الأرجح أنه ولد في قرية تسمى كوارارا في زنجبار عام 1840. نشأ بزنجبار فقيرا، وكان عليه أن يتم حفظ القرآن غير أنه لم يفلح في ذلك لدى معلمه الأول. وباءت جهود الأسرة بالفشل عندما نقل إلى معلم ثان لتحقيق ذلك الهدف. ويبدو أن ذكاء الطفل كان من ذلك النوع من الذكاء العملي الميال للحركة وليس من النوع الذي ينسجم مع السكون وعدم الحركة.
سافر والده إلى البر الإفريقي وتركه في زنجبار فشب حريصا على تحسين وضعه، وبدأ في التجارة في فترة مبكرة من حياته لم يتعد فيها الثانية عشرة من عمره. فاقترض اثني عشر ريالا اشترى بها ملحا سافر به إلى دار السلام وإلى المناطق التي لا تبعد كثيرا. وتوالت أسفاره وربحت تجارته حتى جمع مالا.
ثم أخذ يبحث عن والده حتى عرف مكانه في تبورة، وقد تزوج من ابنة سلطان قبيلة زنجية، فلحق به ولما وصل أكرمه سلطانها وقرّبه ولقي والده، وأراد الوالد أن يرسل الولد في أول مهمة تجارية في أدغال إفريقيا الشرسة. وأن تكون البضاعة تحت إمرة أحد التجار الخبراء من ساحل مريما. فما كان من الولد «تيبوتيب» إلا أن رفض ذلك بشدة مفضلا العودة من حيث أتى من زنجبار من أن يخرج في تجارة أبيه وغيره مسؤولا عنها ويصبح هو في وضع التابع. وفي ذلك ما يدل على نزعة القيادة عنده وعلى روحه المغامرة. وهكذا نجد سمات القيادة لديه برزت منذ بداية حياته العملية التي بدأت وهو لا يزال صبيا لم يتجاوز الثانية عشرة. وبالفعل أخذ العاج وعاد إلى زنجبار حيث استقبله السلطان ماجد بن سعيد، فباع العاج وسدد ديونه، واستعد لسفر جديد فحمل معه الثياب والخرز والبارود والرصاص واتجه إلى باجمويو، وعانى في سفراته من قطّاع الطرق والعطش والطاعون، وخاض تجارب مضنية بين ربح وخسارة، وغامر بخوض بحيرة تنجانيقا وعاش بين الزنوج في الأدغال مع الأفيال.
وحين علم بوفاة السلطان ماجد وتعيين السلطان برغش بعث يهنئه وطلب منه سلاحا فوافاه به، وانطلق في البراري يتلقى الأهوال من الزنوج والضواري، تارة بالعطايا وتارة بالسيف، مواصلا تجارة العاج والثياب ومحاولا ترويض البدائيين، يحارب العاصي ويصالح المطيع، ويدعو إلى الدين حتى وصل نهر الكونغو ورتب جيشه والتقى بسلطان الزنوج، وبعد حرب ضروس وكرّ وفرّ استولى على أملاك السلطان وأخضع بلاده لسلطته، ورغم أنه لم يدخل مدرسة حربية لكنه نظّم جيشه بإحكام، فأقام نقاطا عسكرية ومراكز للمراقبة، وواصل زحفه حتى قبائل نيام نيام، واستتب له الأمر فانفتحت طرق التجارة إلى الكونغو وكثرت مداخيل زنجبار. ولما عاد استقبله قبل دار السلام موفد من قبل السلطان برغش لتهنئته فوصل زنجبار بحرا 1294هـ وباع ما كان معه، ثم تجهز للسفر ثانية للكونغو، وفوجئ بتغير أحوال المنطقة التي غادرها فاحتاج أن يخوض حروبا ليستقر الوضع ثانية ومع ذلك بقي يدير التجارة ويرسل إلى وكيله بزنجبار ويطلب منه البضاعة الصالحة للزنوج.
