بين سؤال الهَوية والهُوية، وتساؤل «ما الإنسان؟» بالمعنى الكنطي، و«ما هو الإنسان؟ بالبعد الهيجلي تقع «النحن» الهَووية بأبعادها الانتربولوجية الثقافية لا كظاهرة تاريخية نفسية سيميولوجية، بل بكونها قضية فلسفية بامتياز. بين كينونته الأصلية في العالم، وكينونته مع العالم الهيدغري Heidegger تجد الإنسان القابع بين الاستلاب والغربة، حيث الأنا الريكورية Ricoeur عينها كآخر، مؤجل، مستودع زمنياً، شكلي المعيش وفق إمكانات وجودي كفرد، والآخر كصورة أنطولوجية أخرى لي ارتسمت في أفق عالم الخلق كي أتبصر إمكاناتي الأخرى التي لا يسعني إلا أن أكونها وفق هذا الشكل الانشطاري: انشطار وجودي بين أناي وبين آخريتي يقبع الإنسان المعاصر بين استلاب واغتراب في معاناة تحمل قيد إمكان وجوده من عدمه كمواطن على خارطة هذا العالم.
بداية، لا بد من التمييز ما بين مصطلحي مواطنَة ومواطنية، بهدف تقصّي معانيها وأبعادها، حيث إن لفظة مواطنَة تنبني على الوطن متمركزة بالأبعاد الاجتماعية الجغرافية، في حين أن لفظة مواطنية تحمل في طياتها المعنى التصوري المشتق من تصورها العيني للمواطن الذي استوطن الأرض وأعلن انتماءه إليها، وبذلك فهي تشتمل على الأبعاد الجغرافية الاجتماعية وتتخذ شكل الاجتماع السياسي.
لعل الاهتمام بالمواطنة اليوم يتمثل في كونها تشكل عاملاً جوهرياً فاعلاً للحفاظ على هويات الدول وخصوصياتها، في ظل أخطار وصراعات تتهدد كياناتها، وهي على أنواع:
أ_اجتماعية: تتمظهر بالتفاعل الاجتماعي بين الأفراد في المجتمع.
ب_ سياسية: وتتمثل بالتفاعل بين الأفراد والمؤسسات المختلفة للدولة، وهي تشتمل على مؤسسات متنوعة ومتعددة ومنها:
1_ المواطنة المسؤولة: ومن خلالها يدرك المواطن كيفية ممارستها والالتزام بقوانين مجتمعه وتقاليده مع ما يستدعي ذلك ويتطلب من مسؤوليات وتصرفات.
2_ المواطنة التشاركية: عبرها يصبح المواطن قادرا على القيام بالأدوار القيادية من خلال مشاركته في المشاريع الخدماتية للمجتمع.
3_ المواطنة الموجهة: يتمكن من خلالها المواطن من اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة إشكاليات مجتمعه وتقديم الحلول الجذرية للمشاكل المجتمعية.
4_ المواطنة الفاعلة: وتشتمل على العلاقات التفاعلية في ما بين المواطن والدولة، متخطية دور الفرد باتجاه الجماعة، والمشاركة السياسية سواء في الحياة العامة أو الأعمال التطوعية، وكأن معظم الطروحات التي تبلورت في الوعي الحديث تتمحور حول التأكيد على أن الشعور بالمواطنة يستلزم ضرورة الوعي بالانتماء إلى الكيان والمجتمع السياسي، ولعل هذه الطروحات جميعها هي ما دفعت بالفيلسوف الألماني يورغن هابرماس Habermas إلى المناداة بالمواطنة الدستورية المجاوزة للقومية وصولاً للمواطنة العالمية، ويبقى السؤال: هل الإنسان المسكون بالضدية في المجتمعات العربية هو من الرعايا أم من المواطنين؟ كيف تمارس الشعوب العربية مواطنيتها في ظل عولمة وحروب تفكيكية تدميرية؟ وهل من معنى واقعي عملاني ممارس للمواطنية اليوم؟
يذهب البعض من المفكرين إلى أن بعض روّاد النهضة العربية اقتبسوا مفهوم المواطنة دون استخدام المصطلح نفسه، من أمثال: الطهطاوي، والتونسي، وأديب اسحق، وقاسم أمين، وسليم البستاني والكواكبي، وغيرهم من المفكرين، محاولين الاستفادة من ظروف القرن التاسع عشر المتجسدة بسياسة التنظيمات الإصلاحية المتبناة من قبل الحكومة العثمانية والمعتمدة من قبل حكام مصر وتونس، هذا مع العلم بأن أحمد لطفي السيد وطه حسين لم يأتيا على ذكر مصطلح المواطنة في كتاباتهما، على الرغم من استخدامهما لمصطلحات الأمة المصرية، والتضامن، والفرد والمجموع، والشخصية المصرية، والفصل بين السلطات: القضائية والتنفيذية والتشريعية.
غير أن روّاد النهضة العربية لم يغب عن أذهانهم استيعاب مضامين المواطنة الحديثة أثناء احتكاكهم بالغرب وقنواته المتنوعة، محاولين اقتباس دولة القانون بمؤسساتها وقواعدها، وبخاصة المواطنة بعد تبيئتها في الواقع العربي الإسلامي بنقل أسماء المؤسسات الغربية إلى العربية، وزعمهم بأن لهذه المؤسسات مماثلات ومشابهات في التجارب التاريخية العربية الإسلامية، كما سعى البعض منهم لتأمين شروط المساواة بين أبناء الوطن أمام القانون، والعمل على ضمان المساواة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة، وفي يقينهم أن الرشدية اللاتينية هي التي مهدت الطريق للحداثة الأوروبية، وبالتالي تبني العرب المسلمين لما أنتجته لن يفضي بهم إلى التخلي عن هويتهم أو يدفع بهم إلى التغرب.
من الملاحظ قصور مفهوم المواطنَة في العالم العربي بما يمثل من محور ارتكاز للمجتمع السياسي المنظّم في انسجامه وتماسكه، ولعل المواطنة الدستورية التي طرحها هابرماس مشددا على المواطنة القومية بمعنى الانفكاك في هذا التعالق العضوي في ما بين المواطنة والقومية، مسلطاً الضوء على أن الارتباط بين المواطنة والهوية ليس ضرورياً ولا عضوياً، بل هو نتاج هذا المسار التاريخي العرضي الذي عاشته أوروبا الحديثة، وبالتالي من الممكن الفصل في ما بين المفهومين، والسعي لنمط من المواطنة خارج إطار الدولة القومية بمفهومها التاريخي السائد.
من الواضح بأن النزعة الوطنية الأوروبية عملت على تعزيز الهوية المشتركة من خلال التركيز على المشاركة الشعبية التي تشكل الأساس للمواطنة الديمقراطية، على اعتبار أن المشاركة التبادلية تعزز المشاركة الديمقراطية والتضامن الوطني، والحقيقة السياسية القانونية للمواطنة قد تتعارض وتتناقض نظريا مع الخصوصية الوطنية، ففي حين أن الأولى عمادها المبادئ الكونية القائمة على التعددية والاختلاف والقانون لا على الانسجام والتماثل، فإن الثانية من طبيعتها الإقصاء والتقوقع والانغلاق، وبذلك يميز هابرماس بين نوعين من الهويات: السياسية: وجوهرها المدنية الحقوقية الكونية، وهي هدف الديمقراطية الليبرالية، والثقافية: المبنية على القيم، واللغة، والدين، وهي هدف النظم الجمهورية بتصوراتها التشاركية الشعبية انطلاقاً من مفهوم الأمة الواحدة، من هنا ينبغي على الدولة الديمقراطية احترام الحقوق الثقافية للفئات والمذاهب والطوائف المنتمية للدولة بغية تسهيل الخطوات وصولاً لمواطنة دستورية كونية.
إنها اللحظة الراهنة في المرحلة المعاصرة المساوقة للطفرات والتحولات التاريخية والسياسية والثقافية التي تطال الواقع المعاصر، وتسعى جاهدة لتغيير فعل المواطنة: كنهاية الحرب الباردة، وحقوق الإنسان وغيرها من المسائل التي ألمحت إليها حنة أرندت Arendt مسلطة الضوء على استعادة الفعل أو النشاط السياسي حيّزه أو مكانته في الفضاء العام، القادر على التكفل بحرية الرأي والعدالة الاجتماعية التي يكفلها النظام الدستوري، كذلك هو الحال عند جون رولزRawls المنادي بالعدالة كإنصاف في تصوراتها السياسية للمواطنة والديمقراطية، ولم يغب عن بال نيغل دوير Dower أن الأمن والعدالة والديمقراطية هي قيم إنسانية لإيجاد المواطن العالمي، على أن صعوبات عدة قد تقف حائلاً أمام المواطنة منها: الفقر، والإرهاب، والعجز، وتدمير البيئة الطبيعية، وانتهاك حقوق الإنسان، وغيرها من الأمور الأخرى، وفي يقينه أن النخبة العالمية هي التي تصنع المواطنين العالميين لا المهمشين اجتماعيا، وإبريل كارتر Carter تنحو منحى المواطنة العالمية على اعتبار أن الاتحاد الأوروبي والمواطنة الأوروبية يشكلان الخطوة الرائدة في حال حاول الاتحاد تطبيق قواعده واتفاقياته بما يدعم الأساس العالمي، وهي إذ تسعى جاهدة للحد من الفقر، والاهتمام بالبيئة الطبيعية، هذا هو حال المواطنة العالمية التي تتطلب التفكير والعمل على نحو كوكبي، والمساهمة الفاعلة والمشاركة البناءة في المجتمع العالمي المقاد بالضرورة من الإنسان العالمي الحامل لثقافة وهوية لا لهويات معولمة استهلاكية في عالم افتراضي، حيث الشاشة لا الكلمة، والإعلام السطحي لا المثقف، ولغة الآخر لا اللغة العربية الأم ونتساءل: أين هو المواطن العربي من المواطنة العالمية؟.
