لم يُخطئ من أطلق عليها اسم «عقبة العامرات»، فهي تجسدُ معنى العقبة والعقاب لسالكيها الماضين فوق جسد التواءاتها. لا سيما عندما يضطرُ أحدنا لأن يبقى مُعلقا لمدة تزيد على الساعة -في مسار واحد بعد إغلاق الآخر- قابضا على مكابح سيارته، زاحفا ببطء بغيض، خائفا من انزلاقات غير محسوبة، في اكتظاظ المركبات والحافلات، تحديدا في ذلك الوقت الحساس من ذروة الزحام الصباحي، الناتج عن عودة المدارس والجامعات، بصحبة الذاهبين إلى أعمالهم.
فما الذي سيُخرجك من «العامرات» التي تُحدق بها الجبال من كل صوب، إن لم تكن «العقبة» سيكون طريق «وادي عدي» الذي لن يقل ضراوة هو الآخر، في الصباحات المُعبأة بالبشر المُتسللين من كل حدب وصوب، فأنت في برهة الحقيقة الخاطفة ستسأل: من أين تخرج تلك الجحافل البشرية الهائلة شاقة دروبها المتعثرة، فطريق «وادي عدي» رغم خيباته السابقة والأودية التي غمرته وطمرته مرات ومرات، لم يُقدر له إضافة «حارات» تجعله يصمد في ظرف استثنائي كهذا، رغم أنّ المسؤولين يُراقبون عن كثب التحولات الديموغرافية التي تعصف بولاية «العامرات»، وهي تمتص الكيانات القادمة من مناطق سلطنة عمان المختلفة، الأمر الذي يُؤجج سيناريو لا متناهٍ من العقبات، تبدأ من صفوف المدارس المسائية، وقد لا تنتهي عند انتظارات المركز الصحي المضجرة!
في «العامرات»، المكان الذي يضيع فيه إحساسك، حول إن كنت تعيش في «قرية» كبيرة أم أنّك في جزء من فكرة المدينة المتوهمة، يُضطر طلاب الجامعات والكليات لأن يدفعوا لمواصلاتهم مبالغ إضافية لمجرد أنهم يقطنون وراء العقبة تماما! وتكسد إيجارات الشقق لأسباب مماثلة، ونجد أنفسنا نُنفق المال على صيانة سياراتنا وتغيير مكابحها بصورة مفرطة!
لطالما كانت هنالك أسباب لإغلاق «العقبة» منذ افتتاحها عام 2011، فإن لم يكن المطر فالحجارة المتساقطة، وإن لم تكن الحجارة فالحوادث المريعة أو السيارات التي تحترق في القيظ الملتهب، أما السبب الجديد الذي تغلق بسببه عقبة العامرات لمدة أربعة أشهر، فهو سبب يدعو للوجل حقا، «ضعف في التربة على المنحدر الجانبي للطريق»، الأمر الذي يستدعي تدعيم التربة بمواد مثبتة وأساسيات عميقة، كما صرح بذلك مسؤولون في بلدية مسقط.
لطالما شغلنا هذا السؤال: «لماذا نخاف من الأنفاق؟» لقد شقّ العالم أنفاقه منذ القرون الوسطى تحت القلاع والحصون لأسباب عديدة كان أولها جلب الماء بأدوات بدائية للغاية، ثمّ تطورت الدواعي والأساليب المتبعة. لم يعد الإنسان الحديث يشق الصخر وحسب، وإنّما تنمو أنفاقه تحت غمار البحار. وإن كنا نتجاوز السؤال حول كلفة إنشاء طريق «العقبة» في هذه الجبال الصلدة، سنسألُ عن كلفة الصيانة التي استمرت 12 عاما! فهل هو أمر طبيعي حقا ويحدث في شوارع مماثلة من العالم؟ أم أنّه استنزاف لترقيع خطأ ما؟ هنالك من يرى أنّ الأنفاق هي الأخرى تحتاج إلى صيانة، فعندما توجهت إذاعة الوصال بالسؤال حول أسباب كلفة أنفاق الشرقية التي تصل إلى 40 ألف ريال عماني شهريا، أجاب وكيل النقل والاتصالات وتقنية المعلومات أنّ هذه المبالغ ضرورية وتذهب لتأمين الحماية للأنفاق.
وعليه فإن كانت الخسارة المالية محسومة سلفا، سواء أكانت في «عقبة» أو «نفق»، فعلينا أن نختار ما هو أقل كلفة وأكثر جدوى للمواطن. فمن المؤكد أنّ النفق -رغم كلفته- سيختصر الطريق بين العامرات وولاية بوشر، وسينشط الحركة الاجتماعية ويشد من أزر الاستثمار والاقتصاد ويمكن أن تبقى «عقبة العامرات» متاحة ضمن قائمة الأنشطة الرياضية والسياحية، كأن تُضاف لها المقاهي والمطاعم لتصبح مكانا جذابا بإطلالة جميلة تنفتح على جبالها الفريدة من نوعها.
وإن كانت الكلفة التشغيلية التي تُقدم للشركات الأجنبية هي من يدفع الأمر إلى مزيد من التسويف، فينبغي الرهان على نشوء شركات وطنية توفر فرص عمل أولا وتقلل الكُلفة ثانيا.
