إذا كانت الدول الغربية هي المعادل الموضوعي لمصطلح «الغرب» بكل أبعاد المصطلح الثقافية والحضارية والتاريخية فإن الحضارة الغربية قد سقطت سقوطا مدويا نتيجة تورطها في الكثير من الحروب الإجرامية التي نشرت البؤس والشقاء في الكثير من قارات العالم بما في ذلك الدول العربية التي عانت الأمرين من الغرب الاستعماري عبر القرون الماضية وإلى يومنا هذا حيث تشهد غزة الفلسطينية إبادة جماعية بدعم سياسي وعسكري من «الدول» الغربية التي تقدم نفسها باعتبارها صانعة الحضارة «الغربية». وكشفت أفعال وأقوال الكثير من هذه «الدول» عبر الزمن بعدها عن أي مفهوم أو قيمة من القيم الحضارية إن لم تكن ذات قيمة اقتصادية لها بشكل مباشر جدا.. أما الإنسان خارج نطاق تلك الدائرة فلا قيمة له.

أما إذا كان الأفراد هم المعادل الموضوعي للأبعاد الثقافية والحضارية في مصطلح «الغرب» فإن عليهم الوقوف ضد دعم دولهم، و/أو تورطها في جرائم عنصرية ضد الإنسانية قبل أن يسقطوا فيما تسقط فيه دولهم من مأزق أخلاقي وحضاري.

لقد كشفت الكثير من الدول الغربية عن تواطؤ كبير مع الجرائم التي يرتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وهي أحد أبشع الجرائم التي يمكن تصورها، فيما تمتنع هذه الدول عن أبسط فعل يمكن توقعه من دول تدعي التقدم والثراء الحضاري وهو رفض حرب الإبادة والدعوة إلى وقف الحرب.

لكن هذه الدول التي ألفت الحرب عبر تاريخها الطويل مستعدة لفتح جبهات قتال في عدة جهات من أجل الدفاع عن جرائم الإبادة التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة. فهي مستعدة لشن هجمات دموية في اليمن أو الاستنفار للدفاع عن إسرائيل في محكمة العدل الدولية معتبرة أن إسرائيل لم ترتكب أي فعل يمكن توصيفه على أنه جريمة إبادة! والغرب بهذا التوجه يناقض نفسه بشكل مضحك جدا، فهو الذي وضع توصيف جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية وكذلك جرائم التطهير العرقي، وكل هذه الجرائم ترتكبها إسرائيل في فلسطين منذ أكثر من 75 سنة، وقبل قيام ما عرف بدولة «إسرائيل» عندما كانت الجماعات اليهودية ترتكب مجازر مروعة بحق الشعب الفلسطيني.

ولا أعرف كيف يمكن لدولة شهدت أرضها الكثير من جرائم الإبادة قبيل وخلال الحرب العالمية الثانية تجند نفسها للوقوف في صف إسرائيل بينما تعي تماما أنها ترتكب جرائم تطهير عرقي. فجرائم إسرائيل في قطاع غزة ترتكب بقصد واضح ومعلن لتدمير الفلسطينيين في غزة، وقتل أطفالهم ونسائهم بهدف قطع نسلهم بشكل كامل أو جزئي. كما أن سلوك المؤسسات الإسرائيلية وكذلك المسؤولين القائمين عليها لا يخفي هذا التوجه والرغبة في القضاء على الفلسطينيين في القطاع. ورغم أن العالم أجمع يتحدث عن الإبادة التي تحدث في قطاع غزة إلا أن إسرائيل بوصفها «دولة» احتلال لم تستطع منع/ وقف الإبادة الجماعية، كما فشلت في مقاضاة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الذي صدر من قيادات سياسية وعسكرية وأمنية. لقد ارتكبت إسرائيل كل الأفعال دون استثناء التي توصفها القوانين الدولية بأنها جرائم حرب بما في ذلك إخضاع الفلسطينيين لظروف معيشية هدفها تدميرهم ماديا ومعنويا حينما يقتل أطفالهم أمامهم وهم مدنيون، وحينما يستهدف الأطفال بشكل مباشر، وحينما يقطع عنهم الماء والكهرباء والمواد الغذائية ويهجرون من بيوتهم ويلحق بهم الأذى الروحي والجسدي.. ويحدث ذلك أمام مرأى ومسمع العالم وتنقل وسائل الإعلام كل ما يحدث على الهواء مباشرة.

كان الغرب في السابق يشعر ببعض الحرج عندما تكون جرائمه أو الجرائم التي يتستر عليها واضحة وعلنية ولكنه الآن تخلى حتى عن مجرد الحرج، بل راح يدعم تلك الجرائم ويدافع عنها وعن مرتكبيها، بل ويحاول تبريرها أو إعادة توصيفها بشكل فج.

على النخب الغربية التي لا نشك في أدوارها الحضارية ومساهمتها في صناعة حاضر البشرية ومستقبلها أن تقول كلمتها بشكل واضح لا لبس فيه هل هي مع هذه الحرب التي ترتكب فيها إسرائيل وبعض الدول الغربية جرائم بشعة ومخزية للإنسانية وستبقى وصمة عار في جبين الإنسانية التي تعجز حتى الآن عن وقفها أو الوقوف الجاد ضدها؟.