المواطن العالمي بحسب ما يرد ببعض المعاجم اللغوية هو الإنسان القادر على الانتقال من المجال الوطني البحت إلى الميدان العالمي، وبالتالي هو القادر على المشاركة بفعالية في الحياة السياسية، بمهاراته المدنية، وتعاطفه الثقافي، وهو العامل على التوفيق بين الصراعات، محترماً التنوع باللجوء إلى الوسائل السلمية التي يوظفها ويستخدمها في مناقشاته ومفاوضاته ومداولاته. لعل إحدى المحاولات الجادّة لتسليط الضوء على المواطنة في العالم العربي ما كتبه المفكر اللبناني ناصيف نصار في كتابه المعنون «في التربية والسياسة... متى يصير الفرد في الدول العربية، مواطناً» مؤكداً فيه على أهمية التربية على المواطنية، على أن تكون الجامعة البوابة الحقيقية لترسيخ قيم المواطنة، متفقاً في ذلك مع العالم الأمريكي مورس Morse الذي يرى في الجامعة الأمريكية القدرة على تنمية المهارات المدنية، ووضع الآليات، واتخاذ القرارات، وبالتالي المناخ الذي تتمتع به الجامعة يخوّلها القيام بأدوار فاعلة في تحقيق السلم، وإبعاد شبح الحروب والعنف والإرهاب، لما تتمتع به من جودة التعليم بأنشطتها الطلابية الفاعلة سياسياً، وثقافياً، وعلمياً، واجتماعياً وفنياً، والتكوين على المواطنية في الجامعات مسؤولية محورية وجوهرية للنهوض برسالتها التي ينبغي أن تتخطى وتتجاوز مبادئ الديمقراطية، والالتزام بالمواطنية الممارسة قولاً لا فعلاً، وبالعبور إلى الآليات التي تعبّر عن الهوية والولاء للمجتمع وللإيفاء بمستويات الفرد تجاه المجتمع الذي ينتمي إليه.
وبما أن التربية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعلوم السياسية والاجتماعية والأخلاقية، فإنه من غير الممكن الوصول إلى فلسفة شاملة للتربية في العالم العربي إن لم تركن إلى التربية والتكوين على المواطنية، بالاستناد إلى المرتكزات الدستورية الإيديولوجية، وبما يحقق التوازن بالحقوق والواجبات للمواطنين.
تكمن أهمية التجربة النصّارية في التربية المواطنية كونها تسلط الضوء على الجامعة والتعليم العام كمؤسسة للعقل، ومؤسسة للسياسة، والإصلاح لا يأتي من السياسة بل من فلسفة الجامعة التي تمنحه الصيغة القانونية القابلة للتطبيق والتطوير، صحيحٌ أن التربية الوطنية تنمّي الشعور الوطني بحب الوطن والاعتزاز به، والولاء له، لكنّ التربية المواطنية هي الأجدى والأنفع، بموضوعها الجوهري في تشكيل المواطن، والسعي لتنميته بالاستناد إلى فلسفة تنظر في ماهية المواطن وواقع تجربة الحياة الجماعية الوطنية واجتماعها السياسي، فالتربية المواطنية ينبغي أن تقع في قلب نظام التربية الوطنية العام، تعمل على تنشئة الفرد كعضو في دولة له حقوق وعليه واجبات، ولكن ما هي التحديات التي تواجه الجامعات العربية في التربية المواطنية والتكوين على المواطنة؟.
يبدو لي بأن الانحراف الفكري يقع في هذه التحديات، بخاصة وأن الخروج عن جادّة الصواب، ومخالفة المنطق والتفكير السليمين يشكلان تهديداً حقيقياً للمواطنة، واستهدافاً لقيم وروح المجتمع في الصميم، كما أن الانحراف الفكري قد يلعب دوراً تقويضياً تهديمياً للأمن الوطني، وللنظام العام، فيعمل على خلخلة الثوابت العقدية، وزعزعة القناعات الفكرية، وتحلل المقومات الأخلاقية سيّما وأنها السبيل أو الطريق الأوسع لنشر البدع والتشكيك بثوابت الأمة، لهذا عندما يطرح المفكر التونسي فتحي المسكيني إشكالية «النحن، مجيباً:» إن سؤال من نحن؟ ما يزال عندنا عرقياً جداً ودينياً جداً،( المسكيني، 1997، ص126)، وبهذا المعنى طالما العروبة لم تغادر المعنى العرقي، والإسلام لم يغادر المعنى الديني، فالنحن العربية مضطرة مسبقاً لأن تبقى خارج الفلسفة، سيّما وأنها تشتق ذاتها من اللافلسفة، وهنا مكمن الفرق بين المثقف المنغمس في المحلية، والفيلسوف المنفتح على الكونية والعالمية.
وللإرهاب المرتبط أصلاً بالانحراف الفكري، حيث إن هذا الأخير عندما يتحول إلى موقف سلوكي يُترجم بأعمال عنفية مشكّلاً بذلك الإرهاب الذي يهدف إلى ترويع المواطنين الآمنين، بالاعتداء على حياتهم وحرياتهم وأعراضهم وكراماتهم الإنسانية، وتدمير مصالحهم، وقد عرفت الساحة العربية الإرهاب والعنف والتطرف بشتى أنواعه وأشكاله، مما ولّد لدى بعض المجتمعات العربية ضعف الشعور بالانتماء، والإحساس بالاغتراب، والسعي إلى الهجرة، وعدم المشاركة في الحياة السياسية، وضعف الوعي بالقضايا السياسية المعاصرة وبخاصة تلك المرتبطة بالقطيعة مع تاريخ الأمة وراهنيتها ومستقبلها، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى غياب الوعي بالمواطنة وقيمها، لذا لا بد من التكوين على المواطنية الفاعلة والمنتجة كآلية من الآليات لمواجهة تحديات العصر، وبالتالي الركون إليها لصناعة عقول وتشكيل سواعد لمواطنين قادرين على بناء أوطان متماسكة قد تؤسس لأمة قادرة وحاضرة على المسرح العالمي بالاستناد إلى القيم المرتبطة بفلسفة المواطنة من جهة، وبالقيم المبنية باتجاهاتها الإيجابية على الممارسات والسلوكيات المعاشة اليومية إن في المؤسسات أو المدارس والجامعات، ولعل المواطنية الجامعية تستدعي التنمية لتحقيق تعلّم يتعلق بالقيم والاتجاهات، سيّما وأن البيئة الوطنية والعالمية الحبلى بالتطور المتسارع بأزماته الاقتصادية، والمشاكل الاجتماعية في الإدارة السياسية والثورات التكنولوجية تتطلب من الجامعة تكوينا على المواطنية بكونها ليست المكان الوحيد لإنتاج السلوك المعرفي والمعارف النظرية فحسب، بل بكونها المحرك الجوهري للخلق والإبداع.
وفلسفة المواطنة هي صمام أمان الإرادة الفردية للحرية، وبمضمونها البرغماتي هي إتقان صنع القرار الذي يتطلب أن تتربى عليه الأجيال العربية الراهنة والمستقبلية، إن في البيوت أو المدارس والجامعات، حيث إن من أهداف التربية في المجتمعات الديمقراطية الحرّة العمل على خلق مواطنين مستقلين، يتصفون بالتحليل، والحوار، والنقد، والانتقاد والمساءلة، وبالإدراك العميق لمبادئ وسلوكيات الديمقراطية، بخاصة وأنه في ظل غياب الوجود القانوني للفرد، يحضر الزعيم أو القائد بقوة، فتجد الإنسان العربي مدفوعا لأن يبحث عن وجود له، فلا يجده إلا باستسلامه لزعيم من طائفته، أو قائد من جماعته، وبذلك تتخذ شكل العلاقة بالزعيم أو القائد شكل الاستزلام والتبعية، وأحيانا العبودية، التي قد تتسم بسمة دينية أو زمنية، رأسية هرمية تراتبية، هو يسال ولا يُسأل، يحاسب ولا يُحاسب، ومنطق الاستزلام والتبعية في مجتمعاتنا العربية شبيه إلى حد ما بالعبودية السارترية Sartre إذ إن العبودية تكمن في كون الأنا خاضعة لأحكام الآخرين، لدرجة أنه حتى في الحب هناك صراع وخطر من حرية المحب الذي يجعل من المحبوب عبداً يمارس عليه تعاليه، كذلك هو الحال مع نيتشه Nietzche وهيغل Hegel في جدلية السيد والعبد، من هنا، المواطنة مفهوم مركزي في الخطاب السياسي، بدأت مع اليونان بالمدينة_الدولة، وتمركزت حول طبيعة العلاقات أهي قانونية صالحة لنسيج العيش المشترك؟ أم على القانون أن يقترن بالأخلاق بهدف إنجاز المهمة؟ والأهم من ذلك، هل المواطنة في اليونانية حققت مبتغاها؟ أم أنها كانت إقصائية استبعدت المقيمين الأجانب والعبيد والنساء من الحقوق السياسية والاجتماعية؟، كما أنه لا يمكن إنكار تأثير لوك Locke وروسوRousseau والثورات الفرنسية والأمريكية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لذا، لا بد في عالمنا العربي من استدعاء المواطنة والديمقراطية بمعناهما الحقيقي بعيداً عن استهلاكية الخطاب المعلن، وصولاً لبناء مجتمعات ينعم فيها المواطن العربي بالديمقراطية العادلة والمواطنية الشاملة، وهنا نجد بأنه لا مواطنة ومواطنية دون ديمقراطية، فهل فعلياً تشهد مجتمعاتنا العربية هذه العلاقة المتلازمة في ما بين الديمقراطية والمواطنية مع مبدأ تكافؤ الفرص وبشكل مباشر مع قانون المحاسبة للمسؤولين، ومع التمثيل الشعبي الحقيقي؟ سيّما الحقوق الاجتماعية حيث إن مجمل الحركات العاملة للمواطنة العالمية تعمل على الحد من الفجوات بين الدول النامية، وبخاصة المناطق الفقيرة بهدف تحويل الجميع إلى مواطنين عالميين.
