لا أظن أن العلاقة بين مراسلي الأخبار وجمهورهم وصلت إلى ذلك الحد من التماس والحميمية، وأصبحت علاقة شخصية وعاطفية جدًا مثلما يحصل الآن بين صحفيي غزة وجمهور واسع على منصات التواصل الاجتماعي: جمهور عالمي وحتى أمام شاشات القنوات الفضائية. وهذا لا ينطبق فقط على الصحفيين المستقلين الذين يبثون فقط لمواقع التواصل الاجتماعي بل يشمل العاملين كافة وليس فقط ذلك الذي يقف أمام الكاميرا بل من يقف خلفها أيضًا ولا أظن أن ثمة تجانسا بين موضوع التغطية الحربية، وبين الصحفي الذي يشتغل عليها مثلما يحدث الآن في غزة.
لم تعد علاقة ثقة وتقبل ومتابعة. أصبحت علاقة حب ودعم ومساندة، ونظرة تقدير تصل لحد اعتبارهم مثلًا وقدوة. في مشاهد عاطفية بعفويتها، محكومة بتلك العاطفية في واقعيتها ينقل صحفيو غزة ممارسات الاحتلال لحظة بلحظة. وأصبح الناس يعرفونهم بأسمائهم، ويعرفون عائلاتهم وحبهم للقطط والإنشاد ويعيشون معهم تلك اللحظات المحتدمة بالمشاعر وهم يشاركون في عمليات الإنقاذ أو حين بين التصوير والتصوير يهدهدون الأطفال ويداعبونهم في مشاهد مؤثرة. أو حين توقف الصحفي طفلة لا يتجاوز عمرها 3 سنوات لتغني عن فلسطين، أو حين يتبادلون مع الأطفال أدوار التصوير ويلبسونهم ستراتهم الصحفية.
عايش الجمهور صمودهم تحت القصف، ابتساماتهم، دموعهم وانهيارهم. ورباطة جأشهم وهم يعودون للعمل بعد فقد أحبتهم.
أصبحت أم معتز مثلًا محبوبة وابنها أيقونة، وأصبحت «معليش» من وائل الدحدوح شعارًا للصمود يتداول، وأصبح الشهداء من الصحفيين نماذج للاعتزاز. تدلل بعض التعليقات التي تنتشر على مشاهدات الفيس بوك ومنصة إكس وانستجرام أن عددا كبيرا من صحفيي غزة أصبحوا أمثولة وحازوا جماهيرية لدى قاعدة متباينة من الجماهير، حيث اختفت في هذه الحالة تلك المعايير الثقافية والأيديولوجية ومعايير العمر والاهتمام وغيرها من المقاييس التي تحكم عادة مثل هذا القبول والإعجاب.
القيم الإنسانية هنا كانت هي الفيصل. وحصلوا على هذا التقدير والكم الهائل من الحب والإعجاب بصفتهم صحفيين في الميدان. نرى من يمتدح بطولاتهم. ويعجب بشخصياتهم وتربيتهم وقيمهم وأخلاقهم، كمن يتحدث عن صديق يحترمه أو عن نجمه المفضل.
الجمهور يعيش معهم الواقع الذي ينقلونه، ويخبرون عنه ويعرف عنهم عن أقاربهم. أهلهم، أمهاتهم وأحلامهم ومعاناتهم وأصبحوا في خضم الحدث نفسه. هم وجه فلسطين. هم صورة تطابق الصورة عن الواقع الذي يغطون أحداثه. فكان ألمهم حين تستهدف عائلاتهم مثلًا ألما عاما يعنى به الجميع واستشهادهم هو فصل مؤثر في قصة القضية الفلسطينية برمتها.
أصبح المعجبون يخافون عليهم. يتقمصون حالتهم ويندمجون في واقعهم المرير ماذا إن جاء صباح، ويكون هؤلاء مثلما ودعوا مرارا غير موجودين. وجودهم يشكل الوجود الرمزي لغزة على الأقل في أذهان معجبيهم. استشهادهم واختفاؤهم يعني سقوط المدينة.. سقوط وجوه مألوفة له تأثير مختلف.
كل من يصوره الصحفيون وكل من يخبرون عنه مهما بلغ ارتباط الناس وتعاطفهم مع حاله ووضعه يبقى اسما غريبا. لكن بعض الصحفيين أصبحوا الأسماء التي تمثل هؤلاء لأن المتلقي ارتبط معها بعلاقة شخصية.. هو يعرفها جيدا. وحين يفقدها يكون كمن فقد قريبا.
بعدان جديدان في أدبيات الإعلام تطرحها هذه العلاقة: هذا القرب النفسي لمسافة صفر بين مراسل الأخبار وجمهوره. وهذا التطابق اليومي المستمر المتنامي والجامع بين ناقل الحدث والحدث.
لطالما كانت العلاقة بين مقدمي الأخبار والمراسلين وجمهورهم علاقة محكومة بمسافة تفرضها جدية المادة المقدمة فتوجد شكلًا من أشكال العلاقة الرسمية، حيث تشاهد وتستمع لمتحدث يخاطبك مباشرة لكن ثمة حاجزا نفسيا تشكله تعابير وجهه الجادة، وتأثيث المشهد بالكامل ولغة جسده وإيقاع الخطاب الرزين المتجهم أغلب الوقت أو الذي لا يبدي تعبير أو مشاعر. تقاسيم في تعبيرها حيادية ما أمكن تمنع ذاك القرب وتحتم على المتلقي أن يبقى مستقبلًا لهذه الرسائل من مسافة واضحة. سعى العاملون في مجال صناعة الأخبار لتقليل هذه الحواجز من أجل كسب أكبر قاعدة ممكنة من الجماهير تحديدا من ضمن شرائح الشباب. من هذه الأساليب كان تطعيم نشرات الأخبار بتقارير لموضوعات إنسانية- إيجابية- ثقافية وموضوعات أقل حدة وثقلا من أخبار الدمار والعنف والكوارث وغيرها. كما كانت هناك تغيرات على مستوى شكل التقديم والعرض. فمن تخفيف حدة الموسيقى المصاحبة وشكل الاستوديو وتوظيف التقنيات الحديثة في الشرح والعرض كان هناك اشتغال كذلك على الرسائل التي تبثها لغة الجسد لمقدمي الأخبار فأصبح الابتسام على سبيل المثال ممكنا. تبادل الحوار مع الزميل المشارك بشكل يقصد به أن يكون عفويا أمرا مرحبا به. تحريك اليدين والجسد والمشي كلها وضعيات تحاول كسر الجمود لتشعر المشاهد أنه أمام حالة طبيعية وليست جلسة مصنعة معلبة لإنتاج المادة الخبرية حتى توجد نوعا من الود أو التقارب وتبقي المشاهد متابعًا لأطول وقت ممكن. لكن هناك حدودًا لمثل هذه التغيرات وللأثر المتوخى منها. العلاقة مع المتلقي هي مركز اهتمام التطوير في إنتاج الأخبار خصوصًا أن هناك مستوى جديدا يفرض نفسه إذ أن حضور وتفاعل المتلقي مع المادة الخبرية تنامى مع وجود الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
لا يمكن إنكار أن أساليب بث الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي أوجدت شكلًا جديدًا وقرّبت بشكل كبير جدا بين المرسل والمتلقي. زاوية التصوير ذاتها. آلية التصوير. وفكرة أن المتابع يرى المادة على جهازه الشخصي الذي يحمله على منصة في البعد السيكولوجي هي منصة للتعارف والتحادث مع الأغراب، وكأنهم معارف بالإضافة لوجود أتباع مخلصين لبعض المنصات الشخصية والذين باختيارهم الضغط على زر المتابعة وافقوا على ذاك الارتباط مع هذا الشخص تحديدا دون غيره كل هذه العوامل بحد ذاتها كفيلة بإيجاد علاقة حميمية بين مراسل الأخبار هذا وجمهوره. لكن في الحالة الفلسطينية ومع ما يحدث في غزة فإن هناك متغيرات أخرى والعلاقة توطدت بشكل غير مسبوق بين الصحفي والجمهور الذي يخاطبه عززتها أساليب سرد القصة الصحفية التي تتيحها مواقع التواصل الاجتماعي، ملاحقة الحدث في تلك الأوضاع الخطرة حالة التشويق والتوتر وظهور المشاعر والعواطف عفويًا لفداحة ما يجري على الأرض إضافة لتصوير الجوانب الإنسانية لهؤلاء الصحفيين كمكون من مكونات المجتمع الفلسطيني بأصالته وأخلاقه وقيمه تظهر في تصرفاتهم التي توثقها الكاميرا. في خطابهم لمتابعيهم هم شاهد عيان كذلك عرض بعضهم قصصهم الشخصية وتجاربهم في الحرب. وبثت الكثير من المشاهد التي توثق هلع الصحفيين، وهم يقابلون أفرادا من ذويهم وأطفالهم الصغار في المستشفيات التي يحمل إليها الجرحى والجثامين. أو يصادفون أحبتهم بين الركام. ربما لا يتساوى معهم في هذا الوضع البطولي غير الكادر الطبي من (مجاهدين ومرابطين بكل ما تعنيه الكلمة) لكن للصحفيين حضورا يوميا يتكرر. حضورا بوجوههم وأسمائهم يجعلهم القاسم المشترك بين كل الأوجاع، ويضمن لهم مكانا في صباحات ومساءات متابعيهم.
كل هذا أوجد شعبية هائلة لهؤلاء الصحفيين وغيرهم ممن يعملون مراسلين للقنوات الفضائية ولا يمارسون عملهم بالبث على مواقع التواصل الاجتماعي لكن قصصهم هم أيضا أصبحت جزءا من المادة الخبرية التي يتلقاها جمهور هذه المواقع.
وفق نقابة الصحفيين الفلسطينية يعد شهر أكتوبر هو الأسوأ في تاريخ الصحافة العالمية.
صحفيو غزة مستهدفون في هجوم شرس تستقصدهم به آلة الاحتلال هم وعائلاتهم. وتستهدف كذلك المؤسسات الإعلامية ومنشآتها وموظفيها. هذا الهجوم الموجه لا يسعى فقط إلى التعتيم على الحقائق وطمس ما يجري قدر الإمكان. هو فعل انتقامي شرس ربما لأن من بين من تعرضوا للهجوم في العملية التي قامت بها حماس في السابع من أكتوبر هم صحفيون (بعضهم مجندون إسرائيليون) وهو بالتأكيد حالة انتقام لأن الصحافة كانت إحدى وسائل إبقاء القضية حية وحاضرة ومشاركة في النضال بنقل الأخبار وبالتوثيق فهي في ذهنية المحتل جزء من مكونات المقاومة وحالاتها ولا بد من كسرها. يتهم الاحتلال صحفيي غزة أنهم مشاركون في هجوم السابع من أكتوبر، وأنهم جزء من منظمة حماس وبالتالي يجري عليهم ما يجب أن يقع على مقاتلي حماس (هو في الحقيقة يوجه هذه التهمة إن صحت هذه التسمية لكل أهل غزة) لكن الصحفيين على وجه الخصوص هم في خطوط النار الأولى. لذا منذ اليوم الأول للحرب والأرقام في ارتفاع متزايد لعدد الصحفيين الذين استشهدوا أو استشهدت عائلاتهم.
لكن اغتيال الصحفيين جاء بنتائج عكسية. هو خلّد أعمالهم وأعاد تكرار وبث قصصهم والأمر اللافت أنهم التحموا وتماهوا بالكامل مع موضوعهم الصحفي. هم بشكل ما غزة.
لم تعد علاقة ثقة وتقبل ومتابعة. أصبحت علاقة حب ودعم ومساندة، ونظرة تقدير تصل لحد اعتبارهم مثلًا وقدوة. في مشاهد عاطفية بعفويتها، محكومة بتلك العاطفية في واقعيتها ينقل صحفيو غزة ممارسات الاحتلال لحظة بلحظة. وأصبح الناس يعرفونهم بأسمائهم، ويعرفون عائلاتهم وحبهم للقطط والإنشاد ويعيشون معهم تلك اللحظات المحتدمة بالمشاعر وهم يشاركون في عمليات الإنقاذ أو حين بين التصوير والتصوير يهدهدون الأطفال ويداعبونهم في مشاهد مؤثرة. أو حين توقف الصحفي طفلة لا يتجاوز عمرها 3 سنوات لتغني عن فلسطين، أو حين يتبادلون مع الأطفال أدوار التصوير ويلبسونهم ستراتهم الصحفية.
عايش الجمهور صمودهم تحت القصف، ابتساماتهم، دموعهم وانهيارهم. ورباطة جأشهم وهم يعودون للعمل بعد فقد أحبتهم.
أصبحت أم معتز مثلًا محبوبة وابنها أيقونة، وأصبحت «معليش» من وائل الدحدوح شعارًا للصمود يتداول، وأصبح الشهداء من الصحفيين نماذج للاعتزاز. تدلل بعض التعليقات التي تنتشر على مشاهدات الفيس بوك ومنصة إكس وانستجرام أن عددا كبيرا من صحفيي غزة أصبحوا أمثولة وحازوا جماهيرية لدى قاعدة متباينة من الجماهير، حيث اختفت في هذه الحالة تلك المعايير الثقافية والأيديولوجية ومعايير العمر والاهتمام وغيرها من المقاييس التي تحكم عادة مثل هذا القبول والإعجاب.
