كثير منا يتغرب للعمل، للدراسة، أو غيرها من الأسباب. يجد المرء نفسه -بطبيعة الحال- في مواجهة قضايا تخص الهجرة، حقوق الأجانب وما شاكلها. إلا أننا -كأشخاص قادمين من الخليج يعيشون في أوروبا- قليلا ما نلمس الارتباط بين قضايانا، وقضايا المهاجرين في الخليج. يُفترض أن عُمانيا يعيش في ألمانيا، يواجه التحديات التي يُواجهها هندي يعيش في عُمان، وإن بدرجات مختلفة. مع هذا، فدائما ما يبدو أن القضيتان تقعان في بُعدين مختلفين تماما، وأن نوع القضايا مختلف اختلافا جوهريا. يُهمني اليوم في هذا المقال أن أضع يدي على أصل هذا الاختلاف.

يُمكن تتبع التاريخ الحديث للهجرة في ألمانيا وإليها خلال القرن الماضي، عبر مراقبة تغير المصطلح. يُعطيك المصطلح بحد ذاته دلالات حول حقوق المُهاجرين ووضعهم. حلّت -مع انقضاء نُظم العبودية، والنظم الإقطاعية التي كانت اليد المحركة للنظام الزراعي- بالتزامن مع الثورة الصناعية أنظمة بديلة. ثمة الأنظمة المعتمدة على استثمار القوى العاملة المحلية، وأخرى على استجلاب القوى العاملة. تم في ألمانيا -وخلال الحرب العالمية- إجبار العُمّال الأجانب (Fremdarbeiter) خصوصا من أوروبا الغربية على العمل تحت حكم النظام النازي. تغير المصطلح مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وبحكم ما فيه من دلالات سلبية تُشير إلى العمل الإجباري، تم اصطلاح مفهوم جديد، ألا وهو العمال الزائرين (Gastarbeiter)، وهم من الأتراك، الإيطاليين، وغيرها من الجنسيات. يُشير المصطلح إلى أن وجود العمال في البلد المستضيف على نحو مؤقت. يعني هذا أن البلد المستضيف يُحل نفسه من الالتزامات الاجتماعية، وأي التزامات طويلة الأمد (مثل أنظمة التقاعد) تجاه العمال الزائرين. لكن هؤلاء العمال -بطبيعة الحال- استقروا في بلد الهجرة، وكونوا عائلات، وأنجبوا جيلا جديدا. مما جعل المصطلح قاصرا، فحل محله اليوم (Ausländer) الذي يُترجم للعربية إلى "أجنبي". لاحظ أنه رغم عدم دقة الترجمة العربية إلا أنها تنجح في التفريق بين الأجنبي (التسمية المعاصرة)، والعُمال الأجانب (التسمية خلال الفترة النازية). وبالرغم من أن هذه هي التسمية القانونية، إلا أن الكثيرين -سواء في الحياة اليومية، أو القطاعات الإعلامية والسياسية- يُشيرون إليهم بالأشخاص من ذوي الخلفيات المهاجرة (Menschen mit Migrationshintergrund).

أضع هذه المقدمة لأُسائل النظام الإنتاجي في الخليج، والذي يشترك في كثير من سماته مع النظام الإقطاعي. تتمثل هذه السمات والملامح في: الاستجلاب الكثيف للعمالة، التحلل من الالتزامات الاجتماعية تجاههم، والنظرة الفوقية (حيث يُنظر إليهم باعتبارهم أدنى منزلة فكرية/وإنسانية، النظرة التي تُحدد وفقها - حقوقهم).

يُفضل صاحب العمل توظيف العمالة الأجنبية المؤقتة لأنها رخيصة وقابلة للاستغلال، شبكة الوسطاء التي تتكفل باستجلاب العمالة والظروف التي تكتنف عملية الاستجلاب قليلا ما تُساءل، ثمة أيضا سرديات تُعزز الخوف من الأجانب، مثل الخوف من إفساد الأجانب للقيم المحلية، أو سرقة الأجانب لفرص العمل من أصحاب الأرض، والتي عندما يتم التحدث عنها في سياق نسب "العطالة" المحلية تعني شغل الأجانب لمناصب رفيعة. لهذا دعونا وحتى لا يتشعب الموضوع، ويخرج النقاش عن السيطرة - دعونا نتفق أن الأجانب الذين نُعنى بشأنهم اليوم هم من المشتغلين في الوظائف والأعمال الدنيا مثل: عمال البناء، عمال التنظيف، عاملات المنازل، الكوادر العاملة في المطاعم، الفنادق والمستشفيات.