ماغي عبيد كاتبة وباحثة لبنانية
بداية، لا بد من التمييز ما بين مصطلحي مواطنَة ومواطنية، بهدف تقصّي معانيها وأبعادها، حيث إن لفظة مواطنَة تنبني على الوطن متمركزة بالأبعاد الاجتماعية الجغرافية، في حين أن لفظة مواطنية تحمل في طياتها المعنى التصوري المشتق من تصورها العيني للمواطن الذي استوطن الأرض وأعلن انتماءه إليها، وبذلك فهي تشتمل على الأبعاد الجغرافية الاجتماعية وتتخذ شكل الاجتماع السياسي.
لعل الاهتمام بالمواطنة اليوم يتمثل في كونها تشكل عاملاً جوهرياً فاعلاً للحفاظ على هويات الدول وخصوصياتها، في ظل أخطار وصراعات تتهدد كياناتها، وهي على أنواع:
أ_اجتماعية: تتمظهر بالتفاعل الاجتماعي بين الأفراد في المجتمع.
ب_ سياسية: وتتمثل بالتفاعل بين الأفراد والمؤسسات المختلفة للدولة، وهي تشتمل على مؤسسات متنوعة ومتعددة ومنها:
1_ المواطنة المسؤولة: ومن خلالها يدرك المواطن كيفية ممارستها والالتزام بقوانين مجتمعه وتقاليده مع ما يستدعي ذلك ويتطلب من مسؤوليات وتصرفات.
2_ المواطنة التشاركية: عبرها يصبح المواطن قادرا على القيام بالأدوار القيادية من خلال مشاركته في المشاريع الخدماتية للمجتمع.
3_ المواطنة الموجهة: يتمكن من خلالها المواطن من اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة إشكاليات مجتمعه وتقديم الحلول الجذرية للمشاكل المجتمعية.
4_ المواطنة الفاعلة: وتشتمل على العلاقات التفاعلية في ما بين المواطن والدولة، متخطية دور الفرد باتجاه الجماعة، والمشاركة السياسية سواء في الحياة العامة أو الأعمال التطوعية، وكأن معظم الطروحات التي تبلورت في الوعي الحديث تتمحور حول التأكيد على أن الشعور بالمواطنة يستلزم ضرورة الوعي بالانتماء إلى الكيان والمجتمع السياسي، ولعل هذه الطروحات جميعها هي ما دفعت بالفيلسوف الألماني يورغن هابرماس Habermas إلى المناداة بالمواطنة الدستورية المجاوزة للقومية وصولاً للمواطنة العالمية، ويبقى السؤال: هل الإنسان المسكون بالضدية في المجتمعات العربية هو من الرعايا أم من المواطنين؟ كيف تمارس الشعوب العربية مواطنيتها في ظل عولمة وحروب تفكيكية تدميرية؟ وهل من معنى واقعي عملاني ممارس للمواطنية اليوم؟
يذهب البعض من المفكرين إلى أن بعض روّاد النهضة العربية اقتبسوا مفهوم المواطنة دون استخدام المصطلح نفسه، من أمثال: الطهطاوي، والتونسي، وأديب اسحق، وقاسم أمين، وسليم البستاني والكواكبي، وغيرهم من المفكرين، محاولين الاستفادة من ظروف القرن التاسع عشر المتجسدة بسياسة التنظيمات الإصلاحية المتبناة من قبل الحكومة العثمانية والمعتمدة من قبل حكام مصر وتونس، هذا مع العلم بأن أحمد لطفي السيد وطه حسين لم يأتيا على ذكر مصطلح المواطنة في كتاباتهما، على الرغم من استخدامهما لمصطلحات الأمة المصرية، والتضامن، والفرد والمجموع، والشخصية المصرية، والفصل بين السلطات: القضائية والتنفيذية والتشريعية.
غير أن روّاد النهضة العربية لم يغب عن أذهانهم استيعاب مضامين المواطنة الحديثة أثناء احتكاكهم بالغرب وقنواته المتنوعة، محاولين اقتباس دولة القانون بمؤسساتها وقواعدها، وبخاصة المواطنة بعد تبيئتها في الواقع العربي الإسلامي بنقل أسماء المؤسسات الغربية إلى العربية، وزعمهم بأن لهذه المؤسسات مماثلات ومشابهات في التجارب التاريخية العربية الإسلامية، كما سعى البعض منهم لتأمين شروط المساواة بين أبناء الوطن أمام القانون، والعمل على ضمان المساواة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة، وفي يقينهم أن الرشدية اللاتينية هي التي مهدت الطريق للحداثة الأوروبية، وبالتالي تبني العرب المسلمين لما أنتجته لن يفضي بهم إلى التخلي عن هويتهم أو يدفع بهم إلى التغرب.
