أكد خبراء اقتصاديون أن تنمية المحافظات، واللامركزية تقود لحقبة اقتصادية مزدهرة وتشكل منعطفا جديدا في تحقيق نمو متوازن في مختلف المحافظات، ونوهوا بضرورة التعاون بين مختلف شرائح المجتمع والمؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص لتحقيق التوازن في التنمية الاقتصادية بين مختلف المحافظات في سلطنة عمان.

وأجرت «عمان» استطلاعًا صحفيًا مع عدد من الخبراء الاقتصاديين الذين أوضحوا أنه ينبغي التركيز على الاستدامة المالية، والاستثمارات السياحية، وتأهيل القائمين على تنمية المحافظات، والاستعانة بالخبرات والبحوث في المؤسسات الأكاديمية، والتخطيط والدراسة العميقة قبل تنفيذ المشروعات، وإشراك القطاع الخاص وتعزيز دور المؤسسات المتوسطة والصغيرة في تنمية المحافظات لضمان تحقيق أهداف التنمية المحلية واللامركزية في سلطنة عمان.

تنويع اقتصادي

قالت المكرمة الدكتورة شمسة الشيبانية خبيرة اقتصادية وعضوة مجلس الدولة في حديثها لـ«عمان»: إن تعزيز تنمية المحافظات واللامركزية وتمكين الإدارة المحلية في سلطنة عمان تعد تمهيدًا لحقبة اقتصادية مزدهرة بالتحولات الهيكلية التي تدعم النمو والتنويع الاقتصادي، وهدفًا استراتيجيًا يحقق العدالة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويكسب المناطق المختلفة نموًا متوازنًا قائمًا على روافد إنمائية متعددة تسهم في تجويد الأنشطة الاقتصادية والمرافق والخدمات الحكومية والازدهار في سوق العمل، وخصصت حكومة سلطنة عمان 200 مليون ريال عماني في الميزانية العامة للدولة للعام الجاري لدعم تنفيذ المشروعات ذات الأثر التنموي التي لها تأثير مباشر على تحسين حياة المواطنين وتحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي.

وتضيف الخبيرة الاقتصادية: «إن تنمية المحافظات أتاح لها فرصة اختيار المشروعات الحيوية والتنموية وأكسبها فرصة أكبر للمنافسة والتفاعل بين مختلف المحافظات داخل سلطنة عمان. مما يسهم في إيجاد بيئة استثمارية ملائمة لتنفيذ العديد من المشروعات الحكومية والخاصة التي ستوفر فرص العمل للمواطنين».

وعرجت الشيبانية في حديثها قائلة: «يمكن الاستثمار في الأماكن السياحية في المحافظات بالتركيز على سياحة المؤتمرات والمغامرات والتخييم وتسلق الجبال، وتطوير المواقع السياحية والمعالم التراثية والثقافية وتزويدها بالمرافق والخدمات الأساسية، وإلغاء التأشيرات السياحية للقادمين من دول مختلفة أو منحهم التأشيرات في المطار، وفتح خطوط جوية مباشرة في أهم العواصم والمدن في العالم، والترويج لسلطنة عمان كوجهة سياحية عن طريق المعارض السياحية في السفارات والقنصليات الدبلوماسية والاستثمارية وأفرع غرفة تجارة وصناعة عمان المحلية والدولية والاستفادة من الميزة التفاعلية لوسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في الترويج السياحي».

تحديات

وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه تنمية المحافظات في سلطنة عمان أفادت الشيبانية بأن التحديات تتمثل في القدرة على إدارة واستثمار المخصصات المالية الاستثمار الأمثل والعمل على زيادة مصادر التمويل والتخطيط الاستراتيجي السليم لاستغلال الميزة التنافسية لكل محافظة وجذب المستثمر المحلي والأجنبي والعمل على توفير الفرص الوظيفية لأبناء المحافظة، والقدرة على تطبيق الابتكار واستخدام الذكاء الصناعي، مؤكدة أنه يمكن لسلطنة عمان تحقيق التوازن في التنمية الاقتصادية بين مختلف المحافظات بالتعاون بين كافة شرائح المجتمع والشراكة مع مؤسسات القطاع الخاص بما فيها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومواصلة توفير الموارد المالية المناسبة لتنفيذ المشروعات التنموية فيها حسب ميزتها النسبية والتنافسية، واتباع أفضل المعايير والمؤشرات الرئيسة في الأداء والإنتاجية.

