تكشف الزيارة التي يقوم بها فخامة الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير لسلطنة عُمان وعقده جلسة مباحثات رسمية مع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ عن رغبة مشتركة من الجانبين في تعزيز العلاقات بين البلدين وتطويرها إلى آفاق أرحب، تكون مواكبة للتطورات والتغيرات والتحديات التي يشهدها العالم في الوقت الحالي. وكان عاهل البلاد المفدّى قد قام بزيارة رسمية لجمهورية ألمانيا الاتحادية العام الماضي وعقد جلسة مباحثات مع الرئيس الألماني ومع المستشار الألماني تم خلالهما مناقشة آفاق تطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين.

لكن العالم المتطور بطبعه، يشهد الكثير من التحولات تقودها المتغيرات السياسية والاقتصادية وهي متغيرات متحققة الآن، ليس في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد الآن حربا طاحنة تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلية على قطاع غزة ولكن أيضا في عمق أوروبا التي تشعر بالخطر الأكبر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ إثر الحرب الدائرة الآن بين روسيا وأوكرانيا المدعومة من الدول الغربية بالسلاح والقوة العسكرية وبالخطاب السياسي في مختلف المنظمات الأممية والدولية. في ظل هذا المشهد المحتدم بالمخاطر المتنامية فإن الدفع بآفاق التعاون الاقتصادي والتكنولوجي وفي قطاع الطاقة بين سلطنة عُمان وألمانيا يعد بالكثير من الفرص لبناء شراكات كبرى بين البلدين الصديقين.

وعبر العقود الطويلة الماضية كانت العلاقات بين البلدين مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، فقد كانت ألمانيا باقتصادها القوي وقدراتها التصنيعية في مختلف المجالات وبشكل خاص قطاع التكنولوجيا شريكا مهما لسلطنة عُمان، الأمر الذي جعل قيمة التبادل التجاري بين البلدين تشهد نقلات نوعية، وبقيت في حالة نمو مطّرد، كما استفادت ألمانيا من الأهمية الاستراتيجية لموقع سلطنة عمان في بناء شراكات اقتصادية في ضوء التطورات الجديدة للمشهد الاقتصادي.

وكان أحد أهم المحركات الرئيسية لهذه العلاقة المتطورة هو التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة والاستدامة. فكان أن وجدت ألمانيا الرائدة في مجال التكنولوجيا الخضراء شريكا مهما في الشرق الأوسط تمثل في سلطنة عمان الدولة المستقرة سياسيا والمتطورة على مستوى البنى الاقتصادية والطامحة نحو تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط. وتتوافق رؤية سلطنة عمان 2040، التي تؤكد على التنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة، بشكل جيد مع الخبرة الألمانية في مجال الطاقة المتجددة، وتوفر منصة للمشاريع التعاونية والتبادل التكنولوجي.

إضافة إلى الجوانب الاقتصادية، فإن المشهد الجيوسياسي وخاصة في الشرق الأوسط يمثل تحديات وفرصا للعلاقات العمانية الألمانية. إن مكانة سلطنة عمان الفريدة بصفتها وسيطا في حل الصراعات الإقليمية وسياستها الحيادية تجعلها حليفا مهما لأي دولة مهتمة باستقرار المنطقة، ويمكن للبلدين الاستفادة من هذه الميزة لتعزيز الحوار ومبادرات السلام، وتعزيز أدوارهما على الساحة الدولية.

إن مستقبل العلاقات العمانية الألمانية يتوقف على قدرتهما على المضي قدما في ظل كل التحولات الكبرى التي تحدث في العالم، ومن خلال التركيز على المجالات ذات الاهتمام المشترك مثل الطاقة المتجددة، والاستفادة من موقع سلطنة عُمان الاستراتيجي لمبادرات السلام، وتعزيز الترابط الاقتصادي، يمكن للبلدين بناء شراكة قابلة للاستمرار.