كثيرا ما يتم التساؤل حول الزيت الآمن والمفيد الذي يمكن استخدامه في إعداد الأطعمة المختلفة، وهو سؤال على الرغم من بساطته إلا أن الإجابة عليه ليست سهلة على الأقل في بعض جوانبه، وفي هذا المقال سنحاول أن نسلط الضوء على الزيوت المستخدمة في إعداد الأطعمة ونوضح للقارئ بعض وجهات النظر المختلفة حول هذا الموضوع.

تعد الزيوت مصدرًا مهمًا لإمداد الطاقة للجسم كما أنها تساعد في تخزين وامتصاص بعض الفيتامينات المهمة التي لا تذوب في الماء بسهولة ويسر كفيتامين (د) وفيتامين (أ) وفيتامين (هـ)، كما أنها تشعر الإنسان بالشبع وبالتالي فهي تفيد في تخفيض الوزن إذا تم تناولها بصورة معتدلة.

ويعد إعداد الأطعمة المقلية من أكثر الطرق استخدامًا للزيوت، ونلاحظ توفر أصناف مختلفة منها في الأسواق، فما الفرق بين هذه الزيوت؟ وهل هناك زيوت أفضل من غيرها وينصح باستخدامها عند إعداد هذا الصنف من الأطعمة.

بداية لابد من التعريف بعملية قلي الطعام من الناحية العلمية، حيث إن عملية القلي هذه عند العلماء تعد عملية كيميائية معقدة إذ إنها عبارة عن تفاعلات كيميائية تتم في وسط عضوي أي وسط لا مائي في درجات حرارة عالية جدا تصل إلى حوالي ١٧٠ درجة مئوية، ولأن الحرارة تصل إلى أعلى من درجة حرارة غليان الماء فلا يمكن استخدام الماء لهذا الغرض ولابد من استخدام وسط لا مائي حتى لا يتبخر عند هذه الدرجات الحرارة العالية، وتعد الزيوت الوسط المناسب لهذا النوع من الطبخ وذلك لأنها لا تتبخر عند هذه الحرارة العالية.

إلا أن الزيوت عموما تحتوي طاقة عالية جدا ولذا لا ينصح باستخدامها بكثرة في الطبخ ولا ينصح باستخدامها بصورة يومية أو شبه يومية بل ينصح باستخدامها بكميات محددة وبفترات متباعدة نسبيا.

وقد يستشهد البعض بأن استخدام الزيوت والدهون في إعداد الأطعمة عمومًا كان أمرًا سائدًا قبل بضعة عقود من الزمن بل كان يتم إضافتها بكميات كبيرة نسبيًا إلى الأطعمة وتناولها، إلا أن من المهم أن نلاحظ أن ذلك كان مصحوبًا أيضًا بنشاط بدني كبير، فعدم توفر وسائل النقل المختلفة وصعوبة الحياة كانت تقتضي توفر كميات كبيرة من الطاقة، وكانت الزيوت والدهون مصدرًا مهمًا لتغطية تلك الاحتياجات، أما اليوم فان توفر وسائل الترفيه المنزلي والأعمال المكتبية، يحول دون استهلاك الطاقة الناتجة من تناول هذه الزيوت والدهون وبالتالي تتحول إلى شحوم مخزنة في جسم الإنسان وتؤدي إلى أمراض مزمنة وخطيرة، ولذا فإن التوصيات الصحية تتجه إلى التقليل من تناولها وفي استخدامها في إعداد الأطعمة.

إن الصنف الأول من الزيوت هي الزيوت المشبعة التي تتميز بثباتها الكيميائي حتى في درجات الحرارة العالية والتي تصل إلى ١٧٠ درجة مئوية وهي درجات الحرارة التي يتم فيها إعداد الأطعمة المقلية، لكن هذه الزيوت لها مضار من نوع آخر فهي تحتوي طاقة عالية كما أسلفنا مما تسبب في زيادة الوزن كما أن الإكثار منها يؤدي إلى انسداد الشرايين وإلى أمراض القلب المختلفة ولهذا ينصح أطباء القلب والشرايين بالتقليل منها بل واستبدالها بالنوع الآخر من الزيوت وهي الزيوت غير المشبعة.

أما الصنفان الآخران (زيوت غير مشبعة أحادية وزيوت غير مشبعة متعددة) فعلى عكس الزيوت المشبعة إذ لهما فوائد صحية جمة بل أن هناك تقارير علمية تفيد بأن لهما أثرا إيجابيا على عضلة القلب وعلى الشرايين ولكن لا ينصح بالإكثار منهما لأن الزيوت تحتوي على طاقة عالية.

