إنه الجمعة، يمنعني الترقُّب من مواصلة النوم. لا أحتاج القهوة للتنبُّه هذا الصباح، إلا أنني أجد يدي دون تفكير، تضع الملعقة والملعقتين قبل إضافة الماء للركوة. ما تزال أمامي ساعات قبل أن يبدأ بث الجلسة. أقرأ المقالات التي تتنبأ بالحكم، أُشاهد تقارير قصيرة حول حصيلة اليوم السابق، أضع الهاتف جانبا.
توصينا مدونات الصحة بأن نتحاشى هواتفنا خلال الساعات الأولى من استيقاظنا؛ حتى لا نُشجع السلوك القهري والإدماني على الهاتف. غير أن هذا يُشعرنا بأننا نخذل، ونُسلّم، ونتشاغل عن أداء واجبنا الإنساني. وفي الليالي التي نُقرر أن نفصل فيها، ننهض اليوم التالي على شعور بأنها كانت الليلة الأسوأ على غزة.
لم يبقَ كثيرون حولي ممن يؤمنون بالمؤسسات العالمية الحقوقية والإنسانية. كثيرون صاروا لا يرونها إلا باعتبارها أداة في يد القوى الإمبريالية، تُبرر لها، وترعى مصالحها. لكن -جزء مني على الأقل- لا يرضى بإلقاء الرضيع، في محاولة التخلص من ماء حمامه- كما يذهب المثل.
لكني أتساءل إن كانت أي جهود ستكفي بعد لترميم الثقة بين إنسان الجنوب العالمي، والمؤسسات العالمية. يُمكننا أن نُجادل -ليوم المجادلة- حول أن مفاهيم حقوق الإنسان تستحق الإيمان بها، مهما أُسيء تطبيقها وتفسيرها واستغلالها. وأن الجهد يجب أن يذهب في سبيل محاربة سوء التطبيق هذا، عوض النيل الإطار النظري الذي بُنيت عليه، والتشكيك في نوايا تطويره بالأساس. إلا أن شرخ الثقة من العمق بحيث لم يعد ممكنا ردمه، كما يبدو. فوق هذا لا يبدو أن ثمة من يُشغل بالثقة الضائعة، أو كيف يتم إعادة بنائها.
إنه الجمعة، يوم تاريخي، وإن لم يكن بالتاريخية المرتجاة. يتصادف -يا سبحان الله- مع كشف إسرائيل عن اضطلاع بعض موظفي الأونروا في هجمات السابع من أكتوبر. لا يحتاج الأمر لذكاء، لنرى ما يرجوه الكيان من هذه الخطوة. أولا، النيل -بطريقة ما- من المؤسسة التي أدانته (لكون محكمة العدل الدولية، والأونروا تابعتين للأمم المتحدة). وثانيا والأهم-، لهذه الخطوة سوابق في محاولة تعطيل عمل وإلغاء مؤسسة الأونروا؛ لأنها شهادة حية على التهجير خلال النكبة الفلسطينية الأولى.
والآن لنتوقف لحظة ونتساءل على سبيل الجدل: ماذا لو كانت ادعاءات الاحتلال صحيحة؟ (هذا بالطبع دون التحدث عن حق الفلسطينيين في المقاومة، وكون المليشيات المسلحة جزءا لا يتجزأ من فعل المقاومة) أعني، هل عنى في يوم من الأيام (ولو أن التشبيه ظالم) فساد بعض القضاة نقض مفهوم مؤسسات العدل؟ لم لا يؤخذ الكل بجرم البعض، إلا في حالة الغزاويين!
لا يفاجئنا موضوع قطع التمويل عن الأونروا (لطالما كانت محل استهداف الجيش الإسرائيلي، وخفض الدعم الأمريكي لها كان في الحسبان سابقا) بقدر ما تفاجئنا السرعة الخاطفة التي اختار فيها أهم الممولين ذلك. إذ أن القرار لم يتطلب سوى أيام، ساعات في بعض الحالات. يتوقع المرء أن يُجرى تحقيق حيادي يفصل في صحة الادعاءات قبل اتخاذ قرار يمس حياة الآلاف. قرار يرقى لأن يكون مساهمة في الإبادة. كل من يعيش هنا «تطلع عينه» من بيروقراطية مؤسسات الدولة الألمانية. ثمة إيمان بأن تعقيد عملية اتخاذ القرار يحمينا جميعا من الطامحين في سلطة مطلقة. أسأل نفسي اليوم إن كانت ألمانيا نجحت -كما تظن- في ذلك. أم أن بيروقراطيتها موجهة ضد البعض.
ثم، كيف وصل الشمال العالمي إلى مرحلة تُعتبر فيها دولة (أي دولة، دعك من كونها دولة احتلال، تنشر تقريرًا يتهم الشعب الذي تحتله) أكثر مصداقية من الأمم المتحدة؟ ما يجعلنا نُفكر.. لحظة.. هل يفقد الغرب أيضا ثقته في المؤسسات الدولية التي سخرها لمصالحه لوقت طويل!
أما اليوم، فها هي الصحف تتحدث عن احتمالية ارتباط حوالي 10٪ من موظفي الأونروا بميليشيات فلسطينية مسلحة (بالمقاومة بمعنى آخر) حسب تقرير الوول ستريت جورنال. وبناءً على هذا تدعي أن القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية، معتمدة على تقارير هيئات على صلة بحماس.
