كانت الدقم في مطلع تسعينيات القرن الماضي حلما من أحلام التنمية في عُمان، حلما موغلا في الخيال بالنظر إليها من الناحية الجغرافية، حيث كانت مجرد صحراء قاحلة معانقة لبحر العرب، ومن وراء بحر العرب المحيط الهندي، أو هي من زاوية أخرى من زوايا النظر ميناء صيد تقليدي صغير جدا يخدم السكان المحليين.. ورغم أن تلك الأحلام كانت موغلة في الخيال إلا أنها كانت متمسكة بالطموح والأمل.

لكن الدقم اليوم حلم من أحلام المستثمرين على مستوى العالم، يتسابق عليها كبار المستثمرين العالميين، بل إن الكثير من صناعات المستقبل باتت تيمم وجهتها باتجاه الدقم مثل صناعات الطاقة المتجددة وبشكل خاص الهيدروجين الأخضر الذي توشك الدقم أن تكون وجهته الاستثمارية الأولى في العالم، إضافة إلى الاستثمار في البتروكيماويات الجديدة التي تسعى للتوافق مع متطلبات الحياد الصفري، وصناعات الذكاء الاصطناعي والفضاء. إنها الدقم التي حولت موقعها الاستراتيجي إلى قبلة الاستثمار في العالم عبر شراكات راسخة مع كبريات الشركات العالمية التي قرأت واقع الاستثمار في سلطنة عُمان فوجدته مشرقا؛ لأنه مدعوم بالإرادة السياسية والاستقرار وطموحات العمانيين التي لا حدود لها.

وكشف منتدى الدقم الاقتصادي الأول الذي بدأت أعماله أمس عن حجم الاستثمار في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدعم وآفاقه المستقبلية في مختلف مجالات الاستثمار بتمثيل عالٍ من القيادة السياسية في سلطنة عمان التي تدعم وتشجع بشكل كبير جدا حركة الاستثمار في الدقم، وبتمثيل عالمي من كبريات الشركات عبر حضور الرؤساء التنفيذيين الذين وقع بعضهم مذكرات تفاهم للبدء في الاستثمار في الدقم في مشروعات تختص بقطاع الصناعات الخضراء والطاقة المتجددة وصناعة الأمونيا الخضراء والحديد الأخضر.

وبلغ حجم الاستثمار في الخارجي في الدقم حتى نهاية العام الماضي ١٩.٥ مليار ريال عماني بزيادة قدرها ١٠٪ عن عام ٢٠٢١، ما يعني أن حركة الاستثمار تسير صعودا بشكل مطرد وبمشروعات نوعية جدا لها عائد حقيقي على الدخل الوطني.

رحلة الدقم نحو أن تصبح الوجهة الاستثمارية الأولى في منطقة الشرق الأوسط تسير بشكل صحيح نحو الهدف خاصة في ظل توفير الحكومة للبيئة الاستثمارية الجاذبة للمستثمر المحلي والأجنبي. وإذا كانت الدقم متجهة لتكون الأولى في العالم في مجال استثمارات الطاقة المتجددة فإنها تعمل كذلك على تنويع مجالات الاستثمار من باب الثراء والتعدد الاستثماري لمواجهة تحديات المستقبل.

ولكن لا بد من الإشارة إلى أن المسافة الزمنية بين مرحلتين كانت الدقم في الأولى حلما من أحلام التنمية في عُمان وفي الثانية صارت الدقم حلم المستثمرين في العالم قد شهدت الكثير من الجهد والعناء والصبر والمثابرة.. لتصبح الدقم طريق عمان الاقتصادي نحو المستقبل، وربما طريق الشرق الأوسط أيضا.