كان العتاد العسكري لجيش الاحتلال الإسرائيلي وحده الذي يقتل الفلسطينيين في غزة، وقد فتك حتى الآن بأكثر من 30 ألف فلسطيني، 75% منهم أطفال ونساء وشيوخ، وجميعهم من المدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة، ولكن مع امتداد الحرب إلى الشهر الخامس، وموت الضمير الإنساني العالمي، تنوعت أساليب قتل الشعب الفلسطيني الذي يتعرض إلى حرب إبادة كاملة الأركان؛ فالفلسطينيون يموتون اليوم بسبب الجوع والأمراض التي تنتشر في القطاع بشكل كبير نتيجة الأوضاع المأساوية. وللعالم الذي يدعي احترامه لحقوق الإنسان والعمل على خطط التنمية المستدامة أن يتخيل حجم الإجرام الذي ارتكبه جيش الاحتلال الإسرائيلي وبضوء أخضر مفتوح من الدول الغربية الكبرى وصمت مريب من الكثير من القوى العالمية التي تستطيع البدء في إيقاف إسرائيل عند حدها لو أرادت عبر فرض عقوبات اقتصادية كما حدث لروسيا على سبيل المثال.. لكنَّ أيا من ذلك لم يحدث، ما يعني أن القوى الكبرى في العالم متواطئة بشكل كبير مع إسرائيل أما التصريحات المتناثرة هنا وهناك فما هي إلا من أجل حفظ ماء وجه الليبرالية التي تدعيها تلك الدول.

وقال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة اليوم إنه أوقف «مؤقتا» تسليم المساعدات الغذائية إلى شمال غزة حتى تسمح الظروف في القطاع الفلسطيني بتوزيع آمن.

وذكر البرنامج في بيان «قرار وقف تسليم المساعدات إلى شمال قطاع غزة لم يُتخذ باستخفاف لأننا ندرك أنه يعني تدهور الوضع أكثر هناك وأن عددا أكبر من الناس سيواجهون خطر الموت جوعا».

وأفادت ثلاث وكالات تابعة للأمم المتحدة، وهي برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، اليوم بأن الغذاء والمياه الصالحة للشرب «نادرة للغاية والأمراض منتشرة... مما أدى إلى زيادة سوء التغذية الحاد» في غزة. وكان برنامج الأغذية العالمي قد قال الشهر الماضي إن واحدا من كل ستة أطفال دون سن الثانية في شمال غزة مصاب بسوء تغذية حاد ما يعني أن الوضع أصبح أكثر سوءا وخطورة اليوم. فيما قال اليوم مدير الإعلام الحكومي في غزة إن 700 ألف شخص على الأقل في غزة يعانون من مجاعة بسبب الاحتلال الأمر الذي قد يؤدي إلى وفاتهم!

وقد حولت إسرائيل موضوع المجاعة ونقص الغذاء إلى فخ تصطاد به الأبرياء حيث يعلن عن موعد لتوزيع الأغذية من أجل أن يتجمع الناس بأعداد كبيرة ثم تقوم بقصفهم أو بقنص العشرات منهم في منظر مخزٍ للعالم ومهين للإنسانية.

إن الخطاب السياسي والأمني الذي يقول إن هذه الحرب من شأنها أن تغير الكثير من المسارات السياسية والأمنية في المنطقة العربية كلام دقيق جدا، ولكن هذا الكلام ينطبق أيضا، على ما يمكن أن تغيره هذه الحرب في بناء وعي الكثير من العرب والكثير من الجماهير العالمية التي باتت تدرك حجم الاستلاب والخديعة التي كان يعيشها العالم حول حقيقة المؤسسات العالمية وحول الأفكار الرومانسية لوهم الديمقراطية ووهم الليبرالية وحقوق الإنسان، وبات واضحا أنها ليست إلا أدوات سياسية لفرض السيطرة ولا علاقة لها بالعدالة والمساواة وأي مستوى من مستويات حقوق الإنسان حتى لو كان حق الأكل والشرب ناهيك عن بقية الحقوق الأخرى.