أكمل اليوم ذكريات أول سفر للخارج، والذي كان للقاهرة في دورة تدريبية..
أشعر أحيانًا أن السفر في ذلك الزمن كان أقل ضغطًا في بعض الحالات؛ لأنه بلا هواتف محمولة، لا ذكية ولا غبية. قد أكون مخطئًا، ولكن ربما بسبب الزحام الذهني الذي أحدثته الهواتف في تفاصيل حياتنا اليومية.. كان الهاتف داخل السكن وفي المكاتب فقط.. قبل ظهور هواتف الشارع سواء بالعملة، أو بالبطاقة في عُمان، وقبل ظهور البليب أو البيجر (النداء الآلي). فإذا خرجت فأنت تستمتع بالأشياء دون انشغال بملاحقات الهاتف وتبعاته، ويكفي أن تنشغل في بعض المشاوير المميزة بكاميرا وفيلم أو اثنين يحوي الواحد ستًا وثلاثين صورة كحد أقصى، فتصور بتركيز وانتقاء وتحمضها في الاستوديو وتوثّقها في ألبوم ورقي وليس في عالم افتراضي، رغم أن فقدان بعض الصور وارد أو حتى احتراق الفيلم كاملا في لحظة سوء تصرف مع الكاميرا أو دخول بعض الضوء.. كنا إذا اشتقنا للأهل نتوجه إلى السنترال ونحجز مكالمة محددة بالدقائق، إما أن نجريها في نفس الوقت داخل كابينة لا تزيد مساحتها عن متر مربع، وكل المنتظرين خارجها يسمعون حديثك، أو نحجزها للمساء وتحال لنا في السكن، ونكون قد حضّرنا في ورقة صغيرة أهم العناصر التي سنتناولها في المكالمة بما فيها العبارات الحميمة والعاطفية، قبل أن ينتهي الوقت وتقطع المكالمة من السنترال. ونظلّ أيامًا نعيش تفاصيل تلك المكالمة. كل هذا لمن لديه هاتف في عُمان، فالعديد منا قدّموا من ولايات وقرى لم تدخلها الهواتف بعد. بل مسقط نفسها لم تكتمل الخدمة بعد في بعض أحيائها.
من أروع ما في جدول الدورة أن كل خميس هناك رحلة ينظمها المعهد كحصة عملية ميدانية فيها الفائدة والترفيه، فقد أتاحت لنا تلك الرحلات التي حرصت على عدم تفويتها كاملة، التعرُّف على أماكن ومؤسسات مهمة مثل المتحف الوطني لنخرج بقراءة مهمة عن تاريخ مصر الفرعونية، ومؤسسة جريدة الأهرام العريقة، ونطلع على فن التحرير، وحتى طريقة الطباعة القديمة بصف الحروف الحديدية المجسمة كلعبة مكعبات الأطفال، ولكن بمسؤولية عالية لأهمية وحساسية الكلمة. الجريدة حالة معاشة في كثير من تفاصيل الحياة اليومية، بدءا من مثقف يتأبطها، مرورًا بالمقهى الذي سيجلس على إحدى زواياه في تلك الكراسي الخشبية العتيقة التي تعرفها كل مصر وفي كل محفل سعيد أو حزين، متلذذا بقهوة مضبوطة بوِشّ (وجه) منتظرا صديقه ليشاركه لعبة الطاولة، بينما تعلو المكان سحابات السلّوم والزغلول والقصّ. وبعد أن يلتهم جريدته، يتركها على الطاولة ويمضي ليأتي صبي يسترزق ويجمع الجرائد المقروءة في المقاهي ليبيعها بنصف قيمتها، وليس انتهاء بتقطيع القديم منها قِطعًا صغيرة على هيئة قمع لبائع الفول السوداني واللب.. وزيارة محطة الإرسال الإذاعي في جبل المقطم المطل على القاهرة، حيث تعرفنا على الرحلة الأثيرية لموجات وذبذبات الراديو كيف توجّه وتسافر عبر الكرة الأرضية. وبانوراما حرب أكتوبر، لنشاهد لأول مرة تصويرًا مبهرًا على 360 درجة، وقلعة محمد علي التي تعرض بزة الرئيس أنور السادات العسكرية التي اخترقتها رصاصات خالد الإسلامبولي قبل حوالي عام في ما عرف بحادث المنصة (سمعت أنه تم نقلها لاحقا إلى متحف آخر)، وزيارة قناة السويس والتجول في الأوتوبيس البحري وملامسة خط بارليف الذي تحوّل من