدخله الجهالة، وربما يتقدمان ويتأخران بحرارة الوقت وبرودته، ولا يخفى مثل هذا على من اعتبره»، والصيف عند أهل عمان: موسم حصاد البُرّ، أما القيظ فهو موسم حصاد النخل، وفي ذلك يقول ابن النضر:
ومدة الصيف دَوس الأكثرين له ** ومدة القيظ عند الناس ما اخترفوا
ومن تلك المسائل أيضًا جواب أحد الفقهاء عن كتابة القبيلة أو الفخذ: «وإذا كانت قبيلة من القبائل لها اسم معروف كبني ريام وغيرهم ، وفيها فخوذ يخص الفخذ منها باسم ويجمعها الاسم الأول، ما الأحسن للكاتب أن بنسبها إلى الفخذ أم إلى القبيلة التي تجمعها أم كل ذلك جائز؟» فأجاب: «يعجبني أولاً أن ينسبها إلى الفخذ ثم إلى القبيلة التي تجمعها»، وفي سياق كتابة القبائل أيضًا ما جاء في رسم بعضها مثل التفريق بين «المناذرة» و«المناظرة»: «ومنه في المناذرة أهل إزكي إنا نكتبهم بالذال، وأما أهل محلة أفلوج من قرية نزوى فإنا نكتبهم بالظاء».
وثمة نص فيه أمثلة على الفروق بين تسمية الأشياء بين أهل بلدان عمان: «وأوصى فلان بن فلان بحصره النسل ... أيثبت اللفظ أم لا يثبت حتى يكتب حصر الأسل؟»، والأسل نبات في بعض أودية عمان تُصنع منه الحصر (البسط) ويسمى أيضًا الرسل والنسل. وتُفَصِّل بعض المسائل في معاني الأشياء وثباتها في الكتابة من عدمه مثلما جاء في «آنية الخوص» إذ يسأل السائل: «أتثبت الآنية التي من خوص الغظف مثل الكرمة أم لا يثبت له منها إلا ما كان من خوص النخل خاصة؟» وهنا نرى التفريق بين خوص (سعف) النخل وخوص شجر آخر يسمى الغظف ينبت في بعض الأودية، وكذلك ذكر إناء يصنع من الغظف يسمى «الكرمة».
وفي باب آخر عالجت بعض المسائل طريقة رسم أسماء اختص بها أهل عمان مثل: «وأما الذي اسمه بوسعيد وبلحسن فيعجبني أن يكتب كما يسمى، وإن كان يدعى بلحسن وبوسعيد فيكتب كذلك ، وإن كان يدعى أبو سعيد وأبو الحسن فيكتب كذلك لأني وجدت في أوراق بخطوط الأشياخ المتقدمين مكتوب حمراشد وحمسليمان وحمورد»، وفي هذه الأسماء تخفيف لاسم مركب يسبقه أحد اسمين من الأسماء الخمسة هما: أب وحَم، فيقال بلحسن بدل أبي الحسن، وحمراشد بدل حم راشد، وهكذا . كما جاءت إحدى المسائل في تخفيف الهمزة في بعض الأسماء مثل (أحمد) تنطق: حْمَد، و(أزوردة) تنطق: زْوَردة، وهذا شائع عند أكثر أهل عمان حتى اليوم. ومن الأمثلة في رسم النسبة إلى البلدان سؤال عن النسبة إلى سمايل: السمايلي أم السمؤلي؟ فكان الجواب بأنه يُحكم على أهل كل زمان بلغتهم التي يتعارفونها. وفي النسبة إلى البلدان أيضًا جاء جواب نصه: «...إمطي جائز أن يكتب الامطوي، وسمد الكندي يكتب السمدي النزوي، وسمد الشأن يكتب صاحب سمد الشأن وساكن سمد الشأن». ومن مسائل الرسم أيضًا ما يرسم بالألف الطويلة من البلدان مثل: الخضرا وإبرا، ومن أسماء الإناث مثل: رفعا وزلخا ونصرا وأسما وعفرا.
كما نجده قد أورد في باب آخر مسائل فيما يجوز من الضاد والظاء وفيما يكتب بالضاد والظاء، وفي هذا الباب أسماء واصطلاحات عمانية منها في فصل ما يكتب بالضاد : «وكذلك فضل وفضالة وفضيلة وضبيان وضاوي وعاضد النخل وضبوب والغضف والضحضاح والضويحية، وجهضم اسم رجل، وضمّ اسم بلدة، ولاية فضة، وغضيفان اسم رجل، وضنوه اسم امرأة، وكذلك ضمّوه، والضاحية اسم أرض. ومن غيره: وكذلك المضيبي وضوت وضنك، والجهضمي والحضرمي ...الخ » ومنها في فصل ما يكتب بالظاء: «الحاظي وحظية، وفلج بو لغيظة، ومسجد الظفرية، وفلج الظبي، والغيظرانة اسم مال». ولعل فيما استعرضناه هنا كفاية في تبيان قيمة الكتاب اللغوية والتاريخية، وعسى أن يُكتب له النشر بتحقيق علمي.
محمد بن عامر العيسري: باحث في التراث العماني