كأنها الكائن الأسطوري ذو الأرواح التاسعة والتسعين كلما أزهقت آلة الحرب الأمريكية - الإسرائيلية له روحا يبعث من جديد. يبعث من جديد ككابوس مفزع جعل الرئيس بايدن -ما بعد هجوم ٧ أكتوبر المظفر- يمر بأحلك لياليه في البيت الأبيض.
هذا الكائن ذو الألف ذراع هو المقاومة الفلسطينية خاصة في غزة التي أصبحت في الحرب كما في التسوية السياسية العقبة الكأداء أمام المخطط الأمريكي الإسرائيلي الماكر لسيناريو ما بعد الحرب الجارية.
الهدف الذي حددته الاجتماعات الاستراتيجية لمجلس الحرب بين بايدن ونتانياهو وبلينكن وإيلي كوهين، وبيرنز وب ورنياع وسوليفان وتسيبي هنعيبي هو تحويل الهزيمة المذلة لإسرائيل في هجوم ٧ أكتوبر العظيم إلى نصر!!
وفي ظنهم أن الهدف يتحقق بتصفية حماس عسكريا ثم الانتقال بعدها لإنهاء نفوذها السياسي وحذفها تماما من معادلة الصراع وبالتالي من المعادلة الإقليمية وهي المعادلة التي ثبت أنها قادرة في ٧ أكتوبر على قلبها رأسا على عقب حتى على الصعيد الدولي.
ما زلنا بعد ثمانين يوما تقريبا من عدوان أطلسي كامل وليس إسرائيليا فقط بعيدين عن أن نرى -على الأقل في المدى القريب- استئصالا لكتائب القسام فبحسب التقديرات العسكرية المبالغ فيها إسرائيليا وأمريكيا فإن من تمكنت أكبر حرب منفلتة في إجرامها من تصفيته من مقاومي حماس بعد نحو ٣ أشهر لا يزيد على ٨ آلاف من أصل ٢٥ ألفا «أقل من الثلث» وفي التقديرات الأكثر دقة لم يقتل أكثر من خمسة آلاف من نحو ٣٥ إلى ٤٠ ألف مقاتل أي نحو «الخمس» فقط.
بسالة المقاومة الأسطورية التي تصدت بها حماس والجهاد والشعبية وحيدة دون دعم عربي أو إسلامي له قيمة حطمت صورة الجيش الإسرائيلي سواء أمام شعبها في الداخل أو أمام راعيها الأمريكي.
وأدت ثانيا خاصة مع المستويات الإجرامية للمجزرة الإسرائيلية وارتفاع مهول لضحاياه من النساء والأطفال قادا إلى أهم تهديد خطير للمخطط الأمريكي لإخراج المقاومة من اللعبة الإقليمية والفلسطينية.
هذا التهديد تمثل في ارتفاع مذهل في شعبية المقاومة وخيار المقاومة والكفاح المسلح لدى الشعوب العربية والإسلامية وتعاطف دولي غير مسبوق من الشعوب الغربية خاصة أجيالها الجديدة.
تعترف مصادر أمريكية استخباراتية أنها رصدت في الوقت الحالي ارتفاعا غير مسبوق في شعبية حماس في المنطقة وفي الأراضي الفلسطينية كلها وليس في القطاع فقط، وإن حماس باتت في عيون الشعوب العربية والإسلامية باعتبارها المدافع الوحيد عن الحقوق الفلسطينية والعربية والمسجد الأقصى والمقدسات الدينية في القدس الشرقية. ونشر مركز أمريكي رصين استطلاعا أجراه بعد عدة أسابيع على طوفان الأقصى وما أعقبه من جرائم حرب وإبادة جماعية على شعب غزة أبان بوضوح أن هناك تغيرا جوهريا متصاعدا لدى عينات ممثلة للجمهور العربي للانحياز إلى حماس وإلى التعامل معها كحركة تحرر وطني وليس كجماعة أيديولوجية وتجاوز أي خلافات عقائدية سابقة معها وصاحبها تراجع في وعود حل الدولتين وتشجيع الحصول على الحقوق عن طريق المقاومة المسلحة والشعبية.
بأي معيار من معايير الواقعية السياسية التي صدع رؤوسنا بها خمسين سنة كاملة سياسيو ومحللو الغرب وتابعوهم المخلصون من سياسيي ومحللي العرب يكون ممكنا أن تقصي حماس من مستقبل غزة والشرق الأوسط؟ فالجسم الأساسي لقوة المقاومة العسكرية ما زال سليما ومعافى وعداد شعبيتها يقفز بمتوالية هندسية مع كل جندي أو ضابط إسرائيلي تتمكن من اقتناصه. واقع صلب مثل هذا يجعل المخطط الأمريكي وأوراق وزارة الخارجية ٢٠ صفحة لسيناريو ما بعد الحرب نموذجا فاضحا لإنكار الحقائق على الأرض وهم من علمونا أو ادعوا أنهم علمونا أن أي حل يتجاهل القوى الفاعلة ويختار القوى الهامشية فهو يكتب على حله لأي أزمة بالفشل بل وبزيادة وقود اشتعالها مرة أخرى.
