أكبر قضية تقلق العالم أجمع هي قضية التطرف والعنف والإرهاب، إلا أنها القضية التي يتجنب العالم، متعمدًا، علاج منبعها الأصلي، ومسبباتها الحقيقية، ويذهب في كل مرة إلى محاولة علاج النتائج بقوة الأسلحة الفتاكة، ولا يعلم، وربما يعلم، أنه يبذر بذورًا لتطرف وعنف جديد يقود بالضرورة إلى الإرهاب الدموي الذي يقوض مكتسبات الحضارة الإنسانية وقيم السلام والأمن وحقوق الإنسان، ويجعل العالم يدور في حلقة مفرغة لا يصل فيها إلى نهاية آمنة.
وأثبتت الكثير من التجارب التي مرت على البشرية أن التطرف والإرهاب لم يكونا في يوم من الأيام بذورا بل كانا على الدوام ثمارا حالكة لتفاعل معقد بين المظالم التاريخية والفوارق الاجتماعية والاقتصادية والتدخلات السياسية التي تفتقد إلى الحكمة والنزاهة وقيم العدل والمساواة.
وإذا كان العالم الذي يحتفل اليوم بـ«اليوم العالمي لمنع التطرف العنيف عندما يفضي إلى الإرهاب» جادًا في القضاء على هذه النباتات السامة فعليه أن يعمل للقضاء على جذورها، وهذا يتطلب البدء في اكتشاف الأسباب الحقيقية للتطرف والعنف، ودور بعض دول العالم في رعاية التهديدات ذاتها التي تسعى للقضاء عليها وإلا فإن الدوران سيبقى مستمرًا في فضاء الظاهرة، وستخرج للعالم نماذجُ من «نباتات وثمار» الإرهاب أكثر تطرفًا وقدرةً على تدمير مكاسب الإنسان الحضارية.
وينبثق التطرف الأكثر تدميرًا من حالة اليأس التي يصل إليها الإنسان، والاغتراب في بيئته، فهو؛ أي التطرف، يتغذى على مظالم المهمشين والمسحوقين الذين يفقدون كل سبل العيش والكرامة بسبب غياب القيم والمبادئ الإنسانية الحقيقية عن النظام العالمي، ويجدون أنفسهم على هامش مصطلحات الرخاء والأمن والسلام دون أن يشعروا بها.
وجذور اليأس والاغتراب التي تشعل جذوة التطرف والعنف عميقة ومتنوعة في الكثير من المجتمعات وتمتد إلى الموروثات الاستعمارية، وتستمر اليوم عبر الاستغلال الاقتصادي، وتزدهر وسط الاستراتيجيات الجيوسياسية المعاصرة التي تنتصر لدول وكيانات سياسية في غياب تام لقيم العدل والمساواة.
ويمكن في هذا السياق العودة إلى أسباب نشوء تنظيم مثل تنظيم «داعش» الإرهابي في العراق لفهم مسارات نشوء العنف والتطرف والإرهاب. لقد نشأ التنظيم في ظل تدخلات غربية جاءت تحت ستار/ وهم نشر الديمقراطية. وأدت الظروف الصعبة التي عاشتها العراق في ظل الغزو الأمريكي/ البريطاني والتي فقد فيها العراقيون كل سبل العيش بكرامة وسدت أمامهم كل آفاق المستقبل إلى تعزيز التطرف والتعصب الذي قاد مع الوقت إلى نسخة شديدة «التطرف» من الإرهاب تم تغذيتها لاحقًا من مختلف دول العالم لتسير إلى الطريق الذي بات يعرفه الجميع. لقد ترك ما حصل في العراق ندوبًا لا يمكن أن تمحى من الذاكرة الجمعية للعراقيين والعرب والمسلمين، وهي ندوب تديم الأعمال العدائية وتتحول بمرور الوقت إلى دورات من العنف والتطرف.
كما أن تجويع الشعوب وتوسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء داخل الدول وفيما بينها يصنع تقسيمًا طبقيًا يكون قابلًا لبناء توجهات تطرف وعنف في اللحظة التي يشعر فيها الإنسان أن حقوقه الاقتصادي مستلبة ولا أمل له في الحصول عليها، وليس ذلك لأسباب تتعلق به شخصيًا، وإنما نتيجة القيم التي يتبناها المجتمع الذي ينتمي له.. وفي هذه اللحظة التي يشعر فيها هذا/ هؤلاء باليأس لا يجدون أمامهم إلا العنف والتطرف وتتقد فيهم مشاعر الكراهية التي تفضي إلى الأعمال الإرهابية.
وإذا كانت التوجهات الأيديولوجية وبعض قيم العولمة والنيوليبرالية الغربية الجديدة التي تغيب فيها سيطرة الدولة لصالح مؤسسات القطاع الخاص، توجهات تؤجج في بعض الأحيان التطرف نتيجة غياب العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية فإنها أيضا، تمهد الطريق لمجتمع صُنّاع السلاح وتجاره ليقوم بدور أساسي لتحفيز العنف والتطرف والإرهاب عبر إغراق المناطق المضطربة بالأسلحة، وتساهم بعض البلدان المتقدمة بشكل غير مباشر في إدامة الصراع لأسباب تتعلق بالاقتصاد وبناء توازنات جيواستراتيجية جديدة. وهذا يكشف بشكل واضح كيف تتغلب المصالح الاقتصادية في كثير من الأحيان على السعي إلى السلام الذي يعلو حضوره في الشعارات البراقة دون أن يحضر بشكل عملي.
وفي هذه اللحظة التاريخية التي يعيشها العالم وتشهد ثورة رقمية تقوم وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي بدور خبيث في تأجيج العنف والتطرف والدعوة إلى الإرهاب، في الوقت الذي كان من الممكن أن تقوم بدور مختلف في صناعة الوعي ونشر قيم التنوير والتعليم. إن بناء صورة «نحن مقابل هم» التي تعمل على تجريد الإنسان «الآخر» من إنسانيته وتبرير العدوان كما يحدث الآن خلال الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة، حيث يجرد الغرب الداعم للعدوان الفلسطينيين من إنسانيتهم، ويبحثون عن مبررات للعدوان رغم أنه تجاوز مفهوم الإرهاب إلى مستوى يفوق الإبادة الجماعية.
لقد عملت السرديات الإسرائيلية والغربية منذ سنوات طويلة على التلاعب بالمعلومات ونشر البيانات المضللة ما ساهم في بناء مناخ يتسم بالخوف من الآخر والكراهية وكلها مسارات تغذي نظرة المواطن الغربي للشعب الفلسطيني.
إنَّ معالجة جذور التطرف والعنف في العالم الذي نعيشه اليوم يتطلب نهجا متعدد الأوجه يتجاوز الحلول العسكرية التي أثبتت أنها لا تستطيع استئصال الإرهاب أو نزع مشاعر الكراهية بل أثبتت أنها تزيد من حدتها وتسهم في تكريسها.. وتتطلب أي معالجة جادة العمل من أجل إعادة تقييم السياسات الخارجية التي تعطي الأولوية للتدخل العسكري على العمل الدبلوماسي. وعلى العالم أن يتجه نحو تعزيز التفاهم والحوار بين الثقافات، ومعالجة غياب المساواة الاجتماعية والاقتصادية التي تولد اليأس، وإعادة الحقوق إلى أصحابها بما في ذلك حق الإنسان في أرضه ووطنه وتاريخه وكرامته، وكلها خطوات تقود نحو السلام.
وفي هذا العالم الذي نعيشه هناك الكثير من التجارب الدولية التي تستحق وقفة جادة لدراستها بشكل عميق، وكيف استطاعت أن تبني مجتمعا خاليا من كل أشكال التطرف والتعصب وبالتالي من الإرهاب. ومن بين هذه النماذج يمكن دراسة التجربة العمانية التي وصلت إلى مجتمع خال من أي مظهر من مظاهر التطرف والإرهاب.. وهذه التجربة ليست وليدة العقود القليلة الماضية إنما هي نتيجة قرون طويلة عملت فيها الدولة العمانية على إرساء مبادئ العدل وقيم المساواة وإذكاء الشعور بالشراكة الحقيقية في الوطن وفي مسارات المستقبل.
ولذلك لا تذكر كتب التاريخ أبدا أن ثمة صراعا قام في عُمان لسبب أيديولوجي أو مذهبي. وترسخ هذا الأمر في المجتمع العماني حتى عرف العالم عُمان دولة خالية من الإرهاب تماما رغم أنها في وسط محيط إقليمي يموج بالمتغيرات والصراعات التي لم تخلُ من التطرف والعنف والإرهاب في الكثير من الفترات الزمنية.