رمز التحصين الإسرائيلي إلى رمز الانتصار العربي عام 1973م.. ما أشبه تلك الخرافة بخرافة القبة الحديدية اليوم.. وزيارة إذاعة طنطا، التي تسمى إذاعة وسط الدلتا، وكانت لا تزال حديثة جدا، وهي إذاعة إقليمية صغيرة، أعجبت كثيرا ببساطتها وطريقة إدارتها، أما زيارة بورسعيد فتعد استثنائية؛ لأن عددًا من الزملاء المصريين يحاولون الانضمام للرحلة، فهي فرصة لشراء بعض البضائع المستوردة وخاصة الملابس. نحن الضيوف معفيون من الجمرك، لذلك حملنا مشتريات بعض الأصدقاء تواطؤا وعربون صداقة، بينما لبس أحدهم الجديد فوق الملبوس تمويهًا حتى يعبر نقطة الجمرك.
كل شيء كان مدهشا لواحد مثلي. الأهرامات وأبو الهول والصحراء الرملية وتعلُّم ركوب الخيل فيما يعرف بصحارى سيتي، فكثبانها تشكل وسائد رملية عملاقة تقلل أثر الإصابة في حالة السقوط، غير أن الزميل سعيد بن محمد الزدجالي -رحمه الله- سقط من الخيل مرة وتأثرت رجله عدة أيام.. السيدة، والحسين، وخان الخليلي ولمعان النحاسيات والمقاهي.. برج القاهرة أضخم مجسم لزهرة اللوتس، مدهش بعمارته ودلالاته، النيل وبهجة لا تنتهي، من أضخم السفن السياحية وعالمها الداخلي بين إيقاع الرقص الشرقي ورقصة التنورة الصوفية، التي طورت في السنوات الأخيرة بإضاءات الـ led إلى قارب صغير بشراع متهالك يشكل لوحة كالخيال مع شروق الشمس وأصيلها، الأسواق، الإسكندرية والبحر على أنغام (دقوا الشماسي) وقصور تحكي العهد الملكي، ومحطة الرمل، وزنقة الستات. الأجواء داخل مبنى الإذاعة والتلفزيون ومصادفة كبار الفنانين حتى وإن عابرا عند المصاعد.. والعم أحمد الذي يمدنا بشاي يتلألأ داخل أكوابه الصغيرة الشفافة، سألني ذات مرة: يا ابني يا محمد انته عندك كام بير بترول؟ فجاوبته: (تلاته. اتنين للوالد وواحد عشان مصروفي) وتحملّت كذبتي إلى اليوم التالي فقط؛ لأصحح له الصورة التي رسمها في ذهنه عن الخليجيين عموما.. المسرح والسينما دهشة، الحفلات الغنائية لكبار المطربين دهشة، ضجيج الأحياء المزدحمة و أبواق السيارات، الأذان من مئات المنائر، الأوتوبيسات البرية والنهرية، القطار ومحطة رمسيس، عربات الفول والطعمية، الكازينوهات، نكت سائق التاكسي وحتى احتياله بتطويل المشوار ومجاملاته: (أجدع ناس) و(ماتخلي)، والحِكم والعبارات الظريفة على جوانب سيارات الأجرة، الحنطور وإيقاعه ورنين الأشياء المعلقة فيه، المذاق الجديد للأكلات المصرية، الكتب والصحف على قارعة الطريق، أكشاك الصور ومجسمات عين الحسود، والميداليات التذكارية التي حتما ستأخذ حيزا في حقائب العودة، بهجة الواجهات التجارية في سور نادي الزمالك ووسط البلد وفي كل مكان، عصائر فرغلي وخاصة المانجو، الأشجار المعمرة في الشوارع الداخلية، حديقة الحيوانات، والقناطر الخيرية، محيط الجامعات، النيل والشتاء، وأبجديات الهيروغليفية والتذكارات الفرعونية. حتى المصاعد العتيقة التي نشاهدها في بعض الأفلام القديمة، الأصوات العالية والمتداخلة بدءا من السيارات مرورا بالباعة، دخولا إلى الطرب الأصيل داخل المقاهي.. كل شيء، كل شيء مدهش. القاهرة ليست حالة وسطى، فبعض من زاروها حلفوا ألا يعودوا لها، وفي تقديري هم قلة، وآخرون مثلي بعدما شربوا من نيلها رجعوا لها مرارا وتكرارا، وكلما طال بهم الأمد شعروا بعطش لا يرويه إلا نيلها.