تمتع المرجبي بروح المغامرة والتحدي كما نراه في الصراع العنيف الذي دار بينه وبين زعيم زنجي عرف ببطشه وغدره وهو السامو. فقد نصحه من معه من العارفين بالمنطقة بعدم الذهاب إلى السامو فشخصيته لا تؤتمن، وهو يخدع التجار ببريق العاج ثم ينقض عليهم. ولم يستمع «تيبوتيب» إلى ما قيل له. وفي طريقه وجد أحد المسنين العمانيين واسمه عمر بن سعيد الشقصي الذي أكد له ذلك، ورغم ذلك استمر «تيبو تيب» في طريقه ويدخل في صراع مرير مع السامو يسقط فيه العديد من المحاربين من الطرفين، وتحاك له المكيدة تلو المكيدة بطريقة مثيرة جدا وقريبة من الخرافة مما توجد تفاصيله في هذه السيرة. وينتهي الأمر بالقضاء المبرم على السامو وذيوع خبر انتصار «تيبو تيب» عليه في مجاهل القارة الإفريقية، فيضيف ذلك أهمية كبيرة له، وتنحني له كثير من الرؤوس، وتترسخ حوله أسطورة الزعيم الذي لا يقهره شيء. وروح التحدي والبطش هذه هي التي جعلت الزنوج يطلقون على المرجبي عدة ألقاب وأولها هو كينجوجوا ومعناه الضبع الأرقش، وتيبو تيب وهو محاكاة صوتية لصوت إطلاق البندقية كما لقب بلقب ثالث وهو مكانجوانزارا أي الذي لا يرهب أحدا، ربما يخاف المجاعة ولكن بالتأكيد لا يخشى الحرب.
وفي فترة لاحقة ترسخ نفوذ تيبو تيب في البر الإفريقي، وبدأ بالقضاء على الحكام الزنوج أو التحكم المطلق بهم عزلا وتثبيتا وذلك بغرض توطيد تجارته بالسيطرة المطلقة على مصادر العاج، وتأمين طرق تلك التجارة. والأمثلة هنا أكثر من أن تحصى وهي مبثوثة في ثنايا هذه السيرة التي هي في أغلبها حديث صريح عن ذلك.
وبعد إحدى الرحلات التجارية الناجحة باع بضاعته وقفل راجعا إلى زنجبار -وقد بدأ البلجيك يصلون إلى الكونغو كما تسلل الإنجليز إلى زنجبار- بدأ التخطيط الاستعماري لصرف المرجبي عن التجارة ونشر الدعوة. ثم نشبت الحرب بين العرب والبلجيك فاستنجد الإنجليز بالمرجبي فسافر عن طريق رأس الرجاء الصالح في باخرة حتى وصل الكاب ومن ثم إلى مصب نهر الكونغو ففصل بين العرب والإفرنج. وجاءهم خبر وفاة برغش وارتقاء خليفة بن سعيد سلطانا مكانه، فتاجر ثم عزم على الرجوع إلى زنجبار، وفي تبورة أصيب بمرض أخّره فتوجه إلى زنجبار، وعاد البلجيك للفتنة والإيقاع بين العرب والزنوج فهجموا على العرب وقتلوا ابنه سيف بن حميد واستولوا على أمواله الضخمة حيث ذهبت أمواله وقتل ولده جزاء إحسانه للبلجيك، وأسر الكثير من العرب ثم أطلق سراحهم مسلوبين فعادوا إلى زنجبار في حالة يرثى لها.
أصيب في أخريات حياته بمرض الاستسقاء ثم عوفي منه، وتضاءل الأمل في أن يحقق «تيبو تيب» أمنيتين عزيزتين على نفسه هما السفر إلى أوروبا ومشاهدة المدنية التي تتمتع بها، وكذلك زيارة البيت الحرام بمكة المكرمة لأداء فريضة الحج. وينقل لنا اللمكي اللحظات الأخيرة في حياته فيقول: «.. ولكن صحته بقيت ضعيفة فاشتد به الألم حتى كانت الساعة الخامسة من ليلة الأربعاء العاشر من ربيع الأول (14 يونيو) قبضه الله إليه. وما شاع الخبر حتى توافدت الجموع إلى منزله وفي مقدمتهم قنصل جنرال أمريكا «وفيس»، وتتابعت الجموع وسار في جنازته أناس كثيرون. وفي الصباح جاء قنصل جنرال الإنجليز وقنصل الألمان وغيرهما من معتمدي الدول والتجار الأجانب وأعيان العرب والهنود والزنوج لتعزية أهله. ونقل البرق خبر وفاته إلى العالم المتمدن فأتت جرائده مملوءة بالكلام عن سيرته».
