منذ بداية الحرب وعلاقتي مع القراءة تغيرت كليًا، مثل كل شيء آخر. لم أكن وحيدة في هذا، الكثير من الأصدقاء شاركوني الفكرة نفسها، ومع تطرف الغرب في تبني موقف يحول دون إيقاف الإبادة الجماعية في غزة، لم نستطع قراءة كتب قادمة من هناك. أحد أصدقائي ممن يعملون وبتفرغ على دراسة المدينة العربية، والذي عادة ما ينطلق من المنظر الاجتماعي الذي قدم أطروحات مهمة حول المدينة عمومًا «هنري لوفيفر» لم يعد قادرًا على فعل هذا بعد الآن، الأمر الذي دفعه لينكب على دراسة التراث العربي والبحث عن أسماء قدمت مساهمات حول المدينة العربية والإسلامية، لقد وجد نفسه إزاء أسئلة جديدة ومقاربات مختلفة، والمثير للاهتمام أنه وجد أطروحات مهمة في الموضوع ولا تقل أهمية عن تلك التي كان ينطلق منها عادة.
هنالك مفكرون من الغرب قدموا مساهمات لا يمكن التغاضي عنها حول فلسطين نفسها، وحول إسرائيل أيضًا، بداية من حنة آرندت، وآلان باديو، ودولوز، وآخرين ومع ذلك يبدو أننا نسائل اليوم بموقفنا الجديد هذا المنظومة المعرفية الأوروبية كلها، التي أنتجت وبطبيعة الحال المواقف الرسمية ونتج عنها هي نفسها ما يمكن أن نسميه الهامش الذي يتحرك فيه هؤلاء الذين قدموا أطروحات مناوئة لتلك التي تمثل الموقف الرسمي لبلدانهم. وربما لا يكون الأمر محاولة لمواجهة الغرب فحسب، بل إننا وفي هذه اللحظة التاريخية نشعر بواجب التماسك وإعادة التفكير في ثقافتنا وفي قوتنا وفي قدرتنا على أن نتحرر من كل الذي أنتج هذا الموقف المتخاذل أمام قوة غاشمة ووحشية كتلك التي تجسدها دولة الاحتلال الإسرائيلي. الكثير من الكتّاب العرب الذين أتابعهم يعيدون التفكير فيما اعتبروه مسلمات قبل الحرب، فما المسافة الفاصلة بين محور الممانعة والحركات التحررية المناوئة لها مثلا، وكيف يمكن أن نوجد مساحة حوار جديدة بين الطرفين؟ كيف يمكن أن نفكر في الحركات الإسلامية على سبيل المثال من مقدمات تعتمد على عدم تجاهل السياقات التاريخية التي أنتجتها بغض النظر عن مواقفنا الأيدلوجية التي قد تنطلق من مقدمات أخرى بعيدة عن تلك التي تتبناها هذه الحركات؟ نعيد التفكير اليوم في الاستعمار ومظاهره الجديدة، التي عملت دراسات ما بعد الاستعمار على وجود طبقة غطاء تشعرنا بأن العالم تغير فيما الواقع التمييزي ما زال راسخًا وبقوة وإن كان بأشكال جديدة ينبغي علينا اكتشافها.
الكثير من الأصدقاء أعادوا قراءة أطروحات فرانز فانون في الأشهر الماضية، وانكبوا على قراءة تاريخ ثورة الجزائر، وأعادوا سؤال: العنف الثوري المنظم للواجهة في إزاء الثورات الناعمة التي تعتمد على تغيير موازين القوى بالاعتماد على التأثير على الرأي العام العالمي. لقد وجدنا أنفسنا إذن أمام تعريفات جديدة يوجدها السياق العام اليوم حول المثقف المشتبك المفهوم الذي عالجه فانون وعلى أي مسافة ينبغي أن يقف المثقف الآن في ظل هذه الكارثة.
بعضنا أعاد قراءة كتب إيلان بابيه، والبعض الآخر يفكر في التغيير من داخل إسرائيل نفسها، لذا بحث عن الكتب التي تتحدث عن المجتمع الإسرائيلي، وطبقاته ومراجعه الثقافية على اختلافها، وآخرون يقرأون الأدب الفلسطيني بروح أخرى. شخصيًا هالني ما حدث مع عدنية شبلي الكاتبة الفلسطينية التي كتبت «تفصيل ثانوي» التي راج صيتها مع إعلان معرض فرانكفورت الدولي للكتاب عن إلغاء الجائزة الممنوحة لها مع بداية هذه الحرب الأمر الذي دفع مؤسسات عربية عديدة للانسحاب من المعرض احتجاجًا على هذا القرار.
أتذكر جيدًا أنني قرأت رواية «تفصيل ثانوي» قبل أربع سنوات من الآن، عندما طلبتها من دار الآداب في معرض مسقط الدولي للكتاب آنذاك لم يكن ثمة نسخ من الرواية، حتى أن الناشرة وقتها استغربت سؤالي عن الكتاب. وقبل سنتين اشتريت بقية كتبها خصوصًا ذلك الذي فضلته من تجربتها كلها «بعيدون بذات المقدار عن الحب» وكان في ركن قصي من ركن دار الآداب وقتها في المعرض. فوجئت قبل شهر من الآن بأن كتبها خصوصًا «تفصيل ثانوي» يتصدر واجهة العرض، ويعد الأكثر مبيعًا في دار الآداب وفي معظم المكتبات التي زرتها خلال هذه الفترة في دول عديدة. أجرت عدنية شبلي الكثير من اللقاءات في دول عربية منها الكويت، ولبنان ومصر، وقدمت العديد من المراجعات عن هذه الرواية الطريفة ليست في موضوعها فحسب، الذي يتحدث عن صحراء النقب المنطقة التي نجهل الكثير عنها وعن مظاهر الاحتلال الإسرائيلي فيها، بل في أسلوبها الفني الذي عالج موضوعها، الذي تميزت به عدنية شبلي في رأي الكثيرين ممن قرأوا العمل.