القيم الإنسانية هنا كانت هي الفيصل. وحصلوا على هذا التقدير والكم الهائل من الحب والإعجاب بصفتهم صحفيين في الميدان. نرى من يمتدح بطولاتهم. ويعجب بشخصياتهم وتربيتهم وقيمهم وأخلاقهم، كمن يتحدث عن صديق يحترمه أو عن نجمه المفضل.
الجمهور يعيش معهم الواقع الذي ينقلونه، ويخبرون عنه ويعرف عنهم عن أقاربهم. أهلهم، أمهاتهم وأحلامهم ومعاناتهم وأصبحوا في خضم الحدث نفسه. هم وجه فلسطين. هم صورة تطابق الصورة عن الواقع الذي يغطون أحداثه. فكان ألمهم حين تستهدف عائلاتهم مثلًا ألما عاما يعنى به الجميع واستشهادهم هو فصل مؤثر في قصة القضية الفلسطينية برمتها.
أصبح المعجبون يخافون عليهم. يتقمصون حالتهم ويندمجون في واقعهم المرير ماذا إن جاء صباح، ويكون هؤلاء مثلما ودعوا مرارا غير موجودين. وجودهم يشكل الوجود الرمزي لغزة على الأقل في أذهان معجبيهم. استشهادهم واختفاؤهم يعني سقوط المدينة.. سقوط وجوه مألوفة له تأثير مختلف.
كل من يصوره الصحفيون وكل من يخبرون عنه مهما بلغ ارتباط الناس وتعاطفهم مع حاله ووضعه يبقى اسما غريبا. لكن بعض الصحفيين أصبحوا الأسماء التي تمثل هؤلاء لأن المتلقي ارتبط معها بعلاقة شخصية.. هو يعرفها جيدا. وحين يفقدها يكون كمن فقد قريبا.
بعدان جديدان في أدبيات الإعلام تطرحها هذه العلاقة: هذا القرب النفسي لمسافة صفر بين مراسل الأخبار وجمهوره. وهذا التطابق اليومي المستمر المتنامي والجامع بين ناقل الحدث والحدث.
لطالما كانت العلاقة بين مقدمي الأخبار والمراسلين وجمهورهم علاقة محكومة بمسافة تفرضها جدية المادة المقدمة فتوجد شكلًا من أشكال العلاقة الرسمية، حيث تشاهد وتستمع لمتحدث يخاطبك مباشرة لكن ثمة حاجزا نفسيا تشكله تعابير وجهه الجادة، وتأثيث المشهد بالكامل ولغة جسده وإيقاع الخطاب الرزين المتجهم أغلب الوقت أو الذي لا يبدي تعبير أو مشاعر. تقاسيم في تعبيرها حيادية ما أمكن تمنع ذاك القرب وتحتم على المتلقي أن يبقى مستقبلًا لهذه الرسائل من مسافة واضحة. سعى العاملون في مجال صناعة الأخبار لتقليل هذه الحواجز من أجل كسب أكبر قاعدة ممكنة من الجماهير تحديدا من ضمن شرائح الشباب. من هذه الأساليب كان تطعيم نشرات الأخبار بتقارير لموضوعات إنسانية- إيجابية- ثقافية وموضوعات أقل حدة وثقلا من أخبار الدمار والعنف والكوارث وغيرها. كما كانت هناك تغيرات على مستوى شكل التقديم والعرض. فمن تخفيف حدة الموسيقى المصاحبة وشكل الاستوديو وتوظيف التقنيات الحديثة في الشرح والعرض كان هناك اشتغال كذلك على الرسائل التي تبثها لغة الجسد لمقدمي الأخبار فأصبح الابتسام على سبيل المثال ممكنا. تبادل الحوار مع الزميل المشارك بشكل يقصد به أن يكون عفويا أمرا مرحبا به. تحريك اليدين والجسد والمشي كلها وضعيات تحاول كسر الجمود لتشعر المشاهد أنه أمام حالة طبيعية وليست جلسة مصنعة معلبة لإنتاج المادة الخبرية حتى توجد نوعا من الود أو التقارب وتبقي المشاهد متابعًا لأطول وقت ممكن. لكن هناك حدودًا لمثل هذه التغيرات وللأثر المتوخى منها. العلاقة مع المتلقي هي مركز اهتمام التطوير في إنتاج الأخبار خصوصًا أن هناك مستوى جديدا يفرض نفسه إذ أن حضور وتفاعل المتلقي مع المادة الخبرية تنامى مع وجود الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
لا يمكن إنكار أن أساليب بث الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي أوجدت شكلًا جديدًا وقرّبت بشكل كبير جدا بين المرسل والمتلقي. زاوية التصوير ذاتها. آلية التصوير. وفكرة أن المتابع يرى المادة على جهازه الشخصي الذي يحمله على منصة في البعد السيكولوجي هي منصة للتعارف والتحادث مع الأغراب، وكأنهم معارف بالإضافة لوجود أتباع مخلصين لبعض المنصات الشخصية والذين باختيارهم الضغط على زر المتابعة وافقوا على ذاك الارتباط مع هذا الشخص تحديدا دون غيره كل هذه العوامل بحد ذاتها كفيلة بإيجاد علاقة حميمية بين مراسل الأخبار هذا وجمهوره. لكن في الحالة الفلسطينية ومع ما يحدث في غزة فإن هناك متغيرات أخرى والعلاقة توطدت بشكل غير مسبوق بين الصحفي والجمهور الذي يخاطبه عززتها أساليب سرد القصة الصحفية التي تتيحها مواقع التواصل الاجتماعي، ملاحقة الحدث في تلك الأوضاع الخطرة حالة التشويق والتوتر وظهور المشاعر والعواطف عفويًا لفداحة ما يجري على الأرض إضافة لتصوير الجوانب الإنسانية لهؤلاء الصحفيين كمكون من مكونات المجتمع الفلسطيني بأصالته وأخلاقه وقيمه تظهر في تصرفاتهم التي توثقها الكاميرا. في خطابهم لمتابعيهم هم شاهد عيان كذلك عرض بعضهم قصصهم الشخصية وتجاربهم في الحرب. وبثت الكثير من المشاهد التي توثق هلع الصحفيين، وهم يقابلون أفرادا من ذويهم وأطفالهم الصغار في المستشفيات التي يحمل إليها الجرحى والجثامين. أو يصادفون أحبتهم بين الركام. ربما لا يتساوى معهم في هذا الوضع البطولي غير الكادر الطبي من (مجاهدين ومرابطين بكل ما تعنيه الكلمة) لكن للصحفيين حضورا يوميا يتكرر. حضورا بوجوههم وأسمائهم يجعلهم القاسم المشترك بين كل الأوجاع، ويضمن لهم مكانا في صباحات ومساءات متابعيهم.
كل هذا أوجد شعبية هائلة لهؤلاء الصحفيين وغيرهم ممن يعملون مراسلين للقنوات الفضائية ولا يمارسون عملهم بالبث على مواقع التواصل الاجتماعي لكن قصصهم هم أيضا أصبحت جزءا من المادة الخبرية التي يتلقاها جمهور هذه المواقع.
وفق نقابة الصحفيين الفلسطينية يعد شهر أكتوبر هو الأسوأ في تاريخ الصحافة العالمية.
صحفيو غزة مستهدفون في هجوم شرس تستقصدهم به آلة الاحتلال هم وعائلاتهم. وتستهدف كذلك المؤسسات الإعلامية ومنشآتها وموظفيها. هذا الهجوم الموجه لا يسعى فقط إلى التعتيم على الحقائق وطمس ما يجري قدر الإمكان. هو فعل انتقامي شرس ربما لأن من بين من تعرضوا للهجوم في العملية التي قامت بها حماس في السابع من أكتوبر هم صحفيون (بعضهم مجندون إسرائيليون) وهو بالتأكيد حالة انتقام لأن الصحافة كانت إحدى وسائل إبقاء القضية حية وحاضرة ومشاركة في النضال بنقل الأخبار وبالتوثيق فهي في ذهنية المحتل جزء من مكونات المقاومة وحالاتها ولا بد من كسرها. يتهم الاحتلال صحفيي غزة أنهم مشاركون في هجوم السابع من أكتوبر، وأنهم جزء من منظمة حماس وبالتالي يجري عليهم ما يجب أن يقع على مقاتلي حماس (هو في الحقيقة يوجه هذه التهمة إن صحت هذه التسمية لكل أهل غزة) لكن الصحفيين على وجه الخصوص هم في خطوط النار الأولى. لذا منذ اليوم الأول للحرب والأرقام في ارتفاع متزايد لعدد الصحفيين الذين استشهدوا أو استشهدت عائلاتهم.
لكن اغتيال الصحفيين جاء بنتائج عكسية. هو خلّد أعمالهم وأعاد تكرار وبث قصصهم والأمر اللافت أنهم التحموا وتماهوا بالكامل مع موضوعهم الصحفي. هم بشكل ما غزة.