استطاع المرجبي أن ينشئ شبكة طرق في أدغال القارة للقوافل التجارية وربط بين المدن والقرى المتناثرة واعتمد الاستعمار فيما بعد على تلك الطرق وخطوط السير لما أنشؤوا السكك الحديدية وطرق المواصلات الأخرى. وكان لجيشه البالغ مائة ألف جندي جولات وصولات مع الزنوج المشركين ومع المستعمرين البلجيك واستطاع بمعونة السلطان برغش خاصة ومن خلفه في زنجبار أن يقيم مملكة نشرت العربية والدين الإسلامي وأقامت المدارس والمساجد، كما يسر المرجبي لتجار الجاليات العربية والأجنبية التوغل في كثير من المقاطعات الإفريقية وقد حصر العرب اهتمامهم في الناحية الاقتصادية وبقيت السلطة العليا بيد زعماء أفارقة، وتأسست على طول طرق القوافل مراكز تجارية مزدهرة، وعبر العرب بحيرة تنجانيقا إلى إقليم المانيما ووصلوا البحيرات الاستوائية ونقلوا العاج إلى الساحل. ومهما يكن من أمر فإن «تيبو تيب» يعد بلا شك حلقة من حلقات الوجود العماني في شرق إفريقيا. والتعرف عليه هو دليل على المعرفة الواعية بذلك الوجود ببعديه المضيء والمعتم دون فرح بالأول ودون مواربة للثاني.
تاجر في العاج بشكل أساسي وفي الخرز والشبه ومختلف البضائع. ومن مصادر دخله المهمة العقود التي كان بموجبها يوفر القوى العاملة للشركات الأوروبية المشتغلة بإنشاء البنى الأساسية في القارة الإفريقية، ويؤمن الحماية للمستكشفين والمنصرين الأوروبيين. وقد أفادته صلاته القوية ببعض القبائل الإفريقية مما ساعد على نجاح تجارته وتقوية نفوذه حتى أن كثيرا من المستكشفين الأوروبيين للقارة الإفريقية نعموا بالحماية التي وفرها لهم وأثبتوا ذلك في مراسلاتهم للجمعيات التي ينتمون إليها.
حقق «تيبو تيب» شهرة تقترب من الأسطورة التي سارت وسرت خارقة حدود القارات واللغات والثقافات. وتوفرت لهذه الشخصية الأسطورية عوامل معينة صنعت رواجها وانتشارها. ولعل أهم هذه العوامل هو العامل التاريخي، فقد جاء المرجبي في عصر الكشوفات الجغرافية. وقد أسهم بشكل فعال في تذليل الطريق أمامهم فقام بإرشاد المستكشفين الغربيين من أمثال سبيك وكاميرون وستانلي.
تقدم هذه السيرة شخصية طموحة حفرت طريقها بأظافرها وبدأت من مرحلة الصفر وعاشت حياة مليئة بالأحداث ومليئة بتحدي المجهول. هي أسطورة لإنسان عادي من أسرة ضعيفة غاب معيلها وتكالبت عليها الظروف. غير أن «تيبو تيب» يتحدى كل ذلك وينجح بشكل كبير لدرجة تجعله قادرا على التعامل وأحيانا التفاوض مع حكومات عربية وغربية التي تقدر حجم النفوذ الذي يتمتع به هذا الرجل في داخل البر الإفريقي.
هذه السيرة كتبها في فترة متأخرة من عمره، لذا فهو يتحدث من الذاكرة فيسترسل عند بعض النقاط ويختصر عند نقاط أخرى. وقد تدفعه لذة سرد مغامراته إلى المبالغة والتزيد فيما حقق من ثروة أو أفنى من أعداء. وينتقل أحيانا من موضوع إلى موضوع دون رابط واضح ودون مقدمات.
