تأتي من الريف حافية القدمين مثل الفلاحين
وقد علقت أنداء العشب بكعبها العاجي
وعلى كتفيها النحيلين
ينسدل الشعر المائج كسنابل الذرة
تأتي هكذا وهي تسوق خلفها قطيعا من الماعز القديم
مثل جدتها (عشتار)
المصابة بالوله الرعوي
يكفي أن تمد أصابعها التي تشبه أفواف الزهر
لينسكب المطر
توقد الذكرى بلهب الحب الصادق
منذ سنين
حين انسكب شلال الذهب على شالها الأحمر
على ضفاف بحيرة الحزن الساجي
كان يكفي أن تهز مهد طفلها
لتهتز أغصان الثورة الطرية
على جدائلها
مكثت غير بعيد
وحبكت كل هذه الذكرى المؤلمة لنشيد رعاة حفاة
وأهازيج جيش التحرير
كغمامة مغموسة بالندى كانت تهذي
هذه السهول لي
هذه الوديان ناصعة الخضرة لي
وهذا الجبل نشيج حنيني لي
ولي من جدائل الحقول وردة حمراء
تذكرني بوجعي
عشرون عاما وأنا أقاتل في الميدان
دفاعا عن متاريس الرفاق
الذين رحلوا تاركين أناشيدهم في دمي
تتحجر وتجمد في حناجر الرعاة
القاطنين في سواحل أرض (سأكلهن)
موطئ أقدام الآلهة.
سليلة الآلهة الحنونة
لم يجد إليها الإغريق والرومان سبيلا
لأنها محصنة بزبد البحر الذي يزأر تحت أوتاد الجبال
من قصة حبها الشهيرة لراعي الإبل الجبلي
استلهم الأولون أساطيرهم
قالت لها جدتها عند الموقد
لا تحلي ضفائرك أمام أي غريب
تتدلى النشوة من ذهب الأصابع
حين تداعب غصن تينة مسنة
كلما وقعت عيناها على عشب أخضر
نابت على حواف الدروب
تنهدت وتلمست أثر القيد على معصميها
وطفرت دمعة من مقلتيها
وتعلقت بين الأهداب
وعلى بلور الدمعة الحائرة
ترتسم كلمات بين أوسان اليأس المضيء
الذي لا ينطفئ:
عشرون نشيدا ثوريا يعصف بالذاكرة
كما تفعل الأعاصير تماما
ثم تهدأ
وتلملم ندى الليل المثقل
من أهداب العشب المبلل بأقدام الثوار
تحاول مجاراة الواقع والسكون
مع الألم والتعود عليه قطرة قطرة
فينسكب الحزن الجارف من المخيلة النازفة
وينفجر ينبوع الشجن والحنين
ولم يرف لها جفن
بعد عشر سنين
وهي تسلم أبناءها المحاربين
واحدا تلو الآخر
إلى مقصلة الطغاة.
حفيدة (عشتار)
سليلة الآلهة المخضبة بحناء الحب والخصب
تمد أصابعها العشر
الشبيهة بدوالي العنب
فيساقط المطر فوق التلال
ومع اهتزازات صدرها الناهد
ومخابئ أنوثتها العميقة
يستلهم الشعراء ألحانهم
حين تنهمر بكل جلال
على حواف المنحدرات المنسكبة.
من على (تلة الزيتون)
في بدايات (قيصص أديين)
على القوس المنحني أمام الأفق الدامي
حيث تلمست عقد اللازورد
الذي يزين عنقها الفاخر
كتمثال سماوي
وهناك أيضا
تتدلى حروف اسمها
كمشكاة قناديل مضيئة
تبعث على الزهو والاخضرار الأبدي
سلسلة فنارات تهدي السفائن في ليل حالك
مشطا من الرصاص المعلق على كتف مناضل:
الطاء؛
طير يحلق في السماوات
ولا يرتطم ريشه على أسوار القلاع
الفاء؛
فجر يستنطق الكائنات
أفيقي وانثري عبق الحب في الأغنية
الواو؛
وهج المسيرات على حافة الجمر
حيث الطريق إلى الخلود
اللام؛
لبان طهور مصفى
تساقطت حبات دمعه من الغصن
فملأ الأرجاء بالذكرى والقداسة.