من الملاحظ قصور مفهوم المواطنَة في العالم العربي بما يمثل من محور ارتكاز للمجتمع السياسي المنظّم في انسجامه وتماسكه، ولعل المواطنة الدستورية التي طرحها هابرماس مشددا على المواطنة القومية بمعنى الانفكاك في هذا التعالق العضوي في ما بين المواطنة والقومية، مسلطاً الضوء على أن الارتباط بين المواطنة والهوية ليس ضرورياً ولا عضوياً، بل هو نتاج هذا المسار التاريخي العرضي الذي عاشته أوروبا الحديثة، وبالتالي من الممكن الفصل في ما بين المفهومين، والسعي لنمط من المواطنة خارج إطار الدولة القومية بمفهومها التاريخي السائد.
من الواضح بأن النزعة الوطنية الأوروبية عملت على تعزيز الهوية المشتركة من خلال التركيز على المشاركة الشعبية التي تشكل الأساس للمواطنة الديمقراطية، على اعتبار أن المشاركة التبادلية تعزز المشاركة الديمقراطية والتضامن الوطني، والحقيقة السياسية القانونية للمواطنة قد تتعارض وتتناقض نظريا مع الخصوصية الوطنية، ففي حين أن الأولى عمادها المبادئ الكونية القائمة على التعددية والاختلاف والقانون لا على الانسجام والتماثل، فإن الثانية من طبيعتها الإقصاء والتقوقع والانغلاق، وبذلك يميز هابرماس بين نوعين من الهويات: السياسية: وجوهرها المدنية الحقوقية الكونية، وهي هدف الديمقراطية الليبرالية، والثقافية: المبنية على القيم، واللغة، والدين، وهي هدف النظم الجمهورية بتصوراتها التشاركية الشعبية انطلاقاً من مفهوم الأمة الواحدة، من هنا ينبغي على الدولة الديمقراطية احترام الحقوق الثقافية للفئات والمذاهب والطوائف المنتمية للدولة بغية تسهيل الخطوات وصولاً لمواطنة دستورية كونية.
إنها اللحظة الراهنة في المرحلة المعاصرة المساوقة للطفرات والتحولات التاريخية والسياسية والثقافية التي تطال الواقع المعاصر، وتسعى جاهدة لتغيير فعل المواطنة: كنهاية الحرب الباردة، وحقوق الإنسان وغيرها من المسائل التي ألمحت إليها حنة أرندت Arendt مسلطة الضوء على استعادة الفعل أو النشاط السياسي حيّزه أو مكانته في الفضاء العام، القادر على التكفل بحرية الرأي والعدالة الاجتماعية التي يكفلها النظام الدستوري، كذلك هو الحال عند جون رولزRawls المنادي بالعدالة كإنصاف في تصوراتها السياسية للمواطنة والديمقراطية، ولم يغب عن بال نيغل دوير Dower أن الأمن والعدالة والديمقراطية هي قيم إنسانية لإيجاد المواطن العالمي، على أن صعوبات عدة قد تقف حائلاً أمام المواطنة منها: الفقر، والإرهاب، والعجز، وتدمير البيئة الطبيعية، وانتهاك حقوق الإنسان، وغيرها من الأمور الأخرى، وفي يقينه أن النخبة العالمية هي التي تصنع المواطنين العالميين لا المهمشين اجتماعيا، وإبريل كارتر Carter تنحو منحى المواطنة العالمية على اعتبار أن الاتحاد الأوروبي والمواطنة الأوروبية يشكلان الخطوة الرائدة في حال حاول الاتحاد تطبيق قواعده واتفاقياته بما يدعم الأساس العالمي، وهي إذ تسعى جاهدة للحد من الفقر، والاهتمام بالبيئة الطبيعية، هذا هو حال المواطنة العالمية التي تتطلب التفكير والعمل على نحو كوكبي، والمساهمة الفاعلة والمشاركة البناءة في المجتمع العالمي المقاد بالضرورة من الإنسان العالمي الحامل لثقافة وهوية لا لهويات معولمة استهلاكية في عالم افتراضي، حيث الشاشة لا الكلمة، والإعلام السطحي لا المثقف، ولغة الآخر لا اللغة العربية الأم ونتساءل: أين هو المواطن العربي من المواطنة العالمية؟.