ونظرا لما لهما من فوائد صحية فإن إضافة كميات قليلة إلى الأطعمة كالسلطة يعد مفيدًا للقلب ولكن يجب التأكيد على أن الكمية المثالية لهذه الزيوت يجب ألا يزيد عن ملعقة صغيرة في اليوم، لكن هذين الصنفين من الزيوت لا يتميزان بالثباتية العالية عند درجات الحرارة المرتفعة مقارنة بالزيوت المشبعة، وخاصة الزيوت غير المشبعة المتعددة، ونعني بعدم ثباتهما أنهما يتكسران عند درجات حرارة عالية وقد ينتجان مواد مسرطنة عند استخدامها في إعداد الأطعمة المقلية.

ولهذا فنحن بين أمرين، فالإكثار من استخدام الزيوت المشبعة يؤدي إلى أمراض القلب وانسداد الشرايين بينما استخدام الصنفين الآخرين لفترات طويلة في إعداد الأطعمة المقلية قد يؤدي إلى السرطان (والعياذ بالله من المرضين).

ولهذا فأولى التوصيات التي يتفق عليها الجميع هي التقليل من أكل الأطعمة المقلية عموما ومحاولة تجنبها قدر الإمكان، كما أن الجميع متفق على أن عدم إعادة استخدام الزيت في القلي مرات متكررة، لأن استخدامه المتكرر وخاصة الزيوت غير المشبعة الأحادي منها والمتعدد يعني تعريضها للحرارة المرتفعة بشكل متكرر مما قد يسبب إنتاج مواد مسرطنة فيها، وكما هو واضح فإن هذا الأمر يعد تحديًا كبيرًا للمطاعم وخاصة مطاعم الوجبات السريعة التي تكثر من تقديم الأطعمة المقلية حيث إن أغلب هذه المطاعم التي توفر الأطعمة المقلية مثل: البطاطس المقلية تقوم بتكرار تسخين الزيت مرات عديدة، ولذا فلربما يكون من المستحسن لهذه المطاعم استخدام الزيوت التي تحوي نسبًا جيدةً من الزيوت المشبعة كزيت النخيل بدل استخدام الزيوت النباتية التي تحتوي على نسب منخفضة من الزيوت غير المشبعة.

كما ينصح باستخدام الزيوت غير المشبعة الأحادية أو المتعددة لأغراض الطبخ المختلفة والتي لا تكون لفترات طويلة كقلي البيض مثلا أو غيرها من الاستخدامات اليومية.

وقد يتساءل البعض عن طبيعة الزيوت المنتشرة في السوق (كزيت الذرة وزيت عباد الشمس وزيت الزيتون وزيت النخيل وزيت جوز الهند وغيرها من الزيوت). فهل هي زيوت مشبعة أم غير مشبعة وإذا كانت غير مشبعة فهل هي أحادية أم متعددة.

والواقع إن أغلب هذه الزيوت مختلطة ولا تشتمل على صنف واحد من الزيوت فزيت الذرة وزيت عباد الشمس يحتويان على زيوت غير مشبعة متعددة بنسبة تصل إلى حوالي ٦٠ ٪ أو أكثر بينما لا تزيد نسبة الزيوت المشبعة عن حوالي ١٥ ٪ كذلك زيت الزيتون يحتوي على ما يزيد على ٧٠ ٪ من الزيوت غير المشبعة الأحادية، وأقل من ١٥ ٪ من الزيوت المشبعة أما زيت النخيل فيحتوي على ما نسبته ٥٠٪ من الزيوت المشبعة وحوالي ٤٠% من الزيوت غير المشبعة الأحادية أما زيت جوز الهند فيحتوي على ما يزيد على ٨٥٪ من الزيوت المشبعة وهو بذلك يحتوي على نسبة تفوق حتى على الزبدة التي تستخدم كوسط غير مائي لقلي الطعام.

فأي هذه الزيوت هي الأفضل لإعداد الأطعمة المقلية التي تحتاج إلى وقت طويل لإعدادها؟

إذا نظرنا من ناحية الثباتية فإن زيت جوز الهند لا يعلى عليه فهو من أكثر الزيوت ثباتية لأنه غني بالزيوت المشبعة، ولذا فهو لا يتأثر بالحرارة العالية المصاحبة لعمليات القلي وبالتالي لا ينتج مواد مسرطنة ولكن هناك تحذيرات كثيرة من استخدامه من بعض الجهات العلمية المعتبرة وخاصة الطبية كونه يحتوي على نسب مرتفعة من الدهون المشبعة وبالتالي فقد يؤدي إلى انسداد الشرايين إن تم استخدامه بكثرة والملاحظ أن كل من يحذر من استخدام زيت جوز الهند في القلي فإنه يدعو إلى استخدام الزيوت الأخرى كزيت الذرة وزيت عباد الشمس التي تصل نسب الزيوت غير المشبعة المتعددة فيها إلى ٦٠٪ ولكننا نلاحظ أيضًا أن هناك عددًا من مواقع الإنترنت المختلفة تشجع على استخدام زيت جوز الهند للقلي.