يتحدث مخطط واشنطن عن غزة ما بعد الحرب خالية من حماس سواء كمقاومة مسلحة أو كإدارة تحكم وتقدم الخدمات في القطاع. ومن خياراته المطروحة كمرحلة أولى تكوين قوة أو إدارة دولية وعربية ستكون في الغالب في عين العاصفة مع المقاومة بدلا من الجنود الإسرائيليين وتعقبها مرحلة ثانية تحكم فيها السلطة الفلسطينية بعد إعادة تأهيلها وتحسين شعبيتها التي وصلت لأدنى مستوى لها.
لا أحد حتى في عقلاء إسرائيل نفسها يعتقد أن سيناريوهات مثل هذا يمكن أن تعيش ويرجح البعض أن النتيجة ستكون فوضى شاملة وخروجا للقطاع على السيطرة بنحو ٢,١ مليون تم دفعهم في جريمة حرب كاملة الأوصاف إلى حافة المجاعة، أما في اتجاه الحدود مع مصر أو مع إسرائيل لكي يبقوا أنفسهم فقط على قيد الحياة. يعتقد محللون أنه من الممكن أن تسيطر عصابات جريمة منظمة على القطاع أو حركات إرهاب كبح انتشارها وجود حماس على رأس القطاع ومسؤولة عن أمنه سواء في المرحلة الأولى المؤقتة والمرحلة الثانية الدائمة.
حماس زادت العوائق أمام مخطط اليوم التالي الأمريكي عائقا جديا باتباع نهج عملي وواقعي إذ أعلنت بوضوح لا لبس فيه استعدادها لدخول منظمة التحرير والاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو وعاصمتها القدس الشرقية بجوار دولة إسرائيل. أي أنها أسقطت حجة واشنطن بأن حماس مقصية مستبعدة من المستقبل بزعم أنها منظمة متطرفة وترفض حل الدولتين وتريد أن تلقي إسرائيل في البحر!!
ربما لهذا كله استطاع إسماعيل هنية أن يقول بثقة «واهم.. واهم من يتصور مستقبلا لغزة وفلسطين دون حماس».
حسين عبد الغني إعلامي وكاتب مصري
هذا الكائن ذو الألف ذراع هو المقاومة الفلسطينية خاصة في غزة التي أصبحت في الحرب كما في التسوية السياسية العقبة الكأداء أمام المخطط الأمريكي الإسرائيلي الماكر لسيناريو ما بعد الحرب الجارية.
الهدف الذي حددته الاجتماعات الاستراتيجية لمجلس الحرب بين بايدن ونتانياهو وبلينكن وإيلي كوهين، وبيرنز وب ورنياع وسوليفان وتسيبي هنعيبي هو تحويل الهزيمة المذلة لإسرائيل في هجوم ٧ أكتوبر العظيم إلى نصر!!
وفي ظنهم أن الهدف يتحقق بتصفية حماس عسكريا ثم الانتقال بعدها لإنهاء نفوذها السياسي وحذفها تماما من معادلة الصراع وبالتالي من المعادلة الإقليمية وهي المعادلة التي ثبت أنها قادرة في ٧ أكتوبر على قلبها رأسا على عقب حتى على الصعيد الدولي.
ما زلنا بعد ثمانين يوما تقريبا من عدوان أطلسي كامل وليس إسرائيليا فقط بعيدين عن أن نرى -على الأقل في المدى القريب- استئصالا لكتائب القسام فبحسب التقديرات العسكرية المبالغ فيها إسرائيليا وأمريكيا فإن من تمكنت أكبر حرب منفلتة في إجرامها من تصفيته من مقاومي حماس بعد نحو ٣ أشهر لا يزيد على ٨ آلاف من أصل ٢٥ ألفا «أقل من الثلث» وفي التقديرات الأكثر دقة لم يقتل أكثر من خمسة آلاف من نحو ٣٥ إلى ٤٠ ألف مقاتل أي نحو «الخمس» فقط.
بسالة المقاومة الأسطورية التي تصدت بها حماس والجهاد والشعبية وحيدة دون دعم عربي أو إسلامي له قيمة حطمت صورة الجيش الإسرائيلي سواء أمام شعبها في الداخل أو أمام راعيها الأمريكي.