على كباري النيل وقفت طويلا، أشاكس العابرين في المراكب الصغيرة وأبادل السياح التحية من بعيد، وضجيج المجاميع الصغيرة تعلو أصواتها بآخر أغنية تعد (ترند) تلك الأيام تتوسطهم طفلة موهوبة يرقص كل الركاب على إيقاعها، ومراهقة تلعب دور المطربة.. فأعود لتأمل ماء النيل يحكي خريره أساطير عروس النيل والوفاء لهبة مصر، والمراكب الفرعونية الطويلة، محاولا معرفة اتجاهه حتى تدلني عليه بقايا شجيرة سابحة فأذهب في اتجاهها وأتساءل وأتخيل منابعه؛ لأتتبعه لاحقا على الخارطة، وأشعر أن من يعيشون على منابعه محظوظون ومختلفون، حتى كتب لي بعد ثلاثين عاما أن أجلس على قارب صغير في البحيرات العظمى في أوغندا ومن تحته تتدفق عيون الماء، ومن حولي روافد بحيرة فيكتوريا، مشكلة القطرات والدفعات الأولى لنهر النيل التي تسافر آلاف الكيلومترات لتمتزج مع ملوحة البحر الأبيض المتوسط.
أشعر أحيانًا أن السفر في ذلك الزمن كان أقل ضغطًا في بعض الحالات؛ لأنه بلا هواتف محمولة، لا ذكية ولا غبية. قد أكون مخطئًا، ولكن ربما بسبب الزحام الذهني الذي أحدثته الهواتف في تفاصيل حياتنا اليومية.. كان الهاتف داخل السكن وفي المكاتب فقط.. قبل ظهور هواتف الشارع سواء بالعملة، أو بالبطاقة في عُمان، وقبل ظهور البليب أو البيجر (النداء الآلي). فإذا خرجت فأنت تستمتع بالأشياء دون انشغال بملاحقات الهاتف وتبعاته، ويكفي أن تنشغل في بعض المشاوير المميزة بكاميرا وفيلم أو اثنين يحوي الواحد ستًا وثلاثين صورة كحد أقصى، فتصور بتركيز وانتقاء وتحمضها في الاستوديو وتوثّقها في ألبوم ورقي وليس في عالم افتراضي، رغم أن فقدان بعض الصور وارد أو حتى احتراق الفيلم كاملا في لحظة سوء تصرف مع الكاميرا أو دخول بعض الضوء.. كنا إذا اشتقنا للأهل نتوجه إلى السنترال ونحجز مكالمة محددة بالدقائق، إما أن نجريها في نفس الوقت داخل كابينة لا تزيد مساحتها عن متر مربع، وكل المنتظرين خارجها يسمعون حديثك، أو نحجزها للمساء وتحال لنا في السكن، ونكون قد حضّرنا في ورقة صغيرة أهم العناصر التي سنتناولها في المكالمة بما فيها العبارات الحميمة والعاطفية، قبل أن ينتهي الوقت وتقطع المكالمة من السنترال. ونظلّ أيامًا نعيش تفاصيل تلك المكالمة. كل هذا لمن لديه هاتف في عُمان، فالعديد منا قدّموا من ولايات وقرى لم تدخلها الهواتف بعد. بل مسقط نفسها لم تكتمل الخدمة بعد في بعض أحيائها.
