في عالم يتسم بالسرعة، ويوهمنا بأننا نستطيع الحصول على كل ما نريد في الآن واللحظة، فقدنا لذة انتظار الأشياء، عندما كنا صغارًا على سبيل المثال، كنا نتوق للعام الدراسي الجديد، وللأعياد وتجمُّع العائلات في البيت (العود)، وكأن اللذة كانت تكمن في أيام وشهور هذا الانتظار، وكنا ننتظر بصبر وبهجة، ربما لأننا لم نعرف حينها طرقًا سريعة توصلنا لما نريد، لا توجد خطط فقدان 10 كيلوجرامات من وزنك في 4 أسابيع، وكيف تصبح ثريًا في 40 يومًا، اليوم نعيش عصرًا من الإشباع الفوري، على حد تعبير دان براون في كتابه الجميل (الحضور) نريد كل شيء الآن، وبالرغم من أننا بتنا نحصل على كثير مما نريد في «التوّ واللحظة»، لكننا لا نملك الوقت الكافي للاستمتاع بما حصلنا عليه في «التو»، فنحن نتطلع للقادم الجديد، ونعيش بانتظاره مما يفقدنا بهجة اللحظة، ويجعلنا لا نجد غضاضة في العيش على الديون، وعلى مجهودات الآخرين، حتى أننا بتنا لا نملك منازلنا وسياراتنا، بل حتى ملابسنا، فالبنوك تملك كل ذلك، فلا وقت لدينا للادخار والتوفير للحصول على ما نريد من مالنا الخاص، طالما أن البنوك ستتولى الشراء نيابة عنا، مقابل أن نظل تحت رحمتها ما تبقى لنا من عمر؛ لأنه لا خيار أمامنا للخروج من هذا المأزق سوى السجن أو الموت، فحتى يظل المرء منا قادرًا على الوفاء بالتزاماته تجاه مؤسسات التمويل هذه، سيضطر للعمل بشكل متواصل في وظيفة يكرهها، وتحت ظروف قاسية، ووضع صحي سيّئ؛ لأن هذا هو الخيار الوحيد أمامه، ولمَ علينا الانتظار ونحن نعيش في زمن (استمتع الآن وادفع لاحقًا)؟ ولمَ علينا الانتظار كما كان الكثيرون من زبائن المؤسسة التي كنت أعمل فيها يرددون على مسامعي (من ضامن عمره)؟، ينتقل الإشباع الآني إلى حياتنا غير المادية أيضا، فنحن نريد التقدير في اللحظة فيما إذا قدمنا خدمة أو مهمة لأحدهم، وصل بنا الأمر كنساء إلى عدم انتظار موعد ولادة أطفالنا طبيعيا، طالما العمليات القيصرية ستتيح لنا الولادة مبكرا حتى لا تضيع علينا فرصة السفر في الصيف، أو حضور مناسبة، وهكذا نعيش في ماراثون الهرب من اللحظة الحالية التي هي في الواقع كل ما نملك.

حمدة الشامسية كاتبة عمانية في القضايا الاجتماعية