أنا أحد الذين عاصروا القضية الفلسطينية منذ بداية الشتات الذي تعرض له الفلسطينيون عقب مأساة حرب ١٩٤٨، التي خاضها العرب بكل أمراضهم وهوانهم وانقساماتهم، وهي قضية نترك ملفاتها للتاريخ الذي سيظل شاهدًا على مأساة الفلسطينيين وعجز العرب عن مقاومة الصهيونية، التي تمكنت من احتلال فلسطين. وأعتقد أن ما يحدث الآن يذكرنا بالمشهد المأساوي منذ هذا التاريخ، فهاهم الفلسطينيون الذي تمسكوا بجزء صغير من أرضهم يتعرضون لمأساة أخرى لا تقل ضراوة عن المأساة التي أعقبت حرب فلسطين ١٩٤٨، مع الفارق حيث نشاهد الآن البيوت والأحياء وهي تنهار على ساكنيها كل يوم في مشهد مروع لا مثيل له في التاريخ الإنساني، وفي ظل حصار من البر والبحر والجو بهدف الدفع بالفلسطينيين لكي يتركوا ما بقي من أرضهم حتى ينجوا بحياتهم، وهي محاولات واضحة لتهجير كل قطاع غزة إلى سيناء.
أنا من الجيل الذي شهد كل الحروب التي خاضها العرب من أجل فلسطين، وشاهد على المآسي الإنسانية، ليس بالقراءة وعبر وسائل الإعلام فقط وإنما لارتباطي بكثير من الفلسطينيين الذين انتشروا في بلاد المهجر، وخصوصا وقد اختار بعضهم مصر للإقامة أو الدراسة، وأتذكر أنني ارتبطت بصديقين تعرفت عليهما أثناء المرحلة الجامعية «شقيقان»، عبد الرؤوف يوسف مصطفى ومصطفى يوسف مصطفى، الأخير كان يزاملني في الدراسة بقسم التاريخ في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، والأول كان يدرس في قسم اللغة العربية وقد التحق بالكلية ١٩٦٨، أما مصطفى فقد التحق بعد شقيقه بعامين وكان يتردد على باعة الكتب في منطقة الأزبكية، وكان مثقفا، شغوفا بالمعرفة، لذا كان ينشر بعض مقالاته وخواطره في صحيفة الجمهورية، وكان يوقّع على كتاباته «ابن السهل الساحلي»، وكثيرا ما كان يكتب عن هذا السهل الواقع على حدود مدينة «طولكرم»، وكنت أمازحه أحيانا قائلا له: أنت يا صديقي تكتب عن سهل لم تشاهده، وعن طولكرم التي لم ترها، ولم تتجول في شوارعها. وكانت إجابته حاضرة في كل مرة قائلا: إنني أعرفها وأستطيع أن أكتب عنها فقد استدعيت صورتها منذ طفولتي المبكرة، حينما كانت أمي تحدثني عنها وعن ساكنيها وحدائقها، وهي صورة لم تفارق مخيلتي أبدا، وخصوصا وأن أمي كانت تحتفظ بمفتاح منزلنا الذي تركناه وهاجرنا إلى الأردن.
توطدت علاقتي بمصطفى وبشقيقه عبد الرؤوف، الذي مسّته غواية الشعر، وكانا يقطنان في المدينة الجامعية «مدينة البعوث الإسلامية»، وأول مرة في حياتي أتناول «المقلوبة»، الأكلة الشهيرة التي ابتدعها الفلسطينيون، والتي كان مصطفى يجيد صناعتها، كما كان مصطفى محبا للصحافة والكتابة، وقد أنشأ مع صديقه اليمني «حسن اللوزي»، الذي كان يدرس في كلية الشريعة والقانون مجلة «النجم الثاقب»، وقد شاركتهما في حوار للمجلة أجريناه مع شيخ الأزهر وقتئذ الشيخ محمد الفحام، وكان حوارا شيقاً مع شيخ جليل درس الفلسفة في جامعة السربون، وأتذكر أنه حدثنا عن حياته في هذه الجامعة العريقة وذكرياته عنها، وأكثر الأساتذة الذين أثروا في حياته، وعن الكتب التي قرأها، وما زلت أحتفظ بنسخة من هذه المجلة حينما لم تكن هناك قيود على النشر، الذي كان متاحا حتى لمن هم في عمرنا، تخرّج مصطفى من الجامعة عام ١٩٧٤، وحصل على وظيفة معلم في اليمن الجنوبي، وانقطعت العلاقات بيننا، وإن كنت عرفت فيما بعد أنه انتقل للعمل بالمملكة العربية السعودية، وقد عاد إلى الأردن، التي اختارها وطنا له ولأولاده.