هذا التسفيه بحقوق البشر القضايا العادلة، وبذل أي ثمن لقاء ذلك، حتى وإن كان يُهدد الثقة بالمؤسسات الدولية، يجعلنا نفكر أن ما من وسيلة لمجابهة نظام كهذا عدا خلق قوة مضادة عبر مؤسسات بديلة تنضوي تحتها الدول المعادية للقوى المهيمنة.
توصينا مدونات الصحة بأن نتحاشى هواتفنا خلال الساعات الأولى من استيقاظنا؛ حتى لا نُشجع السلوك القهري والإدماني على الهاتف. غير أن هذا يُشعرنا بأننا نخذل، ونُسلّم، ونتشاغل عن أداء واجبنا الإنساني. وفي الليالي التي نُقرر أن نفصل فيها، ننهض اليوم التالي على شعور بأنها كانت الليلة الأسوأ على غزة.
لم يبقَ كثيرون حولي ممن يؤمنون بالمؤسسات العالمية الحقوقية والإنسانية. كثيرون صاروا لا يرونها إلا باعتبارها أداة في يد القوى الإمبريالية، تُبرر لها، وترعى مصالحها. لكن -جزء مني على الأقل- لا يرضى بإلقاء الرضيع، في محاولة التخلص من ماء حمامه- كما يذهب المثل.
لكني أتساءل إن كانت أي جهود ستكفي بعد لترميم الثقة بين إنسان الجنوب العالمي، والمؤسسات العالمية. يُمكننا أن نُجادل -ليوم المجادلة- حول أن مفاهيم حقوق الإنسان تستحق الإيمان بها، مهما أُسيء تطبيقها وتفسيرها واستغلالها. وأن الجهد يجب أن يذهب في سبيل محاربة سوء التطبيق هذا، عوض النيل الإطار النظري الذي بُنيت عليه، والتشكيك في نوايا تطويره بالأساس. إلا أن شرخ الثقة من العمق بحيث لم يعد ممكنا ردمه، كما يبدو. فوق هذا لا يبدو أن ثمة من يُشغل بالثقة الضائعة، أو كيف يتم إعادة بنائها.
إنه الجمعة، يوم تاريخي، وإن لم يكن بالتاريخية المرتجاة. يتصادف -يا سبحان الله- مع كشف إسرائيل عن اضطلاع بعض موظفي الأونروا في هجمات السابع من أكتوبر. لا يحتاج الأمر لذكاء، لنرى ما يرجوه الكيان من هذه الخطوة. أولا، النيل -بطريقة ما- من المؤسسة التي أدانته (لكون محكمة العدل الدولية، والأونروا تابعتين للأمم المتحدة). وثانيا والأهم-، لهذه الخطوة سوابق في محاولة تعطيل عمل وإلغاء مؤسسة الأونروا؛ لأنها شهادة حية على التهجير خلال النكبة الفلسطينية الأولى.
والآن لنتوقف لحظة ونتساءل على سبيل الجدل: ماذا لو كانت ادعاءات الاحتلال صحيحة؟ (هذا بالطبع دون التحدث عن حق الفلسطينيين في المقاومة، وكون المليشيات المسلحة جزءا لا يتجزأ من فعل المقاومة) أعني، هل عنى في يوم من الأيام (ولو أن التشبيه ظالم) فساد بعض القضاة نقض مفهوم مؤسسات العدل؟ لم لا يؤخذ الكل بجرم البعض، إلا في حالة الغزاويين!
لا يفاجئنا موضوع قطع التمويل عن الأونروا (لطالما كانت محل استهداف الجيش الإسرائيلي، وخفض الدعم الأمريكي لها كان في الحسبان سابقا) بقدر ما تفاجئنا السرعة الخاطفة التي اختار فيها أهم الممولين ذلك. إذ أن القرار لم يتطلب سوى أيام، ساعات في بعض الحالات. يتوقع المرء أن يُجرى تحقيق حيادي يفصل في صحة الادعاءات قبل اتخاذ قرار يمس حياة الآلاف. قرار يرقى لأن يكون مساهمة في الإبادة. كل من يعيش هنا «تطلع عينه» من بيروقراطية مؤسسات الدولة الألمانية. ثمة إيمان بأن تعقيد عملية اتخاذ القرار يحمينا جميعا من الطامحين في سلطة مطلقة. أسأل نفسي اليوم إن كانت ألمانيا نجحت -كما تظن- في ذلك. أم أن بيروقراطيتها موجهة ضد البعض.
ثم، كيف وصل الشمال العالمي إلى مرحلة تُعتبر فيها دولة (أي دولة، دعك من كونها دولة احتلال، تنشر تقريرًا يتهم الشعب الذي تحتله) أكثر مصداقية من الأمم المتحدة؟ ما يجعلنا نُفكر.. لحظة.. هل يفقد الغرب أيضا ثقته في المؤسسات الدولية التي سخرها لمصالحه لوقت طويل!
أما اليوم، فها هي الصحف تتحدث عن احتمالية ارتباط حوالي 10٪ من موظفي الأونروا بميليشيات فلسطينية مسلحة (بالمقاومة بمعنى آخر) حسب تقرير الوول ستريت جورنال. وبناءً على هذا تدعي أن القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية، معتمدة على تقارير هيئات على صلة بحماس.
هذا التسفيه بحقوق البشر القضايا العادلة، وبذل أي ثمن لقاء ذلك، حتى وإن كان يُهدد الثقة بالمؤسسات الدولية، يجعلنا نفكر أن ما من وسيلة لمجابهة نظام كهذا عدا خلق قوة مضادة عبر مؤسسات بديلة تنضوي تحتها الدول المعادية للقوى المهيمنة.