في عام 2015م، أُدرج نور الدين عبدالله بن حميد السالمي على قائمة سجل الشخصيّات العالمية البارزة باليونسكو، ضمن برنامج احتفال اليونسكو لإحياء الذكرى الخمسينية أو المئوية لأحداث تاريخية وشخصيات بارزة، بوصفه المصلح الاجتماعي والموسوعي.

والسالمي ولد في قرية الحوقين بالرستاق سنة (1286هـ/1869). بدأ في صباه بحفظ القرآن الكريم، حتى أتم حفظه، رحل إلى الرستاق طلبا للمعلم، وتتلمذ على العلامة راشد بن سيف اللمكي.

وعندما بلغ الثانية عشرة من عمره كف بصره، وانكب على الحفظ والدراسة، وحضور مجالس العلم. اشتهر بدأبه وشدة اهتمامه، حتى أصبح شيخًا وأستاذًا معروفا في بلدة (الرستاق) التي تعلم بها.

ومن خلال مواظبته على مجالس العلم التقى بالأمير صالح بن علي الحارثي فأعجب الإمام السالمي به وواظب على مجلسه، وظل ملازمًا له إلى أن وافاه أجله، ولازم بعده ابنه الأمير عيسى بن صالح الحارثي. ثم شاع صيت الإمام السالمي في ربوع عمان وفي كافة أرجائها.

يمكن أن نقول: إن للسالمي بصمة علمية كبيرة، فقد كانت مدرسته التي خرجت فطاحل العلماء، كالإمام سالم بن راشد الخروصي، والإمام محمد بن عبدالله الخليلي، بل إن أكثر علماء عمان اليوم تخرجوا من مدرسته. هذا فضل عن ثروة علمية هائلة، ومكتبة ضخمة، ومؤلفاته فهي المعتمد في المذهب الإباضي، وعليها تخرج أكثر طلبة العلم، وكلها مشهورة منتشرة نافعة مباركة، ونذكر منها: شرح الجامع الصحيح مسند الإمام الربيع بن حبيب في ثلاثة جزاء. ومشارق أنوار العقول. وبهجة الأنوار. وغاية المراد في الاعتقاد. وشرح طلعة الشمس في جزأين. ومعارج الآمال شرح مدارج الكمال. وجوهر النظام في علمي الأديان والأحكام. وتلقين الصبيان. وتحفة الأعيان بسيرة أهل عمان.

كما كان للسالمي بصمته السياسية العظيمة، فقد كان مشغولًا بأمر عمان وكثرة التدخلات البريطانية في شؤونها، يقول:

لشغلي بأهل الدهر إحدى العجائب

وتركي طلاب العدل إحدى المصائبِ

فصوبت فكري أي حال يكون لي

منارا به أسمو لأعلى المراتب

وأي مقام فيه أغدو مجانبا

لأهل الهوى والغي من كل لاعب

وأي خصال إن تحلى بها الفتى

تميز فيها عن ذواب الجلابب

وأي طريق أقتفي في سلوكه

سبيل رسول الله زين المناقبِ

ولذا يقول «وفي سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة وألف، خرجت من بيتي بالقابل قاصدا بيت الله الحرام، ومررت على السلطان فيصل ذاهبًا وراجعا، فقابلني هو وأولاده بالإجلال والاحترام، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، وطلبت منه الخلوة على لسان ولده تيمور، وكلمته في اجتماع الشمل، والقيام بالعدل، وجمع العرب تحت راية واحدة» ويؤكد ذلك قوله:

يا أيها الملك الذي *** حاز المعالي والرتبْ

انظر هداك الله في *** أهل المشورة والنخبْ

ما قام عز في البر *** ية والرعاع له سبب

كالطور ليس يطيقه *** بيت يسقّف من خشبْ

فابن العلا بجبال عز *** لا يزعزها الرهب

وارم العدى بسهام من *** ترمي به حالا نصب

بأماجد شهم لهم *** في الناس سابقة الحسب

وفي تلك الأثناء وبعد أن وصلت عمان إلى تلك الظروف المأساوية أخذ نور الدين يطوف على القبائل في الشرقية والداخلية ليتفق مع القبائل على عقد اجتماع في تنوف لتنصيب إمام جديد.

