لا أحد يريد للحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة أن تتوسع، وتخرج من نطاقها الجغرافي شمالا أو جنوبا أو شرقا، ولكن يبدو أن الغرب وإسرائيل أمام جنون الدم الذي يحدث في قطاع غزة منذ أربعة أشهر قد جعلهم يفقدون بوصلة السياسة وفهمهم لثقافة المنطقة وحقيقة مشاعر الناس تجاههم بوصفهم إما محتلين أو داعمين للاحتلال. إن حجم الإجرام الذي ترتكبه إسرائيل بدعم واضح ومباشر من الدول الغربية من شأنه أن يؤجج الأحقاد، ويحوّل مشاعر الناس التي تعيش حالة من اليأس وغياب الأمل إلى حراك يتّسم بالعنف والتشدد. وفي هذا الإطار يمكن فهم ما يحدث في البحر الأحمر، وكذلك ما حدث من استهداف للقاعدة الأمريكية في الأردن وللقواعد الأمريكية في مختلف دول المنطقة. ومع الأسف الشديد هذه الأفعال هي بداية لأحداث أكبر يمكن أن تحدث في المنطقة العربية إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.

لعقود من الزمن، كانت السياسة الأمريكية في العالم العربي مرتبطة بشكل وثيق بالدعم المعلن والواضح لإسرائيل، وفي ظل تجاهل تام للعواقب الإنسانية الخطيرة لمثل هذا التحالف الذي يتجاهل كل القيم والمبادئ التي تنادي بها أمريكا والتي تأسست عليها. ولهذه السياسة تداعيات لا يمكن تجاهلها أبدا.

ولقد حذرت الدول العربية مرارا وتكرارا الولايات المتحدة من مغبة هذه السياسات كما حذرها الكثير من النقّاد والكتّاب الأمريكيين، مؤكدين أن لغياب التوازن عن سياساتها الخارجية يجعلها تبدو، وهي كذلك في الحقيقة، وكأنها تعمي نفسها عن انتهاكات حقوق الإنسان وارتكاب جرائم إبادة وتصفية عرقية وهي جرائم ترتكبها إسرائيل حتى قبل إعلان الدولة عندما كانت الجماعات اليهودية تقوم بارتكاب جرائم حرب لا يمكن أن ينساها التاريخ أبدا.

وليست الاعتبارات الأخلاقية والمعنوية هي فقط التي على المحك في سياسات أمريكا في المنطقة العربية ولكن التداعيات الاستراتيجية كذلك تبدو على محك مسار الأحداث. إن الدعم الثابت للأفعال التي تنتهك القانون الدولي والأعراف الإنسانية يهدد بتشويه صورة أمريكا وتآكل مكانتها الأخلاقية في المجتمع الدولي، ولكن بشكل أكثر واقعية، فإنه يعرّض أيضًا حياة الأمريكيين ومصالحهم الاستراتيجية في المنطقة للخطر.

يؤكد توسع منطقة الصراع واستهداف القواعد العسكرية الأمريكية على احتمال نشوب صراع أوسع لا ينتظر إلا عقود ثقاب صغير. إن تورط الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب على قطاع غزة وعلى اليمن دون هدف استراتيجي واضح ومدروس جيدًا، يشكّل خطرا لنشوب حرب طويلة الأمد لن تكون نتائجها كما تشتهي أمريكا أو تشتهي إسرائيل.

إن أوجه التشابه مع التدخلات العسكرية الأمريكية السابقة في المنطقة، وعلى الأخص في العراق وأفغانستان، واضحة جدا لكن أمريكا لا تستطيع أن تستوعب الدرس، ولم تفهم حتى الآن أن تورطها في صراعات إقليمية دون فهم واضح للثقافات المحلية ومسارات التحالفات وطبائع البشر عند مرحلة من مراحل الصراع، وعدم امتلاك أمريكا استراتيجية خروج واضحة المعالم من الممكن أن تذهب بها إلى مستنقعات مكلفة ومضرة بمصالحها على المدى الطويل.

وهذه الحرب التي تبيد فيها إسرائيل بدعم غربي أمريكي الشعب الفلسطيني وما يصاحبها الآن من تداعيات خطيرة يمكن أن تعطي أمريكا فرصة لإعادة قراءة تحالفاتها الاستراتيجية في المنطقة العربية في ضوء مصالحها المستقبلية ويتعين على أمريكا بوصفها دولة كبرى أن تفكر مليا في قرارات سياستها الخارجية وأن تفكر في آثارها بعيدة المدى - ليس فقط على مصالحها الوطنية، بل على السلام والاستقرار في العالم أجمع.