في تاريخ مؤسسات المجتمع المدني في العالم العربي ثمة الكثير من الكوارث والتجاوزات التي لا يمكن نسيانها، والتي أسهمت بشكل مباشر في تأخّر الوعي العربي عن الكثير من القضايا الأساسية، وتكريس الرؤية الأحادية التي تعالج التحديات -إنْ فعلت ذلك- من زاوية شخصية وضيقة لا يمكن فصلها عن المصالح الفردية والفئوية.
ويذكر المشتغلون في مؤسسات المجتمع المدني عندما تمسك كاتب عربي برئاسة اتحاد الكتاب العرب لمدة ربع قرن، وبُذل جهد كبير لإزاحته من على كرسيه وصل إلى حد التصويت على تعديل النظام الداخلي للاتحاد لمنع ترشحه مرة أخرى.
ولا يختلف الأمر كثيرا في «بعض» مؤسسات المجتمع المدني في سلطنة عمان؛ إذ إنها لا تخلو من هذه الممارسات التي يحلو للبعض تسميتها بغواية «التشبث بالكرسي»؛ ولذلك يبقى بعض أعضاء مجالس إدارات الجمعيات لمدة تصل إلى عقدين من الزمن دون إنجازات يمكن أن تحقق الحد الأدنى من الطموحات، دع عنك الحديث عن الإنجازات الخارقة. ونذكر كيف قام أحد أعضاء جمعية مدنية عمانية بإغلاق مقر الجمعية بالمفتاح بعد أن حلت الوزارة مجلس إدارة تلك الجمعية.
ومع بدء حمى الانتخابات في جمعيات المجتمع المدني فإن صوت أعضاء هذه الجمعيات يعلو كثيرا مطالبا وزارة التنمية الاجتماعية بالتدخل لوقف الاحتكار الممنهج من بعض الأسماء على إدارة الجمعيات. وإذا كان قانون الجمعيات المنتظر قد يعالج هذا الأمر كما صرحت ذات يوم وزيرة التنمية الاجتماعية فليس أقل من إصدار تعديل عاجل على النظام الحالي يمنع من كان عضوا في مجلس إدارة أي جمعية مجتمع مدني لدورتين متتاليتين من الترشح لانتخابات الدورة التالية إلا بعد مرور عامين على الأقل.
على أن عمل جمعيات المجتمع المدني وخصوصا الجمعيات المهنية يحتاج إلى إعادة هيكلة ومراجعة كاملة وإخضاع الجمعيات إلى حوكمة دقيقة، وبناء منظومة قياس لأدائها، وإلى أي مدى تقوم بخدمة المهنة التي تمثلها كما هو الحال مع جمعية الصحفيين وجمعية المسرحيين وجمعية السينمائيين.. إلخ.. أما ترك الأمور على النحو الذي هي عليه الآن فلا يبشر بأن هذه الجمعيات يمكن أن تتقدم نحو الأمام أبدا، بل إن بعض الجمعيات لم تعد جاذبة لأصحابها الذين باتوا يتندرون عليها بمسميات تكشف عن توجهاتها كما هو الحال مع تغيير اسم إحدى الجمعيات المهمة والأساسية في البلد من اسمها الحقيقي إلى «جمعية المسافرين»! وحتى لو كان هذا التندر مبالغا فيه إلا أنه يكشف عن حالة تحتاج إلى متابعة وإصلاح، وأن هذه الجمعيات أخذت مسارا غير المسار الذي أشهرت من أجله.
وإذا كانت دعوة مراجعة القانون مهمة وملحة فإن الدعوة الأكثر إلحاحا في هذا التوقيت والتي لا تحتمل أي تأجيل هي الدعوة إلى أن تقوم الوزارة بتنظيم العملية الانتخابية في الجمعيات أو أن تعهدها إلى أي جهة معنية تأخذ طابع الحياد. فلا يعقل وفق أي منطق أن يقوم مجلس إدارة جمعية من الجمعيات أعاد ترشيح نفسه أن يقوم هو بتنظيم الانتخابات، فيقر ما يراه مناسبا له ويمنع ما دون ذلك، وهذا قائم الآن وأمام الجميع ولعل الكثير من الشكاوى وصلت إلى وزارة التنمية الاجتماعية.
كما أن تحويل العملية الانتخابية إلى عملية تتم بنظام التفويض دون سند قانوني معتمد «كالوكالة الشرعية» أمر غير قانوني ولا يفترض أن يتم الاعتداد به أبدا، لأنه يضرب مصداقية الانتخابات.
وتقوم القوائم المترشحة للانتخابات الآن بزيارة المحافظات، والمؤسسات، وجمع تفويضات من أعضاء الجمعية، وكأن التفويض هو الأساس وحضور الانتخابات هو الاستثناء. والتفويض عبارة عن ورقة بيضاء مكتوب عليها أنّ فلانا الفلاني يفوض فلانا الفلاني للقيام بالترشيح نيابة عنه في انتخابات الجمعية، دون أن يكون هناك توثيق قانوني لهذا التفويض، الأمر الذي يجعل التلاعب بمثل هذه التفويضات ممكنا جدا.. وهناك حيل كثيرة تتبع في مثل هذا الأمر لا مجال لذكرها هنا.
على أن منع هذا الأمر بيد وزارة التنمية الاجتماعية عبر إصدار تعميم يمنع التفويضات في العملية الانتخابية، اللهم إلا إن كان التفويض عبر وكالة شرعية تصدرها جهة قضائية كما هو معمول به في جميع مؤسسات الدولة.
وإذا كانت تنمية مؤسسات المجتمع المدني ضمن أولويات رؤية عمان 2040 فإن التدخل السريع لإصلاحها أمر لا يحتمل التأجيل.. وعلى الجمعيات المهنية أن تعود لأصحابها من أبناء المهنة لتخدم مهنتهم وتناقش قضاياهم لا أن تكون وسيلة لتحقيق أهداف شخصية لم يعد من الممكن إخفاؤها.
عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة عمان
ويذكر المشتغلون في مؤسسات المجتمع المدني عندما تمسك كاتب عربي برئاسة اتحاد الكتاب العرب لمدة ربع قرن، وبُذل جهد كبير لإزاحته من على كرسيه وصل إلى حد التصويت على تعديل النظام الداخلي للاتحاد لمنع ترشحه مرة أخرى.
ولا يختلف الأمر كثيرا في «بعض» مؤسسات المجتمع المدني في سلطنة عمان؛ إذ إنها لا تخلو من هذه الممارسات التي يحلو للبعض تسميتها بغواية «التشبث بالكرسي»؛ ولذلك يبقى بعض أعضاء مجالس إدارات الجمعيات لمدة تصل إلى عقدين من الزمن دون إنجازات يمكن أن تحقق الحد الأدنى من الطموحات، دع عنك الحديث عن الإنجازات الخارقة. ونذكر كيف قام أحد أعضاء جمعية مدنية عمانية بإغلاق مقر الجمعية بالمفتاح بعد أن حلت الوزارة مجلس إدارة تلك الجمعية.
ومع بدء حمى الانتخابات في جمعيات المجتمع المدني فإن صوت أعضاء هذه الجمعيات يعلو كثيرا مطالبا وزارة التنمية الاجتماعية بالتدخل لوقف الاحتكار الممنهج من بعض الأسماء على إدارة الجمعيات. وإذا كان قانون الجمعيات المنتظر قد يعالج هذا الأمر كما صرحت ذات يوم وزيرة التنمية الاجتماعية فليس أقل من إصدار تعديل عاجل على النظام الحالي يمنع من كان عضوا في مجلس إدارة أي جمعية مجتمع مدني لدورتين متتاليتين من الترشح لانتخابات الدورة التالية إلا بعد مرور عامين على الأقل.
على أن عمل جمعيات المجتمع المدني وخصوصا الجمعيات المهنية يحتاج إلى إعادة هيكلة ومراجعة كاملة وإخضاع الجمعيات إلى حوكمة دقيقة، وبناء منظومة قياس لأدائها، وإلى أي مدى تقوم بخدمة المهنة التي تمثلها كما هو الحال مع جمعية الصحفيين وجمعية المسرحيين وجمعية السينمائيين.. إلخ.. أما ترك الأمور على النحو الذي هي عليه الآن فلا يبشر بأن هذه الجمعيات يمكن أن تتقدم نحو الأمام أبدا، بل إن بعض الجمعيات لم تعد جاذبة لأصحابها الذين باتوا يتندرون عليها بمسميات تكشف عن توجهاتها كما هو الحال مع تغيير اسم إحدى الجمعيات المهمة والأساسية في البلد من اسمها الحقيقي إلى «جمعية المسافرين»! وحتى لو كان هذا التندر مبالغا فيه إلا أنه يكشف عن حالة تحتاج إلى متابعة وإصلاح، وأن هذه الجمعيات أخذت مسارا غير المسار الذي أشهرت من أجله.
وإذا كانت دعوة مراجعة القانون مهمة وملحة فإن الدعوة الأكثر إلحاحا في هذا التوقيت والتي لا تحتمل أي تأجيل هي الدعوة إلى أن تقوم الوزارة بتنظيم العملية الانتخابية في الجمعيات أو أن تعهدها إلى أي جهة معنية تأخذ طابع الحياد. فلا يعقل وفق أي منطق أن يقوم مجلس إدارة جمعية من الجمعيات أعاد ترشيح نفسه أن يقوم هو بتنظيم الانتخابات، فيقر ما يراه مناسبا له ويمنع ما دون ذلك، وهذا قائم الآن وأمام الجميع ولعل الكثير من الشكاوى وصلت إلى وزارة التنمية الاجتماعية.
كما أن تحويل العملية الانتخابية إلى عملية تتم بنظام التفويض دون سند قانوني معتمد «كالوكالة الشرعية» أمر غير قانوني ولا يفترض أن يتم الاعتداد به أبدا، لأنه يضرب مصداقية الانتخابات.
وتقوم القوائم المترشحة للانتخابات الآن بزيارة المحافظات، والمؤسسات، وجمع تفويضات من أعضاء الجمعية، وكأن التفويض هو الأساس وحضور الانتخابات هو الاستثناء. والتفويض عبارة عن ورقة بيضاء مكتوب عليها أنّ فلانا الفلاني يفوض فلانا الفلاني للقيام بالترشيح نيابة عنه في انتخابات الجمعية، دون أن يكون هناك توثيق قانوني لهذا التفويض، الأمر الذي يجعل التلاعب بمثل هذه التفويضات ممكنا جدا.. وهناك حيل كثيرة تتبع في مثل هذا الأمر لا مجال لذكرها هنا.
على أن منع هذا الأمر بيد وزارة التنمية الاجتماعية عبر إصدار تعميم يمنع التفويضات في العملية الانتخابية، اللهم إلا إن كان التفويض عبر وكالة شرعية تصدرها جهة قضائية كما هو معمول به في جميع مؤسسات الدولة.
وإذا كانت تنمية مؤسسات المجتمع المدني ضمن أولويات رؤية عمان 2040 فإن التدخل السريع لإصلاحها أمر لا يحتمل التأجيل.. وعلى الجمعيات المهنية أن تعود لأصحابها من أبناء المهنة لتخدم مهنتهم وتناقش قضاياهم لا أن تكون وسيلة لتحقيق أهداف شخصية لم يعد من الممكن إخفاؤها.
عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة عمان