هل بدأ الانهيار المناخي فعلا؟ هذا سؤال مخيف جدا، ولكنّ طرحه شديد الأهمية. ويمكن أن نفكر خلال البحث عن إجابة لهذا السؤال فيما قاله أمس الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيان رسمي صادر من المنظمة الأممية، قال بالتحديد ودون تورية: «الانهيار المناخي قد بدأ». وكان بيان الأمين العام للأمم المتحدة قد صدر للرد على حدث عملي يتعلق بالمناخ، فقد قال مرصد كوبرنيكوس إن صيف نصف الكرة الأرضية الشمالي كان الأكثر حرا هذا العام على الإطلاق.

يقول غوتيريش: «المناخ ينفجر بوتيرة أسرع من قدرتنا على المواجهة مع ظواهر جوية قصوى تضرب كل أصقاع الأرض».

لكن السؤال الأهم الذي يمكن طرحه في مواجهة هذا الخطر: هل جميع دول العالم جادة فعلا في مواجهة التغيرات المناخية؟ أم أن هذه المواجهة ما زالت مسيسة؛ فلا أحد يتحدث إلا عن الخطر الذي يسببه الوقود الأحفوري وكأن الدول المنتجة للنفط والغاز وحدها المسؤولة عن الغازات الدفيئة، ولا أحد يوجه أصابع الاتهام بشكل جدي للدول الصناعية التي تسببت، فعلا، في دمار كوكبنا عبر التاريخ!

إن تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أمس لم يكن التحذير الأول ولن يكون الأخير؛ فمنذ عقود كان العلماء يحذرون من هذا الخطر. وفي ظل بدء العالم في مواجهة الحقائق الصعبة للتغيرات المناخية المتطرفة مثل الارتفاع الكبير في درجات الحرارة وذوبان الأنهار الجليدية، وارتفاع منسوب مياه البحار، علينا أن نكون مستعدين فعلا لسماع حقائق أكثر رعبا وبيانات مثل بيان «أن الانهيار قد بدأ فعلا» وهو السيناريو الذي تصبح فيه تأثيرات تغير المناخ شديدة للغاية لدرجة أنها تعطل أسلوب حياتنا بشكل أساسي.

إن حرائق الغابات والفيضانات وموجات الحر والأعاصير الأخيرة التي تحدث بوتيرة مثيرة للقلق، تشكل مؤشرات واضحة على تدهور كوكبنا، وبينما يتصارع العالم مع هذه التداعيات المناخية، يتعين علينا أن نستعد لاحتمال وقوع أحداث أكثر تطرفا وعواقبها بعيدة المدى وقد لا نستطيع مواجهتها في لحظة وقوعها، ولكن يمكننا الآن مواجهة الحقيقة المتمثلة في الأسباب الكاملة لتدهور الوضع المناخي في الكرة الأرضية لا أن يتم التركيز فقط على الوقود الأحفوري وكأنه المسبب الوحيد لكل ما يحدث في الكوكب من تغيرات مناخية.

إن الدول الصناعية الكبرى التي تسببت عبر التاريخ في الوضع الذي وصل له كوكبنا ما زالت هي الدول التي تعطل الجهود الرامية للتخفيف من تغير المناخ.

ولأن خطر الانهيار المناخي لن يؤثر على إقليم دون آخر فعلينا جميعا التفكير والعمل يدا واحدة من أجل تجاوز السيناريوهات الأخطر التي يتوقعها العلماء. ولذلك فإن أهم نقطة نحتاج لها الآن هو تكثيف الاستثمار في البحث العلمي لفهم نقاط التحول وحلقات ردود الفعل التي يمكن أن تبطئ حركة الانهيار المناخي وهذا أمر يحتاج إلى تعاون دولي واستجابة عالمية لتبادل المعرفة والتكنولوجيا في هذا المجال.

إضافة إلى ذلك، يبقى التحوّل إلى الاقتصاد الأخضر أحد الحلول التي على الحكومات أن تستثمر فيها وتستفيد من الابتكارات العلمية لتسريعها وتوطينها.

ورغم التحذير الذي قاله الأمين العام للأمم المتحدة من أن الانهيار قد بدأ فعلا فإن الفرصة الحقيقية ما زالت سانحة أمام البشرية شرط أن يتم التعامل معها بشكل علمي بعيدا عن التسييس، وبجهود الجميع يمكن أن تغلق الإنسانية دائرة الخطر التي يمكن أن تتسبب في فناء البشرية وانفجار هذا الكوكب الذي نعيش عليه. وخياراتنا اليوم هي التي ستؤثر في مصيرنا غدا.