رفع التنافسية

وقالت الشيبانية: «على الوزارات الخدمية التنسيق مع المحافظات في وضع السياسات والخطط التنموية الاستراتيجية لرفع التنافسية بين المحافظات وفقًا لما تمتلكه المحافظة من موارد متنوعة سواء كانت بشرية أو بحرية أو زراعية أومعدنية أو نفطية، وما تتميز به من مقومات جغرافية وسياحية واعدة من خلال المساهمة في توفير الدعم المادي والاستشاري لبناء مشروعات ناجحة لتمثل إثراءً وتنوعًا في الأنشطة التجارية والاستثمارية، ومساعدة المحافظات على استكمال مشروعات البنية الأساسية التي تعزز من أدوار القطاعات اللوجستية والتقنية والاتصالات والصناعات التحويلية». مشيرة إلى أنه يمكن تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتحقيق التنمية المستدامة في المحافظات عن طريق توسيع نطاق مشروعات الشراكة بين القطاعين والمحافظة على استدامتها من خلال رسم السياسة والإطار المؤسسي والتنظيمي الذي يشمل تقييم المخاطر المالية والتشغيلية ومخاطر السوق، وتوفير مجموعة موسعة من المشروعات بين القطاعين التي يمكن تمويلها من خلال جهات تمويلية مختلفة وتطوير القدرات الراسخة لإعداد المشروعات المشتركة بين القطاعين وتنظيمها وإدارة عقودها بكفاءة عالية.

التكنولوجيا والابتكار

وأوضحت الخبيرة الاقتصادية أن هناك نماذج ناجحة لتطبيق سياسات التنمية المحلية واللامركزية في بلدان أخرى يمكن أن نستفيد منها في سلطنة عمان فمثلا في المملكة العربية السعودية تجسد اللامركزية في الإدارة المحلية وهي فرع من السلطة التنفيذية، حيث تمكنت المملكة في فترة وجيزة من كسر قيود المركزية والانتقال من اللامركزية الإدارية إلى اللامركزية الاقتصادية، واستطاعت الخروج من التبعية المركزية وللوصول إلى الغاية الأسمى وهي إيجاد الثروة محليًا، وتعد المشاركة المجتمعية أحد الأركان الرئيسية لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتتطلب الشراكة المجتمعية الفاعلة اعتماد مبدأ التمكين المستدام لبناء القدرات القيادية وتكريس الإمكانات البشرية وتحديد الطرق والمستويات والمتطلبات والمبادئ للمشاركة المجتمعية.

وأكدت الشيبانية أن التكنولوجيا والابتكار لهما دور مهم في تعزيز التنمية المحلية واللامركزية من خلال تقليص الفجوات نحو توفير المعرفة والحصول عليها ونشرها ودعم أفضل الممارسات في التنمية المحلية، وتحسين الإدارة والتخطيط وصنع القرارات الاقتصادية والاستثمارية، موضحة أن التحديات الرئيسية التي يجب التركيز عليها لضمان تحقيق أهداف التنمية المحلية واللامركزية في سلطنة عمان هي الاستدامة المالية، حيث لا تزال سلطنة عمان تعتمد اعتمادًا كبيرًا على موارد النفط والغاز، وتذبذب أسعار هذه السلع في السوق يشكل تحديًا يسهم في تحفيز المحافظات على مشروعات التنويع الاقتصادي، وتشكل المتغيرات الجيوسياسية والوتيرة السريعة لتغير المناخ والحروب التجارية والوبائية وحالة عدم اليقين عن المتغيرات والمخاطر التي تواجه الأسواق العالمية من تضخم وارتفاع في أسعار الفائدة تحديًا كبيرًا، ولا سيما على قضية الباحثين عن العمل ومستحقي الحماية المجتمعية كونهم الشريحة المستهدفة الأولى للانتفاع من برامج تنمية المحافظات والاستدامة المالية.

خفض معدل الباحثين

وقالت الدكتورة حبيبة المغيرية أكاديمية وباحثة اقتصادية: «إن تعزيز تنمية المحافظات يسهم في خفض معدل الباحثين عن عمل ويعزز من رفاهية المجتمع المحلي، وتنشيط الحركة التجارية وتداول الأموال محليًا وتعزيز جودة الحياة، ويحقق توازنًا في توزيع الدخل، وبالنسبة إلى اللامركزية، إن منح المحافظين صلاحيات أكبر يسهم في التحكم بالإنفاق وتخصيص الموارد وفق ضوابط محددة والبحث عن فرص الاستثمار المناسبة مما يسهم في تلبية احتياجات المجتمع المحلي وتطوير اقتصاد تلك المحافظات، ويمكن أن تحقق سلطنة عمان توازنًا في التنمية الاقتصادية بين المحافظات المختلفة من خلال صنع وتنفيذ سياسات فعالة وخطط لاستثمارات استراتيجية موائمة تناسب اقتصاد كل محافظة، وتوفير مصادر دخل من خلال الاستثمار في قطاعات مختلفة منها البنية الأساسية وقطاع الصناعة وقطاع التعليم والسياحة والخدمات والتعدين وغيرها من القطاعات الجاذبة للاستثمار في المحافظات».

وأكدت المغيرية أن المحافظات بحاجة إلى تطوير البنية الأساسية وممكن أن تسهم شركات الامتياز بشكل خاص في تنمية المحافظات إذ يوجد عدد لا بأس به من الشركات الكبرى تتركز في بعض المحافظات لها دور في المساهمة في تنميتها ولكن للأسف لا تغطي مساهمتها أغلب الولايات وقد تركز على عدد قليل فقط، ويجب أن تشمل خدمات المسؤولية المجتمعية جميع الولايات، وتوظيف الباحثين عن عمل، والاستعانة بمنتجات وخدمات المؤسسات المتوسطة والصغيرة وإشراكها سوف يسهم بشكل كبير في تنمية المحافظات.

