ترتبط ظاهرة تأكل الشواطئ بالتغير المناخي وتتأثر بها العديد من المناطق الساحلية في سلطنة عمان، حيث تسهم الظروف الجوية القاسية كالأعاصير المدارية والأنواء المناخية الحادة والمتطرفة، وحركة المد والجزر المنخفضة والعالية في تفاقم هذه الظاهرة، بالإضافة إلى التدخل البشري كبعض المشروعات التي يتم إنشاؤها على الشواطئ وتؤثر على التوازن البيئي.

وتعتبر محافظتا شمال وجنوب الباطنة الأكثر تأثرًا بتآكل الشواطئ نتيجة الكثافة السكانية العالية وارتباطها بسهل الباطنة، وتوقعت دراسة قامت بها جامعة السلطان قابوس أن يتراجع ساحل رأس السوادي بمقدار 860 مترًا إلى الداخل مع ارتفاع منسوب البحر أكثر من متر.

وقال المهندس محمد بن جمعة الرزيقي، رئيس قسم إدارة المناطق الساحلية بهيئة البيئة: أبرز الأسباب المؤثرة في عملية تآكل السواحل تكمن في نوعين، فهناك أسباب طبيعية تتمثل في الأعاصير المدارية والأنواء المناخية الحادة والمتطرفة وتغيرات تيارات المد والجزر وأمواج تسونامي الناتجة عن الزلازل والتغير المفاجئ في التيارات البحرية وارتفاع منسوب سطح البحر نتيجة التغير المناخي، وأسباب بشرية التي تشمل المنشآت البحرية كالموانئ والمرافئ وكاسرات الأمواج ومحطات التحلية وإقامة السدود وردم الأخوار والبحيرات والمشروعات السكنية المستغلة للسواحل ونقل رمال السواحل وأي أعمال هندسية لا تحاكي التوازن البيئي الساحلي وغالبًا ما يرتبط تآكل الخط الساحلي الشديد في سلطنة عمان بالظروف الجوية القاسية كالأعاصير المدارية والأنواء المناخية الحادة والمتطرفة، وحركة المد والجزر المنخفضة والعالية، بالإضافة إلى التدخل البشري من خلال بناء الموانئ وعدم محاكاتها للتوازن البيئي، مشيرًا إلى أن ظاهرة تأكل الشواطئ في سلطنة عمان تؤثر بنسب متفاوتة بحسب نوعية الشاطئ سواء كان صخريًا أو رمليًا وتعتبر محافظتا شمال وجنوب الباطنة ذات حساسية عالية مقارنة بغيرها وذلك للكثافة السكانية والطبيعة الجغرافية للشاطئ والبنية العمرانية الممتدة على طول خط الساحل، كما أن شواطئ الباطنة تمثل امتدادًا لسهل الباطنة الذي تكوّن من خلال رواسب الأودية التي شكّلت الأراضي الخصبة وتعتبر منخفضة نسبيًا.

تأثر الموائل الساحلية

وأوضح الرزيقي أن تأثيرات تآكل الشواطئ من الناحية البيئية تؤدي إلى فقدان الموائل الساحلية التي تقع في نطاق المد والجزر، حيث يؤدي إلى ردم مواقع ونحت مواقع أخرى مما أدى إلى اختلال الخط الفاصل بين الشاطئ والمياه، ومن الناحية الاجتماعية يكون هناك تأثير قوي على مواقع تجمعات الصيادين وإضعاف قدرتهم على التواصل وممارسة مهنتهم الحرفية بسبب تآكل المساحات التي يعملون عليها، أما التأثير من الناحية الاقتصادية فيكون مباشرًا في حالة وصوله وتأثيره على المباني الساحلية واستراحات الصيادين ومخازن أدواتهم وتلف معدَّاتهم من القوارب وشباك وأدوات الصيد، إضافة إلى احتمالية فقدان المساحات الزراعية المجاورة للساحل وارتفاع ملوحة التربة فيها بسبب توغل الألسنة المائية وتداخلها مع الخزانات المائية، وكذلك تدمير الطرق الساحلية والخدمات المرتبطة بها وكل ذلك في حالة التآكل الشديد وتفاقم المشكلة، كما يؤدي تآكل الشاطئ أحيانًا إلى ارتفاع ملوحة التربة فيها بسبب توغل الألسنة المائية وتداخلها مع الخزانات المائية.

وقال: إن هيئة البيئة قامت في عام 2021م بتنفيذ برنامج مسح ودراسة لتآكل الشواطئ في شمال وجنوب الباطنة حيث تم استهداف بعض المواقع المتضررة نسبيًا وتصويرها باستخدام طائرات بدون طيار «الدورون» ليتم تحليلها ومقارنتها بصور الأقمار الصناعية خلال السنوات الماضية لمتابعة مدى تزايد أو استمرارية التآكل في المواقع المستهدفة، ويتم العمل باستمرار في هذا المجال وخلال العام الجاري يتم تنفيذ مشروع دراسة أسباب التآكل في شواطئ محافظتي شمال وجنوب الباطنة كمرحلة ثانية لاستكمال ما تم في المرحلة الأولى من تقييم وتحديد المواقع الأكثر تأثرًا وإعداد قاعدة بيانات لها وذلك للبحث في أسباب تفاقم هذه المشكلة في هذه المواقع على أن تتم مشاركة النتائج ومناقشتها مع الجهات المعنية الأخرى لإيجاد حلول للحد من تفاقم الظاهرة وحماية الشواطئ، وأيضًا تتم دراسة كل المشروعات التنموية التي تقع على السواحل للتأكد من عدم تأثيرها المباشر على الساحل.

تحديات مستقبلية

وقال الدكتور يوسف شوقي، أستاذ مساعد بقسم الجغرافيا بجامعة السلطان قابوس: من المتوقع أن يزيد معدل ذوبان الجليد وبالتالي ارتفاع متوسط منسوب سطح البحر وهو ما يقلق العالم حاليًا، حيث أصبح الاهتمام بالمناطق الساحلية في السنوات الأخيرة هدفًا رئيسًا لصناع القرار على المستوى العالمي، بسبب تركز الأنشطة الاقتصادية والسياحية المختلفة بتلك المناطق، وبحسب المنظمة العالمية للتغيرات المناخية ((IPCC فإن ثلثي سكان العالم يعيشون بالقرب من السواحل على مسافة لا تتعدى 200 كيلومتر، وترتبط تغيرات الساحل بالتغيرات التي تطرأ على منسوب سطح البحر.

وأوضح أن سلطنة عمان تتسم بسواحلها الممتدة 3165 كيلومترًا بما في ذلك سواحل مجموعات الجزر مثل جزر مصيرة، والحلانيات، والديمانيات، والسوادي، وسواحل شبه جزيرة مسندم؛ كما أن أغلب سكان سلطنة عمان يعيشون على طول خط الساحل، ومن واقع التقارير العلمية والدراسات السابقة اتضح أنه خلال القرن العشرين ارتفع منسوب سطح البحر بين 10 و25سم، وتتوقع التقارير الصادرة من الهيئة الدولية المعنية بالتغيرات المناخية (IPCC) أن يزيد منسوب سطح البحر بمعدل يتراوح بين 26 و59سم بحلول عام 2100، بينما توجد دراسات تتوقع ارتفاع منسوب سطح البحر بين 38 و100سم بحلول عام 2100.

وأشار الدكتور شوفي إلى أن الدراسة التي أجريت بجامعة السلطان قابوس سعت لوضع تصور لشكل السواحل العمانية في حالة زيادة منسوب سطح البحر عن الوضع الحالي بمقدار 10 أمتار ممثلة في عشرة مستويات كل منها يمثل مترًا واحدًا، واتضح من واقع التحليل المكاني للمرئيات الفضائية الرادارية لسلطنة عمان أن أقل سواحل البلاد تأثرًا بارتفاع منسوب سطح البحر هي شبه جزيرة مسندم، وسجل ساحل ليما أكثر المواقع تأثرًا، ومن المتوقع تراجعه باتجاه الداخل نحو 12 مترًا في حالة ارتفع منسوب سطح البحر بمقدار متر واحد، وبالنسبة لسهل الباطنة فقد تم اختيار خمس مناطق ممثلة للسهل تتضمن ولايات شناص، وصحار، والسويق، إضافة إلى ودام الساحل، ورأس السوادي.

ويتضح من خلال الدراسة أن منطقة السوادي هي أكثر مناطق سلطنة عمان تأثرًا وخاصة في الأمتار الأربعة الأولى من زيادة منسوب سطح البحر، فمن المتوقع تراجع ساحل رأس السوادي بمقدار 860 متر عند ارتفاع منسوب البحر أكثر من متر، أما في ساحل مسقط فقد رصدت الدراسة تراجع ساحل الموج بمقدار 500 متر، وساحل السيب بمقدار 450 مترًا في حالة ارتفاع منسوب سطح البحر بمقدار متر واحد.

وأوضح أن ساحل ولاية صور يعد ثاني أقل السواحل الرسوبية تضررًا بعد ساحل ليما بمسندم عند ارتفاع منسوب سطح البحر، وقد سجل أقصى تراجع لساحل صور نحو 20 مترًا عند ارتفاع منسوب البحر مترًا واحدًا، وقد رصدت الدراسة في ساحل الشرقية موقعين من أكثر المواقع تأثرًا بارتفاع منسوب سطح البحر هما رأس النجدة، وساحل خليج بر الحكمان إذ يتوقع تراجع خط الساحل برأس النجدة بنحو 256 مترًا عند ارتفاع منسوب البحر أكثر من متر، وبر الحكمان بنحو 160 مترًا، أما قطاع الساحل الجنوبي ويشمل ساحل مرباط، وشمال صلالة فسجل ثاني أقل تراجع بسواحل سلطنة عمان بـ13 مترًا عند ارتفاع منسوب البحر بأكثر من متر، بينما يصل تراجع ساحل مدينة صلالة عند المنسوب نفسه إلى 282 مترًا، ثم يقل التراجع غرب صلالة ليصل 20 مترًا فقط بعد المتر الأول من ارتفاع منسوب سطح البحر.

وأكد أن الدراسة أوصت بتكثيف الجهود في مجال دراسة السواحل لتقليل الأخطار الناتجة عن ارتفاع منسوب سطح البحر ورصد الهبوط الأرضي في المناطق الساحلية لتحديد وتقييم معدلات الهبوط والعلاقة بينه وبين ارتفاع مستوى سطح البحر، وكذلك رفع مستوى الوعي المجتمعي.