وفي عام (1332هـ/1913م) تم تنصيب الإمام سالم بن راشد الخروصي، فهو أبو الإمامة الأخيرة. وظل مرجعها حتى وفاته في 18 من صفر سنة 1332هـ/1913م.

وهو شبيه في هذا بأثر العلامتين أبي نبهان الخروصي وسعيد بن خلفان الخليلي، كما أن له مثلهما بصمة أدبية، تتجلى في نظمه وديوانه، وإن كان شعره لا يصل لجودة شعر الخروصي والخليلي، غير أن نظمه العلمي رائق ويتسم بالإسهاب والتفسير وطول النفس، فأرجوزته «جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام» تندرج في النظم التعليمي، ومع هذا فإن نفسًا من التصوير الفني والتمثيل والتشخيص يجد له موقعا في سياقها، ولعلها أقرب الأراجيز التعليمية للغة الشعر في إقليمها وزمانها.

وإن كان كثير من الصور مستلة من منظومة الصائغي.

أما شعره فجاء متأثرا بأحداث عصره، بل كأنه مرآة لها، فنراه مثلا يعبّر عن استيائه لرغبة الوكيل البريطاني المعتمد بمسقط تفقد أحوال البلاد، فيقول

حدت أخيّ عن العجبْ *** وعن العلا وعن الحسبْ

وعن الخيانة إنها *** عارٌ قبيح في العربْ

دخل النصارى أرضنا *** بمكيدةٍ لم تحتسب

فأتى القنيصل قاصدا *** لمكائنا كي يختب

فأقام منا عصبةٌ *** في رده حتى ذهبْ

وكان يرى أن سبب تردي أحوال عمان المعيشية، هي ترك الدين، فيقول:

تركنا الدين مندرسا لدنيا

وعوّض عنه أنواع الفجورِ

فبدّل ذكر ربك بالملاهي

من الغنا ومن ضرب الزمور

ولذا كانت أغلب قصائده في الحماسة ودفع الهمم والاستنهاض، ومنها قصائده التي خاطب بها شيخه صالح الحارثي:

أصالح ركن الدين أمسى مهدّما

وأمسى مكان الذكر غي الملاعب

فكان الشعر أداة إعلامية لمشروعه:

هو المجد فاطلبه وإن عزّ طالبه *** وجدّ وإن ضاقت عليك مذاهبه

وسارع إلى تشييد أركانه فلا *** قرار لنا والعدل هدّت جوانبه

ونجد في شعره لطائف جميلة، فمثلا يقول:

مقام في القصور على قصور *** مقام مثل ربات الخدور

فنصبح مثلها ونروح أيضا *** على فرح بأنواع السرور

وهكذا نظم في الأغراض التقليدية محافظًا على وحدة البيت، واهتم كثيرًا بالحكمة والوعظ، وأكثر إنتاجه يدخل في باب النظم العلمي؛ فهو يفتقد إلى المعنى الشعري، ومن نماذج شعره الرائع في استنهاض الشعور الوطني ضد الدخيل:

أسعد الأقوام في الحرب البطل *** الذي لم يدر أصلا ما الفشل

وأعز الناس من ليس يرى *** مكسبا غير المعالي بالاسل

وأذل الخلق بل أشقاهم *** من إذا نودي نادى بالعلل

أنا لا أستطيع نصرا لكم *** أنا أخشى الموت أو أرجو أمل

أترى أن المعالي حازها *** رجل همته فيما.. أكل

لا يرى العلياء إلا درهما *** مد في تحصيله كل الحيل

أما مراثيه فهي مخصصة لمن يراه عظيما مستحقا، فاستمع إليه راثيا:

همام ليس يرضى غير صيد الكم *** اة الصيد بين الصائدنا

له همم تدوس النجم تيها *** وعزم يبهر المتأملينا

كما أنه يعتني بمطالع شعره، تأمل مقدمته الجميلة في منظومته أنوار العقول:

الحمد لله الذي قد أشرقا *** شمس الأصول في نهى ذوي التقى

فأبصروا بنورها المسالكا *** وجانبوا بسرها المهالكا

حتى أستوو على بساط القربِ *** في حضرة قدسية في القربِ

فانتعشت عقولهم بالذكرِ *** وبسقت أسرارهم بالفكرِ

فأبرزوا نتائج الأفكارِ *** فأعربت عن شرف المقدارِ

ونعود أخيرا إلى القول إن نظم نور الدين أشهر من شعره، وحسبي أن أختم بنظمه في باب العلم من منظومته جوهر النظام، مع التقرير أن كثيرا من صوره هنا مستل من نظم الصائغي، يقول:

العلم درْك القلب مثل البصرِ *** يكون درك العين عند النّظرِ

وهو على الإطلاق محمودٌ لما *** جاء من الثناء فيه فاعلما

ولا يُذمّ أبدًا وإنّما *** يُذم ما كان شبيهًا بالعمى

وذاك جهل عندنا مركّبُ *** صاحبه عن الهدى مجنّبُ

من ثَمّ كان العلم خير فائدهْ *** أرباحه عن كل ربح زائدهْ

حامله يحيا به حميدا *** وإن يمت يمت به سعيدا

يعيش في الناس عظيم الفضلِ *** ويرزق الفوز بيوم الفصلِ

والعُلَما قد جاء في الصحاحِ *** بأنهم في الخلق كالمصباحِ

وأنّهم للأنبياء ورثهْ *** ومن يكن أولى بشيءٍ ورِثَهْ

فاطلبه في القرب وفي البعد معا *** ولو إلى الصّين محلا شسعا

ولا تكن في البحث عنه خاملا *** حتى تكون للعلوم حاملا

وإن لقيتَ ماهرًا ملازما *** فلا تفارقْه ولا تراغِما

واسأل ولا تَمَلَّ أو *** وإن عرفْتها فأبدِ الجهلا

من أدب السؤال للعفيفِ *** أن يسأل العالمُ كالضعيفِ

لا يورَث العلم من الأعمامِ *** ولا يُرى بالليل في المنامِ

لكنّه يحصُل بالتكرارِ *** والدرس في الليل وفي النهارِ

مثاله شجرة في النفسِ *** وسقيُها بالدرس بعد الغرسِ

يدركه مَن كدّ فيه نفسَهُ *** حياته ثم أطال درسهُ

مزاحمًا أهل العلوم بالرُّكَبْ *** وطالبًا لنيله كلَّ الطَّلبْ

واعلم بأن العلماء قالوا *** الأغنياء لهمُ الأموالُ

قد جمعوا الكنوز ألفًا ألفا *** وقد جمعْنا العلم حرفًا حرفا

ولو بحرف واحدٍ أعطَوْنا *** ألفًا من الأموال ما رضينا

وكيف يرضَوْن وهل يُستبدلُ *** فانٍ بباق من يعي ويعقلُ

وهْو مخالف لحال المالِ *** نماؤه بكثرة السؤالِ

والمال إن أنفقتَ منه شِقْصا *** لا شكّ أدخلتَ عليه نقصا

أَنْفَعُهُ ما كان في الأذهانِ *** وشرّه ما كان باللسانِ

لأنّ ما خلا الفؤادُ منهُ *** فذاك جهل فيه فاحذرنْهُ

والعلم والجهل هما ضدّانِ *** فكيف في الفؤاد يُجمعانِ

مثاله كالنار عند الماءِ *** هل يُجمعان قطّ في إناءِ

طوبى لمن في علمه قد رغبا *** لله والأخرى به قد طلبا

فأفضل العلم الذي قد عُملا *** به وكلّ الخير منه حصلا

وما خلا من عملٍ لا ينفعُ *** بل ضرّه بادٍ على من يجمعُ

ومن أعانه الإله سَهُلا *** عليه فيه السعي حتى يحصُلا

وقد رأيت الناس في زماني *** لا يطلبون العلم للمنّانِ

لكنْ مباهاة لأهل العلمِ *** وحجةً منهم لأهل الظلمِ

ويلٌ لمن كان بهذا الحالِ *** من العذاب ومن النّكالِ

لا تطلبَنْه يا أخي للجاهِ *** ولا به للعُلَما مباهي

لأنّما المرادُ منه العملُ *** وصرفه لغيره مبطِّلُ

وعالم بعلمه لم يعملا *** أشدّ في التعذيب ممن جهلا

فأسألُ الرحمنَ عفوًا وتقى *** حتى أعيش في الهدى موفّقا