د. سالم البوسعيدي شاعر وكاتب ومؤلف له أكثر من 70 إصدارًا
سافر والده إلى البر الإفريقي وتركه في زنجبار فشب حريصا على تحسين وضعه، وبدأ في التجارة في فترة مبكرة من حياته لم يتعد فيها الثانية عشرة من عمره. فاقترض اثني عشر ريالا اشترى بها ملحا سافر به إلى دار السلام وإلى المناطق التي لا تبعد كثيرا. وتوالت أسفاره وربحت تجارته حتى جمع مالا.
ثم أخذ يبحث عن والده حتى عرف مكانه في تبورة، وقد تزوج من ابنة سلطان قبيلة زنجية، فلحق به ولما وصل أكرمه سلطانها وقرّبه ولقي والده، وأراد الوالد أن يرسل الولد في أول مهمة تجارية في أدغال إفريقيا الشرسة. وأن تكون البضاعة تحت إمرة أحد التجار الخبراء من ساحل مريما. فما كان من الولد «تيبوتيب» إلا أن رفض ذلك بشدة مفضلا العودة من حيث أتى من زنجبار من أن يخرج في تجارة أبيه وغيره مسؤولا عنها ويصبح هو في وضع التابع. وفي ذلك ما يدل على نزعة القيادة عنده وعلى روحه المغامرة. وهكذا نجد سمات القيادة لديه برزت منذ بداية حياته العملية التي بدأت وهو لا يزال صبيا لم يتجاوز الثانية عشرة. وبالفعل أخذ العاج وعاد إلى زنجبار حيث استقبله السلطان ماجد بن سعيد، فباع العاج وسدد ديونه، واستعد لسفر جديد فحمل معه الثياب والخرز والبارود والرصاص واتجه إلى باجمويو، وعانى في سفراته من قطّاع الطرق والعطش والطاعون، وخاض تجارب مضنية بين ربح وخسارة، وغامر بخوض بحيرة تنجانيقا وعاش بين الزنوج في الأدغال مع الأفيال.
وحين علم بوفاة السلطان ماجد وتعيين السلطان برغش بعث يهنئه وطلب منه سلاحا فوافاه به، وانطلق في البراري يتلقى الأهوال من الزنوج والضواري، تارة بالعطايا وتارة بالسيف، مواصلا تجارة العاج والثياب ومحاولا ترويض البدائيين، يحارب العاصي ويصالح المطيع، ويدعو إلى الدين حتى وصل نهر الكونغو ورتب جيشه والتقى بسلطان الزنوج، وبعد حرب ضروس وكرّ وفرّ استولى على أملاك السلطان وأخضع بلاده لسلطته، ورغم أنه لم يدخل مدرسة حربية لكنه نظّم جيشه بإحكام، فأقام نقاطا عسكرية ومراكز للمراقبة، وواصل زحفه حتى قبائل نيام نيام، واستتب له الأمر فانفتحت طرق التجارة إلى الكونغو وكثرت مداخيل زنجبار. ولما عاد استقبله قبل دار السلام موفد من قبل السلطان برغش لتهنئته فوصل زنجبار بحرا 1294هـ وباع ما كان معه، ثم تجهز للسفر ثانية للكونغو، وفوجئ بتغير أحوال المنطقة التي غادرها فاحتاج أن يخوض حروبا ليستقر الوضع ثانية ومع ذلك بقي يدير التجارة ويرسل إلى وكيله بزنجبار ويطلب منه البضاعة الصالحة للزنوج.
