يشكل انعقاد مجلس الوزراء أمس، واحتفال سلطنة عمان يوم غد بمناسبة تولي جلالة السلطان المعظم مقاليد الحكم في البلاد مناسبة مهمة لأن تقف جريدة عُمان، والإعلام العُماني، وقفة تأمل وقراءة حقيقية في الإنجازات التي حققتها عُمان خلال العام الماضي.. وهي إنجازات لا يمكن تجاهلها أو المرور إلى جوارها مرورا عابرا وإلا غمطنا المرحلة حقها في لحظة نشهد فيها حركة دؤوبة للتاريخ في هذا البلد العريق الذي يشهد نهضة متجددة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي استطاع خلال أربع سنوات حافلة بالعمل المدروس أن يجدد عُمان ويعيد بناء هياكل نهضتها «المتجددة». ورغم التحديات السياسية والاقتصادية التي ما زالت تسيطر على العالم وعلى الإقليم الذي نعيش فيه، والصراعات العسكرية، ورغم تحوّل التعاون الإقليمي إلى نوع من التنافس الحاد عبر بناء التكتلات السياسية والاقتصادية فإن سلطنة عمان استطاعت أن تحقق تحسنا كبيرا في جميع مؤشراتها المالية والاقتصادية والاجتماعية وهو ما أشاد به عاهل البلاد المفدّى في اجتماع مجلس الوزراء أمس. وما يعطي هذه المؤشرات قيمة مضافة أنها تمت في وقت حافظت فيه سلطنة عُمان على علاقاتها الإقليمية والدولية وبقيت متمسكة بمبادئها السياسية تجاه الإقليم والعالم.

وحقق الناتج المحلي في سلطنة عمان خلال العام الماضي نموا 2.3% مسجلا 43.7 مليار ريال عماني رغم انخفاض أسعار النفط والخوف العالمي من عودة الاقتصاد العالمي إلى التباطؤ.. وانخفض العجز المتوقع في الميزانية بين عامي 2023 و2024 إلى أكثر من النصف، حيث كان العجز المقدر في ميزانية عام 2023 يبلغ مليارا و300 مليون ريال عماني فيما يتوقع أن يكون العجز في ميزانية عام 2024 نحو 640 مليون ريال.. ورغم العجز المتوقع في ميزانية عام 2023 فإن النتائج الأولية لحساب الميزانية يشير إلى فائض مالي قدره 931 مليون ريال عماني. وهذا الفائض لم يقابله تراجع في الإنفاق بل على العكس كان الإنفاق أكبر من التقديرات الأولية عند احتساب ميزانية العام الماضي، لذلك يمكن أن نصف الفائض بأنه «مؤشر المؤشرات» الذي يشير إلى أن سلطنة عمان تسير في المسار الصحيح. وشهد العام الماضي صدور منظومة الحماية الاجتماعية التي تبدأ في تقديم منافعها نهاية الشهر الجاري، وهي منظومة محكمة تقدّم الكثير من المنافع المالية لمختلف فئات المجتمع بدءا من الأطفال وانتهاء بكبار السن. وأكد جلالة السلطان في اجتماع مجلس الوزراء أمس أهمية متابعة أداء المنظومة وتقييمها بشكل مستمر لاستيعاب المتغيرات والمستجدات الاجتماعية والاقتصادي، مؤكدا جلالته ضرورة تلمّس احتياجات المواطنين خاصة الفئات المعتمدة في دخلها الشهري على منظومة الحماية الاجتماعية.

وأكد عاهل البلاد المفدّى أهمية الارتقاء بمؤشرات تقييم أداء المؤسسات الحكومية والوقوف على مواطن القوة والضعف لتحديد أفضل السبل والتحديات التي تواجهها بعض المؤسسات، والاستفادة من البيانات والأرقام والإحصائيات التي يقدمها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات لتكون جميع الأعمال في البلاد قائمة على الاستقراء العلمي للأرقام.

واعتمد مجلس الوزراء أمس «السياسة الوطنية للمحتوى المحلي 2024 - 2030»، التي تهدف إلى إيجاد منظومة وطنية تتولى تنظيم ومتابعة المحتوى المحلي في جميع القطاعات. وتسعى سياسات المحتوى المحلي في العالم إلى المحافظة على أكبر قدر ممكن من المال المنفق سواء من المؤسسات الحكومية أو القطاع الخاص أو حتى الأفراد لتبقى داخل الدول، والأمر نفسه فيما يتعلق بتوظيف القوى العاملة؛ لذلك ستوفر السياسة الوطنية للمحتوى المحلي المزيد من فرص العمل، وتوطين الصناعات داخل البلاد وتقليل المشتريات الخارجية لضمان فوائض كبيرة في الميزان التجاري.

وفي نفس الفكرة وترسيخا لها بارك المجلس إطلاق برنامج الولاء للمنتج الوطني وهو أحد مسارات التطبيق العملي لسياسة المحتوى الوطني، وهذا الأمر يرسخ ثقافة لدى المواطنين للاتجاه نحو المنتج الوطني دون الحاجة لقوانين «الحمائية» المعروفة عالميا التي تدفع بعض الدول إلى سن قوانين داخلية لحماية منتجاتها الوطنية من منافسات المنتجات الواردة من الأسواق العالمية.

وفي سياق متصل، فإن المجلس أكد أمس أهمية قيام المحافظين بالتركيز على المواقع السياحية في المحافظات ووضع خطط مناسبة لإقامة الأنشطة والفعاليات السياحية بهدف زيادة أعداد السياح، وهذا الأمر من شأنه أن يجعل نصيب السياحة المحلية من إنفاق الأفراد كبيرا ومناسبا للتوجهات العامة في البلاد.

ومن اللافت أن مجلس الوزراء ما زال يراجع أدوار بعض المؤسسات الحكومية ومدى انسجام إجراءاتها لتكون أكثر فعالية في الوقت الذي يدرس فيها ويراجع، أيضا، رسوم الخدمات، وفي هذا السياق وافق المجلس، أمس، على إلغاء وتبسيط ودمج حوالي 411 رسما من بينها رسوم توصيل خدمة المياه والتي خفِّضت من 700 ريال عماني إلى 200 ريال فقط.

إن حركة التاريخ في عُمان متسارعة جدا ولا تتوقف، وتعمل على تعظيم مكانة البلاد ورفعة شأنها وجعل المواطن يعيش حياة هانئة ينعم فيها بأمجاد بلاده التي يسطرها سلطان عمان المعظم حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- مع أبناء عُمان الأوفياء الذين ما فتئوا يصنعون التاريخ ويسيرونه نحو المستقبل.