أما عبدالرؤوف فحكايته تطول، ومأساته كانت فوق طاقة البشر، فعلى الرغم من أنه التحق بالجامعة ١٩٦٨، إلا أنه لم يكن حريصا على الدراسة، فقد كان ينظم الشعر، ويجوب منتديات الشعراء والمثقفين في أنحاء القاهرة، وكان مرتبطا بمنظمة التحرير الفلسطينية، لذا عمل بإذاعتها بالقاهرة، وتزوج من ابنة أحد الفلسطينيين المقيمين في مصر، وتعثر في دراسته لدرجة انه لم يتخرج إلا في عام ١٩٧٩، وظل لثلاث سنوات يعيد امتحان مادة «الصرف»، وكانت علاقتي بعبد الرؤوف قد انقطعت بعد سفر شقيقه إلى اليمن، حتى فوجئت في شهر مايو من عام ١٩٧٩، حيث كنت أعمل مدرسا مساعدا في الكلية بحضور عبد الرؤوف لأداء الامتحان وبرفقته ضابط وجنديان، وقد قيدت يداه بقيد حديدي، ذهبت إليه في غرفة الأمن وهالني ما شاهدته، وطلبت من الضابط أن يفك قيده، وبعد رجاء وافق، وأرسلت أحد العمال ليحضر له إفطارا وسجائر، فقد كان مدخنا شرها، بعدها دخل قاعة الامتحان، وقد عرفت من شقيق زوجته طبيعة المشكلة التي يمر بها عبد الرؤوف، بعد أن حصلت على نسخة مصورة من قرار الاتهام الموجه له، والذي كان منحصرا في انخراطه في تنظيم يستهدف المصالح الإسرائيلية في القاهرة، وهو اتهام لم أر عليه دليلا قاطعا، إلا أن القضية أحيلت إلى محكمة أمن الدولة العليا، التي قضت بحبسه خمسة عشر عاماً، قضاها عبد الرؤوف كاملة.
في منتصف التسعينات وبينما كنت في إحدى ردهات الكلية إذا بعبد الرؤوف أمامي وجها لوجه، لم أتعرف عليه في البداية بعد أن سقط شعره وفقد أسنانه وملأت التجاعيد وجهه، وبدا رجلا كهلا لا علاقة له بعبد الرؤوف الذي أعرفه، احتضنته وبكيت، وبكى معي في مشهد مؤثر للغاية، تبين لي أنه حضر إلى الكلية بعد أن حصل على شهادة التخرج بعد أن أمضى في الكلية ما يقرب من ربع قرن! وكان رهن الاحتجاز في سجن القلعة حتى تتمّ إجراءات ترحيله إلى الأردن، حكى لي عبد الرؤوف عن مأساته الأكبر فعند سجنه كان لديه أربعة أبناء، جميعهم لم يلتحقوا بالدراسة، ولم ينالوا أي قسط من التعليم وقد أصبحوا شبابا لم يتعلموا ولم يمتهنوا أية مهنة، بحجة أن والدهم فقد إقامته منذ سُجن، وهو شرط الالتحاق بالمدرسة.