تمتع المرجبي بروح المغامرة والتحدي كما نراه في الصراع العنيف الذي دار بينه وبين زعيم زنجي عرف ببطشه وغدره وهو السامو. فقد نصحه من معه من العارفين بالمنطقة بعدم الذهاب إلى السامو فشخصيته لا تؤتمن، وهو يخدع التجار ببريق العاج ثم ينقض عليهم. ولم يستمع «تيبوتيب» إلى ما قيل له. وفي طريقه وجد أحد المسنين العمانيين واسمه عمر بن سعيد الشقصي الذي أكد له ذلك، ورغم ذلك استمر «تيبو تيب» في طريقه ويدخل في صراع مرير مع السامو يسقط فيه العديد من المحاربين من الطرفين، وتحاك له المكيدة تلو المكيدة بطريقة مثيرة جدا وقريبة من الخرافة مما توجد تفاصيله في هذه السيرة. وينتهي الأمر بالقضاء المبرم على السامو وذيوع خبر انتصار «تيبو تيب» عليه في مجاهل القارة الإفريقية، فيضيف ذلك أهمية كبيرة له، وتنحني له كثير من الرؤوس، وتترسخ حوله أسطورة الزعيم الذي لا يقهره شيء. وروح التحدي والبطش هذه هي التي جعلت الزنوج يطلقون على المرجبي عدة ألقاب وأولها هو كينجوجوا ومعناه الضبع الأرقش، وتيبو تيب وهو محاكاة صوتية لصوت إطلاق البندقية كما لقب بلقب ثالث وهو مكانجوانزارا أي الذي لا يرهب أحدا، ربما يخاف المجاعة ولكن بالتأكيد لا يخشى الحرب.
وفي فترة لاحقة ترسخ نفوذ تيبو تيب في البر الإفريقي، وبدأ بالقضاء على الحكام الزنوج أو التحكم المطلق بهم عزلا وتثبيتا وذلك بغرض توطيد تجارته بالسيطرة المطلقة على مصادر العاج، وتأمين طرق تلك التجارة. والأمثلة هنا أكثر من أن تحصى وهي مبثوثة في ثنايا هذه السيرة التي هي في أغلبها حديث صريح عن ذلك.
وبعد إحدى الرحلات التجارية الناجحة باع بضاعته وقفل راجعا إلى زنجبار -وقد بدأ البلجيك يصلون إلى الكونغو كما تسلل الإنجليز إلى زنجبار- بدأ التخطيط الاستعماري لصرف المرجبي عن التجارة ونشر الدعوة. ثم نشبت الحرب بين العرب والبلجيك فاستنجد الإنجليز بالمرجبي فسافر عن طريق رأس الرجاء الصالح في باخرة حتى وصل الكاب ومن ثم إلى مصب نهر الكونغو ففصل بين العرب والإفرنج. وجاءهم خبر وفاة برغش وارتقاء خليفة بن سعيد سلطانا مكانه، فتاجر ثم عزم على الرجوع إلى زنجبار، وفي تبورة أصيب بمرض أخّره فتوجه إلى زنجبار، وعاد البلجيك للفتنة والإيقاع بين العرب والزنوج فهجموا على العرب وقتلوا ابنه سيف بن حميد واستولوا على أمواله الضخمة حيث ذهبت أمواله وقتل ولده جزاء إحسانه للبلجيك، وأسر الكثير من العرب ثم أطلق سراحهم مسلوبين فعادوا إلى زنجبار في حالة يرثى لها.
أصيب في أخريات حياته بمرض الاستسقاء ثم عوفي منه، وتضاءل الأمل في أن يحقق «تيبو تيب» أمنيتين عزيزتين على نفسه هما السفر إلى أوروبا ومشاهدة المدنية التي تتمتع بها، وكذلك زيارة البيت الحرام بمكة المكرمة لأداء فريضة الحج. وينقل لنا اللمكي اللحظات الأخيرة في حياته فيقول: «.. ولكن صحته بقيت ضعيفة فاشتد به الألم حتى كانت الساعة الخامسة من ليلة الأربعاء العاشر من ربيع الأول (14 يونيو) قبضه الله إليه. وما شاع الخبر حتى توافدت الجموع إلى منزله وفي مقدمتهم قنصل جنرال أمريكا «وفيس»، وتتابعت الجموع وسار في جنازته أناس كثيرون. وفي الصباح جاء قنصل جنرال الإنجليز وقنصل الألمان وغيرهما من معتمدي الدول والتجار الأجانب وأعيان العرب والهنود والزنوج لتعزية أهله. ونقل البرق خبر وفاته إلى العالم المتمدن فأتت جرائده مملوءة بالكلام عن سيرته».