وبينت المغيرية أن الحكومة المركزية وضعت السياسات والتشريعات لتنظيم التنمية في المحافظات وتوجيه المحافظين إلى الاستغلال الأمثل للدعم المادي وتحقيق إيرادات من خلال استثمار المبالغ وإنفاقها لتسهم في تطوير المحافظات، وأسهمت في دعم العديد من القطاعات كقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من ناحية ورفع سقف القروض ودعم القروض المتعثرة وتدريب أصحاب الأعمال على إدارة مشروعاتهم، واستغلال الفرص الاستثمارية في المحافظات وتبسيط الإجراءات وتخفيض الرسوم وغيرها.

المؤسسات الأكاديمية

وترى الباحثة الاقتصادية أن هناك عددًا من المحاور التي ينبغي التركيز عليها لتحقيق أهداف اللامركزية وهي تأهيل القائمين على تنمية المحافظات وتدريبهم والاستعانة بأصحاب الخبرات وتوظيف قدراتهم وخبرتهم في تطوير المحافظة التي ينتمون إليها، والتخطيط والدراسة العميقة والدقيقة قبل تنفيذ أي مشروع، وإشراك القطاع الخاص للمساهمة بشكل فعال في تنمية المحافظات، والاستفادة من القطاع الخاص في التنمية المستدامة وتمويل المشروعات، وتعزيز دور المؤسسات المتوسطة والصغيرة وإشراكها في تنمية المحافظات.

ونوهت المغيرية أنه ينبغي استغلال إمكانات ومصادر المؤسسات الأكاديمية في المحافظات مثل الجامعات والكليات سواء الحكومية والخاصة والاستفادة من الخبراء والأكاديميين في الحلقات والبرامج التدريبية والبحوث والاستشارات إذ تحتوي هذه المؤسسات على أقسام للبحوث والابتكار وريادة الأعمال والتنقية الحديثة فيجب استغلالها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بالمحافظات.

مبدأ ناجح

ويقول الدكتور قيس السابعي خبير اقتصادي: «إن تطبيق مبدأ اللامركزية في تنمية المحافظات يسهم مساهمة فعالة ومثرية في سوق العمل والتنويع الاقتصادي؛ لأن تطبيق اللامركزية يمهد لدور كبير في إيجاد مراكز حيوية متعددة لرفد النمو الاقتصادي».

وأكد السابعي أنه تطبيق اللامركزية كما حددته رؤية «عمان 2040» مبدأ ناجح يؤدي وجود شفافية وديمقراطية وقاعدة بيانات وإحصائيات متكاملة ومتنوعة، وإيجاد فرص للأنشطة الاقتصادية والتجارية وإظهار الميزة النسبية لكل محافظة. مشيرًا إلى وجود علاقة طردية بين اللامركزية وتنمية المحافظات فعند تطبيق اللامركزية يقود لتنمية المحافظات مما يدفع إلى إيجاد بيئة تنافسية بين المحافظات من خلال المزايا النسبية لكل محافظة وما تتمتع به من مقومات سياحية وموارد طبيعية التي من شأنها أن توجد قوة اقتصادية.

وأفاد السابعي بأن التحديات في تنمية المحافظات هي تحديات إدارية تتمثل في اتخاذ القرارات وكيفية تهيئة المحافظات من خلال إيجاد الحلول المناسبة لبعض أنواع الأنشطة الاقتصادية التي تحتاج إلى زرع ثقة وثقافة في المستثمرين وفي المجتمع للاستثمار في مختلف القطاعات التنموية والاقتصادية.

وبين السابعي أنه يمكن لسلطنة عمان أن تحقق توازنًا في التنمية الاقتصادية بين المحافظات عن طريق إيجاد فرص مناسبة لكل محافظة مع إظهار ما تتميز به وجعلها محطة من محطات التمثيل الاقتصادي وعدم تكرار الأنشطة في جميع المحافظات، ومشيرًا إلى أنه يجب التركيز على بعض التحديات مثل البيروقراطية والقضاء على التبلد الذهني أو الاقتصاد الريعي، حيث إن الحكومة قامت بمنح صلاحيات أكبر للمحافظين وقامت بتسهيل وتيسير العديد من إجراءات الاستثمار فهي نقاط قوة تؤدي إلى تنمية مستدامة.

ولفت السابعي إلى أنه إذا تم تطبيق اللامركزية بشكل صحيح ستفتح آفاقًا اقتصاديةً متنوعةً ومتعددةً ومتباينةً مما يقود إلى إيجاد فرص عمل أكبر للباحثين عن عمل وفرص للمؤسسات العمانية الصغيرة والمتوسطة، موضحا أنه هناك العديد من النماذج التي طبقت اللامركزية، وحققت قوة اقتصادية مثل: سنغافورة وماليزيا وبعض الدول الخليجية والعربية فهي توجد منافذ وقوة اقتصادية متنوعة.