يتناول الكاتب الفلسطيني فراس حج محمد في كتابه «في أروقة اللغة العربية» الصادر عن دار بدوي للطباعة وللنشر في ألمانيا، جوانب متعددة من حضور اللغة العربية في المجالَين الثقافي الاجتماعي والتعليمي التربوي. ويهدي حج محمد كتابه للمعلمين الذين مرّوا في حياته، سواء أكانوا معلمي مدرسة أم جامعة أم مقربين أم كتّابًا أم أصدقاء، ولم ينسَ في الإهداء أصغر بناته «سَنَا» بصفتها معلمة من هؤلاء المعلمين. ويتضمن الكتاب خمسة فصول، يكشف فيها المؤلف عن نواحٍ تطوّرية في اللغة العربيّة بفعل عوامل كثيرة، وتجاوب هذه اللغة مع المستجدات الثقافية والحياتية والظروف الطارئة.ويهدف حج محمد في هذا الكتاب -كما جاء في المقدمة- إلى أن يقدّم صورة للغة العربية، بوصفها «لغة علوم متنوعة وحضارة إنسانية عريقة وإبداعا أدبيا وفنيا ساحرا، الأمر الذي يوجب تعليمها بعيدًا عن الأفكار المسبقة»، ويأتي إصداره «احتفالًا باللغة العربية التي أصبحت لغة معترفًا بها في الأمم المتحدة، وليكون الاحتفال بيومها العالمي في الثامن عشر من ديسمبر، احتفالًا باللغة وأهلها وتاريخهم وحضارتهم، وما أنتجته هذه الحضارة من فكر وأدب وعلوم على امتداد هذا التاريخ الطويل».

ويناقش الكتاب في أول فصوله «من مَعين المعجم الثقافي العربي» حياةَ مجموعة من مفردات اللغة العربية، وتطور دلالاتها قديمًا وحديثًا، أو اختلافها بين اللغة العامية واللغة الفصيحة، وهذه الألفاظ هي: الزعل والحرد، والظُّبا والظِباء، والنهر والنهار، ولفظ الدنيا في القرآن الكريم، والساعة ودلالاتها، ولفظ الكتاب، والعين والعيون، والفروق اللغوية بين البداوة والحضارة، واللسان واللغة، والأهمية والفائدة.

وجاء الفصل الثاني تحت عنوان «اللغة العربية والنشاط الثقافي»، فتوقف المؤلف أولًا عند قصيدة حافظ إبراهيم المشهورة التي قالها على لسان «العربية» تنعى حظها بين أهلها، محللًا القصيدة ومضامينها. كما عني في هذا الفصل بمناقشة «هموم في الحضور والمواجهة اللغوية»، مبينًا أهمية الوعي اللغوي واستخدام المفردات بشكل صحيح؛ لأن اللغة ذات مدلول سياسي وليست مجرد مصطلحات محايدة، فكتب حول «اللغة المربكة القائمة بالمصطلحات» فيما يتصل بلغة الخطاب الثقافي والسياسي في التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

وفي الجانب الثقافي اللغوي، أضاء المؤلف في الفصل نفسه على أهمية وجود مجلات باللغة العربية في إيران من خلال مجلتين هما: «حبر أبيض» و«مداد الثقافية». أما الترجمة فكانت له معها وقفتان؛ الأولى بعنوان «شيء عن الترجمة»، والثانية بعنوان «المترجم ليس مجرّد وسيط لغوي».

ومن الموضوعات الأخرى ذات البعد الثقافي في التعامل مع اللغة، نقرأ: «لماذا يكتب الكتّاب تنوين النصب على الحرف لا على ألف تنوين النصب؟»، و«حضور علم الأصوات في النشاط الثقافي العربي»، و«خلود اللغة العربية ومنطقيتها»، و«علامات الترقيم وفوضى الاستخدام»، و«معضلة الأخطاء النحوية واللغوية» عند الكتّاب.

وتناول حج محمد أيضًا بعض الظواهر المعاصرة وتأثيرها في اللغة، فانتبه إلى أثر جائحة كورونا في اللغة العربية، من خلال موضوعات على غرار «كورونا وإعادة بناء العالم وتفكيره»، و«سينوغرافيا للمشهد اللغوي». كما حلل واقع اللغة العربية عند مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي.

وتمحور الفصل الثالث حول «اللغة العربية والتعليم»، فورد تحت هذا العنوان عناوين فرعية منها: أنا والنحو العربي، والهمزة والضجيج العذب والشغب، والأنشطة اللغوية في التعليم، والخلافات النحوية ظاهرة صحية، ومسائل في المناقشات النحوية، ومقترح لتدريس التعبير المدرسي، وشيء عن التعليم الجامعي، ومعارض اللغة العربية في المدارس.

أما الفصل الرابع فخصّصه المؤلف لمناقشة قضايا مقررات اللغة العربية الفلسطينية، بدءًا من «آليات التفكير في المقررات الفلسطينية» من خلال مجموعة من كتب اللغة العربية التي تدرَّس في المدارس الفلسطينية، ثم «دور الأدب في تنمية الذكاء العاطفي في المدارس».

كما ناقش مفهوم «الشعر المحمدي» والفرق بين المديح النبوي وقصائد رثاء العظماء عند الموت أو بعده. وإلى جانب ذلك، قدّم نظرات تربوية حول قصيدة «أنا وليلى» التي تدرَّس في كتاب اللغة العربية للصف الثاني عشر، كما استعرض حضور الشاعر راشد حسين في المقرّرات الفلسطينيّة مسجلًا ملحوظاته النقدية على هذا الحضور.

ويضم الكتاب في فصله الخامس بحثًا موسعًا حول كتاب «الكامل في اللغة والأدب» لأبي العباس المبرد أحد النحاة البصريين، فبحث في المنهج التأليفي والفكر النحوي للمبرد، من خلال مقدمة وثلاثة مباحث، تناول في الأول حياته ومؤلفاته، وفي الثاني مكانة المبرد النحوية، وفي الثالث نظرة تحليلية لكتاب «الكامل» وما فيه من قضايا نحوية.

ولم يغفل المؤلف البعد التفاعلي لعيش اللغة العربية المعاصر، ولا التفاعل مع هذه الأفكار، فضمّن الكتابَ وجهات نظر القرّاء أو الكتاب الآخرين ردًا على ما طرحه من أفكار، معتبرًا أن هذا النهج من «التأليف التفاعلي» سمةٌ من سمات التأليف التي يجب ألّا تخلو منها المؤلفات المعاصرة.

وينطلق الكتاب في كثير من مباحثه من خبرة شخصية ذاتية لكاتبه الذي عمل معلمًا للغة العربية، ومشرفًا تربويا لهذا المبحث في مدارس وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، فما جاء فيه من أفكار يمثل طبيعة «التفكير اللغوي» لديه، لكنه لم ينأَ ببعض مباحث الكتاب عن الناحية التوثيقية والرجوع إلى قائمة من المراجع والمصادر المتنوعة.