ورغم القيم التي رسخها المجتمع العماني إلا أن الأمر لم يترك دون تقييد قانوني ولذلك كانت كل أفكار التطرف والعنف مجرمة في القوانين العمانية منذ السنوات الأولى لمسيرة النهضة الحديثة، وقبل ذلك كانت مجرمة في أعراف المجتمع وفي نصوصه الدينية التي يستمد منها قيمه ومبادئه. وقبل سنوات صدر قانون عُماني مستقل لمكافحة الإرهاب وشُكلت لجنة وطنية لمكافحة الإرهاب، كما شُكلت لجنة وطنية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. ومع شعور العمانيين بأن كرامتهم في وطنهم محفوظة وأنهم يعيشون في مجتمع تسوده قيم العدل والمساواة انتفت كل دواعي التطرف والعنف فأصبحت عُمان «صفر إرهاب» منذ اللحظة الأولى التي ظهر فيها المؤشر العالمي لقياس الإرهاب في العالم وحتى هذه اللحظة. وهذه التجربة تستحق أن تقرأ عالميا وتستخلص منها الدروس والعبر.. رغم أن بعض دول العالم التي تدعو إلى مكافحة العنف والتطرف والإرهاب لكنها في الوقت نفسه تسقي بذوره وتغذيها تعرف كيف تنهيها تماما والدرس العماني واضح بالنسبة لها.. لكنها لا تريد تطبيقه لأسباب تتعلق بأجنداتها ومكاسبها الآنية.
إن الطريق إلى القضاء على التطرف والعنف محفوف بالتحديات، ويتطلب نقلة نوعية في كيفية تفاعل الدول مع بعضها البعض ومع مواطنيها، ويحتاج إلى تكريس مبادئ الاحترام والعدل والإنصاف والمساواة.. لتكون كلها قيما موجهة لتصرفات المجتمع الدولي ونظامه العالمي.
كما أن الطريق نفسه يحتاج إلى مزيد من الفهم للعوامل التاريخية والاقتصادية والاجتماعية التي تغذي ظاهرة العنف والتطرف والإرهاب؛ لأن هذا الفهم وحده يمكن أن يسهم في تفكيك شبكات التطرف المعقدة والتحرك الجاد نحو عالم أكثر عدلا واستقرارا.
عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة عمان
وأثبتت الكثير من التجارب التي مرت على البشرية أن التطرف والإرهاب لم يكونا في يوم من الأيام بذورا بل كانا على الدوام ثمارا حالكة لتفاعل معقد بين المظالم التاريخية والفوارق الاجتماعية والاقتصادية والتدخلات السياسية التي تفتقد إلى الحكمة والنزاهة وقيم العدل والمساواة.
وإذا كان العالم الذي يحتفل اليوم بـ«اليوم العالمي لمنع التطرف العنيف عندما يفضي إلى الإرهاب» جادًا في القضاء على هذه النباتات السامة فعليه أن يعمل للقضاء على جذورها، وهذا يتطلب البدء في اكتشاف الأسباب الحقيقية للتطرف والعنف، ودور بعض دول العالم في رعاية التهديدات ذاتها التي تسعى للقضاء عليها وإلا فإن الدوران سيبقى مستمرًا في فضاء الظاهرة، وستخرج للعالم نماذجُ من «نباتات وثمار» الإرهاب أكثر تطرفًا وقدرةً على تدمير مكاسب الإنسان الحضارية.
وينبثق التطرف الأكثر تدميرًا من حالة اليأس التي يصل إليها الإنسان، والاغتراب في بيئته، فهو؛ أي التطرف، يتغذى على مظالم المهمشين والمسحوقين الذين يفقدون كل سبل العيش والكرامة بسبب غياب القيم والمبادئ الإنسانية الحقيقية عن النظام العالمي، ويجدون أنفسهم على هامش مصطلحات الرخاء والأمن والسلام دون أن يشعروا بها.
وجذور اليأس والاغتراب التي تشعل جذوة التطرف والعنف عميقة ومتنوعة في الكثير من المجتمعات وتمتد إلى الموروثات الاستعمارية، وتستمر اليوم عبر الاستغلال الاقتصادي، وتزدهر وسط الاستراتيجيات الجيوسياسية المعاصرة التي تنتصر لدول وكيانات سياسية في غياب تام لقيم العدل والمساواة.
ويمكن في هذا السياق العودة إلى أسباب نشوء تنظيم مثل تنظيم «داعش» الإرهابي في العراق لفهم مسارات نشوء العنف والتطرف والإرهاب. لقد نشأ التنظيم في ظل تدخلات غربية جاءت تحت ستار/ وهم نشر الديمقراطية. وأدت الظروف الصعبة التي عاشتها العراق في ظل الغزو الأمريكي/ البريطاني والتي فقد فيها العراقيون كل سبل العيش بكرامة وسدت أمامهم كل آفاق المستقبل إلى تعزيز التطرف والتعصب الذي قاد مع الوقت إلى نسخة شديدة «التطرف» من الإرهاب تم تغذيتها لاحقًا من مختلف دول العالم لتسير إلى الطريق الذي بات يعرفه الجميع. لقد ترك ما حصل في العراق ندوبًا لا يمكن أن تمحى من الذاكرة الجمعية للعراقيين والعرب والمسلمين، وهي ندوب تديم الأعمال العدائية وتتحول بمرور الوقت إلى دورات من العنف والتطرف.
كما أن تجويع الشعوب وتوسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء داخل الدول وفيما بينها يصنع تقسيمًا طبقيًا يكون قابلًا لبناء توجهات تطرف وعنف في اللحظة التي يشعر فيها الإنسان أن حقوقه الاقتصادي مستلبة ولا أمل له في الحصول عليها، وليس ذلك لأسباب تتعلق به شخصيًا، وإنما نتيجة القيم التي يتبناها المجتمع الذي ينتمي له.. وفي هذه اللحظة التي يشعر فيها هذا/ هؤلاء باليأس لا يجدون أمامهم إلا العنف والتطرف وتتقد فيهم مشاعر الكراهية التي تفضي إلى الأعمال الإرهابية.
وإذا كانت التوجهات الأيديولوجية وبعض قيم العولمة والنيوليبرالية الغربية الجديدة التي تغيب فيها سيطرة الدولة لصالح مؤسسات القطاع الخاص، توجهات تؤجج في بعض الأحيان التطرف نتيجة غياب العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية فإنها أيضا، تمهد الطريق لمجتمع صُنّاع السلاح وتجاره ليقوم بدور أساسي لتحفيز العنف والتطرف والإرهاب عبر إغراق المناطق المضطربة بالأسلحة، وتساهم بعض البلدان المتقدمة بشكل غير مباشر في إدامة الصراع لأسباب تتعلق بالاقتصاد وبناء توازنات جيواستراتيجية جديدة. وهذا يكشف بشكل واضح كيف تتغلب المصالح الاقتصادية في كثير من الأحيان على السعي إلى السلام الذي يعلو حضوره في الشعارات البراقة دون أن يحضر بشكل عملي.
وفي هذه اللحظة التاريخية التي يعيشها العالم وتشهد ثورة رقمية تقوم وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي بدور خبيث في تأجيج العنف والتطرف والدعوة إلى الإرهاب، في الوقت الذي كان من الممكن أن تقوم بدور مختلف في صناعة الوعي ونشر قيم التنوير والتعليم. إن بناء صورة «نحن مقابل هم» التي تعمل على تجريد الإنسان «الآخر» من إنسانيته وتبرير العدوان كما يحدث الآن خلال الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة، حيث يجرد الغرب الداعم للعدوان الفلسطينيين من إنسانيتهم، ويبحثون عن مبررات للعدوان رغم أنه تجاوز مفهوم الإرهاب إلى مستوى يفوق الإبادة الجماعية.
لقد عملت السرديات الإسرائيلية والغربية منذ سنوات طويلة على التلاعب بالمعلومات ونشر البيانات المضللة ما ساهم في بناء مناخ يتسم بالخوف من الآخر والكراهية وكلها مسارات تغذي نظرة المواطن الغربي للشعب الفلسطيني.