إنها مأساة تفوق مأساة عبد الرؤوف الشخصية، أعتقد أنني حاولت منذ أن عرفت بأزمة عبد الرؤوف وقبل الحكم عليه، فقد لجأت إلى الكثيرين في محاولة لإنقاذ هذا الشاب بادئا بالصحافة، لكن جميعها رفضت الخوض في الموضوع، ولجأت إلى الأستاذ خالد محيي الدين رئيس حزب التجمع وقتئذ، وإلى الأستاذ إبراهيم شكري رئيس حزب العمل، حاملاً إليهما أوراق هذا الشاب، وطلبت منهما التدخل، إلا أنهما اعتذرا وخصوصا وأن الظروف السياسية وقتئذ كانت ملتبسة.
أمضى عبد الرؤوف خمسة عشر عاما، أفقدته حياته ومستقبله وأبناءه، كما فقد ذائقة الشعر الذي أحبه، ومضت السنوات وكان عبد الرؤوف دائما حاضرا في قلبي وفي عقلي، وبينما كنت في زيارة عمل إلى اليمن التقيت بالصديق المرحوم حسن اللوزي، زميلنا القديم والذي كان وزيرا للثقافة، وسفيرا لبلاده في عدة دول، ثم انتهى به الأمر عضوا في مجلس النواب، تحدثت معه عن صديقنا المشترك عبد الرؤوف، وفاجأني بأنه كان سفيرا لبلاده في الأردن، والتقى بعبد الرؤوف عدة مرات في بيته، وأفاض في الحديث عن مأساته التي انفطر لها قلبي، فأولاده الأربعة تطاردهم الشرطة في جرائم لا يجوز الحديث عنها، وعبد الرؤوف طريح الفراش بعد أن فقد ذاكرته، ويعيش مأساة إنسانية لا طاقة لأحد عليها، وحينما قلت له أن عبد الرؤوف كان يعمل في إذاعة فلسطين وكان معروفا لمعظم قادة فتح.. ألم يتذكره أحد؟ صمت حسن اللوزي ولم يعلق!
وهكذا انتهت حياة شاب كان مفعما بالحياة، محبا للشعر والأدب، شغوفا بالثقافة، ورغم ذلك لم يحظ من الحياة إلا قسوتها ومرارتها، ولعل عبد الرؤوف يعد واحدا من آلاف الشباب الذين دفعوا حياتهم من أجل فلسطين، ولم ينل حتى مجرد العناية من المنظمة التي أفنى حياته من أجل قضيتها الأولى «فلسطين» ما يزال عشرات الآلاف يستشهدون كل يوم من أجل قضيتهم الكبيرة. تحية إلى عبد الرؤوف يوسف إذا كان على قيد الحياة، ورحمه الله إذا كان فارق دنيانا التي لا تستحق الحياة فيها.
د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية (سابقا) ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية (سابقا).
أنا من الجيل الذي شهد كل الحروب التي خاضها العرب من أجل فلسطين، وشاهد على المآسي الإنسانية، ليس بالقراءة وعبر وسائل الإعلام فقط وإنما لارتباطي بكثير من الفلسطينيين الذين انتشروا في بلاد المهجر، وخصوصا وقد اختار بعضهم مصر للإقامة أو الدراسة، وأتذكر أنني ارتبطت بصديقين تعرفت عليهما أثناء المرحلة الجامعية «شقيقان»، عبد الرؤوف يوسف مصطفى ومصطفى يوسف مصطفى، الأخير كان يزاملني في الدراسة بقسم التاريخ في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، والأول كان يدرس في قسم اللغة العربية وقد التحق بالكلية ١٩٦٨، أما مصطفى فقد التحق بعد شقيقه بعامين وكان يتردد على باعة الكتب في منطقة الأزبكية، وكان مثقفا، شغوفا بالمعرفة، لذا كان ينشر بعض مقالاته وخواطره في صحيفة الجمهورية، وكان يوقّع على كتاباته «ابن السهل الساحلي»، وكثيرا ما كان يكتب عن هذا السهل الواقع على حدود مدينة «طولكرم»، وكنت أمازحه أحيانا قائلا له: أنت يا صديقي تكتب عن سهل لم تشاهده، وعن طولكرم التي لم ترها، ولم تتجول في شوارعها. وكانت إجابته حاضرة في كل مرة قائلا: إنني أعرفها وأستطيع أن أكتب عنها فقد استدعيت صورتها منذ طفولتي المبكرة، حينما كانت أمي تحدثني عنها وعن ساكنيها وحدائقها، وهي صورة لم تفارق مخيلتي أبدا، وخصوصا وأن أمي كانت تحتفظ بمفتاح منزلنا الذي تركناه وهاجرنا إلى الأردن.