القادمة من أطراف الغيم
على أجنحة النسور
حتى تطأ التربة المحناة بالصلصال والآلم والأمل
وأنا في غربتي أراقبها عن بعد
ولي كل هذا الهجير والضحى والأغصان اليابسة في السفوح
من لي بمنديل بحجم القمم السابحة فوق الأفق
لأمسح هذه الدموع التي تهطل على خديك
سوف آوي إلى ركن شديد
لأتمكن من العبور
إلى مرافئ حزنك النبيل
في منتصف الليل
حين ينعس القمر الساهر
تجوب الطرقات والمسالك
بين الأتربة وحواف الطين الأزرق
بلون القلق المتماسك
بين أنياب الذكرى والحنين
وكما تفعل الراعيات القديمات
وقد تمنطقت بالأتعاب حول خصرها
وعقصت شعرها بالخمار
في الهزيع الأخير من الليل
حين تلتف البِتلات وأكمام الزهر
بقطر الندى
ويترك القمر ما تبقى من وهن شعاعه
الباهت مختلطا بأزيز أحلام الذئاب
وكلبؤة جريحة تأرز إلى عرينها
بكل كبرياء الصلف المتبقي
ورعونة الصدأ الجاف على صدغيها
تتفقد صغارها في طرف الكهف
تقطر حزنها العتيق في جرار الفخار
وعلى أطراف أصابعها تخطو بحذر
في أحراش الملكوت
وتغني مع السوسن والحبق المبيض في أكناف السهل
حزني يدب في وديان الذكرى
ويحلق بعيدا مع الغيم الساجي .
العيون الشهلاء تحبس الدمع مع البسمة الطافية
وينسكب الغروب مع الشعر السبط الهائج في البرية
كأنه قطيع ظباء
كأعراف خيول الفرسان
وأصابع الكف البريء تلتم لتشكل حبرا غامضا
قصيدة ملوحة لشروق قادم
وعلى الكتف النحيل تنتصب البندقية
كقوس مشحون
تطل من زمن عملاق
حين يقف الحفاة الضامرون
في وجه الطغيان
وعلى حناجرهم يشدو الجرح القديم
بنشيد الممرات الصعبة
وسط الأشواك
حين وضعت يدها على صدرها
وأقسمت بكل الليالي الحالكة
بكل العيون التي أطفأ بريقها الظلم
بالشرف الرفيع
بالغربة
والحنين الجارف
بالشجن المنساب بعذوبة الهدأة الأولى
بكل قطرة دمع اختلطت بالصلصال
بالنشيج الحي الهادر من حناجر الثوار
بالدرجات الست فوق قبور الشهداء
أمام القلعة والسارية.
علي بن سعيد العامري شاعر وكاتب عُماني
وقد علقت أنداء العشب بكعبها العاجي
وعلى كتفيها النحيلين
ينسدل الشعر المائج كسنابل الذرة
تأتي هكذا وهي تسوق خلفها قطيعا من الماعز القديم
مثل جدتها (عشتار)
المصابة بالوله الرعوي
يكفي أن تمد أصابعها التي تشبه أفواف الزهر
لينسكب المطر
توقد الذكرى بلهب الحب الصادق
منذ سنين
حين انسكب شلال الذهب على شالها الأحمر
على ضفاف بحيرة الحزن الساجي
كان يكفي أن تهز مهد طفلها
لتهتز أغصان الثورة الطرية
على جدائلها
مكثت غير بعيد
وحبكت كل هذه الذكرى المؤلمة لنشيد رعاة حفاة
وأهازيج جيش التحرير
كغمامة مغموسة بالندى كانت تهذي
هذه السهول لي
هذه الوديان ناصعة الخضرة لي
وهذا الجبل نشيج حنيني لي
ولي من جدائل الحقول وردة حمراء
تذكرني بوجعي
عشرون عاما وأنا أقاتل في الميدان
دفاعا عن متاريس الرفاق
الذين رحلوا تاركين أناشيدهم في دمي
تتحجر وتجمد في حناجر الرعاة
القاطنين في سواحل أرض (سأكلهن)
موطئ أقدام الآلهة.
سليلة الآلهة الحنونة
لم يجد إليها الإغريق والرومان سبيلا
لأنها محصنة بزبد البحر الذي يزأر تحت أوتاد الجبال
من قصة حبها الشهيرة لراعي الإبل الجبلي
استلهم الأولون أساطيرهم
قالت لها جدتها عند الموقد
لا تحلي ضفائرك أمام أي غريب
تتدلى النشوة من ذهب الأصابع
حين تداعب غصن تينة مسنة
كلما وقعت عيناها على عشب أخضر
نابت على حواف الدروب
تنهدت وتلمست أثر القيد على معصميها
وطفرت دمعة من مقلتيها
وتعلقت بين الأهداب
وعلى بلور الدمعة الحائرة
ترتسم كلمات بين أوسان اليأس المضيء
الذي لا ينطفئ:
عشرون نشيدا ثوريا يعصف بالذاكرة
كما تفعل الأعاصير تماما
ثم تهدأ
وتلملم ندى الليل المثقل
من أهداب العشب المبلل بأقدام الثوار
تحاول مجاراة الواقع والسكون
مع الألم والتعود عليه قطرة قطرة
فينسكب الحزن الجارف من المخيلة النازفة
وينفجر ينبوع الشجن والحنين
ولم يرف لها جفن
بعد عشر سنين
وهي تسلم أبناءها المحاربين
واحدا تلو الآخر
إلى مقصلة الطغاة.
