أكمل سلام بن عديم الشكيلي من سكان محلّة السويق بولاية نزوى أكثر من خمسة وعشرين عاما من عمله في صناعة السعفيات من خوص النخيل وامتهنها لهذه الفترة بعد أن عشقها ولم يستطع مفارقتها رغم ظروفه الصحية، حيث شغلت وقته واستهوته لدرجة كبيرة رغم أنه بدأها كهواية فقط لقضاء وقت فراغه لكنه لم يلبث كثيرا حتى امتهن الحرفة واستطاع إتقانها وكسب منها جزءا من مستلزمات حياته؛ وعلى حد قوله لم تكن العملية سهلة، كونه يعمل في هذه الحرفة رغم فقدان بصره من فترة طويلة حيث نستذكر في هذه السطور مسيرته مع هذه الحرفة حينما بدأ في ممارستها لشغل وقت فراغه لأنه فاقد لبصره ولم يكن يرتبط بأي عمل يستطيع به كسر حالة الفراغ التي يعيشها، خاصة أنه تعلّم هذه الحرفة منذ كان صغيرا قبل أن ينتقل للعمل خارج سلطنة عمان في ستينيات القرن الماضي، حيث راودته فكرة العودة لهواية صنع السعفيات المتنوعة باستخدام خوص النخيل، بعد ذلك بدأ في بيع ما ينتجه من أعمال وخاصة مغلفات الشواء العماني المعروفة بـ « الخصفة» حيث استطاع كسب ثقة الزبائن، الأمر الذي دفعه لتكرار العملية تباعا مع كل موسم عيد ليبدأ بعد ذلك في امتهان هذه الحرفة.

يقول سلام الشكيلي «في البداية كنت أقوم بتصنيع عدد من منتجات السعفيات، إضافة إلى الخصاصيف مثل «الظرف» وهو الجراب الذي يحفظ فيه التمر والمخرافة والقفير والسمّة، وغير ذلك، ولكن نظرا لكون عملية التصنيع تختلف من منتج إلى آخر فقد آثرت أن أقوم بالعمل في منتج واحد فقط وهو «الخصفة» لسهولة تسويقها موسم الأعياد، ووجود الكثير من الزبائن الدائمين ممن اعتادوا الشراء بصفة سنوية، أما باقي المنتجات فأقوم بتصنيعها حسب الطلب وحسب وقت الفراغ وتوفّر خوص النخيل.

مراحل التصنيع

يسرد سلام الشكيلي مراحل صناعة الخصفة منذ بدايتها، حيث يقول: أبدأ بتجميع خوص النخيل وأحرص على اختيار أنواع معينة من النخيل لعل أجودها الفرض والمبسلي أما الأنواع التي لا تصلح فهي النغال والبرنية حيث يكون خوص هذه الأنواع لينا فتكون السفّة ناعمة ولا تتماسك أثناء الخياطة أما الفرض فتكون السفّة متينة وخشنة ومتماسكة وتكون عملية خياطتها سهلة وسريعة، بعد ذلك أقوم بمرحلة تقسيم الخوص إلى قسمين ثم غسله ونقعه بالماء ليكون خاضعا وسهلا للخياطة، حيث يفضّل أن يكون رطبا بصفة دائمة خلال مراحل نسج الخيوط. وأضاف: إن نسج السفّة يتم وفق ترتيب معين وحسب النوع المطلوب، حيث إن بعضها يكون بعرض خمس خوصات وتسمى خميسية وهي تستخدم للسمّة التي تستعمل كسفرة طعام وكذلك القفير والمخرافة، أما النوع الثاني فهو السفّة السبيعية وهي مكونة من سبع خوصات، ثلاث متحركة في كل جانب وواحدة وسطية تربط بين الطرفين ويعتمد طول السفّة على الإناء المطلوب، حيث تتراوح بين خمسة إلى ثمانية أمتار وعند اكتمال السفّة أقوم بربطها والبدء في نسج سفّة أخرى وهكذا لمجموعة من السفيف؛ ثم تبدأ بعد ذلك خياطة الوعاء حيث أقوم بتحضير الحبل من خوص النخيل الطري المعروف محليا باسم «الضيب» وهو خوص طري وناعم حيث يؤخذ بعد تجميعه ويدّق بالحجر ليكون أكثر طراوة، بعد ذلك أبدأ بنسجه بأطوال متقاربة تقريبا في حدود 3 - 3.5 متر، حيث تحتاج الخصفة بين خمسة إلى سبعة أمتار من الحبل، مضيفا إن حبال النايلون لا تصلح للخياطة كونها تتأثر بالنار عندما يتم رمي الخصفة في تنور الشواء وسيؤدي إلى تفككها بفعل الحرارة.

ختاما، يوصي سلام الكندي الشباب بتعلّم هذه الحرفة لعدة أسباب، لعل أهمها هو الحفاظ عليها من الاندثار كونها حرفة قديمة، ولتناقص عدد ممارسيها خلال الوقت الحاضر وكذلك يمكن خياطة بعض السفيف لأعمال الزينة وتزيين الجدران وحفظ الأطعمة وإعادة استخدام هذه الأواني المصنوعة من السعف كما كانت تستعمل سابقا مثلما تقوم بعض مصانع الحلوى بوضع الحلوى في أواني سعفية صغيرة تسمى « قزقوزة» وهي طريقة كانت منتشرة قديما لبيع الحلوى؛ كما أن صناعة هذه الأواني يمكن أن يتيح للشباب مورد رزق وإن كان بسيطا يساعدهم ماديا.