هنالك مفكرون من الغرب قدموا مساهمات لا يمكن التغاضي عنها حول فلسطين نفسها، وحول إسرائيل أيضًا، بداية من حنة آرندت، وآلان باديو، ودولوز، وآخرين ومع ذلك يبدو أننا نسائل اليوم بموقفنا الجديد هذا المنظومة المعرفية الأوروبية كلها، التي أنتجت وبطبيعة الحال المواقف الرسمية ونتج عنها هي نفسها ما يمكن أن نسميه الهامش الذي يتحرك فيه هؤلاء الذين قدموا أطروحات مناوئة لتلك التي تمثل الموقف الرسمي لبلدانهم. وربما لا يكون الأمر محاولة لمواجهة الغرب فحسب، بل إننا وفي هذه اللحظة التاريخية نشعر بواجب التماسك وإعادة التفكير في ثقافتنا وفي قوتنا وفي قدرتنا على أن نتحرر من كل الذي أنتج هذا الموقف المتخاذل أمام قوة غاشمة ووحشية كتلك التي تجسدها دولة الاحتلال الإسرائيلي. الكثير من الكتّاب العرب الذين أتابعهم يعيدون التفكير فيما اعتبروه مسلمات قبل الحرب، فما المسافة الفاصلة بين محور الممانعة والحركات التحررية المناوئة لها مثلا، وكيف يمكن أن نوجد مساحة حوار جديدة بين الطرفين؟ كيف يمكن أن نفكر في الحركات الإسلامية على سبيل المثال من مقدمات تعتمد على عدم تجاهل السياقات التاريخية التي أنتجتها بغض النظر عن مواقفنا الأيدلوجية التي قد تنطلق من مقدمات أخرى بعيدة عن تلك التي تتبناها هذه الحركات؟ نعيد التفكير اليوم في الاستعمار ومظاهره الجديدة، التي عملت دراسات ما بعد الاستعمار على وجود طبقة غطاء تشعرنا بأن العالم تغير فيما الواقع التمييزي ما زال راسخًا وبقوة وإن كان بأشكال جديدة ينبغي علينا اكتشافها.
الكثير من الأصدقاء أعادوا قراءة أطروحات فرانز فانون في الأشهر الماضية، وانكبوا على قراءة تاريخ ثورة الجزائر، وأعادوا سؤال: العنف الثوري المنظم للواجهة في إزاء الثورات الناعمة التي تعتمد على تغيير موازين القوى بالاعتماد على التأثير على الرأي العام العالمي. لقد وجدنا أنفسنا إذن أمام تعريفات جديدة يوجدها السياق العام اليوم حول المثقف المشتبك المفهوم الذي عالجه فانون وعلى أي مسافة ينبغي أن يقف المثقف الآن في ظل هذه الكارثة.
بعضنا أعاد قراءة كتب إيلان بابيه، والبعض الآخر يفكر في التغيير من داخل إسرائيل نفسها، لذا بحث عن الكتب التي تتحدث عن المجتمع الإسرائيلي، وطبقاته ومراجعه الثقافية على اختلافها، وآخرون يقرأون الأدب الفلسطيني بروح أخرى. شخصيًا هالني ما حدث مع عدنية شبلي الكاتبة الفلسطينية التي كتبت «تفصيل ثانوي» التي راج صيتها مع إعلان معرض فرانكفورت الدولي للكتاب عن إلغاء الجائزة الممنوحة لها مع بداية هذه الحرب الأمر الذي دفع مؤسسات عربية عديدة للانسحاب من المعرض احتجاجًا على هذا القرار.
أتذكر جيدًا أنني قرأت رواية «تفصيل ثانوي» قبل أربع سنوات من الآن، عندما طلبتها من دار الآداب في معرض مسقط الدولي للكتاب آنذاك لم يكن ثمة نسخ من الرواية، حتى أن الناشرة وقتها استغربت سؤالي عن الكتاب. وقبل سنتين اشتريت بقية كتبها خصوصًا ذلك الذي فضلته من تجربتها كلها «بعيدون بذات المقدار عن الحب» وكان في ركن قصي من ركن دار الآداب وقتها في المعرض. فوجئت قبل شهر من الآن بأن كتبها خصوصًا «تفصيل ثانوي» يتصدر واجهة العرض، ويعد الأكثر مبيعًا في دار الآداب وفي معظم المكتبات التي زرتها خلال هذه الفترة في دول عديدة. أجرت عدنية شبلي الكثير من اللقاءات في دول عربية منها الكويت، ولبنان ومصر، وقدمت العديد من المراجعات عن هذه الرواية الطريفة ليست في موضوعها فحسب، الذي يتحدث عن صحراء النقب المنطقة التي نجهل الكثير عنها وعن مظاهر الاحتلال الإسرائيلي فيها، بل في أسلوبها الفني الذي عالج موضوعها، الذي تميزت به عدنية شبلي في رأي الكثيرين ممن قرأوا العمل.