أُجادل أن أحد أسباب نُدرة النقاشات الحقيقية حول حقوقهم المغيبة (الأجور العادلة، أوضاع المعيشة الكريمة، حرية الحركة والتنقل، لم الشمل العائلي، الحماية من الانتهاكات والاستغلال)، قادم من أنه أُصطلح على تسميتهم عُمالا أو أجانب عوضا عن مهاجرين أو القادمين من خلفيات مهاجرة. فمتى ما تمت تسميتهم عُمالا يسقط من وعينا الكثير من حقوقهم الإنسانية، خصوصا تلك المتعلقة باستقرارهم في البلد الجديد. لأنهم ليسوا أكثر من مجرد قوة عاملة.

ثمة مثال حديث صغير لكن نموذجي لقضيتنا. أحد أسباب ملائمته، هو اتضاح أنه مجرد إشاعة في النهاية، لكنه قدم لنا تجربة اجتماعية مثيرة. أُشيع الشهر الماضي حضر الأجانب من امتلاك سيارات الدفع الرباعي، ما لم تبرر طبيعة عملهم (أو وضعهم العائلي) ذلك. أعترض -بالطبع- من اعتراض. جُل الاعتراضات كانت قائمة على أن سن مثل هذه القوانين يجعل البلد أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب، أو الحديث عن عدم وجود نظام نقل عام يُغني الأجانب عن امتلاك مركبات خاصة، أو كيف أن القانون يصب في صالح سائقي سيارات الأجرة، أو لماذا يؤخذ جميع الأجانب بذنب القلة التي تستغل النظام لصالحها، لكني وجدت في النهاية التعليق الذي خطر ببالي أول اطلاعي على الخبر (قبل نفيه). يتساءل المعلق إلى متى يستمر سن القوانين بناء على الجنسية، المهنة، والوضع العائلي؟ وهي تماما الزاوية التي أنطلق منها اليوم. أعني أنه، يسهل إهمال عدم العدالة والتمييز الذي تنطلي عليه مثل هذه القوانين عندما نرى العامل باعتباره عاملا (فحق امتلاك السيارة أو نوع السيارة التي يمتلك مرتبطٌ بمهنته)، أما عندما نراه باعتباره إنسانًا يتبين لنا أن هذا المنع غير مبرر أو على الأقل تمييزي.

قد يُجادل أحدهم، أن الأجدى هو مناقشة التنظيمات التي تُحسن حياة المهاجرين على نحو عملي، عوضا عن الالتفات للتغييرات الشكلية التي تُوحي بتحسينات، بينما يمضي الواقع كما هو دون تغيير ملموس. لا أدعي أن تغيير المصطلح بحد ذاته سيغير واقع المُهاجرين بطريقة سحرية، ولكن قيمته تأتي من أنه سيدفع للتفكير في حقوقهم المغيبة، وسيضيف إلى النقاش (غير الموجود تقريبا)، حول حقوقهم كعمال، حقوقهم كبشر. وسيُسهل على المهتمين والدارسين والناس بشكل عام - إسقاط قضايا المهاجرين حول العالم (مثل الإدماج) على الواقع المحلي.

تغيرت التسمية التي تُشير للمهاجرين عدة مرات خلال العقود الماضية في ألمانيا. كل مرة جلبت معها حزمة كاملة من التصورات الذهنية، التوقعات، -والأهم- الحقوق. درس تاريخي مثل هذا حري بأن يُلفت اهتمام صناع القرار إلى أحد جوانب النقاش المتعلق بواحدة من أهم القضايا الحقوقية اليوم، ويدفع بها نحو دائرة الاهتمام.