من أروع ما في جدول الدورة أن كل خميس هناك رحلة ينظمها المعهد كحصة عملية ميدانية فيها الفائدة والترفيه، فقد أتاحت لنا تلك الرحلات التي حرصت على عدم تفويتها كاملة، التعرُّف على أماكن ومؤسسات مهمة مثل المتحف الوطني لنخرج بقراءة مهمة عن تاريخ مصر الفرعونية، ومؤسسة جريدة الأهرام العريقة، ونطلع على فن التحرير، وحتى طريقة الطباعة القديمة بصف الحروف الحديدية المجسمة كلعبة مكعبات الأطفال، ولكن بمسؤولية عالية لأهمية وحساسية الكلمة. الجريدة حالة معاشة في كثير من تفاصيل الحياة اليومية، بدءا من مثقف يتأبطها، مرورًا بالمقهى الذي سيجلس على إحدى زواياه في تلك الكراسي الخشبية العتيقة التي تعرفها كل مصر وفي كل محفل سعيد أو حزين، متلذذا بقهوة مضبوطة بوِشّ (وجه) منتظرا صديقه ليشاركه لعبة الطاولة، بينما تعلو المكان سحابات السلّوم والزغلول والقصّ. وبعد أن يلتهم جريدته، يتركها على الطاولة ويمضي ليأتي صبي يسترزق ويجمع الجرائد المقروءة في المقاهي ليبيعها بنصف قيمتها، وليس انتهاء بتقطيع القديم منها قِطعًا صغيرة على هيئة قمع لبائع الفول السوداني واللب.. وزيارة محطة الإرسال الإذاعي في جبل المقطم المطل على القاهرة، حيث تعرفنا على الرحلة الأثيرية لموجات وذبذبات الراديو كيف توجّه وتسافر عبر الكرة الأرضية. وبانوراما حرب أكتوبر، لنشاهد لأول مرة تصويرًا مبهرًا على 360 درجة، وقلعة محمد علي التي تعرض بزة الرئيس أنور السادات العسكرية التي اخترقتها رصاصات خالد الإسلامبولي قبل حوالي عام في ما عرف بحادث المنصة (سمعت أنه تم نقلها لاحقا إلى متحف آخر)، وزيارة قناة السويس والتجول في الأوتوبيس البحري وملامسة خط بارليف الذي تحوّل من رمز التحصين الإسرائيلي إلى رمز الانتصار العربي عام 1973م.. ما أشبه تلك الخرافة بخرافة القبة الحديدية اليوم.. وزيارة إذاعة طنطا، التي تسمى إذاعة وسط الدلتا، وكانت لا تزال حديثة جدا، وهي إذاعة إقليمية صغيرة، أعجبت كثيرا ببساطتها وطريقة إدارتها، أما زيارة بورسعيد فتعد استثنائية؛ لأن عددًا من الزملاء المصريين يحاولون الانضمام للرحلة، فهي فرصة لشراء بعض البضائع المستوردة وخاصة الملابس. نحن الضيوف معفيون من الجمرك، لذلك حملنا مشتريات بعض الأصدقاء تواطؤا وعربون صداقة، بينما لبس أحدهم الجديد فوق الملبوس تمويهًا حتى يعبر نقطة الجمرك.
كل شيء كان مدهشا لواحد مثلي. الأهرامات وأبو الهول والصحراء الرملية وتعلُّم ركوب الخيل فيما يعرف بصحارى سيتي، فكثبانها تشكل وسائد رملية عملاقة تقلل أثر الإصابة في حالة السقوط، غير أن الزميل سعيد بن محمد الزدجالي -رحمه الله- سقط من الخيل مرة وتأثرت رجله عدة أيام.. السيدة، والحسين، وخان الخليلي ولمعان النحاسيات والمقاهي.. برج القاهرة أضخم مجسم لزهرة اللوتس، مدهش بعمارته ودلالاته، النيل وبهجة لا تنتهي، من أضخم السفن السياحية وعالمها الداخلي بين إيقاع الرقص الشرقي ورقصة التنورة الصوفية، التي طورت في السنوات الأخيرة بإضاءات الـ led إلى قارب صغير بشراع متهالك يشكل لوحة كالخيال مع شروق الشمس وأصيلها، الأسواق، الإسكندرية والبحر على أنغام (دقوا الشماسي) وقصور تحكي العهد الملكي، ومحطة الرمل، وزنقة الستات. الأجواء داخل مبنى الإذاعة والتلفزيون ومصادفة كبار الفنانين حتى وإن عابرا عند المصاعد.. والعم أحمد الذي يمدنا بشاي يتلألأ داخل أكوابه الصغيرة الشفافة، سألني ذات مرة: يا ابني يا محمد انته عندك كام بير بترول؟ فجاوبته: (تلاته. اتنين للوالد وواحد عشان مصروفي) وتحملّت كذبتي إلى اليوم التالي فقط؛ لأصحح له الصورة التي رسمها في ذهنه عن الخليجيين عموما.. المسرح والسينما دهشة، الحفلات الغنائية لكبار المطربين دهشة، ضجيج الأحياء المزدحمة و أبواق السيارات، الأذان من مئات المنائر، الأوتوبيسات البرية والنهرية، القطار ومحطة رمسيس، عربات الفول والطعمية، الكازينوهات، نكت سائق التاكسي وحتى احتياله بتطويل المشوار ومجاملاته: (أجدع ناس) و(ماتخلي)، والحِكم والعبارات الظريفة على جوانب سيارات الأجرة، الحنطور وإيقاعه ورنين الأشياء المعلقة فيه، المذاق الجديد للأكلات المصرية، الكتب والصحف على قارعة الطريق، أكشاك الصور ومجسمات عين الحسود، والميداليات التذكارية التي حتما ستأخذ حيزا في حقائب العودة، بهجة الواجهات التجارية في سور نادي الزمالك ووسط البلد وفي كل مكان، عصائر فرغلي وخاصة المانجو، الأشجار المعمرة في الشوارع الداخلية، حديقة الحيوانات، والقناطر الخيرية، محيط الجامعات، النيل والشتاء، وأبجديات الهيروغليفية والتذكارات الفرعونية. حتى المصاعد العتيقة التي نشاهدها في بعض الأفلام القديمة، الأصوات العالية والمتداخلة بدءا من السيارات مرورا بالباعة، دخولا إلى الطرب الأصيل داخل المقاهي.. كل شيء، كل شيء مدهش. القاهرة ليست حالة وسطى، فبعض من زاروها حلفوا ألا يعودوا لها، وفي تقديري هم قلة، وآخرون مثلي بعدما شربوا من نيلها رجعوا لها مرارا وتكرارا، وكلما طال بهم الأمد شعروا بعطش لا يرويه إلا نيلها.
على كباري النيل وقفت طويلا، أشاكس العابرين في المراكب الصغيرة وأبادل السياح التحية من بعيد، وضجيج المجاميع الصغيرة تعلو أصواتها بآخر أغنية تعد (ترند) تلك الأيام تتوسطهم طفلة موهوبة يرقص كل الركاب على إيقاعها، ومراهقة تلعب دور المطربة.. فأعود لتأمل ماء النيل يحكي خريره أساطير عروس النيل والوفاء لهبة مصر، والمراكب الفرعونية الطويلة، محاولا معرفة اتجاهه حتى تدلني عليه بقايا شجيرة سابحة فأذهب في اتجاهها وأتساءل وأتخيل منابعه؛ لأتتبعه لاحقا على الخارطة، وأشعر أن من يعيشون على منابعه محظوظون ومختلفون، حتى كتب لي بعد ثلاثين عاما أن أجلس على قارب صغير في البحيرات العظمى في أوغندا ومن تحته تتدفق عيون الماء، ومن حولي روافد بحيرة فيكتوريا، مشكلة القطرات والدفعات الأولى لنهر النيل التي تسافر آلاف الكيلومترات لتمتزج مع ملوحة البحر الأبيض المتوسط.