توطدت علاقتي بمصطفى وبشقيقه عبد الرؤوف، الذي مسّته غواية الشعر، وكانا يقطنان في المدينة الجامعية «مدينة البعوث الإسلامية»، وأول مرة في حياتي أتناول «المقلوبة»، الأكلة الشهيرة التي ابتدعها الفلسطينيون، والتي كان مصطفى يجيد صناعتها، كما كان مصطفى محبا للصحافة والكتابة، وقد أنشأ مع صديقه اليمني «حسن اللوزي»، الذي كان يدرس في كلية الشريعة والقانون مجلة «النجم الثاقب»، وقد شاركتهما في حوار للمجلة أجريناه مع شيخ الأزهر وقتئذ الشيخ محمد الفحام، وكان حوارا شيقاً مع شيخ جليل درس الفلسفة في جامعة السربون، وأتذكر أنه حدثنا عن حياته في هذه الجامعة العريقة وذكرياته عنها، وأكثر الأساتذة الذين أثروا في حياته، وعن الكتب التي قرأها، وما زلت أحتفظ بنسخة من هذه المجلة حينما لم تكن هناك قيود على النشر، الذي كان متاحا حتى لمن هم في عمرنا، تخرّج مصطفى من الجامعة عام ١٩٧٤، وحصل على وظيفة معلم في اليمن الجنوبي، وانقطعت العلاقات بيننا، وإن كنت عرفت فيما بعد أنه انتقل للعمل بالمملكة العربية السعودية، وقد عاد إلى الأردن، التي اختارها وطنا له ولأولاده.
أما عبدالرؤوف فحكايته تطول، ومأساته كانت فوق طاقة البشر، فعلى الرغم من أنه التحق بالجامعة ١٩٦٨، إلا أنه لم يكن حريصا على الدراسة، فقد كان ينظم الشعر، ويجوب منتديات الشعراء والمثقفين في أنحاء القاهرة، وكان مرتبطا بمنظمة التحرير الفلسطينية، لذا عمل بإذاعتها بالقاهرة، وتزوج من ابنة أحد الفلسطينيين المقيمين في مصر، وتعثر في دراسته لدرجة انه لم يتخرج إلا في عام ١٩٧٩، وظل لثلاث سنوات يعيد امتحان مادة «الصرف»، وكانت علاقتي بعبد الرؤوف قد انقطعت بعد سفر شقيقه إلى اليمن، حتى فوجئت في شهر مايو من عام ١٩٧٩، حيث كنت أعمل مدرسا مساعدا في الكلية بحضور عبد الرؤوف لأداء الامتحان وبرفقته ضابط وجنديان، وقد قيدت يداه بقيد حديدي، ذهبت إليه في غرفة الأمن وهالني ما شاهدته، وطلبت من الضابط أن يفك قيده، وبعد رجاء وافق، وأرسلت أحد العمال ليحضر له إفطارا وسجائر، فقد كان مدخنا شرها، بعدها دخل قاعة الامتحان، وقد عرفت من شقيق زوجته طبيعة المشكلة التي يمر بها عبد الرؤوف، بعد أن حصلت على نسخة مصورة من قرار الاتهام الموجه له، والذي كان منحصرا في انخراطه في تنظيم يستهدف المصالح الإسرائيلية في القاهرة، وهو اتهام لم أر عليه دليلا قاطعا، إلا أن القضية أحيلت إلى محكمة أمن الدولة العليا، التي قضت بحبسه خمسة عشر عاماً، قضاها عبد الرؤوف كاملة.
في منتصف التسعينات وبينما كنت في إحدى ردهات الكلية إذا بعبد الرؤوف أمامي وجها لوجه، لم أتعرف عليه في البداية بعد أن سقط شعره وفقد أسنانه وملأت التجاعيد وجهه، وبدا رجلا كهلا لا علاقة له بعبد الرؤوف الذي أعرفه، احتضنته وبكيت، وبكى معي في مشهد مؤثر للغاية، تبين لي أنه حضر إلى الكلية بعد أن حصل على شهادة التخرج بعد أن أمضى في الكلية ما يقرب من ربع قرن! وكان رهن الاحتجاز في سجن القلعة حتى تتمّ إجراءات ترحيله إلى الأردن، حكى لي عبد الرؤوف عن مأساته الأكبر فعند سجنه كان لديه أربعة أبناء، جميعهم لم يلتحقوا بالدراسة، ولم ينالوا أي قسط من التعليم وقد أصبحوا شبابا لم يتعلموا ولم يمتهنوا أية مهنة، بحجة أن والدهم فقد إقامته منذ سُجن، وهو شرط الالتحاق بالمدرسة.
إنها مأساة تفوق مأساة عبد الرؤوف الشخصية، أعتقد أنني حاولت منذ أن عرفت بأزمة عبد الرؤوف وقبل الحكم عليه، فقد لجأت إلى الكثيرين في محاولة لإنقاذ هذا الشاب بادئا بالصحافة، لكن جميعها رفضت الخوض في الموضوع، ولجأت إلى الأستاذ خالد محيي الدين رئيس حزب التجمع وقتئذ، وإلى الأستاذ إبراهيم شكري رئيس حزب العمل، حاملاً إليهما أوراق هذا الشاب، وطلبت منهما التدخل، إلا أنهما اعتذرا وخصوصا وأن الظروف السياسية وقتئذ كانت ملتبسة.
أمضى عبد الرؤوف خمسة عشر عاما، أفقدته حياته ومستقبله وأبناءه، كما فقد ذائقة الشعر الذي أحبه، ومضت السنوات وكان عبد الرؤوف دائما حاضرا في قلبي وفي عقلي، وبينما كنت في زيارة عمل إلى اليمن التقيت بالصديق المرحوم حسن اللوزي، زميلنا القديم والذي كان وزيرا للثقافة، وسفيرا لبلاده في عدة دول، ثم انتهى به الأمر عضوا في مجلس النواب، تحدثت معه عن صديقنا المشترك عبد الرؤوف، وفاجأني بأنه كان سفيرا لبلاده في الأردن، والتقى بعبد الرؤوف عدة مرات في بيته، وأفاض في الحديث عن مأساته التي انفطر لها قلبي، فأولاده الأربعة تطاردهم الشرطة في جرائم لا يجوز الحديث عنها، وعبد الرؤوف طريح الفراش بعد أن فقد ذاكرته، ويعيش مأساة إنسانية لا طاقة لأحد عليها، وحينما قلت له أن عبد الرؤوف كان يعمل في إذاعة فلسطين وكان معروفا لمعظم قادة فتح.. ألم يتذكره أحد؟ صمت حسن اللوزي ولم يعلق!
وهكذا انتهت حياة شاب كان مفعما بالحياة، محبا للشعر والأدب، شغوفا بالثقافة، ورغم ذلك لم يحظ من الحياة إلا قسوتها ومرارتها، ولعل عبد الرؤوف يعد واحدا من آلاف الشباب الذين دفعوا حياتهم من أجل فلسطين، ولم ينل حتى مجرد العناية من المنظمة التي أفنى حياته من أجل قضيتها الأولى «فلسطين» ما يزال عشرات الآلاف يستشهدون كل يوم من أجل قضيتهم الكبيرة. تحية إلى عبد الرؤوف يوسف إذا كان على قيد الحياة، ورحمه الله إذا كان فارق دنيانا التي لا تستحق الحياة فيها.
د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية (سابقا) ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية (سابقا).