استطاع المرجبي أن ينشئ شبكة طرق في أدغال القارة للقوافل التجارية وربط بين المدن والقرى المتناثرة واعتمد الاستعمار فيما بعد على تلك الطرق وخطوط السير لما أنشؤوا السكك الحديدية وطرق المواصلات الأخرى. وكان لجيشه البالغ مائة ألف جندي جولات وصولات مع الزنوج المشركين ومع المستعمرين البلجيك واستطاع بمعونة السلطان برغش خاصة ومن خلفه في زنجبار أن يقيم مملكة نشرت العربية والدين الإسلامي وأقامت المدارس والمساجد، كما يسر المرجبي لتجار الجاليات العربية والأجنبية التوغل في كثير من المقاطعات الإفريقية وقد حصر العرب اهتمامهم في الناحية الاقتصادية وبقيت السلطة العليا بيد زعماء أفارقة، وتأسست على طول طرق القوافل مراكز تجارية مزدهرة، وعبر العرب بحيرة تنجانيقا إلى إقليم المانيما ووصلوا البحيرات الاستوائية ونقلوا العاج إلى الساحل. ومهما يكن من أمر فإن «تيبو تيب» يعد بلا شك حلقة من حلقات الوجود العماني في شرق إفريقيا. والتعرف عليه هو دليل على المعرفة الواعية بذلك الوجود ببعديه المضيء والمعتم دون فرح بالأول ودون مواربة للثاني.
تاجر في العاج بشكل أساسي وفي الخرز والشبه ومختلف البضائع. ومن مصادر دخله المهمة العقود التي كان بموجبها يوفر القوى العاملة للشركات الأوروبية المشتغلة بإنشاء البنى الأساسية في القارة الإفريقية، ويؤمن الحماية للمستكشفين والمنصرين الأوروبيين. وقد أفادته صلاته القوية ببعض القبائل الإفريقية مما ساعد على نجاح تجارته وتقوية نفوذه حتى أن كثيرا من المستكشفين الأوروبيين للقارة الإفريقية نعموا بالحماية التي وفرها لهم وأثبتوا ذلك في مراسلاتهم للجمعيات التي ينتمون إليها.
حقق «تيبو تيب» شهرة تقترب من الأسطورة التي سارت وسرت خارقة حدود القارات واللغات والثقافات. وتوفرت لهذه الشخصية الأسطورية عوامل معينة صنعت رواجها وانتشارها. ولعل أهم هذه العوامل هو العامل التاريخي، فقد جاء المرجبي في عصر الكشوفات الجغرافية. وقد أسهم بشكل فعال في تذليل الطريق أمامهم فقام بإرشاد المستكشفين الغربيين من أمثال سبيك وكاميرون وستانلي.
تقدم هذه السيرة شخصية طموحة حفرت طريقها بأظافرها وبدأت من مرحلة الصفر وعاشت حياة مليئة بالأحداث ومليئة بتحدي المجهول. هي أسطورة لإنسان عادي من أسرة ضعيفة غاب معيلها وتكالبت عليها الظروف. غير أن «تيبو تيب» يتحدى كل ذلك وينجح بشكل كبير لدرجة تجعله قادرا على التعامل وأحيانا التفاوض مع حكومات عربية وغربية التي تقدر حجم النفوذ الذي يتمتع به هذا الرجل في داخل البر الإفريقي.
هذه السيرة كتبها في فترة متأخرة من عمره، لذا فهو يتحدث من الذاكرة فيسترسل عند بعض النقاط ويختصر عند نقاط أخرى. وقد تدفعه لذة سرد مغامراته إلى المبالغة والتزيد فيما حقق من ثروة أو أفنى من أعداء. وينتقل أحيانا من موضوع إلى موضوع دون رابط واضح ودون مقدمات.
د. سالم البوسعيدي شاعر وكاتب ومؤلف له أكثر من 70 إصدارًا