حفيدة (عشتار)
سليلة الآلهة المخضبة بحناء الحب والخصب
تمد أصابعها العشر
الشبيهة بدوالي العنب
فيساقط المطر فوق التلال
ومع اهتزازات صدرها الناهد
ومخابئ أنوثتها العميقة
يستلهم الشعراء ألحانهم
حين تنهمر بكل جلال
على حواف المنحدرات المنسكبة.
من على (تلة الزيتون)
في بدايات (قيصص أديين)
على القوس المنحني أمام الأفق الدامي
حيث تلمست عقد اللازورد
الذي يزين عنقها الفاخر
كتمثال سماوي
وهناك أيضا
تتدلى حروف اسمها
كمشكاة قناديل مضيئة
تبعث على الزهو والاخضرار الأبدي
سلسلة فنارات تهدي السفائن في ليل حالك
مشطا من الرصاص المعلق على كتف مناضل:
الطاء؛
طير يحلق في السماوات
ولا يرتطم ريشه على أسوار القلاع
الفاء؛
فجر يستنطق الكائنات
أفيقي وانثري عبق الحب في الأغنية
الواو؛
وهج المسيرات على حافة الجمر
حيث الطريق إلى الخلود
اللام؛
لبان طهور مصفى
تساقطت حبات دمعه من الغصن
فملأ الأرجاء بالذكرى والقداسة.
القادمة من أطراف الغيم
على أجنحة النسور
حتى تطأ التربة المحناة بالصلصال والآلم والأمل
وأنا في غربتي أراقبها عن بعد
ولي كل هذا الهجير والضحى والأغصان اليابسة في السفوح
من لي بمنديل بحجم القمم السابحة فوق الأفق
لأمسح هذه الدموع التي تهطل على خديك
سوف آوي إلى ركن شديد
لأتمكن من العبور
إلى مرافئ حزنك النبيل
في منتصف الليل
حين ينعس القمر الساهر
تجوب الطرقات والمسالك
بين الأتربة وحواف الطين الأزرق
بلون القلق المتماسك
بين أنياب الذكرى والحنين
وكما تفعل الراعيات القديمات
وقد تمنطقت بالأتعاب حول خصرها
وعقصت شعرها بالخمار
في الهزيع الأخير من الليل
حين تلتف البِتلات وأكمام الزهر
بقطر الندى
ويترك القمر ما تبقى من وهن شعاعه
الباهت مختلطا بأزيز أحلام الذئاب
وكلبؤة جريحة تأرز إلى عرينها
بكل كبرياء الصلف المتبقي
ورعونة الصدأ الجاف على صدغيها
تتفقد صغارها في طرف الكهف
تقطر حزنها العتيق في جرار الفخار
وعلى أطراف أصابعها تخطو بحذر
في أحراش الملكوت
وتغني مع السوسن والحبق المبيض في أكناف السهل
حزني يدب في وديان الذكرى
ويحلق بعيدا مع الغيم الساجي .
العيون الشهلاء تحبس الدمع مع البسمة الطافية
وينسكب الغروب مع الشعر السبط الهائج في البرية
كأنه قطيع ظباء
كأعراف خيول الفرسان
وأصابع الكف البريء تلتم لتشكل حبرا غامضا
قصيدة ملوحة لشروق قادم
وعلى الكتف النحيل تنتصب البندقية
كقوس مشحون
تطل من زمن عملاق
حين يقف الحفاة الضامرون
في وجه الطغيان
وعلى حناجرهم يشدو الجرح القديم
بنشيد الممرات الصعبة
وسط الأشواك
حين وضعت يدها على صدرها
وأقسمت بكل الليالي الحالكة
بكل العيون التي أطفأ بريقها الظلم
بالشرف الرفيع
بالغربة
والحنين الجارف
بالشجن المنساب بعذوبة الهدأة الأولى
بكل قطرة دمع اختلطت بالصلصال
بالنشيج الحي الهادر من حناجر الثوار
بالدرجات الست فوق قبور الشهداء
أمام القلعة والسارية.
علي بن سعيد العامري شاعر وكاتب عُماني