لا نعرف على وجه الدقة كم مرة ستُجرح الأرض، وتفقد رصانتها تحت ضغط السيارات اليومي، وكم مرّة ستتكرر حادثة ضعف التربة والإغلاقات، وكم سنعلقُ فوق جبالنا مُنتظرين رأفة العبور!
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
فما الذي سيُخرجك من «العامرات» التي تُحدق بها الجبال من كل صوب، إن لم تكن «العقبة» سيكون طريق «وادي عدي» الذي لن يقل ضراوة هو الآخر، في الصباحات المُعبأة بالبشر المُتسللين من كل حدب وصوب، فأنت في برهة الحقيقة الخاطفة ستسأل: من أين تخرج تلك الجحافل البشرية الهائلة شاقة دروبها المتعثرة، فطريق «وادي عدي» رغم خيباته السابقة والأودية التي غمرته وطمرته مرات ومرات، لم يُقدر له إضافة «حارات» تجعله يصمد في ظرف استثنائي كهذا، رغم أنّ المسؤولين يُراقبون عن كثب التحولات الديموغرافية التي تعصف بولاية «العامرات»، وهي تمتص الكيانات القادمة من مناطق سلطنة عمان المختلفة، الأمر الذي يُؤجج سيناريو لا متناهٍ من العقبات، تبدأ من صفوف المدارس المسائية، وقد لا تنتهي عند انتظارات المركز الصحي المضجرة!
في «العامرات»، المكان الذي يضيع فيه إحساسك، حول إن كنت تعيش في «قرية» كبيرة أم أنّك في جزء من فكرة المدينة المتوهمة، يُضطر طلاب الجامعات والكليات لأن يدفعوا لمواصلاتهم مبالغ إضافية لمجرد أنهم يقطنون وراء العقبة تماما! وتكسد إيجارات الشقق لأسباب مماثلة، ونجد أنفسنا نُنفق المال على صيانة سياراتنا وتغيير مكابحها بصورة مفرطة!
لطالما كانت هنالك أسباب لإغلاق «العقبة» منذ افتتاحها عام 2011، فإن لم يكن المطر فالحجارة المتساقطة، وإن لم تكن الحجارة فالحوادث المريعة أو السيارات التي تحترق في القيظ الملتهب، أما السبب الجديد الذي تغلق بسببه عقبة العامرات لمدة أربعة أشهر، فهو سبب يدعو للوجل حقا، «ضعف في التربة على المنحدر الجانبي للطريق»، الأمر الذي يستدعي تدعيم التربة بمواد مثبتة وأساسيات عميقة، كما صرح بذلك مسؤولون في بلدية مسقط.
لطالما شغلنا هذا السؤال: «لماذا نخاف من الأنفاق؟» لقد شقّ العالم أنفاقه منذ القرون الوسطى تحت القلاع والحصون لأسباب عديدة كان أولها جلب الماء بأدوات بدائية للغاية، ثمّ تطورت الدواعي والأساليب المتبعة. لم يعد الإنسان الحديث يشق الصخر وحسب، وإنّما تنمو أنفاقه تحت غمار البحار. وإن كنا نتجاوز السؤال حول كلفة إنشاء طريق «العقبة» في هذه الجبال الصلدة، سنسألُ عن كلفة الصيانة التي استمرت 12 عاما! فهل هو أمر طبيعي حقا ويحدث في شوارع مماثلة من العالم؟ أم أنّه استنزاف لترقيع خطأ ما؟ هنالك من يرى أنّ الأنفاق هي الأخرى تحتاج إلى صيانة، فعندما توجهت إذاعة الوصال بالسؤال حول أسباب كلفة أنفاق الشرقية التي تصل إلى 40 ألف ريال عماني شهريا، أجاب وكيل النقل والاتصالات وتقنية المعلومات أنّ هذه المبالغ ضرورية وتذهب لتأمين الحماية للأنفاق.
وعليه فإن كانت الخسارة المالية محسومة سلفا، سواء أكانت في «عقبة» أو «نفق»، فعلينا أن نختار ما هو أقل كلفة وأكثر جدوى للمواطن. فمن المؤكد أنّ النفق -رغم كلفته- سيختصر الطريق بين العامرات وولاية بوشر، وسينشط الحركة الاجتماعية ويشد من أزر الاستثمار والاقتصاد ويمكن أن تبقى «عقبة العامرات» متاحة ضمن قائمة الأنشطة الرياضية والسياحية، كأن تُضاف لها المقاهي والمطاعم لتصبح مكانا جذابا بإطلالة جميلة تنفتح على جبالها الفريدة من نوعها.
وإن كانت الكلفة التشغيلية التي تُقدم للشركات الأجنبية هي من يدفع الأمر إلى مزيد من التسويف، فينبغي الرهان على نشوء شركات وطنية توفر فرص عمل أولا وتقلل الكُلفة ثانيا.
لا نعرف على وجه الدقة كم مرة ستُجرح الأرض، وتفقد رصانتها تحت ضغط السيارات اليومي، وكم مرّة ستتكرر حادثة ضعف التربة والإغلاقات، وكم سنعلقُ فوق جبالنا مُنتظرين رأفة العبور!
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى