في هذا العصر بتنا نمتلك ما لم يمتلكه قارون في ملكه الواسع، ونترف في أثواب العز والجاه ما لم يترفه قيصر في عصره، وننحت من البيوت والقصور ما لم تستطع عليه ثمود ومَن جاء بعدها من نحت الجبال وتسويتها للسكنى، وبلغنا من مراتب المُلك والترف ما لم تبلغه أمم قبلنا، ومع هذا النعيم كله إلا أن السعادة غادرت الكثيرين منا وتلاشى الفرح والسرور من قلوب البعض وبات إنسان هذا الزمان بقدر ما ينعم به من ملذات لم تتَح لمَن قبله من الأمم إلا أنه صار حزينا بائسا يائسا لا يجد للفرح بابا أو نافذة يطل منها وإن أتته السعادة فهي قصيرة لا يستطيع الاستمتاع بها وسرعان ما ينقلب على عقبه ليعود إلى سيرته في الشقاء والحزن.
في كتابه «خراب: كتاب عن الأمل» يتحدّث مارك مانسون مؤلف كتاب «فن اللامبالاة» عن موضوع السعادة والأمل في واقعنا المعاصر ليُثير تساؤلا عما يجعل الناس تشعر بالقلق والتعاسة أكثر من السعادة على الرغم من أن الحياة صارت أكثر يُسرا وأتيح للبشر في هذا العصر ما لم يتَح لأسلافهم من قبل من التطور التقني والعلمي والمعرفي والطبي وبلغوا من الراحة ما لم يكن يحلم به آباؤهم وأجدادهم من قبل، ليصل المؤلف إلى تلخيص لفكرته بأن الحياة المادية وحياة الرخاء وحياة الكسل والتقدم العلمي بكافة أشكاله ما هي إلا واجهة للسعادة في حين أن السعادة الحقيقية تكمن في التواصل الإنساني والبشري والقناعة، ليلخص بقوله «كلما حصلنا على أشياء أفضل بدونا أكثر يأسا، هي مفارقة التقدم» ليختم فصلا من فصول كتابه بالقول «كلما كان المكان الذي تعيش فيه أكثر ثراءً وأمانًا ازداد احتمال إقدامك على الانتحار».
من المفارقات التي يسردها هذا الكتاب ونراها ماثلة بصورة يومية أمام أعيننا أننا بقدر ما نُحرز تقدما في الجوانب المادية لتحسين معيشة الإنسان وفي المجالات العلمية والطبية لإطالة العمر وفي الجوانب التقنية لجلب الراحة للإنسان على هذه الأرض إلا أن الأرقام تشير إلى عكس ذلك؛ فبدلا من أن ينعكس كل الرفاه والتقدم على الإنسان إيجابا لينعم بحياة أكثر رخاءً بات إنسان هذا الزمان أكثر قلقًا وأقل سعادة وأكثر عُرضة للأمراض النفسية والاجتماعية وللظواهر السلوكية الغريبة التي لم تكن موجودة في الأمم السابقة.
في حوار مع وائل حلاق، المفكّر الكَندي من أصل فلسطيني، أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة كولومبيا والمتخصص في التاريخ وتحديدا تاريخ الفكر الإسلامي أجراه معه بودكاست ثمانية عن موضوع الدولة والحرية وتفكك المجتمع تحدّث حلاق عن موضوع الدولة الحديثة باعتبارين: الإنسان في مشروع هذه الدولة هو مجرد رقم لا أكثر تحرّكه مصالح المتنفذين من الشركات والتجّار وأصحاب الثروات الكبرى الذين يغلّبون مصالحهم المالية على مصلحة الفرد وسعادته، وأن الدولة الحديثة بكل ما فيها من مظاهر الترف والغنى ما هي إلا استعباد للإنسان وسلب لسعادته وحريته الشخصية باعتبار أن الإنسان في الأزمنة السابقة لهذا الزمان كان أكثر سعادة وفرحا ربما لأسباب تعود في مجملها إلى عدم تغليب الماديات على الروحانيات.
قد يكون موضوع السعادة والشقاء غير جديد في نقاشه؛ فقد أوسعه الفلاسفة والعلماء والمختصون في علوم الإنسان والسلوك بحثا ودراسة، وأجزم أنهم لم يصلوا إلى قناعة تامة عما يجلب السعادة وما يجلب الشقاء، فبقدر ما كان الأوائل من أجدادنا سعداء في شيء فهُم تعساء وأشقياء في أشياء أخرى ربما لم نقف عليها في زمانهم، ولو جاءوا إلى زماننا هذا لتمنّوا أن يعيشوا فيه لتوافر كل مقومات الراحة والرخاء والأمن والسلام، ولكن كما يقال لكل عصر داؤه ودواؤه، وأيضا لكل شقاء علاجه، وعلاج شقائنا في هذا العصر بالعودة إلى منابع الإنسان الأولى في الأُلفة والاجتماع والاعتدال والانضباط ومراعاة قواعد القيم والأخلاق وغيرها من الوصفات التي يمكنها أن تضمن استدامة السعادة في حياتنا.