المواطن العالمي بحسب ما يرد ببعض المعاجم اللغوية هو الإنسان القادر على الانتقال من المجال الوطني البحت إلى الميدان العالمي، وبالتالي هو القادر على المشاركة بفعالية في الحياة السياسية، بمهاراته المدنية، وتعاطفه الثقافي، وهو العامل على التوفيق بين الصراعات، محترماً التنوع باللجوء إلى الوسائل السلمية التي يوظفها ويستخدمها في مناقشاته ومفاوضاته ومداولاته. لعل إحدى المحاولات الجادّة لتسليط الضوء على المواطنة في العالم العربي ما كتبه المفكر اللبناني ناصيف نصار في كتابه المعنون «في التربية والسياسة... متى يصير الفرد في الدول العربية، مواطناً» مؤكداً فيه على أهمية التربية على المواطنية، على أن تكون الجامعة البوابة الحقيقية لترسيخ قيم المواطنة، متفقاً في ذلك مع العالم الأمريكي مورس Morse الذي يرى في الجامعة الأمريكية القدرة على تنمية المهارات المدنية، ووضع الآليات، واتخاذ القرارات، وبالتالي المناخ الذي تتمتع به الجامعة يخوّلها القيام بأدوار فاعلة في تحقيق السلم، وإبعاد شبح الحروب والعنف والإرهاب، لما تتمتع به من جودة التعليم بأنشطتها الطلابية الفاعلة سياسياً، وثقافياً، وعلمياً، واجتماعياً وفنياً، والتكوين على المواطنية في الجامعات مسؤولية محورية وجوهرية للنهوض برسالتها التي ينبغي أن تتخطى وتتجاوز مبادئ الديمقراطية، والالتزام بالمواطنية الممارسة قولاً لا فعلاً، وبالعبور إلى الآليات التي تعبّر عن الهوية والولاء للمجتمع وللإيفاء بمستويات الفرد تجاه المجتمع الذي ينتمي إليه.
وبما أن التربية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعلوم السياسية والاجتماعية والأخلاقية، فإنه من غير الممكن الوصول إلى فلسفة شاملة للتربية في العالم العربي إن لم تركن إلى التربية والتكوين على المواطنية، بالاستناد إلى المرتكزات الدستورية الإيديولوجية، وبما يحقق التوازن بالحقوق والواجبات للمواطنين.
تكمن أهمية التجربة النصّارية في التربية المواطنية كونها تسلط الضوء على الجامعة والتعليم العام كمؤسسة للعقل، ومؤسسة للسياسة، والإصلاح لا يأتي من السياسة بل من فلسفة الجامعة التي تمنحه الصيغة القانونية القابلة للتطبيق والتطوير، صحيحٌ أن التربية الوطنية تنمّي الشعور الوطني بحب الوطن والاعتزاز به، والولاء له، لكنّ التربية المواطنية هي الأجدى والأنفع، بموضوعها الجوهري في تشكيل المواطن، والسعي لتنميته بالاستناد إلى فلسفة تنظر في ماهية المواطن وواقع تجربة الحياة الجماعية الوطنية واجتماعها السياسي، فالتربية المواطنية ينبغي أن تقع في قلب نظام التربية الوطنية العام، تعمل على تنشئة الفرد كعضو في دولة له حقوق وعليه واجبات، ولكن ما هي التحديات التي تواجه الجامعات العربية في التربية المواطنية والتكوين على المواطنة؟.
يبدو لي بأن الانحراف الفكري يقع في هذه التحديات، بخاصة وأن الخروج عن جادّة الصواب، ومخالفة المنطق والتفكير السليمين يشكلان تهديداً حقيقياً للمواطنة، واستهدافاً لقيم وروح المجتمع في الصميم، كما أن الانحراف الفكري قد يلعب دوراً تقويضياً تهديمياً للأمن الوطني، وللنظام العام، فيعمل على خلخلة الثوابت العقدية، وزعزعة القناعات الفكرية، وتحلل المقومات الأخلاقية سيّما وأنها السبيل أو الطريق الأوسع لنشر البدع والتشكيك بثوابت الأمة، لهذا عندما يطرح المفكر التونسي فتحي المسكيني إشكالية «النحن، مجيباً:» إن سؤال من نحن؟ ما يزال عندنا عرقياً جداً ودينياً جداً،( المسكيني، 1997، ص126)، وبهذا المعنى طالما العروبة لم تغادر المعنى العرقي، والإسلام لم يغادر المعنى الديني، فالنحن العربية مضطرة مسبقاً لأن تبقى خارج الفلسفة، سيّما وأنها تشتق ذاتها من اللافلسفة، وهنا مكمن الفرق بين المثقف المنغمس في المحلية، والفيلسوف المنفتح على الكونية والعالمية.