إنَّ معالجة جذور التطرف والعنف في العالم الذي نعيشه اليوم يتطلب نهجا متعدد الأوجه يتجاوز الحلول العسكرية التي أثبتت أنها لا تستطيع استئصال الإرهاب أو نزع مشاعر الكراهية بل أثبتت أنها تزيد من حدتها وتسهم في تكريسها.. وتتطلب أي معالجة جادة العمل من أجل إعادة تقييم السياسات الخارجية التي تعطي الأولوية للتدخل العسكري على العمل الدبلوماسي. وعلى العالم أن يتجه نحو تعزيز التفاهم والحوار بين الثقافات، ومعالجة غياب المساواة الاجتماعية والاقتصادية التي تولد اليأس، وإعادة الحقوق إلى أصحابها بما في ذلك حق الإنسان في أرضه ووطنه وتاريخه وكرامته، وكلها خطوات تقود نحو السلام.
وفي هذا العالم الذي نعيشه هناك الكثير من التجارب الدولية التي تستحق وقفة جادة لدراستها بشكل عميق، وكيف استطاعت أن تبني مجتمعا خاليا من كل أشكال التطرف والتعصب وبالتالي من الإرهاب. ومن بين هذه النماذج يمكن دراسة التجربة العمانية التي وصلت إلى مجتمع خال من أي مظهر من مظاهر التطرف والإرهاب.. وهذه التجربة ليست وليدة العقود القليلة الماضية إنما هي نتيجة قرون طويلة عملت فيها الدولة العمانية على إرساء مبادئ العدل وقيم المساواة وإذكاء الشعور بالشراكة الحقيقية في الوطن وفي مسارات المستقبل.
ولذلك لا تذكر كتب التاريخ أبدا أن ثمة صراعا قام في عُمان لسبب أيديولوجي أو مذهبي. وترسخ هذا الأمر في المجتمع العماني حتى عرف العالم عُمان دولة خالية من الإرهاب تماما رغم أنها في وسط محيط إقليمي يموج بالمتغيرات والصراعات التي لم تخلُ من التطرف والعنف والإرهاب في الكثير من الفترات الزمنية.
ورغم القيم التي رسخها المجتمع العماني إلا أن الأمر لم يترك دون تقييد قانوني ولذلك كانت كل أفكار التطرف والعنف مجرمة في القوانين العمانية منذ السنوات الأولى لمسيرة النهضة الحديثة، وقبل ذلك كانت مجرمة في أعراف المجتمع وفي نصوصه الدينية التي يستمد منها قيمه ومبادئه. وقبل سنوات صدر قانون عُماني مستقل لمكافحة الإرهاب وشُكلت لجنة وطنية لمكافحة الإرهاب، كما شُكلت لجنة وطنية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. ومع شعور العمانيين بأن كرامتهم في وطنهم محفوظة وأنهم يعيشون في مجتمع تسوده قيم العدل والمساواة انتفت كل دواعي التطرف والعنف فأصبحت عُمان «صفر إرهاب» منذ اللحظة الأولى التي ظهر فيها المؤشر العالمي لقياس الإرهاب في العالم وحتى هذه اللحظة. وهذه التجربة تستحق أن تقرأ عالميا وتستخلص منها الدروس والعبر.. رغم أن بعض دول العالم التي تدعو إلى مكافحة العنف والتطرف والإرهاب لكنها في الوقت نفسه تسقي بذوره وتغذيها تعرف كيف تنهيها تماما والدرس العماني واضح بالنسبة لها.. لكنها لا تريد تطبيقه لأسباب تتعلق بأجنداتها ومكاسبها الآنية.
إن الطريق إلى القضاء على التطرف والعنف محفوف بالتحديات، ويتطلب نقلة نوعية في كيفية تفاعل الدول مع بعضها البعض ومع مواطنيها، ويحتاج إلى تكريس مبادئ الاحترام والعدل والإنصاف والمساواة.. لتكون كلها قيما موجهة لتصرفات المجتمع الدولي ونظامه العالمي.
كما أن الطريق نفسه يحتاج إلى مزيد من الفهم للعوامل التاريخية والاقتصادية والاجتماعية التي تغذي ظاهرة العنف والتطرف والإرهاب؛ لأن هذا الفهم وحده يمكن أن يسهم في تفكيك شبكات التطرف المعقدة والتحرك الجاد نحو عالم أكثر عدلا واستقرارا.
عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة عمان