وأدت ثانيا خاصة مع المستويات الإجرامية للمجزرة الإسرائيلية وارتفاع مهول لضحاياه من النساء والأطفال قادا إلى أهم تهديد خطير للمخطط الأمريكي لإخراج المقاومة من اللعبة الإقليمية والفلسطينية.
هذا التهديد تمثل في ارتفاع مذهل في شعبية المقاومة وخيار المقاومة والكفاح المسلح لدى الشعوب العربية والإسلامية وتعاطف دولي غير مسبوق من الشعوب الغربية خاصة أجيالها الجديدة.
تعترف مصادر أمريكية استخباراتية أنها رصدت في الوقت الحالي ارتفاعا غير مسبوق في شعبية حماس في المنطقة وفي الأراضي الفلسطينية كلها وليس في القطاع فقط، وإن حماس باتت في عيون الشعوب العربية والإسلامية باعتبارها المدافع الوحيد عن الحقوق الفلسطينية والعربية والمسجد الأقصى والمقدسات الدينية في القدس الشرقية. ونشر مركز أمريكي رصين استطلاعا أجراه بعد عدة أسابيع على طوفان الأقصى وما أعقبه من جرائم حرب وإبادة جماعية على شعب غزة أبان بوضوح أن هناك تغيرا جوهريا متصاعدا لدى عينات ممثلة للجمهور العربي للانحياز إلى حماس وإلى التعامل معها كحركة تحرر وطني وليس كجماعة أيديولوجية وتجاوز أي خلافات عقائدية سابقة معها وصاحبها تراجع في وعود حل الدولتين وتشجيع الحصول على الحقوق عن طريق المقاومة المسلحة والشعبية.
بأي معيار من معايير الواقعية السياسية التي صدع رؤوسنا بها خمسين سنة كاملة سياسيو ومحللو الغرب وتابعوهم المخلصون من سياسيي ومحللي العرب يكون ممكنا أن تقصي حماس من مستقبل غزة والشرق الأوسط؟ فالجسم الأساسي لقوة المقاومة العسكرية ما زال سليما ومعافى وعداد شعبيتها يقفز بمتوالية هندسية مع كل جندي أو ضابط إسرائيلي تتمكن من اقتناصه. واقع صلب مثل هذا يجعل المخطط الأمريكي وأوراق وزارة الخارجية ٢٠ صفحة لسيناريو ما بعد الحرب نموذجا فاضحا لإنكار الحقائق على الأرض وهم من علمونا أو ادعوا أنهم علمونا أن أي حل يتجاهل القوى الفاعلة ويختار القوى الهامشية فهو يكتب على حله لأي أزمة بالفشل بل وبزيادة وقود اشتعالها مرة أخرى.
يتحدث مخطط واشنطن عن غزة ما بعد الحرب خالية من حماس سواء كمقاومة مسلحة أو كإدارة تحكم وتقدم الخدمات في القطاع. ومن خياراته المطروحة كمرحلة أولى تكوين قوة أو إدارة دولية وعربية ستكون في الغالب في عين العاصفة مع المقاومة بدلا من الجنود الإسرائيليين وتعقبها مرحلة ثانية تحكم فيها السلطة الفلسطينية بعد إعادة تأهيلها وتحسين شعبيتها التي وصلت لأدنى مستوى لها.
لا أحد حتى في عقلاء إسرائيل نفسها يعتقد أن سيناريوهات مثل هذا يمكن أن تعيش ويرجح البعض أن النتيجة ستكون فوضى شاملة وخروجا للقطاع على السيطرة بنحو ٢,١ مليون تم دفعهم في جريمة حرب كاملة الأوصاف إلى حافة المجاعة، أما في اتجاه الحدود مع مصر أو مع إسرائيل لكي يبقوا أنفسهم فقط على قيد الحياة. يعتقد محللون أنه من الممكن أن تسيطر عصابات جريمة منظمة على القطاع أو حركات إرهاب كبح انتشارها وجود حماس على رأس القطاع ومسؤولة عن أمنه سواء في المرحلة الأولى المؤقتة والمرحلة الثانية الدائمة.
حماس زادت العوائق أمام مخطط اليوم التالي الأمريكي عائقا جديا باتباع نهج عملي وواقعي إذ أعلنت بوضوح لا لبس فيه استعدادها لدخول منظمة التحرير والاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو وعاصمتها القدس الشرقية بجوار دولة إسرائيل. أي أنها أسقطت حجة واشنطن بأن حماس مقصية مستبعدة من المستقبل بزعم أنها منظمة متطرفة وترفض حل الدولتين وتريد أن تلقي إسرائيل في البحر!!
ربما لهذا كله استطاع إسماعيل هنية أن يقول بثقة «واهم.. واهم من يتصور مستقبلا لغزة وفلسطين دون حماس».
حسين عبد الغني إعلامي وكاتب مصري