وللإرهاب المرتبط أصلاً بالانحراف الفكري، حيث إن هذا الأخير عندما يتحول إلى موقف سلوكي يُترجم بأعمال عنفية مشكّلاً بذلك الإرهاب الذي يهدف إلى ترويع المواطنين الآمنين، بالاعتداء على حياتهم وحرياتهم وأعراضهم وكراماتهم الإنسانية، وتدمير مصالحهم، وقد عرفت الساحة العربية الإرهاب والعنف والتطرف بشتى أنواعه وأشكاله، مما ولّد لدى بعض المجتمعات العربية ضعف الشعور بالانتماء، والإحساس بالاغتراب، والسعي إلى الهجرة، وعدم المشاركة في الحياة السياسية، وضعف الوعي بالقضايا السياسية المعاصرة وبخاصة تلك المرتبطة بالقطيعة مع تاريخ الأمة وراهنيتها ومستقبلها، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى غياب الوعي بالمواطنة وقيمها، لذا لا بد من التكوين على المواطنية الفاعلة والمنتجة كآلية من الآليات لمواجهة تحديات العصر، وبالتالي الركون إليها لصناعة عقول وتشكيل سواعد لمواطنين قادرين على بناء أوطان متماسكة قد تؤسس لأمة قادرة وحاضرة على المسرح العالمي بالاستناد إلى القيم المرتبطة بفلسفة المواطنة من جهة، وبالقيم المبنية باتجاهاتها الإيجابية على الممارسات والسلوكيات المعاشة اليومية إن في المؤسسات أو المدارس والجامعات، ولعل المواطنية الجامعية تستدعي التنمية لتحقيق تعلّم يتعلق بالقيم والاتجاهات، سيّما وأن البيئة الوطنية والعالمية الحبلى بالتطور المتسارع بأزماته الاقتصادية، والمشاكل الاجتماعية في الإدارة السياسية والثورات التكنولوجية تتطلب من الجامعة تكوينا على المواطنية بكونها ليست المكان الوحيد لإنتاج السلوك المعرفي والمعارف النظرية فحسب، بل بكونها المحرك الجوهري للخلق والإبداع.
وفلسفة المواطنة هي صمام أمان الإرادة الفردية للحرية، وبمضمونها البرغماتي هي إتقان صنع القرار الذي يتطلب أن تتربى عليه الأجيال العربية الراهنة والمستقبلية، إن في البيوت أو المدارس والجامعات، حيث إن من أهداف التربية في المجتمعات الديمقراطية الحرّة العمل على خلق مواطنين مستقلين، يتصفون بالتحليل، والحوار، والنقد، والانتقاد والمساءلة، وبالإدراك العميق لمبادئ وسلوكيات الديمقراطية، بخاصة وأنه في ظل غياب الوجود القانوني للفرد، يحضر الزعيم أو القائد بقوة، فتجد الإنسان العربي مدفوعا لأن يبحث عن وجود له، فلا يجده إلا باستسلامه لزعيم من طائفته، أو قائد من جماعته، وبذلك تتخذ شكل العلاقة بالزعيم أو القائد شكل الاستزلام والتبعية، وأحيانا العبودية، التي قد تتسم بسمة دينية أو زمنية، رأسية هرمية تراتبية، هو يسال ولا يُسأل، يحاسب ولا يُحاسب، ومنطق الاستزلام والتبعية في مجتمعاتنا العربية شبيه إلى حد ما بالعبودية السارترية Sartre إذ إن العبودية تكمن في كون الأنا خاضعة لأحكام الآخرين، لدرجة أنه حتى في الحب هناك صراع وخطر من حرية المحب الذي يجعل من المحبوب عبداً يمارس عليه تعاليه، كذلك هو الحال مع نيتشه Nietzche وهيغل Hegel في جدلية السيد والعبد، من هنا، المواطنة مفهوم مركزي في الخطاب السياسي، بدأت مع اليونان بالمدينة_الدولة، وتمركزت حول طبيعة العلاقات أهي قانونية صالحة لنسيج العيش المشترك؟ أم على القانون أن يقترن بالأخلاق بهدف إنجاز المهمة؟ والأهم من ذلك، هل المواطنة في اليونانية حققت مبتغاها؟ أم أنها كانت إقصائية استبعدت المقيمين الأجانب والعبيد والنساء من الحقوق السياسية والاجتماعية؟، كما أنه لا يمكن إنكار تأثير لوك Locke وروسوRousseau والثورات الفرنسية والأمريكية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لذا، لا بد في عالمنا العربي من استدعاء المواطنة والديمقراطية بمعناهما الحقيقي بعيداً عن استهلاكية الخطاب المعلن، وصولاً لبناء مجتمعات ينعم فيها المواطن العربي بالديمقراطية العادلة والمواطنية الشاملة، وهنا نجد بأنه لا مواطنة ومواطنية دون ديمقراطية، فهل فعلياً تشهد مجتمعاتنا العربية هذه العلاقة المتلازمة في ما بين الديمقراطية والمواطنية مع مبدأ تكافؤ الفرص وبشكل مباشر مع قانون المحاسبة للمسؤولين، ومع التمثيل الشعبي الحقيقي؟ سيّما الحقوق الاجتماعية حيث إن مجمل الحركات العاملة للمواطنة العالمية تعمل على الحد من الفجوات بين الدول النامية، وبخاصة المناطق الفقيرة بهدف تحويل الجميع إلى مواطنين عالميين.
ماغي عبيد كاتبة وباحثة لبنانية