وبالمقابل نجد أن بعض المختصين كالبروفيسور مارتن جروتفولد Martin Grootveld وهو متخصص في الكيمياء التحليلية الحيوية قام بنشر دراسات عديدة حول الزيوت المناسبة للقلي وأوضح من خلالها أن استخدام الزيوت غير المشبعة المتعددة في الطبخ مثل زيت الذرة وزيت عباد الشمس يؤدي إلى إنتاج مواد مسرطنة، وأن زيت جوز الهند من أكثر الزيوت ثباتية، ولكنه ينصح باستخدام زيت الزيتون؛ لأنه أكثر ثباتًا من الزيوت غير المشبعة المتعددة ولأنه يحتوي على نسبة قليلة من الزيوت المشبعة وهو غني بالزيوت غير المشبعة الأحادية التي لها آثر صحية إيجابية وتكون أكثر ثباتا من الزيوت غير المشبعة المتعددة التي تكثر في زيت الذرة وزيت عباد الشمس وغيرها من الزيوت المستخلصة من النباتات عموما، وقد قام البروفيسور مارتن في دراسته باستخدام صنفين من زيت الزيتون أحدهما البكر الممتاز والآخر المكرر ولم يشر إلى اختلاف النتائج بينهما، كما يوصي البروفيسور مارتين بالاهتمام بطرق حفظ الزيوت عموما، فيوصي بإغلاقها جيدا وحفظها في مكان جاف بعيدا عن الضوء، وهناك دراسات أخرى أيضا تشير إلى ذلك قام بها غيره من المختصين.

هذا إضافة إلى أن البحوث العلمية كشفت عبر عدد من الدراسات عن وجود عدد من المركبات الكيميائية التي تكون موجودة بنسب متفاوتة في زيت الزيتون، ويعتقد بأن هذه المركبات الكيميائية لها آثار صيدلانية وعلاجية مهمة، فقد أشارت مجلة نيتشر العلمية التي تعد واحدة من أهم وأشهر المجلات العلمية في بحث نشر فيها بأن مركب يسمى «أوليكانثال» «oleocanthal» الذي يكون موجودا في زيت الزيتون يمتلك خواصًا مضادةً للالتهابات وأن كفاءة هذه المادة تعادل كفاءة الإيبوبروفين، المادة الصيدلانية المعروفة بخواصها المضادة للالتهابات، كما أن هناك دراسات أخرى أشارت إلى أن مادتي تيروسول «tyrosol» وهيدروكسي تيروسول hydroxytyrosol اللتان تكونان موجودة في زيت الزيتون تعدان مواد مقاومة لعدد من أصناف الأورام السرطانية، وهناك مادة أخرى موجودة في زيت الزيتون وتعرف بأوليكاسين «olecacein» يعتقد بإمكانية استخدامها لمقاومة سرطان الجلد، ومن الجدير بالذكر أننا نقوم بإجراء دراسة مطولة حول تراكيب هذه المركبات المهمة والمفيدة في زيت الزيتون الذي يتم إنتاجه في الجبل الأخضر، وسوف نقوم بنشر نتائجها خلال هذه السنة بإذن الله تعالى.

إن انقسام الوسط العلمي وعدم الوضوح بخصوص الزيت المثالي الذي يوصى باستخدامه في إعداد الأطعمة المقلية بصورة تبعث على الاطمئنان، يجعل من الصعوبة الوصول إلى استنتاج واضح ولذا فإن الحل ربما يكمن -في الوقت الحالي على الأقل- على استخدام زيت الزيتون في حالات القلي التي تستمر لفترات طويلة، أما إذا كنت ممن لا تستسيغ المذاق الذي يخلفه زيت الزيتون ففي هذه الحالة فلربما ينصح باستخدام الزيوت النباتية الأكثر ثباتا كزيت النخيل، حيث إنه يتميز بثباتية عالية نسبيًا مقارنة مع غيره من الزيوت، كما ننصح بتجنب استخدام زيت الذرة وزيت عباد الشمس للقلي لفترات طويلة، ولكننا نؤكد في الوقت نفسه أن الحل الأمثل يكمن في الابتعاد والتقليل من الأطعمة المقلية بشكل كبير لما تشكله من خطر على الصحة العامة.

بقي أن نشير إلى أن هناك دراسة حديثة تشير إلى أن استخدام المحارم الورقية لمسح الأطعمة المقلية وامتصاص الزيت من سطوحها لها فوائد جيدة في تخفيض كميات الزيت من هذه الأطعمة، كما أشارت الدراسة إلى أن ذلك لا يؤثر على جودة الطعام ولا يوثر في طعمه أيضا.

أ.د حيدر أحمد اللواتي كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس