ينظر في عموم العالم إلى الحكومات على أنها كيانات كبرى أقرب إلى الآلات يشعر معها الفرد، المواطن، بالإرهاق أو التجاهل.. لكن هذه النظرة لا تنطبق في الحقيقة على كل الحكومات في العالم؛ فهناك حكومات حطّمت هذه الصورة النمطية وأظهرت في كل المواقف الجوانب الإنسانية والاهتمام بالناس مهما كانت قوة صوتهم.. فهم في البدء والختام مواطنون تحميهم القوانين، ولكن تنظر إليهم الحكومة أيضا بالنظرة الإنسانية التي تشعرهم بالحماية الدائمة. هذا ما نستطيع فهمه من توجيهات مجلس الوزراء لهيئة تنظيم الخدمات العامة استجابة للمخاوف المتزايدة بشأن فواتير الكهرباء.

لم يكن ارتفاع قيمة فواتير الكهرباء خلال أشهر الصيف مجرّد مصدر قلق مالي، لكن الأمر في جوهره يمس الحياة اليومية للمواطنين، ما يزيد من الضغوطات المالية عند الكثير من الأسر.

إن الاستجابة السريعة التي جاءت من الحكومة لعمل «مراجعة شاملة لتكاليف قطاع الكهرباء بما لا يؤثر في جودة تقديم الخدمة، وإيجاد البدائل والحلول المستدامة لمعالجة هذا الأمر خلال أشهر الصيف في الأعوام القادمة» يدل دلالة قاطعة على اهتمام الحكومة الكبير بتوفير أفضل سبل العيش للمواطن والعمل الجاد على تذليل التحديات التي تواجهه.. كما أن الأمر يأتي في سياق توفير الحماية الاجتماعية للمواطن وتقديم الدعم له متى ما كان ذلك ممكنا ومتاحا.

ولم يقتصر توجيه مجلس الوزراء على معالجة التحديات قصيرة المدى فقط، بل كان التوجيه بإيجاد «بدائل وحلول مستدامة». ويضمن هذا النهج التطلعي عدم معالجة قضايا اليوم فحسب، بل معالجة المخاوف المستقبلية المحتملة استباقيًا.. وإلى حين الانتهاء من وضع تلك الحلول المستدامة فقد تقرر رفع نسبة التخفيض المقررة سابقًا على فواتير الكهرباء -للفئة السكنية- من 15% لتكون 30% من إجمالي قيمة الفاتورة لجميع المشتركين أصحاب الحسابات الأساسية وحسابات الدعم الوطني لشهري يوليو وأغسطس 2023م.

ولكن بعيدًا عن هذا القرار، فإن ما يبرز حقا هو الرسالة الأساسية: الحكومة تستمع. إنها لا تعمل في عزلة ولكنها تحافظ على حلقة ردود الفعل مع المجتمع، والسرد لا يدور حول التسلسل الهرمي للسلطة، فهو الأمر يتعلق بالنمو التكافلي والاحترام المتبادل. ويعرض هذا التفاعل نموذجا يتمحور حول الإنسان، ويعطي الأولوية لتوفير سبل العيش الكريم للمواطن.

إن التحديات جزء لا يتجزأ من التطور المجتمعي، ومع ذلك، فإن مقياس نظام الحكم القوي والرحيم لا يكمن فقط في قدرته على توقع هذه التحديات والتخفيف من حدتها، ولكن أيضا في قدرته على الاستجابة بسرعة وإنسانية عندما تنشأ بشكل غير متوقع.

ولا بد أن نشعر بالكثير من الثقة في حكومتنا التي تثبت دائما أنها تعمل من أجل توفير كل سبل العيش الكريم للمواطن.. وأنها تسمع صوته وتفهم المنطق الذي يستند إليه.