في كتابه «خراب: كتاب عن الأمل» يتحدّث مارك مانسون مؤلف كتاب «فن اللامبالاة» عن موضوع السعادة والأمل في واقعنا المعاصر ليُثير تساؤلا عما يجعل الناس تشعر بالقلق والتعاسة أكثر من السعادة على الرغم من أن الحياة صارت أكثر يُسرا وأتيح للبشر في هذا العصر ما لم يتَح لأسلافهم من قبل من التطور التقني والعلمي والمعرفي والطبي وبلغوا من الراحة ما لم يكن يحلم به آباؤهم وأجدادهم من قبل، ليصل المؤلف إلى تلخيص لفكرته بأن الحياة المادية وحياة الرخاء وحياة الكسل والتقدم العلمي بكافة أشكاله ما هي إلا واجهة للسعادة في حين أن السعادة الحقيقية تكمن في التواصل الإنساني والبشري والقناعة، ليلخص بقوله «كلما حصلنا على أشياء أفضل بدونا أكثر يأسا، هي مفارقة التقدم» ليختم فصلا من فصول كتابه بالقول «كلما كان المكان الذي تعيش فيه أكثر ثراءً وأمانًا ازداد احتمال إقدامك على الانتحار».
من المفارقات التي يسردها هذا الكتاب ونراها ماثلة بصورة يومية أمام أعيننا أننا بقدر ما نُحرز تقدما في الجوانب المادية لتحسين معيشة الإنسان وفي المجالات العلمية والطبية لإطالة العمر وفي الجوانب التقنية لجلب الراحة للإنسان على هذه الأرض إلا أن الأرقام تشير إلى عكس ذلك؛ فبدلا من أن ينعكس كل الرفاه والتقدم على الإنسان إيجابا لينعم بحياة أكثر رخاءً بات إنسان هذا الزمان أكثر قلقًا وأقل سعادة وأكثر عُرضة للأمراض النفسية والاجتماعية وللظواهر السلوكية الغريبة التي لم تكن موجودة في الأمم السابقة.
في حوار مع وائل حلاق، المفكّر الكَندي من أصل فلسطيني، أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة كولومبيا والمتخصص في التاريخ وتحديدا تاريخ الفكر الإسلامي أجراه معه بودكاست ثمانية عن موضوع الدولة والحرية وتفكك المجتمع تحدّث حلاق عن موضوع الدولة الحديثة باعتبارين: الإنسان في مشروع هذه الدولة هو مجرد رقم لا أكثر تحرّكه مصالح المتنفذين من الشركات والتجّار وأصحاب الثروات الكبرى الذين يغلّبون مصالحهم المالية على مصلحة الفرد وسعادته، وأن الدولة الحديثة بكل ما فيها من مظاهر الترف والغنى ما هي إلا استعباد للإنسان وسلب لسعادته وحريته الشخصية باعتبار أن الإنسان في الأزمنة السابقة لهذا الزمان كان أكثر سعادة وفرحا ربما لأسباب تعود في مجملها إلى عدم تغليب الماديات على الروحانيات.
قد يكون موضوع السعادة والشقاء غير جديد في نقاشه؛ فقد أوسعه الفلاسفة والعلماء والمختصون في علوم الإنسان والسلوك بحثا ودراسة، وأجزم أنهم لم يصلوا إلى قناعة تامة عما يجلب السعادة وما يجلب الشقاء، فبقدر ما كان الأوائل من أجدادنا سعداء في شيء فهُم تعساء وأشقياء في أشياء أخرى ربما لم نقف عليها في زمانهم، ولو جاءوا إلى زماننا هذا لتمنّوا أن يعيشوا فيه لتوافر كل مقومات الراحة والرخاء والأمن والسلام، ولكن كما يقال لكل عصر داؤه ودواؤه، وأيضا لكل شقاء علاجه، وعلاج شقائنا في هذا العصر بالعودة إلى منابع الإنسان الأولى في الأُلفة والاجتماع والاعتدال والانضباط ومراعاة قواعد القيم والأخلاق وغيرها من الوصفات التي يمكنها أن تضمن استدامة السعادة في حياتنا.